"الفصل السابع"

81 6 0
                                    


التفتت" أيار" بـ رأسها و قطبت حاجبيها مرددة بدهشة :
_ هطلع بيتى !
ازرد ريقه مُدركًا اندفاعه ، ثم ردد بهدوء و هو يسير نحوها :
_ استنى هوصلك لـ فوق
فـ رددت بصدمة :
_ نعـــــم
فـ وقف أمامها مبررًا :
_ امبارح أغمى عليكي في الطريق ، ممكن تدوخى أو يحصل لك حاجة ، لازم أطمن انك وصلتى بيتك بخير
فـ اعترضت بـ حرج :
_ أيوة بس مينـ..
فـ ردد مشيرًا بـ كفه :
_ اتفضلي مش معقول نفضل في الشارع كده ، هوصلك لفوق و أنزل على طول
ازدردت ريقها بارتباك ، ثم تقدمته و هي تسير بخطوات متوترة نحو المدخـل ، بينما امتعضت ملامحه و أخرج هاتفه من جيبه ناقرًا على شاشته و هـو يتعمد التباطـؤ في خطواته :
"سيب الباب مفتوح و اطلع الدور اللي فوق بسرعة و استنى اشارتى  "
…………………………………………………………………………………..
كان يقف في الشرفة ملامحه ممتعضة ينفث دخان سيجارتـه متمتمًا:
_ ماشي يا .. يا أيار ، بايتة برا بيتك ، ما انتى ×××× 
أطلق سبة من بين شفتيه ، و عاد ينفث الدخـان من فمه و هـو يراقب الطريق أمامه ، متابعًا بـ حقد :
_ ما أنا مش بيتى يتحرق و ملاقيش حتة أقعد فيها عشان خاطر جنابك قاعدة هنا ، ده بيتى أنا و ملكيش مكان فيـه ، مش كفاية المصيبة اللى أنا فيها !
لم ينتبه الى الأقدام التي شرعت تقترب منه بـ حذر ، و بـ ثانية واحدة ، كـان أحدهـم يكمم فمه بـ قطعة قماشية بيضاء ، اتسعت عيناه ذعرًا و أخذ يتلوى بجسده محاولًا تحرير نفسه ، و لكن سريعًا ما تراخى جسده بالكامل حين تسلل المخـدر الى أنفه ، فـ أشـار " باسـل" مرددًا بـ جدية :
_ هاتوه و تعاولوا ورايا
فـ تعاون اثنان بـ حمله ، بينما تقدمهـم " باسـل" ثـم انتبه الى اشعار رسالة جديدة ، فـ أشار لهـم بالتوقف ، و أخرج الهاتف ليرتفع حاجبيه ، ثـم تحفزت خلاياه و هـو يفتح الباب عـن آخـره و أشار لهم مرددًا بـ خفوت :
_ على الدور اللى فوق بسرعة
أومأ كلاهما و همـا يخرجان ثـم صعدا بـ حـذر الدرجات للأعلى ، و تبعهـم " باسـل" تاركًا الباب مفتوحًا ..
……………………………………………………………………………….
ارتفع حاجبيها بذهول مرددة بـ صدمـة :
_ ايه الى فتح الباب ؟
فـ تنغض جبيـن " سيف" الذي يقف خلفها متصنعًا الدهشة :
_ يمكن نسيتيه امبارح و لا حاجة
فـ نفت برأسها و هي تلفت له مرددة بـ إصرار :
_ لا لأ ، أنا .. أنـا قفلاه قبل ما أنـزل !
فـ أشار للباب متمتمًا بنبرة جادة :
_ يبقى أكيـد حرامي !
