كيف وصل القرآن الكريم إلينا؟ «٢»

79 12 7
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

أخذنا في الفصل السابق النقل الكتابي للقرآن الكريم (مراحل التدوين) واليوم بإذن الله سنأخذ النقل الصوتي للقرآن الكريم، وهذا الأمر يحتاج إلى كثير من التفاصيل، نبدأ بسم الله

العرب في زمن النبوة كانوا كحالهم اليوم: قبائل شتى، وهذه القبائل العربية بينها قواسم مشتركة في النطق كثيرة جدا، لكن بينها اختلافات وهو ما يسمى باللهجات، واللهجات تختلف عن بعضها بثلاثة أمور تقريبا:

١_ أن تكون الكلمة موجودة في كلتا اللهجتين، إلا أن هؤلاء ينطقونها بكيفية، وهؤلاء ينطقونها بكيفية أخرى، ككلمة «بئر» قبيلة تنطقها «بئر» وقبيلة تنطقها «بير»

ومن الكلمات الموجودة اليوم كلمة «ماء» تنطق بلهجات مختلفة «مويه_ميّه_مي_ماي_ما» طريقة التصويت لهذه الكلمة تختلف والكل يقصد «ماء»

٢_ أن تكون الكلمة موجودة في كلتا اللهجتين، لكنها تعني هنا شيئا، وهنا شيئا آخر، ككلمة «صبأ» تعني: غيَّر دينه، وتعني عند قريش: عبدة الكواكب

فالرسول صلى الله عليه وسلم مرة أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه على سرية إلى قبيلة يدعوهم إلى الإسلام، فالقبيلة عندما رأت السرية ومعهم السلاح قالوا «صبأنا صبأنا» يعني: غيرنا ديننا ودخلنا في الإسلام، ولم يفهمها خالد بالمعنى الذي عنوه، إنما فهمها بالمعنى الذي عند قريش فقتلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)

٣_ أن تكون الكلمة موجودة في إحدى البيئات ومعدومة في البيئة الأخرى
فعندما سئل أبو بكر رضي الله عنه عن كلمة «أبـًّا» وهي كلمة غير مستعملة في البيئة القرشية فقال: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني أن قلت في كتاب الله ما لا أعلم)

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} وليس بلسان قرشي، ففي القرآن عدة لهجات عربية من النوع الثالث _من الأنواع المذكورة سابقا_ والأغلب من النوع الأول، وهو اختلاف طريقة التصويت، وهو ينقسم إلى قسمين:

١_ إذا اختلف التصويت لا يغير الكلمة ولا المعنى، مثل كلمة «عَلَيْهِم» «عَلَيْهُم»

٢_ إذا اختلف التصويت تغير المعنى

وقد كان في زمن النبوة تغيرات للحروف نفسها كما لنا اليوم، لكن لم ينزل بها جبريل عليه السلام لأنها تغير المعنى
مثل نطق حرف القاف في بعض اللهجات في اليمن والجيم، فـ «نجيب» تنطق في بعض المناطق كما تنطق «نقيب» في بعض المناطق الأخرى، التصويت واحد لكن المعنى يختلف
وتنطق القاف غين في السودان، وغير ذلك من اللهجات الأخرى، ولو ترك المجال للنطق بهذه اللهجات لفسد المعنى، فلم يؤذن بها، لأنه سيكون هناك خطر على النص القرآني، وإنما أذن بالأشياء السهلة اليسيرة، مثل:

{مَنْ ءَامَنَ}    {مَنَ آمَنَ}
{مُوسَى}     {مُوسِى}

من غير إخلال للنص القرآني

نزل جبريل عليه السلام وقال: (يا محمد إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف) أي: على طريقة واحدة، فقال: (يا جبريل! إني أرسلت إلى أمة أمية، فيهم الشيخ الكبير والمرأة...) فما زال به حتى قال: (إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يأمركم أن تقرأوا كما عُلِّمتم) فكان عليه الصلاة والسلام يقرئ كل واحد القرآن كما اعتاد من اللهجات التي لا تؤثر على النص والمعنى القرآني

فعلينا أن نتعلم النطق الصحيح للقرآن الكريم، لأنه نزل {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ} والذين خوطبوا به هم العرب في زمن النبوة أصلا، وخوطبنا به تبعا

والآن ننتقل إلى عمود هذا الفصل
النقل الصوتي للقرآن الكريم

فكيف كان النقل الصوتي للقرآن الكريم؟

١_ نزل جبريل عليه السلام بالقرآن العظيم على قلب النبي صلى الله عليه بألفاظه ومعانيه وكل ما يتعلق به

القرآن الكريم كان ينزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم وليس على سمعه، قال تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ} وقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ} فتلقي النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل عليه السلام ليس كتلقينا، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يجد ثقلا عند التلقي كما ورد في الأحاديث (كان يتفصد عرقا في الليلة الباردة) ونزل مرة عليه جبريل عليه السلام ورأس النبي صلى الله عليه وسلم على فخذ عائشة رضي الله عنها، تقول: (أحسست رجلي قد قطعت) وقال الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} فكان القرآن ينزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم بكيفية اسمها الوحي، لا يعرفها إلا من عايشها، هذه الكيفية الله أعلم بها، لكنه عليه الصلاة والسلام قال: (يفصم عني الوحي وقد وعيت ما قال)

٢_ تلقى الصحابة رضي الله عنهم القرآن من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعادوه أمامه حتى أقرهم عليه

٣_ نقل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن إلى من بعدهم بالطريقة نفسها، وهكذا حتى وصل إلينا

وهنا يجدر التنبيه على مسمى التلقي والنقل للقرآن الكريم، وهما التلقين والعرض، فما هما؟

التلقين: قراءة المعلم واستماع الطالب
والعرض: قراءة الطالب واستماع المعلم

وهكذا بهذه الطريقة وصل إلينا القرآن الكريم، وظل يُقرأ كما أنزل بفضل الله ثم بفضل شريحة من الناس، فرغوا أنفسهم لهذا المجال، اسمهم (القراء)

¦----------¦


وهنا ينتهي هذا الفصل لهذا اليوم، أعتذر إن وجدت فيه بعض الأخطاء الإملائية، أتمنى أن يكون قد أفادكم، وإذا كان لدى أحد سؤال فمرحبا به

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نفحات تجويديةWhere stories live. Discover now