part:3

93 3 0
                                    

ايتهما تجعله سعيدا
قاد جارود السيارة بعيدا عن باحة المدرسة بينما راقبتهما مجموعة من الصبيان كانوا يلعبون كرة القدم , نظرت سارة الى الوراء بنوع من الأسف , فقال جارود:
" لا أصدق أن للمدرسة تأثيرها العاطفي عليك".
" ليس بالنسبة لشخص مثلك".
بينما شدّت بأصابعها على حقيبتها المدرسية.
لم يكن شارع ميد مزدحما في تلك الساعة من الصباح , وكانت السيدة مايسون واقفة عند البوابة تتحدث الى جارتها السيدة أشرود , تنهدت سارة حين رأتهما فقال جارود:
" والآن , ما الخطأ ؟ هل تخشين تقولاتهما؟".
وكانت لهجته متهكمة.
" آه , لن تستطيع فهم ما أقوله".
صرخت سارة بينما أوقف جارود السيارة قريبا من المرأتين , فتح باب السيارة ووقف الى جانبها.
" مرحبا ثانية , قد تشعرين بالراحة أذا ما علمت بأن سارة ستغادر المكان".
خاطب جارود السيدة ماسون بوقاحة.
" ستغادر المكان؟ ".
كان صوت السيدة ماسون خشنا.
" هل تعني بأنها ستعيش معك؟".
أبتسم جارود بكسل:
" بل مع والدي يا سيدة ماسون , كنت أعلم بأنك ستسرين للتخلص من مسؤوليتها".
لم تستطع السيدة ماسون الأجابة لدهشتها , ثم أذ تنبهت لوجود السيدة أشرود الى جانبها تجرأت على الأجابة:
" لا أدري ما الذي تتحدث عنه يا سيد كايل".
" لماذا؟ حيث وضحت منذ البداية أنك لن تستطيعي الأحتفاظ بالفتاة فترة طويلة".
" أعرف, لكن- حسنا- أنا..........".
" لكنك لم تتوقعي حدوث ذلك , أليس كذلك؟ بل توقعت أن تذهب سارة الى المستشفى للعمل بدون أي مساعدة منا , أليس هذا صحيحا؟".
أحمر وجه السيدة ماسون .
" لم أفكر بما قلته, كما أنه ليس من حقك أن تخاطبني بهذه الطريقة".
أثناء ذلك بقيت السيدة أشرود صامتة تتمتع بالحوار المتبادل :
" حسنا , يسرني ذلك".
ثم ألتفت الى سارة وقال لها:
" أذهبي لحزم متاعك وأذا ما أحتجت أي مساعدة......".
هزت سارة رأسها وأقتربت منهما , نظرت اليها السيدة ماسون بغضب:
" ستغادرينا أذن؟".
فأومأت سارة برأسها وأكتفت السيدة ماسون بالنظر اليها.
فأحست سارة , لأول مرة , بالراحة لوجود جارود.
لم يأخذ حزم متاعها وقتا طويلا , وأذ حملت حقائبها خارج البيت لاحظت توقف جارود قرب السيارة مراقب السيدة ماسون المنشغلة في حديث طويل مع جارتها , وأذ رآها رمى عقب السيكار وتناول حقائبها وأثناء وضعها في السيارة قال هامسا:
" لم يكن المشهد سيئا , أليس كذلك؟".
غهزت رأسها موافقة.
شكرت سارة السيدة ماسون لعطفها , لأنها في الواقع عطوفة رغم أختلاط مشاعرها بالحسد , ثم ودعتها وسارت نحو السيارة شاعرة بعيون الأمرأتين تراقبانها , وأدركت أن البلدة كلها ستعرف القصة في وقت لن يتجاوز المساء.
جلس جارود خلف المقود بعد أن فتح باب السيارة لها.
" أدخلي بحق السماء, ليس هناك من يهددك بمسدس مصوب الى ظهرك".
وأدركت سارة بأنه يعرف تماما ما يجول في خاطرها , فأطاعت أمره ودخلت السيارة ,وأخيرا أسترخت في مقعد السيارة الوثير وتنهدت.