اتسعت عيناها عـن آخـرهمـا و فرّت الدماء من عروقها متمتمة بـ توجـس :
_ حـر..حـرامى ؟
أومـأ بـ رأسه مؤكدًا :
_ أيوة حرامي
ارتجف جسدها بالكامل و تراجعت للخلف و هي تقول بـ خوف :
_ طب .. طب هو ممكن يكون جوا ؟
فـ أشار لها لـ تدخـل مرددًا بهـدوء :
_ متخافيش يا أيار أنا معاكى ، تعالى ندخـل و أنا هشوفه فيـن
فـ أومـأت بـ رأسها على الفور و قد سيطر شعور الذعـر عليها ، و تقدمته بـ خطوات مرتجفـة ، فـ نظر " سيف" لأعلى الدرجات المؤدية الى سطح البناية ، و أشـار لـ " باسـل" الذي كـان يقف مختفيًا ينظر لهما بـ حـذر ، فـ أومأ الأخير بـ رأسـه ، دلف "سيف" للداخل ، و ظل متجمدًا في مكانه أمام الباب يراقبها و هي تبحث عـن السارق بأعيـن خائفـة مولية ظهرها له ، و على حين غرة التفتت له لـ تردد بـ ذعـر :
_ انا خايفة أوي ، انت مش بتدور معايا ليه ؟
فـ دفع الباب بـ قدمه بـ دون أن يلتفت صافقًا له على الفور و قـد كانوا خلفه تحديدًا في تلك اللحظة ، و ارتبكت ملامحه بالكامل من احتمالية ملاحظتها لما يفعل ، فـ تنغض جبينها و ازدردت ريقها و هي تقول بتشكك :
_ انت .. انت قفلت الباب ليـه ؟
ارتخت تعبيراته المشدودة قليلًا ، و ردد مشيرًا الى الغرفـة الواحدة في ذلك المنزل مبررًا بـ شكـل مقنع :
_ عشـان ممكن يكون مستخبي في المطبخ و لو دخلنا الأوضـة يهرب ، لكن كده هنسمع صوت الباب و مش هيعرف !
زاد ارتعادها و هي تلتفت ناحية المطبخ الصغير تلقائيًا و تمتمت بـ هلعٍ :
_ في .. في المطبخ
تراجعت للخلف عدة خطوات فـ اصطدمت بـ المنضدة الصغيرة ، فــ أطبقت جفنيها و هي تصرخ بـ هلعٍ :
_ الحقنى ، ابعده عنــى، هيقتلنى ، هيقتلنــــى !
سار " سيـف" نحوهـا و لم يتمكـن من منع ابتسامة من التسلل لـ شفتيه و هـو يقــول :
_ اهـــدى بس هيقتلك ايـه ، انتى خبطتى في التربيزة !
تلاحقت أنفاسها المتوترة و هي تفتح عينيها ، و التفتت ببطء لـ تتنهـد بارتياح بـسيط مرددة :
_ الحمد لله ، الحمد لله
أشـار للغرفـة مرددًا بـ جدية :
_ بصي ، ادخلى شوفي في الأوضة و أنا هفضل هنا عشان لو خرج من مكان تانى
فــ نفت برأسها عد مرات و :
_ لأ لأ ، مش هدخــل لوحـدى مستحيــل
زفر بــ قنوط لا يعلم ماذا يفعـل ، ثـم أشـار بـ كفه :
_ طب تعالى معايا ، متخافيش
تقدمهـا و هـو يقف عـند أعتاب الغرفـة رافضًا الدخول ، و تصنّع النظر فيها ، بينما كانت تقف خلفه تتنفس بـ توتر و هي تتلفت حولها بـ ذعـر متخيلة أنه سيهجـم عليها من الخلف ، فــ التفت " سيف" لها مرددًا بنبرة رخيمة :
_ شـوفتى ، مفيش حاجة ، ادخلى أوضتك و أنا هدور في باقى البيت
فــ نظرت للداخل و تنغض جبينها من الفوضى مرددة بـ ضيق :
_ هـو كان نايم هنا و لا ايـه ؟
ثـم دلفت مشيرة للفراش :
_ أنا مرتبة السرير قبل ما امشي
ارتبك من ملاحظتها بينما تنغض جبينها و هـي تنظـر لـ سلة المهملات :
_ ده كمـان بيدخــن ! ايه ده ؟ مش عيب يعني يدخــل بيت مش بيته و يتصرف بالشكـل ده
حمحـم قبل أن يردف بارتباكٍ قليل :
_ يعني هـو جاي يسرق يا أيـار هيبقى عارف عيب و لا لأ !
