إنعتاق روح

40 8 7
                                    


و لا يوجد اسوء من ان تعلم صواب أمرٍ تجهله .. وحيدًا حائرًا كإنعتاق روحٍ غريبة أمام المجهول .

****************************
قد اكون مختلفة عن الآخرين بأسئلةٍ شاذة عن المعتاد فتصيبني حيرة دائمة فكيف لا يسألون وبالحظ يؤمنون ؟
كيف يغادر العالم جزءٍ من العالم ؟
كيف يترك البلل المياه ؟
ولِمَ يستهزئون بغير المعروف ؟!
ألا يحق لي بمعرفة الغير معروف ؟
أخترت إتباع تفكيري فنبذني المجتمع ، مطلقين علي ' غريبة الأطوار ' وكأني لم أكن يومًا جزءًا منه ..
شعرت بوحشة الوحدة فأصابني الأكتئاب وتسائلت ..
هل انا غريبة أطوار فعلًا ؟
مُبعثرة كورقات شجرةٍ في منتصف الطريق ، اسقطتني رياح الخريف ولم اُبالي ، سحقتني قساوة الأرض ولم اُبالي ، حتى سحقوني أسفل اقدامهم واكملوا طريقهم ولم يُبالوا .
 
قررت إنتشال روحي قبل ان تغرق اكثر ، فتعرفت على صديقة ، حرصت كل الحرص على راحتها فكنت ادعوها لمنزلي كثيرًا ، لكن ..
سرعان ما تغيرت تصرفاتها معي وقد علمت أنها قد تعرفت على أصدقاء آخرين او بمعنى آخر ، مرحين ، لكني ظللت متمسكة بها حتى قالت
" بسملة شقتكِ صغيرة للغاية لا يمكنني أن آتي هنا مجددًا "
شعرت وكأنها تطعنني في قلبي ورغم ذلك لم اتركها إلى ان قالت رافعة رأسها بشماتة
" مؤسف ان عائلتكِ تخلت عنكِ "
لم أشعر بألم مثل هذا في حياتي ..
صديقتي الوحيدة تتصرف بحقارة معي وانا .. انا لا استطيع حتى الرد عليها وكيف أرد ومعها كل الحق ؟
عُدت لأنعزالي بعيدًا عن البشر ، لكني اخترت فتح آفاق عقلي لعلي استوعب حقيقة البشر .. وفعلت .

يكفي .. يكفي تلك المحاولات التي نبذل فيها حياتنا لنثبت لهم فقط اننا صالحون مكتملين النواحي كما يريدون ، دون ان نفكر ولو للحظة واحدة انهم لو أرادونا يومًا لتقبلونا كما نحن ، ولما كانوا تركونا ننتظرهم في الجانب المظلم غير مدركين اننا لم ولن نكون يومًا ضمن أحلامهم ..

عادت أسئلتي لكن هذه المرة لن أدفنها في جوف عقلي وإنما سأبحث عن إيجابات منتقية لها لعلي اشبع عطش روحي ..
بحثت وبحثت ، تعثرت أحيانًا بأسئلة اكثر غرابة واحيانًا أخرى انحنيت أمام المستحيل لكني عاودت النهوض متمسكة بحكمة ربي فأنا أعلم أنه لن يتركني وحيدة حتى لو لم اكن قريبة منه كفاية .. عزمت فحققت نصر من نوع مختلف لكن ورغم ذلك شعرت بشيء ناقص .. شيء يمنعني من الحركة فذهب جهدي كله هباء عندما وجدت سؤال ليس له جواب ، حيرة كبيرة مزقت عقلي لأشلاء ، فأين الجواب ؟!
نظرت لشاشة الحاسوب فوجدت جملة لفتت إنتباهي
" الغير معروف هو اسئلة بدون جواب وجوابات بدون اسئلة "
وجدت عنوان أسفله فشعرت وكأنه يناديني ويخطف انفاسي ببطئ، فذهبت رغم أنه في دولة مختلفة .

سافرت لستة ساعات على الطريق الصحراوي وعندما وصلت لم أرتاح لدقيقة وإنما بحثت عن المكان المنشود ..
سألت هذا وذاك حتى وصلت فتأملت المتجر غريب الشكل ، الجملة التي قرأتها وجدتها مكتوبة على لافتة اعلى المكان بينما كان المتجر بألوان غامقة و مغلقة النوافذ حتى شعرت وكأنه منزل مسكون هجره سكانه ..
ترددت فظللت واقفة احاول إتخاذ القرار الصحيح ولم أسلم من نظرات المارين بالجوار ، حتى قررت عدم الحكم من المظهر الخارجي ..
فدخلت .

" كيف اساعدك يا آنسة ؟"
قالها رجل حُفرت اعوام حياته المديدة على وجهه ، تأملت المكان فوجدته عادي للغاية وقد اضائته المصابيح الكهربائية والرجل الجالس على مكتب خشبي لا يزال ينتظر إجابتي فقلت بعدما جلست على المقعد المقابل له
" لدي سؤال "
رد قائلًا بهدوء
" وما هو ؟"
تنفست بعمق ثم قلت
" تزداد درجة الحرارة كلما اقتربنا من الشمس صحيح ؟"

" طبعًا "

" إذًا لماذا عندما نصعد على سفح الجبل تنخفض درجة الحرارة رغم اننا نقترب من الشمس ؟ "
إبتسم بأتساع ثم قال
" اعذريني فأنتِ اول زبونة منذ سنوات"
فتسائلت قائلة
" لماذا ؟"
قال
" لا أحد يهتم بالأسئلة الفكرية .. سوى غرباء الأطوار "
تجمدت اوصالي ، نظرت له مطولًا فرأيت نفسي فيه فقلت نافية
" لست غريبة أطوار "
قال
" لا تنكري حقيقة روحك وإلا ستظلين طوال حياتك سجينة نفسك "
نهضت ، اريد الخروج لكن قبل ان اخرج ألتفت له وقلت
" لم تجيب على سؤالي "
فرد قائلًا
" إنها حكمة الله التي عجز العلم عن تفسيرها مثلما ابتلع الحوت النبي يونس عليه السلام وخرج بدون خدش ومثلما حملت السيدة مريم وهي عذراء .. احيانًا الإجابة تكون امامك لكن لن تريها حتى تتحررين من العبودية "
خرجت من المكان سريعًا ، عدت لمنزلي بعد ستة ساعات أخرى ولا يزال حديثه في أذني .

العالم في حاجة لغرباء الأطوار هذه هي الحقيقة التي انكرتها فقيدت روحي بنفسي ، لكن الآن ..
الآن إنعتقت روحي بعدما كبلتها الحياة بسلاسل العبودية ..
الآن لا أشعر بمن يمنعني عن الحركة فقد اطلقت العنان لروحي ..
سقطت مرة وكُسرت مرة فعاودت النهوض مجددًا ..
الآن فقد انا حرة .

****************************

وهنا يا رفاق تنتهي رحلتنا لكنها ليست النهاية ، سعدت بمعرفتكم جميعًا وتشجيعكم هو من جعلني استمر للنهاية ..
لن اقول وداعًا وإنما أراكم لأحقًا وكل عام وانتم بخير .

كتاب عادات دفنها الزمن Where stories live. Discover now