-1-

8.5K 229 137
                                    

لا شيء يسري في حياتنا كما نشاء..
القدر يخطط.. ونحن نخضع له جبناء..
لاشيء بيدنا سوى تقبل الواقع الأليم والعيش عليه !..

خانيونس - غزة - فلسطين..

كانت الساعة أنذاك الحادية عشر ليلا..
وبالضبط في هاته الأوقات المتأخرة من الليل.. حينما كان يأوي جميع سكان العالم إلى أسِرَّتهم، يضعون رؤوسهم على أوسدتهم، فيغمضون عيونهم ويخلدون إلى النوم في ظلام الليل الهادئ، كان سكان هاته المدينة يسهرون رعبا وخوفا، على صوت صواريخ الكيان الصهيوني التي أصبحت بمثابة موسيقى رعب يعزفونها علينا كل ليلة..

كنت جالسة أنذاك بين أحضان زوجي، الذي لم أشعر يوما بأنه زوجي، رغم أنه كان قد مر خمسة سنوات على زواجنا، ورغم كل الحب والإهتمام الذي كان يقدمه لي..
إلا أنني لم أشعر يوما بذرة مشاعر اتجاهه..

أي كان..
كان الهدوء يعم الغرفة.. فقط صوت الطائرات الحربية التي كانت تحوم حول المدينة مصدرة أصواتها المزعجة، وصوت الأخبار الكئيبة الصادرة من التلفاز، والتي كانت كأسطوانة تسعينية تكرر علينا منذ زمن بعيد..
قصف هنا قصف هناك، إسرائيل تهدد، مقتل هذا ومقتل ذاك وأولائك، قضية ضم، وإلى غير ذلك..

حين أطلقت إسرائيل أحد صواريخها على المنطقة، والذي كاد يحطم البيت..
كل شيء حدث في نفس الثانية..
لم أشعر إلا بصوت إنفجار قوي يكسر زجاج الشرفة، ليتناثر في كل أرجاء الغرفة، ثم يد طلال تسحبني خارجها مرددا الشهادة بصوت لا يكاد يسمع بين شفتيه..
أما أنا فقد أطلقت صرخة عالية من شدة الهلع دون شعور مني..

طلال هو زوجي، وابن عمي أيضا، تربينا سويا منذ طفولتنا، شاب وسيم، ذو الثانية والثلاثين من عمره، يعمل في أحد الثانويات العامة كمدرس شريعة إسلامية، ومعلم ديني أيضا.. كوالده..
كان يعشقني ويتمنى الزواج بي منذ صغره..
وها هو ذا حقق رغبته، لكنني لم أحقق رغبتي !..

وقفنا في الرواق أمام باب غرفتنا..
احتضنني بين ذراعيه وراح يقبل رأسي ويمسح على شعري بكفه مرددا بعض الأدعية بصوت هادئ، لن أنكر أنه أشعرني براحة رهيبة !..

- ما تخافي.. ماصار شي.. قال وهو يضع رأسي على صدره ويحتضنني، لأبادله الحضن..

كانت الأصوات عالية في الأسفل أين كان يسكن عمي، حتى لاتكاد تميز بينها..
لحظات ليخترق صوت أثير مسامعنا وهي تصرخ منادية والدها بأعلى أصواتها..
وكأن شيء ما سيء حدث !!..

ارتديت حجابي الذي كان معلقا في الرواق بسرعة، ونزلت رفقة طلال مسرعين إلى منزل عمي لنتفقد الوضع..
فوجدنا الكارثة !..
أصيب عمي ببعض الجروح العميقة على مختلف الأماكن في جسده..

وما إن رأتنا أثير حتى هرعت نحو أخيها تبكي.. - طلال.. بابا.. بابا انصاب..

أثير هي ابنة عمي أيضا، أخت طلال وأصغر فرد في العائلة، تبلغ من العمر ثلاثة وعشرين سنة..
لربما أصبحت الآن أثير أقرب فرد لي في هاته العائلة.. فهي الوحيدة التي ألجأ إليها حين تضيق بي الحياة !..

سجن في الهواء الطلقWhere stories live. Discover now