" حسنا , أنتهى الأمر الآن , يا لك من طفلة مدجنة! أنني لا أتذكر أبدا أتخاذي موقفا كهذا حين كنت في عمرك".
" لا أظن أنك قادر على ذلك".
أجابت نتيجة ملاحظته اللامبالية.
ضحك جارود وعلّق:
" ذلك أحسن , أظهري القليل من التمرد , أذ أنك ستلتقين في حياتك الجديدة بالعديد من الشباب وسيلتهمك الأقوياء أذا أصررت على سلوك مسلك الفأرة".
" رجال مثلك!".
تساءلت سارة بغضب وبلا تفكير.
وكان جواب جارود ساخرا:
" كلا أيتها الطفلة, أذ أنني لا أصنف تحت ذلك النموذج , ألا أنني سأراقب ما سيحدث وسأحظى بمتعة كبيرة نتيجة ذلك".
" أنك قاس".
قالت بصوت عال وهي تشد قبضتها بقوة.
" صحيح؟ تذكري ذلك دائما وستكون علاقتنا جيدة".
كانت لسارة غرفتها الخاصة في مالثورب , وحين قادتها هستر الخادمة الى هناك , لم تستطع كبح فرحها لمرآى الغرفة.
وألتزمت هستر الصمت أذ رأت سارة تدور في الغرفة متفحصة كل ما فيها بفضول وفرح , كانت السجادة الوردية الناعمة تغطي الأرضية بأكملها , خزانة الملابس الكبيرة وطاولة الزينة , لون غطاء السرير يطابق الستائر السميكة , أنتظرت هستر عدة دقائق ثم توجهت نحو باب آخر في الغرفة وفتحته:
" ها هو حمامك يا آنسة سارة".
ودخلت سارة الحمام بسرعة لتلقي نظرة فواجهتها صورتها في مرآة كبيرة أحتلت الجدار , أما الرف الصغير فقد وضعت عليه كل مواد الزينة والصابون المعطر وفكرت سارة بأنها ستقضي ساعات طويلة لتجرب كل الأنواع , فكل ما كانت تمتلكه في تلك اللحظة هو قلم أحمر شفاه واحد ومكحلة صغيرة.
نظرت سارة الى هستر بفرح لا يخفى وقالت:
" شكرا جزيلا".
فأبتسمت هستر وسارت نحو الباب :
" لا تشكريني بل أشكري السيد كايل".
" جارود؟".
تساءلت سارة بلا تفكير:
" كلا ليس السيد جارود يا آنسة بل السيد جي كي".
" آه , آه نعم بالطبع".
" سيكون الغداء جاهزا خلال ربع ساعة وسيقدم في الصالة الصغيرة".
" أين هي؟".
" أذا ما وصلت الى الصالة , أنا متأكدة بأنك ستجدين أحدا يرشدك الى المكان".
أجابت هستر ثم غادرت المكان مغلقة الباب خلفها.
بعد أن ذهبت , بدأت سارة فتح حقائبها ووضعت ملابسها على الفراش , ثم تذكرت الغداء بعد قليل , لذلك توجهت الى الحمام أولا لتغتسل بسرعة قبل وجبة الطعام , كان الحمام رائعا وتمنت لو تقضي وقتا أطول متمتعة بالنظر الى نفسها من كل الجهات , الأمر الذي لم تفعله من قبل , ألا أنها أسرعت لأرتداء ملابسها , الزي المدرسي والقميص الأبيض وظنت بأن ذلك ملائم في الوقت الحالي ثم أسرعت الى الطابق الأرضي.
وأذ سارت في الصالة الكبيرة , أدركت سارة بأنها المرة الأولى التي ترى فيها مالثورب خلال النهار , وتلهفت لأستكشاف الخارج , ربما ستخرج بعد الغداء ,وحين أدركت بأنها ستعيش في هذا المكان فعلا , أنتابها أحساس غريب بالرهبة , وكان ذلك طبيعيا أذ أنها فتاة في السابعة عشرة من عمرها وصلت منذ ساعات قليلة الى مكان غريب عنها , كما أن هناك العديد من الأشياء التي تتلهف للتعرف عليها , فنزلت درجات السم بسرعة وقفزت الدرجتين الأخيرتين معا.
