الفصل الثاني عشر

75 6 0
                                    

#قبور_ناعمة

يؤلم القلوب أن اليد التي تهدهد يحيلها الزمن فتوجع وتجرح، وقلوب كانت يوما هي المأوى أصبحت تقذف لهبا حارقا، أيعقل هذا ؟! سبحان من يغير ولا يتغير .
انطفأت كل قناديل الفرح التي كانت تنير على استحياء، وعادا دهورا للوراء، لم يكن يخطر ببال أن والدة حبيب تصبح ذلك الوحش الكاسر، لقد خدشت بقسوة أوراق زهرة حبهم النضرة، وسرقت لون الهناء من ابتساماتهم الوليدة، فانهار سد الحب المنيع ليغرقهم طوفان حزن يجرف معه كل اللحظات التي أنعشت حياتهم .
لا تبكي يا هالة، انتهى الأمر وأعدك ألا تتكرر تلك المأساة .
كيف تكون واثقا هكذا ؟! والدتك أهانت والدتي التي لم تردعنها سوى دموعها .
أعتذر منكِ وسوف أعتذر لوالدتك أيضا .
هل ستعتذر منها هناك في الحارة أمام الجيران الذين شهدوا إهانتها ؟!
يا هالة أنا .......
قاطعته وهي تقف وتهم بالهرب إلى صومعة اختفائها بعيدا عن أنظاره :
لا تقل شيئا .

بالله عليكِ يا أمي، كيف تفعلين هذا ؟!
لا تتدخل في هذا يا رائف، أنا أحافظ على ابني من الوقوع، ولدي يستحق زوجة أفضل من تلك الخادمة .
يا أمي ليس ذنبهم ضيق الحال، الفقر ليس ذنبا وإلا أصبحنا نحن أيضا مذنبين .
ماذا تقول أنت ؟!
أقول ما ينبغي عليكِ معرفته، ديون أبي تطارد حبيبا وتخنقه، ولا يملك ردها .
أنت كاذب، حبيب رد مال الجميع .
مازالوا يطاردونه، وخشي إخبارك حتى لا تحزني، وبدلا من هذا تحزنيه أنتِ ويظهر كطفل تهينه أمه أمام الجميع .
أكان يرضيك أن يكذب عليّ ويأتي بها ؟
كذب لأنه يدرك تفكيرك، ولم يأتِ بها إليكِ، ماذا يضيركِ إن رأت أمها ؟!
لآخر مرة أخبرك.. لا تتدخل .

وتحقق انقباض القلب وكسرته، لم تطلْ فرحتها، خطفت من حضنها قبل أن يشبع الحضن منها، بكاء الأطفال في أثر أختهم المغادرة، تصدع القلب فراقا، حتى الأنين لم يعد من الحقوق، لا اعتراض ولا نقاش فهم الآن أضعف الناس، تقف في مهب الريح وحدها ولا سند ولا قوة من أي اتجاه، عذرا أيها الضعف .. أما آن لك أن تتنحى قليلا ؟! لقد أحنيت قامة لم يحنها الجوع والفقر، وأحناها القهر والبؤس .
أمي، هل أختي ذهبت دون عودة أبدا ؟
لا تقل هذا يا عمر، ستعود ولكن بعد أن تنجح في اختبارات آخر العام .
هذا بعيد، يا أمي .
ادعُ لها الله أن تنجح حتى نراها .
يا رب .

انفطر قلبي على أمي يا هبة، لقد أهانتها أمه، ومع هذا أمسكت بيدي ومنعتني أن أرد أو أعترض.
أشعر بألمك، ليتك انتقمتِ لوالدتكِ، لكن انتظري قليلا ربما رد لها حبيب كرامتها .
كيف يا هبة ؟! أفكر أن أتركه .
تعقلي يا هالة، ليس بإمكانك هذا فهو زوجك، وهذا سيؤلم أمك أكثر .
أصبحت لا أطيقه .
تحملي فوالدتك صبرت على كل هذا فقط حتى تتمين تعليمك .
سأحاول أن أتحمل هذا برغم صعوبته .
لا تحزني، أخبريني فقط متى سنكمل قراءة القرآن .
سنكمل بإذن الله، عوضني وجودك عن المقرأة وأصدقائي وبلدتي، أشكر الله على وجودك .
وأنا أيضا أحمده عليكِ .

قبور ناعمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن