٤

55 3 3
                                    

في سيارة أحمد و على ذلك الطريق الذي يجاهد ضوء المصباح حتى يضيئه ولا يسمح للظلام بتملكه
قالت فايزه مبتسمه : قمر قمر ما شاء الله ، الحمد لله اني سمعت كلام جدك و مش جوزناك عروسه من حوالينا .
صدم أحمد لثوانٍ معدوده و قال مقهقهاً رغم ضيقه الشديد : انتي لحقتي جوزتهالي يا ماما
ردت فايزه سريعاً : ايوا يا ابني خير البر عاجله ، يلا عشان تملالي البيت احفاد كتير و  يسلوني بدل ما انا قاعده فاضيه و اتبعت ذلك بضحكةٍ قصيره و الأمل يملأ عيناها
فضل أحمد الصمت عن جدال ليس له أي فائده و بالإضافة إلى ذلك هو يعلم احتياج والدته إلى شخص يؤنسها بعد رحيل والده رحمة الله عليه و بعده هو عن المنزل مفضلاً تمضية وقته مع اصدقائه ظناً منه أنهم يفهمون عقله وراحته ..
...

استيقظت لينا على صوت هاتفها فزعةً ، و ما إن رأت المتصلة حتى أجابت سريعاً ،و فضلت أن تستمع لصوت صفاء أولاً فهي كانت تحتاج ذلك كثيراً ، لم تطل عليها صفاء الإنتظار حتى أردفت بعد ثانيةٍ واحده :  ايه يا ندله صاحبتك و عشرة عمرك غابت و متتصلتيش تتطمني عليا ، خلاص يا بنت الناس كل واحد يروح لحاله و نسيب بعض
ابتسمت لينا بحزنٍ دفين على ما قالته صفاء و قالت : شكلها كده يا صوصو
صفاء ضاحكة بقوة : يا بنتي قرفتيني محدش بيقولي صوصو دي غيرك
أردفت لينا بضحكةٍ مكتومة : خلاص متتضايقيش ، صوفينار ينفع
صفاء : مش هخلص منك مدام رايقه كده ، بس غريبه لما مرنتيش عليا ، انتِ كويسه ؟
صمتت لينا لثوانٍ و قالت : الحمد لله نوعاً ما
صفاء : هو عمك الي ربنا ميسامحه ده ضايقك في حاجة تاني ؟
متقوليش انه ضربك
ثم تجهمت ملامح صفاء عندما لم تجد أي رد من لينا و اتبعت قولها بغضب : والله العظيم لو كان ضربك لاكون قايله لبابا و..
لينا : بس بس اهدي يا قلبي انا كويسه مضربنيش و بعدين مش كنا قفلنا حوار إني أعيش عندكم ده
صفاء : أنا بجد مش عارفه إنتي ليه مش موافقه ما عادي يا بنتي
لينا : يا قلبي انا انتي عارفه اني بعزك و بعز أهلك ازاي و إن انتي أختي الي مجبتهاش ماما الله يرحمها بس عندك إخواتك الولاد و مش هبقى مرتاحه زي ما انتي عارفه و غير إنه مامتك مش ملاحقه عليكي و انتي متخلفه هتاخد صاحبتك العبيطه برضو
ابتسمت صفاء لأنها تعلم أن صديقتها تمزح هكذا لتغير الحوار و  لن تأتي لتسكن معهم رغم كل ما يحدث لها لأنها عندما تقرر نادراً ما تعود في قرارتها...
صفاء : طيب يا جميلة الدفعه مين مزعلك ؟
لينا بابتسامة واسعة : اتنيلي على عينك جميلة مين
صفاء : جميله محمد أحمد 
لينا : صفاء بعد الي قولتيه ده انتي لسه متأكده انك مش من قرايب الخليل كوميدي
عاودت صفاء الضحك مجدداً
صمت الحوار لثوانٍ واردفت لينا : صفاء فاكره لما كنت بقولك امتى اتجوز و كده
صفاء : طبعاً يا بنتي بعد دروس الفيزيا
ضحكت لينا ووافقتها القول ثم قالت بمرحٍ مصطنع:
طيب يا باشا هتجوز الاسبوع الجاي و شكلها مفيهاش دروس تاني خالص
ضحكت صفاء بصوتٍ عالي قائلةً : فصلت
لينا بجدية : وانا كمان أول ما شوفت العريس
صدمت صفاء و لكنها حاولت التماسك و قالت : لينا انتي بتتكلمي بجد
لينا ضاحكه : ايوا يا بنتي