كان موريس واقفا في الصالة ,يصنف بعض الرسائل , أبتسم لمرآها وقال:
" أرجو أن تكوني مرتاحة في غرفتك يا آنسة".
" مرتاحة؟ أنها رائعة, آه موريس , أنني فرحة جدا ,ولا أظن أنني أستطيع تناول شيء الآن....".
ضحك موريس ففكرت سارة بأنها ستحبه أذ أنه مختلف عن بقية السعاة الذين قرأت عنهم , أذ أنهم جميعا عجائز وصارمون , أما موريس فكان في الأربعين من عمره , نحيفا وطويل القامة.
" أنا متأكد بأنك ستجدين الطعام شهيا الى حد لا يقاوم , هل تعرفين أين السيد جارود ووالده؟".
وأذ ذكر موريس أسم جارود عاد لسارة ترقبها.
" كلا , لا أدري".
" أذن تعالي معي".
وقادها عبر الصالة وخلال المدخل الى غرفة لم ترها من قبل , كانت أصغر من غرفة الجلوس , ألا أنها مؤثثة وفق الطراز نفسه , كانت السجادة حمراء وطقم الكراسي أخضر , وفكرت سارة بأنها غرفة أستخدمت في الأيام الماضية من قبل السيدات للتطريز أو الخياطة , ألا أنها ديثة الطراز الآن ومزودة ببوفيه رائعة.
جاء جي كي بنفسه للقائها مبتسما بحرارة:
" حسنا يا سارة , هل تظنين بأنك ستكونين سعيدة هنا؟".
" آه جي كي يا له من سؤال".
قالت سارة بحماس ثم لاحظت فجأة وجود شابة أخرى جالسة على الكنبة المقابلة , مراقبة أياها بعينيها الزرقاوين , كانت أنيقة وجميلة وذات شعر أحمر قصير , كانت ملامحها مثيرة وذات جسد رشيق , ولاحظ جي كي نظرات سارة فأستدار لتقديمها الى الفتاة.
" تعالي وقابلي لورين ماكسويل , لورين هذه سارة روبنز".
لم تنهض لورين..... بل أكتفت بمد يدها نحو سارة التي صافحتها بحركة خرقاء مدركة بأن عليها الكثير لتتعلمه أذا ما أرادت لقاء الناس في المكان الجديد , تفحصت لورين ملابس سارة ولاحظت سارة أناقة لورين وذوقها الرفيع في أختيار ملابسها.
" أنت أذن سارة , كنت متلهفة لمقابلتك".
كانت سارة متأكدة بأن لورين لا تبدي أهتماما بأي أنسان ما لم يكن لذلك الأنسان تأثير خاص على حياتها , وعلى العموم لم تكن سارة تعرف بماذا تجيبها فأكتفت بالصمت في أنتظار تعليق جي كي:
" تملك عائلة لورين الأرض المحاذية لأرضنا , نعرف بعضنا منذ كانت لورين طفلة , وهي تعتبر مالثورب بيتها الثاني".
أبتسمت لورين بطريقة مثيرة وقالت:
" عزيزي جي كي".
تساءلت سارة لنفسها لم أحست بعدم الراحة لكلمات لورين؟ ربما لأنها ظنت أنها ستعيش لوحدها مع جي كي في مالثورب بدون أن تتوقع لقاء شابات أخريات يعتبرن مالثورب بيتهن الثاني , وأدركت بأنها لن تحب لورين لسخافتها.
بقيت سارة واقفة وكأنها في أنتظار فرصة ملائمة للهرب , ألا أن جي كي ناولها قدحا مملوءا بعصير البرتقال وطلب منها الجلوس على مقعد قريب من لورين.
" أتمنى لو يسرع جارود في الحضور أذ أنني سأموت جوعا".