فــ نظرت له بضيق مردفـة بتأففٍ :
_ أيوة بس ..
فـ استطـرد مشيرًا بـ كفه محاولًا الهروب من حصارها :
_ بصي ، أنا هخرج أدور عليه عشـان أتأكـد !
ثـم أوفض للخارج ، فــ رددت بقنوط و هي تنظر في اتجاه الكومود الصغيـر :
_ طبعًا اتسرقــت !
ثـم تحركت نحوه و فتحت احـدى الأدراج و هي تتابع بـ امتعاض:
_ أصلًا حرامى غبي ! ده منظـر بيت يتسرق ، مكنش في حاجة أصلًا ! مش يختار بيت أحسـن يسرقـه !
ارتفع حاجبيها و هـي تفتح حافظة نقودها فـ وجدتهـا ، فـ اعتدلت في وقفتها و أوفضت للخارج لـ تجده يقف في منتصف صالة المنزل موليًا ظهره لها ، و ممسكًا لهاتفه ينقـر على شاشته ، فـ تنغض جبينها لتردد بـ فضول :
_ هـو انت لحقت تدور عليه ؟
انتبه اليها فـ ضغط على الزر الجانبي مغلقًا الهاتف و دسه في جيبه و استدار متمتمًا بتوتر طفيف :
_ هــاه ، أه ، مفيش حـد متقلقيش
فــ أشـارت الى حافظة نقودهـا الرقيقـة متمتمة بـ دهشـة :
_ ازاي مسرقش الفلوس الوحيدة اللى كانت في البيت بقى
فـــ افترّ ثغره بابتسامة مردفًا بـ حبور زائف :
_ بجـد ، طب كويس والله ، طلع حرامـى أصيــل !
فغرت شفتيها تقول بـ ضيق :
_ دكتور سيف أنا بتكلـم جـد ، في حـاجة غريبة أوي بتحصـل !
انفرجت شفتاه تلقائيًا ببسمة واسعة و هـو يستمع لاسمه من بين شفتيها و مرر نظراته الشغوفة على وجهها مرددًا بـ لا وعي :
_ و ايـه هـي ؟
فلم تنتبه له و هـي ترفع كتفيهـا متمتمة بـ رعبٍ:
_ طالما مسرقش يبقى عايز يقتلنى ! أنا خايفة
تنهد بـ حرارة و قد تلاشت ابتسامته ، و ردد و هـو يبعث بنظرات مطمئنـة لها :
_ متخافيش يا أيـار ، أنا معاكى
فـ توردت وجنتيها من تلك المواقف التي تتعرض لها معه و رددت بنبرة ذات مغـزى مخفضة رأسها:
_ بس مينفعش تكون معايا دايمًا !
فــ أومأ مرددًا بنبرة جادة :
_ فعلًا ، بس متخافيش ، هـحط حراسـة تحت البيت ، محدش هيقدر يطلع ، كـده كويس ؟
قبضت على شفتيها معترضة بـ خجـل :
_ بس ... انا بس ..
فقاطعها مشيرًا بكفه :
_ خلاص يا أيار ، أهـم حاجة اهدى و متخافيش ، لو حصـل أي حاجة اتصلي بيا فـورًا ، تمـام ؟
أومأت بـ رأسها و هي تتراجع للخلف ، فـ ردد بـ عبث مشيرًا بـ عينيه :
_ طب حاسبي عشان هتدخلى في الترابيزة تانى !
