الأعراف

726 67 84
                                    

كتبت الأقصوصة لمسابقة حساب الخيال Fantasy_AR

***

ساعة ضخمة توسطت مركز المكان -لو كان للمكان مركز من الأساس- عقاربها متوقفة عند الثانية عشر تماما، وهي موجودة قرب النهر العريض منذ زمن طويل، كمعظم الحاضرين هنا.. بضمنهم أنا.
لانعرف في أي يوم جئنا، أي شهر، أو أي سنة ملعونة ختمت أرواحنا لتبقينا محبوسين في «الفناء الخلفي للآخرة» كما يحب أن يسمها صديقي «آدم».

تضربنا أفكار بائسة بين الفترة والآخرة.
أفكار تتوسل الله -أو أيا كان من جاء بنا هنا- حتى ينقلنا لجهنم؛ فلربما الحركة هناك، أرحم من فيض السكون هنا.
نرضى بالعذاب بدل الهدوء ساعة، ونحمد الله على منِّه وعطائه؛ بأنه لم يقذفنا للدرك الأسفل من عذابه؛ وإنما حمانا -تقدست أسماؤه- بوضعنا في المنتصف.. بين النعيم ولهيب جهنم.

لم نتجبر على عباده لنصطلي بناره، لكننا لم نتعبد بخيراته لنرسو في جنته.
نحن أبناء الطريق، وساكنوه الأبديون.

بعضنا يطمع برحمة الرب ويناجيه متنسكا -متأخرا بالطبع- لينقله الرب إلى حضن رحمته.
وعلى الطرف الآخر، من اغتسل بإبليس من رحمة الله، واستغل انقضاء يوم القيامة بأداء كل المحارم التي اشتهتها نفسه.
ك «سلام» بالطبع؛ فهو لايكتنز فرصة إلا وهجم على فتاة يداعبها فتحل بين يديه مطوعة كالحديد المنصهر، تتأوه به مرة وتضحك به أخرى.

وحتى هنا، يوجد قومي، رواد المنتصف وأسياد عدم الانحياز.
انجلى يوم القيامة، عوقب كل من هنا لأنهم لم يحركوا ساكنا في الدنيا عندما استغاث المظلوم.
وعندما صرخ كل أطفال العالم.. كنا نعتزل الفوضى العارمة في الخارج، ونتكدس في بيوتنا، نلتهي بما لنا، نافرين مرتاحين عن هول الحياة.
نحن الذين لم نتحرك، عندما كان العالم يأكل نفسه!

شعور كبير بالانتماء حط عندي حينما رأيت جموع الناس أمامي.
لم أكن وحدي الصامت في الدنيا، لست أنا فقط من كان يوصد بابه كلما هجم الشر على الناس.
كنت طوال سنين حياتي أشعر أنني البائس الأوحد والجبان الأكبر في الكون لأني اهتم بشؤون حياتي فحسب دون اهتمام بأذى الناس؛ أما حين حللت ضيفا على الأعراف تأكدت الصورة عندي.
لم يدخل العالم حياض الأذى لولا وجود كل هؤلاء، أخوتي في الصمت. كل زمن يمر علي، أتأكد فيه أننا نحن -لا أرباب الفساد- سبب خراب العالم. لم نبدي رأيا، ولم يكن لنا ردة صوت عندما أجهض الألم بطون النساء.
استهزأنا بالحياة؛ فاستهزأت بنا.

أصدرت الساعة دقة جديدة، ونُفث اسم «سلام» من البوق كنار جهنم.
لم نلحق لتوديعه، ولم نرهق أنفسنا لهذا؛ نحن أكسل من الاهتمام. جاء الحكم النهائي.. سلام هو الوجبة القادم لعامل الرب.  لم يفلح سلام في الدنيا، وفي متاهة الأعراف كان نصيبه أسوأ. فلا هو قد كسب رضا الرب في دنياه، ولا هو قد صحح مسيره هنا.  وبين تلك وهذه، ينفجر العملاق «مينوتور» علينا للتغذي.

مدن الخيال حيث تعيش القصص. اكتشف الآن