" حاول شيرادن الأتصال به طوال اليومين الأخيرين ألا أنه فشل لأن جارود كان مشغولا بأعماله الكثيرة".
" أعمال! لم لا يعيّن جارود نائبا عنه يقوم ببعض أعماله وهكذا يتيح لنفسه الحصول على بعض الراحة؟".
" لأنه يحب عمله".
قال جي كي برضى:
" ما كان لشركات كايل قوتها الحالية بدون شخصية جارود".
" أتعني طريقته الخاصة في معاملة النساء؟".
علقت لورين ببرود فهز جي كي كتفيه:
" ما هي علاقة النساء بعالم الصفقات المالية؟ ".
علّق جارود بكسل بعد دخوله الغرفة:
" لورين أنك ترسمين لضيفتنا صورة سيئة عني , ما لم تكن قد رسمت لنفسها واحدة حتى الآن بالطبع".
" تعال وأجلس يا عزيزي وسأبين ما أعني".
" لن يكون ذلك ضروريا".
أجاب ناظرا الى سارة :
" هل تظنين أنك ستحبين العيش هنا يا سارة روبنز؟".
هزت سارة رأسها:
" لا أستطيع أبداء رأيي الآن وخاصة بعد وصولي بفترة قصيرة".
أجابت بحزم فنظر اليها بأعجاب خفي:
" حسنا , أنا متأكد بأن جي كي سيبذل أقصى جهده ليجعل أقامتك سعيدة".
ثم أستدار نحو جي كي وقال:
" سأغادر بعد الغداء".
فقالت لورين محاولة التودد اليه:
" أوه جارود , هل هذا ضروري؟".
" " نعم يا عزيزتي".
أجاب جارود بأستهزاء:
" لدينا أجتماع مهم يوم غد مع حاملي الأسهم بصدد مشروع جديد مع شركة أميركية للأنسجة وأجد حضوري ضروريا لأظهار دعمي للمشروع". 
" جارود رغم عودتك من أجازتك منذ أسبوعين فقط , ألا أنك منغمس الآن بالمشاريع حتى قمة رأسك , تذكر بأن كل شيء كان على ما يرام عند غيابك , وكان في أمكانك الأنتظار حتى نهاية الأسبوع المقبل لتحمل المسؤولية من جديد , هناك حفلة راقصة محلية يوم السبت ووعدتني من قبل بمصاحبتي اليها ثم أن هذه منطقتك ويجب أن تبدي بعض الأهتمام بالمراسيم المحلية".
لم يجبها جارود لوصول موريس معلنا بأن الغداء جاهز , جلسوا لتناول الطعام في الغرفة الصباحية , وجلسوا حول طاولة دائرية وبشكل حميم وتمنت سارة لو كانت هناك مسافة فاصلة بينهم , أذ أن صغر المكان جعلها تحس بالعصبية , مما أفقدها السيطرة على نفسها وأسقطت الشوكة على الأرض مرتين , كانت الوجبة لذيذة , قدم لهم أولا كوكتيل فواكه ثم اللحم المشوي وأخيرا حلوى التوت البري , وأرتاحت سارة لفكرة مغادرة جارود المكان بعد الغداء.
أذ سيمنحها ذلك فرصة معرفة المكان قبل عودته.
عند أنتهاء وجبة الغداء , قال جي كي:
" سنقوم هذا المساء بجولة حول المكان وأظن بأنك ستتمتعين بذلك".
" آه , ذلك رائع, أذ أنني لم أر خارج المنزل أطلاقا خاصة وأنني جئت المرتين السابقتين بعد حلول الظلام".
بدا على لورين الضجر وقالت:
" أيتها الطفلة العزيزة , كنت أظن أنك ستفضلين الجلوس في مكان دافىء , في ظهيرة يوم بارد من أيام كانون الثاني".
أحمر وجه سارة وأجابت:
" لا أظن أن الجو بارد الى هذا الحد يا آنسة ماكسويل , ولكنه بالطبع , أذا لم يرغب جي كي....".