تسمرت في مكانها و التفتت للخلف تلقائيًا ، فــ اتسعت ابتسامته و ردد و هـو يستدير :
_ بلاش أعطلك أكـتـر ، خـدي بالك من نفسـك
كـاد يدير المقبض فــ استوقفته :
_ دكتـور سيف
التفت و قد انكمشت المسافة بين حاجبيه لـ تردد بامتنـان :
_ شكــرًا
فـ عبست ملامحه و :
_ بطلى تشكرينى ، أنا معملتش حاجة
ظلت نظراتها معلقـة به بدون أن تعقب ، فـ لانت ملامحه و هـو ينقل بصره بين عينيها ، ثم ردد بنبرة هادئة :
_ مع السلامة
ثم خـرج و أوصـد الباب خلفه ، بينما ظلت متسمرة بـ مكانهـا و تمتمت لـ نفسها بـ امتنـان :
_ عملـت كتير ، شكرًا لـ وجودك في حياتى !
…………………………………………………………………………………..
تنفس بارتيـاح و هـو يستقل سيارته ، و ثم رفع نظراته لـ ينظر حيث الشرفة ، و تمتم بإصرار :
_ مش هسمح لحاجة تأذيكي ، حتى لو كانوا أقرب الناس ليكي ، مفيش حد يستحقك !
ثم ضغط على دواسة البنزين ، و  انطلق مبتعدًا بالسيارة .
…………………………………………………………………………………..
ألقـى بـه حارسـان يرتديـان ثيابًا رسميـة خـارج الشركـة ، فـ افترش الأرضيـة بـ جسده ، نظرا لـه بنظرات جامدة ثـم عادا للداخـل ، استند " مـراد" بـ كفيـه على الأرضيـة و استقـام بـ وقفته و هـو ينظر للشركـة بتحسـر لـم يكـن يتخيـل أنـه سيخسـر عملـه لدى والد زوجتـه تنهـد بـ عمق و هـو ينزح ذرات التراب الملتصقـة بـ ثيابـه ، و زفـر بـ حنق مرددًا و هـو يلقـي على الشركـة نظرة أخيرة :
_ مـا أنـا مش هخسـر كـل حـاجـة كـده ، لازم أتصرف و أصالح لوريـن !
نفـخ بـ ضيق و هـو يستديـر بـ جسده مرددًا بـ تأفف :
_ نفسـي أعرف ميــن الـ ××× اللى وصلك ده عنـى !
تلقـى اتصالًا من احـد أصدقائهِ فـ أجاب بـ امتعـاض :
_ أيـوة يا كـرم
فـ أجـابـه الاخيـر بنبرة معاتبة :
_ فينـك يا ابنى ، عاش ميـن شافـك !
فـ مسح على شعـره المجعـد و هـو يقـول بتأفف :
_ سيبنـى باللى أنـا فيـه الله يكرمـك
فـ ردد بنبرة مهتمـة :
_ ليه ؟ حصـل ايـه ؟
وفـر مرددًا بـ حنق :
_ حكاية طويلة أحكيهالك بعديــن
فـ ردد " كـرم" غامزًا بـ مكـر :
_ طـب أنا عندي اللي يروقـك
فـالتفت ينظـر للشركة مرة أخيرة و التوى ثغره بابتسامة مرددًا بنبرة ذات مغزى :
_ أما نشـوف
…………………………………………………………………………..
لـم يكـن لـ يضيع رؤيـة مشهـد كهذا ، أوقف " سيـف" سيارته أمام العمـارة التي خـرج منهـا " مـراد" مـذلولًا عقب أن تـم ضبطه بـرفقة احدى الفتيات العابثات بداخل احـدى الشقق ، التـــوى  ثغـر " سيــف" بابتسامة شرسـة و هـو يراه يُقتــاد گ الشاة التي سـ تُذبح نحو سيارة الشرطـة ، انتبه الى طرقات على نافذة سيارتـه فـ كانت لأحد حـراس " لـوريـن" ، تنغض جبينه و هـو يترجـل من السيـارة ليتفاجـأ بها أمامه ، عقد ساعديه أمام صدره ، و استند بـ جسده الى سيارته و نظـر لها مرددًا بـ تهكـم مشيرًا بـ رأسه لـ سيارة الشرطة :
_ هـو ده جـوزك اللى واثقة فيـه ؟
فـ ارتفع حاجبيها و تمعنت النظر اليه و هـي تردد :
_ يبقى انت اللى كلمتنى فعلًا !
فـ رفع كتفيه قائلًا بـ ثقـة :
_ ايـوة أنا
تنهدت بـ حرارة متمتمة :
_ أنا بعتذر عن الطريقة اللى كلمتك بيها
ثـم نظرت في اتجـاه السيارة التي شرعـت تشق طريقها نحو مصيـره المحتـوم :
_ بس مكنتش متوقعة ان بعد اللي عملته ليه يطلع حقير كده 
فـ حرر ساعديه مرددًا بنبرة جـامدة مسلطًا نظراته على السيـارة :
_ أنا مش محتاج لاعتذارك ، أهـم حاجة عندى انه خسـر كـل حاجة
فـ نظرت له مضيقة عينيها و تنغض جبينها مرددة بــ فضول :
_ ليــه ؟ اشمعنـا انت بالذات اللى عملت كـده ؟
فـ ردد و هـو ينظر لهـا بـ جديـة :
_ انتى مش أول و آخـر واحـدة ضحـك عليها ، كـان لازم يقف عـند حـده ، بنات الناس مش لعبة في ايديه !
أخـرجت زفيرًا حارًا من صدرهـا ، و رددت و هـي تمـد كفها لـ مصافحتـه :
_ لــوريـن السويدي
فــ نظر لـ كفها الممدود لـ ثوانٍ قبـل أن يمـد كفه هـو الآخـر مصافحًا لها و ردد بـ خشـونـة :
_ فـاعـل خيـر !
فـ كركرت ضاحكـة بـ صوتٍ مرتفعٍ و هي تسحب كفها و كأن زوجها لـم يُقتاد للحبس منذ ثوانٍ فقط ، سحب " سيف" كفه و دس كلاهما بـ جيبيه متمتمًا بنبرة هادئـة :
_ أتمنى انك تنسيـه يا مدام لـوريـن ، ده واحـد ميتزعلش عليه
فـ نفضت خصلاتهـا الحريريـة الشقراء للخلف متمتمة بلا اكتراث :
_ فعلًا ، مش لـوريـن السويدي اللى تـزعـل على واحـد زي ده ، الحيـاة لسه قدامـى
ثـم تطلعت اليه بـ نظرات اعجـاب متمتمة و هي تعقـد ساعديها أمام صدرها :
_ و أكيـد هيكون ليا فرص تانيـة فيها
گ كتاب مفتوح أمامه تمكـن من قراءة مقصـد نظراتها في سطـور عينيها ، فـ ردد بنبرة جـامدة بإيجـاز و هـو ينظر لـ ساعة يده :
_ أكيـد ، أنا مضطـر أمشي لأن عندى ميعاد مهـم ، فـرصة سعيدة يا مدام لـوريـن
و استدار يفتح باب السيـارة بدون الاستماع لـ ردهـا حتى ، فـ تلهفت نبرتها و هي تقـول مستوقفة له :
_ هنتقابل تانى أكيـد يا دكتور سيـف
فـ التفت ينظر لها بـ جمـود مرددًا بنبرة ذات مغـزى :
_ معتقدش ، احنـا طرقنـا مختلفـة
فـ عبست ملامحها الأجنبيـة على الفـور _ فهـي من أم أجنبيـة ورثت عنهـا ملامحهـا ، تملك خصلات شقـراء و بشـرة بيضـاء صافيـة ، و عينان خضراوان كـ الغابات_ استقـل " سيـف" سيـارته و أدار محركهـا و ضغط على دواسـة البنزيـن ، و انطلق بها فـ تابعت اختفـاء السيـارة بنظرات فاضـت بالتحسـر ، مـال عليها احـدى الحرس متمتمًا :
_ مــدام لـوريــن ، والد حضرتك على التليفـون
طردت زفيرًا حارًا من صدرهـا ، ثـم تناولته منه متمتمة بـفتور :
_  yes dady !
..........………………………………………………………………………………
يومٌ جـديد يحمـل بين طياته الكثيـر بـزغت الشمـس في صفحـة سمائهِ تبعث بأشعتها على الكوكب الأرضي ..