صفاء : لحظه لحظه ، و انتي وافقتي و كده ، طيب ماشي أنا عارفه إنك معندكيش مشاكل تتجوزي صغيره بس وافقتي امتى ع العريس و قابلتيه فين دا انتي بتمشي وشك في الأرض دايماً و سعيد وافق يبقى أكيد عريس مريش ، أصل انا عارفه عمك استغفر الله عليه بجد
عشان كده انا حاسه انك متضايقه ، متزعليش يا لينا مش أول ولا آخر قرف يحصلك
لينا ضاحكة حقاً على قلق صديقتها : اهدي اهدي ريلاكس ،
انا كنت متضايقه بس بعد ما كلمتك خلاص ، ربنا يديمك ليا
بعدين يا حب مفيش قرف بيحصل ولا حاجه أحب اسميه ابتلاءات من ربنا عشان يشوفني قويه ولا لأ و إن شاء الله هكون كده و مفيش حاجه ربنا بيعملهالنا بتبقى قرف كله بيبقى خير ...
صمتت صفاء رغم انها تعرف بحجم الصعوبات التي مرت بها لينا ولكنها ابتسمت لان صديقتها بفضل الله مازالت قويه ثم قالت : أنا بحبك جداً يا لينا و بحبك جداً كمان ، و مبسوطه منك عشان قويه كده ربنا يديمك بصحه و بخير و يسعدك يا قلبي .
طرق قوي على باب غرفة لينا جعلها تصمت و تهم باخبار صفاء
ان تهتم بصحتها وأنها ستغلق و لكن صفاء قالت سريعاً : روحي شوفي الي هولع منه قريب عاوز ايه و خلي بالك من نفسك و خليكي ايجابيه كده باذن الله زي ما انتي
ابتسمت لينا بدفء و قالت : تمام يا قلبي و انتِ كمان
..
ثم قامت لتفتح باب الغرفة بتوجس فوجدت عمها يدفع الباب بقوة و قال بصوتٍ خشن : ايه هو عشان اتخبطيلك خبطتين مش هتعملي العشا عشان اطفح ولا ايه
اخذت لينا نفساً عميقاً ثم ابتسمت و قالت : حاضر يا عمو تطلب حاجه تانيه ؟
استغرب عمها ثم قال بابتسامة انتصار خبيثه : لا انجزي يلا
و اعملي حسابك تلمي لبسك عشان خلاص مفيش وقت كلها كام يوم و تروحي تعيشي عند الناس الغنيه دي يا بنت المحظوظه .
صمتت لينا و الأفكار في رأسها تكاد تسقط أرضاً من كثرتها و ذهبت لتعد الطعام في هدوءٍ تام . !
....
الساعه ١٠ مساءً بعد أن أوصل أحمد والدته إلى "الكمباوند" الخاص بعائلته في التجمع الخامس بالقاهره و ذهب إلى بيت جده في الرحاب
صمت يحل بمثل هذه الأحياء السكنية "  الراقيه "كما يطلق عليها البعض ، لا تسمع فيها أدنى اصوات الازعاج على العكس من ذلك الضجيج الذي كان تعج بها حارة تلك الساذجة كما أسماها أحمد ، ركن سيارته الرماديه أمام الڤيلا و نزل في شموخ و ذهب متجهاً نحو الباب الحديدي ليرحب به حارس الڤيلا ( عبد الله ) الذي يبلغ من العمر ٤٤ سنه
ازيك يا أحمد بيه والله المكان نور
أحمد : اها الحمد لله ،
هو جدو صاحي ؟
عبد الله : طبعاً يا بيه في مكانه المعتاد قاعد و معاه كبايه الشاي بالنعناع هههه
تعجب أحمد مما يُضْحِكُ هذا الرجل و لكنه تابع طريقه
ليضرب بعدها عبد الله كفه بكفه الآخر و يقول لا حول ولا قوة إلا بالله هفضل سئيل كده لحد امتى ؟ !
يدلف أحمد إلى حديقة الڤيلا المليئه بالأزهار و الأشجار و تنبعث منها رائحة الياسمين الفريدةِ التي تجعلك تهوى الجلوس بقربها لساعات .
ليصيح قائلاً ما إن شاهده جالساً بقرب شجيرات الياسمين :
هو في باشوات تقعد كده عادي من غير حاشيه
نظر له الجد مبتسماً و قهقه بصوت عالٍ و قال : تعالى يا آخرة صبري ، وحشتني

دِفْءُ الْخَريفِ الْبارِدِ 🍂Where stories live. Discover now