" هراء! سنذهب بالتأكيد ,أذ أنني أريد أن أريك الأسطبلات وسيعلمك دافيوث ركوب الحصان في المستقبل , هل تستطيعين ذلك؟".
تعلمت بعض المبادىء في المدرسة وخرجت مع بعض الأصدقاء عدة مرات , ألا أنني لست ماهرة تماما".
فرك جي كي يديه فرحا وقال:
" رائع , على الأقل لست جاهلة كليا".
نهض جارود واقفا:
" يبدو لي أنك ستكونين مشغولة تماما يا سارة ,وأذ يبدو لي أن الوالد يمر بمرحلة طفولية ثانية , أظن بأنكما ستتمتعان بصحبة بعضكما".
ضحكت لورين لتعليق جارود ثم نهضت واقفة , ولم يبد على جي كي الأستياء.
" ربما تشعر بالغيرة يا جارود , خاصة وأنك في سن ملائمة للزواج وأنجاب الأطفال , من المؤسف أنك مشغول دائما أذ بسبب ذلك لا تفهم معنى المتعة".
" هل تظن أن سارة ستفضلني كوالد؟ أنا متأكد بأن علينا سؤالها رأيها؟".
أحنت سارة رأسها وتمنت في قرارة نفسها أن يتوقفا عن المجادلة في حضورها.
" أظن أنك تتمتع بالأستهزاء بي يا سيد كايل , أما بصدد أتخاذك والدا , فأنني أفضل عدم القيام بذلك الدور".
ضحك جي كي وأبتسم جارود لتعليقها ثم أنحنى أمامها تحية :
" والآن يا لورين, ما الذي ستقومين به؟".
تنهدت لورين مجيبة :
" سأعود الى هازلدين , ما لم تقترح شيئا آخر".
هز جارود رأسه:
" ليس الآن , على العودة الى لندن بأسرع وقت , ألا أنني سأحاول العودة لحضور حفلة يوم السبت".
" صحيح؟ كم أنا فرحة".
" لا أضمن ذلك تماما , ألا أنني سأحاول جهدي وسأتصل بك تلفونيا يوم السبت لأخبرك بقراري".
وكان عليها الأكتفاء بذلك , غادر جارود الغرفة ليستعد للمغادرة فتبعته بعد أن ودعت جي كي وأبتسمت لسارة بأدب.
أسترخت سارة بعد مغادرتهما فقال جي كي:
" ماذا حدث؟ أنها معاملة لورين , أليس كذلك؟".
" شيء من هذا القبيل".
" تناسي المسألة كلها , أن جارود هو مركز الأهتمام , وحين يسافر تنقطع لورين عن زيارتنا , أنها فتاة طيبة ألا أنها تحاول فرض تعاليها على من تلتقي بهم , فلا تدعي لها فرصة لذلك وأعتقد بأنها أدركت جيدا , ومنذ اللحظة الأولى , بأنك لست فأرة مسكينة تستطيع هي السيطرة عليها".
قال جي كي عندما غادر جارود المكان بسيارة السباق السريعة :
" ذات يوم , سيقتل نفسه بهذه الطريقة ".
ثم نسي قلقه وتمتع بأخذ سارة لرؤية كنوزه الثمينة.
كان هناك الكثر مما يجب أن تراه سارة حتى أنها أحست بالتعب , البيت نفسه تحفة جميلة بصالاته , غرف الطعام , غرف النوم , الحمامات , وتشمله تدفئة مركزية , ثم تبعت جي كي الى ملحق خاص بالمنزل يحوي لوحات جي كي الثمينة فقط , ورغم أن سارة تمتعت بالنظر الى اللوحات ألا أنها لم تفهم رغبة جي كي في شرائها وخزنها بدون أن يدع لبقية الناس متعة النظر اليها , ألا أنها لم تصرح برأيها علانية لئلا تجرح مشاعره , وأحبت أكثر مجموعته الثمينة من الآنية الزجاجية والكريستال , وتمتعت بالنظر الى أحجار الشطرنج المنقوشة بشكل ماهر.
" هل تلعبين الشطرنج يا سارة؟".
" نعم , أذ أعتدت اللعب مع جدي مرة واحدة أسبوعيا , كان يحب لعبة الشطرنج".
" أعرف ذلك , وأنا الآخر أعتدت اللعب منذ سنوات , حسنا , أظن أن في أمكاننا تخصيص أمسية للعب سوية من الآن فصاعدا".
أخذها بعد ذلك الى الأسطبلات حيث عرفها على المدرب والخيل ذات الأسماء الأسطورية أبولو , بيرسفون , وأثينا , وحصان أبيض سماه الأسكندر.
" ما رأيك بأختيار الأسماء اليونانية لها؟ أخترتها بنفسي , حيث قضيت عدة أشهر مع جارود في اليونان منذ سنوات وأصبحت مهووسا بالأساطير".
مسدت سارا أنف أثينا:
" أنا الأخرى أحب الأساطير خاصة قصص هومر الرائعة". 
بدا على جي كي الفرح :
" كما قلت لك يا سارة , هناك الكثير مما يجمع بيننا , سنذهب في الربيع الى هلينوس حيث ترين الجزر بنفسك".
" هلينوس؟".
" أنها جزيرة في أيجون ولدي منزل هناك , حيث نستطيع قضاء بعض الوقت هناك أذا رغبت".
" حسنا جي كي , هل أنت متأكد مما تريد؟ أعني من وجودي هنا أولا؟ أذ لم نناقش المسألة حتى الآن".
" لم النقاش؟ أريد منك البقاء هنا كما أردت أنت المجيء".
" نعم , نعم أردت المجيء الى هنا ولكن ليس للأسباب التي ذكرها جارود".
" ليذهب جارود وأسبابه الى الجحيم , أن له عقلية مرتزق , ثم أنه متعود عل المنافسات والصراع الى حد أنه نسي وجود ما هو شريف وأخلاقي بين الناس".
هزت سارة كتفيها ولم ترغب بالجدال حول جارود , ولم ترغب بحضوره المثير للأضطراب , مع ذلك كانت ترغب في أعماقها بالتخلص من تأثيره عليها رغم علمها بصعوبة الغاية , كان هناك شيء خفي يثير أحاسيسها عادة كلما رأته , أنه أحساس لم تعرفه من قبل , أقنعت نفسها بأنه لم يكن أحساسا حسيا , لأنها كانت على معرفة سطحية بالرجال , أذ حاول جدها توعيتها في هذا المجال وخاصة بصدد الفرق بين الرغبات والأهواء الطارئة والحب الحقيقي , أخبرها جدها أن الحب عاطفة دافئة وعميقة ومختلفة عن العلاقة الطارئة , والمشاهد التي تراها عادة على شاشة التلفزيون في الأفلام التجارية لا علاقة لها بالحب- هذا ما أخبرها جدها ولكنه لم يوضح لها طبيعة الأحاسيس الغريبة التي تنتابها حاليا , أحمرار الوجه والأضطراب , الخوف والتعلعثم في نطق الكلمات البسيطة , أستنتجت أخيرا أن حضور جارود يخيفها ويثيرها في الوقت نفسه .
راقبها جي كي بعينيه الحادتين:
" ما الذي تفكرين فيه الآن؟".
أحمر وجه سارة وهزت رأسها :
" لا شيء يهم يا جي كي".
أخبرها جي كي فيما بعد وأثناء تناولهما الشاي سوية:
" سنذهب غدا الى ليدز , أرغب برؤيتك مرتدية بعض الملابس الجميلة".
" ولكن لدي ما يكفي من الملابس , كل ما في الأمر أنني كنت مستعجلة للنزول قبل الغداء فلم أجد الوقت ملائما لتغيير ملابسي المدرسية".
" كلا سارة , هذا لا يكفي يا عزيزتي , دعيني أولا أوضح لك شيئا بدون أن أثير حفيظتك , أعرف أن ملابسك جميلة وأعرف أن جدك بذل جهده لأختيار الأحسن لك , ولكن عليك أن تفهمي الآن , مهما كانت كلماتي مؤذية , أنك ستلتقين بالعديد من الأثرياء وذوي النفوذ , وسيتوقع الجميع حضورك بملابس ملائمة لمركزك".