جـذبت " أيـار" ستـائـر الشرفـة ذات اللون الكئيـب ، ثـم فتحت بابهـا و هـي تسحـب شهيقًا عميقًا لـ صدرهـا زفـرته على مهـلٍ ، استندت بـ ساعديها على سـورهـا ، و تطلعت الى ما حولها ، التوى ثغرهـا بابتسامة و هـي ترفع كفها الى قلبها و تتذكـر كلماته، تنهدت بحرارة و هـي تستدير لتلج للداخـل ، وقفت أمام مرآتهـا التي تظهـر صورتهـا مشوشـة ،  نظرت لانعكاس صورتها بها ، عادت كلماته الهادئة تتردد على أذنيها فـ أجبرتها على الابتسام و هـي تلتقط الفرشاة لتمشيط خصلاتها القصير ، كـان يومًا غير عاديًا ، تشعـر بارتياح لم تشعر به من قبل ، بالرغم من أن رواسب الماضي مازالت عالقة بحياتها الا أنها على الأقل تشعـر بأنها ليست مجرمة ، لقد اقتنعت بكلماته ، لم ترتكب جرمًا ، لقد كان قدرهـم ، كـان المكتوب الذي لا يتمكـن أحد من تغييره …
كانت ترتدي بنطالًا من الجينز الأسود و فوقه كنـزة من الصـوف تصل أكمامها حتى معصميها من ذات اللون ، استمعت الى صوت طرقات على بابها ، فـ خفق قلبها بـ عنفٍ و ازدردت ريقها بتوجـسٍ و هـي تسند الفرشـاة ، ثـم أوفضت نحو الخارج أدارت المقبض بـ حـذرٍ و فتحت الباب لـ تتنفس بارتياح قليل بدون أن تنتبه لما يحمله متمتمة بـ صوتٍ عـذب:
_ دكتور سيـف !
گان مرتديًا حلة من اللون الرمـادي أسفلها قميص أسـود اللون ، انبعج ثغره تلقائيًا بابتسامة و دس احـدى كفيه بـ جيبيه هـو يردد بـ صوتٍ رخيـم :
_ أخبارك ايه النهاردة ؟
أومأت برأسها مرددة بارتياح :
_ أحسـن كتير ، الحمد لله
فـ ردد بنبرة جـادة و هـو يخفض نظراته :
_ عايزك تشوفي حاجـة
فتح " سيـف" القفص الصغيـر ، و أخـرج منـه جروًا صغيرًا ذو فـراء أبيض ، و حمـله و أسند القفص على الأرضية ثم انتصب في وقفته ، شهقت " أيـار" غير مصدقـة ، و تعلقت عيناها المتسعتان بـ ذهـول به ، فـ دنا منها " سيـف" و ناوله لها ، فـ حملته بـ حذرٍ لـ يحتضنها الجـرو و يداعبها و كأنه يعرفها منذ أشهـر ، بدون وعي منها أصدرت قهقهات و هي تداعبـه أشـرق قلبه لها ، و كأنها أنغام موسيقيـة تُعزف على أوتار قلبهِ ، نظرت له مرددة بـ ابتهـاج :
_ الله جميــل أوي
فـ ردد باهتمام مبتسمًا :
_ عجبــك
_ جــــــدًا
ثـم تنغض جبينها مرددة بـ ابتسامة :
_ مكنتش أعرف ان عندك كلب
فـ اتسعت ابتسامته مرددًا بـ نبرة واثقـة مشيرًا لها بـ عينيه :
_ عشانه مش بتاعى ، ده بتاعـك انتى !
تلاشت ابتسامتها و فغرت شفتيها و حملقت به غير مصدقة :
_ أنا !
أومأ برأسه و هو يمرر نظراته الشغوفة بين عينيها ، فـ عبست ملامحها فجأة ، و ناولته له مرددة بـ احتجاج :
_ آسفـة مقدرش أقبله
حمله " سيف" مرددًا بصدمة و قد اتسعت عيناه :
_ ليــــه ؟
أخفضت عينيها و فركت كفيها بتوتر :
_ من غير ليه ، مينفعش أقبله
ضيق عينيه مردفًا بنبرة آمـرة :
_ أيار بصيلي !
