البداية

376 13 5
                                    

لم يُسمح لي بأن أكبُر على مهَل.

عبق أوراقِ النعناع الأخضر يفوحُ في كُلِّ زاوية من زوايا المنزل، اِنتعشت رِئَتاي بينما أقوم بقطف ورقة تِلوَّ الأُخرى و قد اِسودّت رؤوسُ أصابعي لكوني إلى الآن أنهيت ما يُقارب خمسة عشر عِقدة، منذُ أن انفصل والداي و أنا أعمل مع والدتي في متجر لبيع الخُضار و في موسم النعناع نقوم بِقطفه ثم بيعِّه كذلك في موسم البازِلاء و الفول حيثُ أننا نقوم ببيعه جاهزاً دون قشورِه.
منذُ سنة قررتُ العمل لوحدي كي أُعيل أمي بالمصروف المترتب علينا من إيجار منزل و هاتف و كهرباء كذلك مياه و ما إلى ذلك، و عندها كنتُ أبلُغ الثانية عشر من عُمري.. هوَّت بي ذاكرتي إلى ذاك اليوم مع وصول المحامية للتحقيق بقضيتي،بدأت والدتي بروّي القصة منذُ البداية

لقد اِنفصلتُ عن زوجي منذُ وقتٍ طويل و لجأتُ إلى بلدي بعد بداية الحرب في موطنه دامت عشر سنوات و لا زالت، بدأتُ بإعالة طفلي الوحيد فقمتُ بفتح متجر صغير أبيع فيه الخضرة و أصبح مكسب رزقي أنا و ابني، لقد عشنا حياة متوسطة بسيطة و سعيدة إلى أن بدأت الأسعار بالأرتفاع و بدأت الفواتير تزداد تدريجياً فقد كان من المتوجب عليّ أن أُسدد إيجار المتجر و فواتير الكهرباء و الهاتف و المياه كذلك المصاريف اليومية من طعام و شراب و ملبس و ما إلى ذلك، هنا قد بلغ طفلي عمر العشر سنوات و كانت بنيته تشير على أن عمرهُ أكبر من ذلك بسنتان لذا بدأ بالعمل معي في المتجر و مساندتي و مع ذلك لم يوفر ذلك الكثير من المال فقد أصبحنا أحياناً نأكُل فقط رغيفَ خُبز و المتبقي في المتجر من الخضرة، محمد لم يكُن ذاك الطفل الطائش اللعوب بل كان رجُلاً صغيراً قد حمل المسؤولية بعمرٍ مُبكر، لم يلعب قط في الجوار كباقي الأطفال و لم يدفعني في يوم للصراخ عليه فقد كان يُساندني بكل شيء بالمعنى الحرفي.

في يوم من الأيام قرر بأنه يريد العمل و أعلَمني بذلك، لم أكُن موافِقة في بادئ الأمر و لكن بعد إصراره و رؤيتي إياه يبحث و يسأل في كل الضَّيعة بدأتُ بالبحث معه و لأنني كنتُ أريد أن أضعه بين أيدٍ أمينة فقد سألتُ أولاد بيتِ شعشوع عن أن كان هُنالِكَ عمل لمحمد عِندهم فلديهم معصرة زيتون قُربَ الحقول و لِكونهِم كانوا كثيري التردد علي فقد وثقتُ بِهم فكانوا كثيراً ما يعتنون بمحمد و يحبونه كأخيهم، شعرتُ بتردده وقتها و لكن كنتُ أعتقد أنهُ خائف من هذه الخطوة الجديدة و لم أكن أعلم أن الأمر أكبر من ذلك.

لا تُخبِر أحداًWhere stories live. Discover now