" ولكنني لست صاحبة مركز حقيقي".
" بالعكس , أن لك مركزك الخاص بغض النظر عما قاله جارود وستعاملين هنا معاملة أبنة لي , أذ تمنيت دائما أن أرزق بأبنة , لم تستطع هيلين في البداية , أما في النهاية فلم ترغب بذلك- ولم يكن بأستطاعتي عمل أي شيء".
" كان في أمكانك تبني طفلة ما ".
قالت سارة متأملة ما قاله.
" أعرف , لكن الأمر كان مختلفا , حسنا , قد لا تصدقين بأنني كنت أود جفري روبنز كثيرا , صحيح أنني لم أره في السنوات الأخيرة , ألا أنني لم أتوقف أطلاقا عن التفكير به , ومن الواضح أنه كان يفكر بي أيضا".
" وهكذا سلم حفيدته وأعباءها لك".
" لا تشعري بالمرارة رجاء".
وبدا عليه الغضب حينئذ:
" سارة , بحق السماء , أعتقد بأن لموقف جارود تأثيرا واضحا عليك ,أنني الآن الوصي الفعلي وليس في أمكانه , حتى لو أراد ذلك , عمل أي شيء للحيلولة دون ذلك".
وتنهد مضيفا:
حاولي فهم موقفه , أنه مسؤول عن الآلآف من الناس العاملين معه , وأذا ما أصبح نتيجة عمله , قاسيا فلأنه يجب أن يتصرف بهذه الطريقة , هل تتوقعين وجود رجل في مركز جارود قادر على الأنصات لكل أقصوصة وهمسة؟ أنك حالة أستثنائية لي فقط , أما بالنسبة لجارود فما أنت سوى مسؤولية أخرى تضاف الى أعبائه".
" أفترض أن ما تقوله صحيح".
وصبت لجي كي الشاي مرة ثانية , بينما تناولت فطيرة تفاح ساخنة.
" هل أستطيع طرح سؤال عليك؟".
" بالطبع , لك الحق في ألقاء أي سؤال ترغبين فيه".
" ما هي العلاقة بين جارود والآنسة ماكسويل؟".
" لورين؟ ظننت أن الأمر سيثير فضولك ,لورين تعرف جارود منذ سنوات كما أخبرتك , أنها أصغر منه عمرا , ألا أنها لم ترغب بشخص آخر سواه منذ ألتقت به".
" وماذا عن جارود؟".
" جارود؟ أنه سؤال صعب يا سارة , أنه رجل له شخصية غير معروفة حتى بالنسبة الي , في لندن , هناك صديقة له تدعى تريسي ميرك والدها طبيب أخصائي في شارع هارلي , وهي عارضة للأزياء , ويبدو أن لديها الكثير من الأجازات أذ تصاحب جارود في كل مكان يتوجه اليه حين يكون في المدينة , وجاءت هنا مرتين مما أثار غضب لورين , يبدو أن جارود يحب كلتيهما , وأن الفتاتين تحبانه كثيرا , ألا أنني لا أعتقد أنه يرغب بالأختيار الآن , أنه في الخامسة والثلاثين من عمره ويجب أن يفكر جديا , بالزواج وتكوين عائلة له ,ألا أنه يحب ويقدر حريته , ذهب في فترة عيد الميلاد الى جامايكا لزيارة والدته هيلين وبقي هناك ستة أسابيع لوحده بدون أن يصطحب أيا منهما , وهكذا أختارت لورين الذهاب الى سويسرا مع والديها لقضاء العطلة هناك".
" ومن هي التي تفضلها أنت؟".
وضع جي كي كوبه في الصحن وقال:
" حسنا , من الطبيعي أنني أعرف لورين , لذلك تستطيعين القول بأنني أفضلها , ألا أنني لا أعرف أيا منهما ستجعله سعيدا ".

ساحرة القمرOnde histórias criam vida. Descubra agora