أجبرها أن ترفع نظراتها اليه فـ ردد بنبرة جـادة :
_ ممكن تقوليلى ليه ؟
تعلقت نظراتها المتحسـرة بالجـرو و تصنعت الجديـة و هي تردف :
_ كده ، مينفعش و خلاص ، أنا تعبت حضرتك كتيــر معايا و ده ..
فـ عبست ملامحه مرددًا بـ نبرة جامدة :
_ أيار ، انتى متعبتينيش معاكى و لا حاجة ، بطلى تفكرى كده
فـ نظرت له بـ عمق  متنهدة :
_ كفاية انك متخليتش عنى زيهم !
فـ ردد بـ ثقـة و الجديـة مرتسمـة على وجهه :
_ و لا هتخلى
فـ بسط ذراعيه يناوله لها ، و لكنها تراجعت للخلف خطوتيـن معترضة :
_ دكتور سيـف أنـ..
فـ ردد مشيرًا بـ عينيه بـ مرح:
_ فكـرى ، هتسيبيـه كده ؟ يهـون عليكى ؟
فـ تعلقت عينيها بــ الجرو مرددة بـ احتجاج :
_ أيـوة أنا مـش..
نظـر لها الجرو بـ عينان بـريئتان ، فـ لم تستطع التفريط به ، لانت على الفـور و اختطفته منه تُعانقه مرددة بـ اشراق :
_ لا لا مش قادرة ، الله ، كيــــوت أوي
فـ ضحك من طريقتها ، ثـم ردد و هـو يدس كفيه بـ جيبيه :
_ هتسميـه ايه بقى ؟
فـ مسحت على فـرائه الأبيض تداعبه مرددة :
_ امممم … مش عارفـة !
ثم رفعت نظراتها اليه مرددة بـ نبرة رقيقة :
_ انت اللى جايبه ، يبقى انت اللى تسميه
فـ انبعج ثغره بابتسامة متمتمًا :
_ روكس حلو ؟
فـ نظرت للجرو متمتمة باعجـاب و هـي تداعب عنقه :
_ روكس ، الله ، لايق عليك أوي
ثم نظرت لـ سيف مردفـة بعفوية :
_ انت عارف أنا بحلم بيه من امتى
فـ كان رده قاطعًا بلا وعي منـه حتى :
_ أحلامـك أوامـر بالنسبـة لى !
تلاشت ابتسامتها و توردت وجنتيها و هي تنقل بصرها بين عينيه فـ حاد ببصره بعيدًا و قد أصابه ارتباك مفاجئ ، ناولها الحقيبة في يده محمحمًا :
_ احــم ، اتفضلي ده الأكل بتاعه
فـ تناولت الحقيبة منه و هي تومئ برأسها مرددة بـ توتر :
_ شكرًا
أسندتها على الأرضية لتتمكـن من حمله بإحكام ، فـ ردد مشيرًا للأسفل :
_ أسيبكوا تتعرفوا على بعض ، لو احتاجتى حاجة كلمينى ، سلام
فـ تمتمت بـ خفوتٍ :
_ مع السلامة
فـ استدار هابطًا الدرجات للأسفل على الفور ، بينما أوصدت الباب و هي تتنفس بعمق لتسيطر على ارتباكها ، استشعرت تلك السخونة المنبعثة من وجنتيها فعلمت أن حمرة الخجل تسربت اليها ، انحنت لـ تجثو على الأرضية و أسندت الجرو ثـم أخذت تمسح على فـرائـه و تداعب وجنتيه متمتمة بــ حبور :
_ روكس ، اسـم كيوت أوي  لايق عليـك
………………………………………………………………………………….
مـر اليوم بـ بطئ شديد عليه و قد كـان تفكيـره بالكامل عالقًا بها ، دلف من الباب الخشبي للفيلا و :
_ نــــــدى ، يــا نـــــــدى
فـ حضرت " ندى" مرددة :
_ ايوة يا دكتور
فـ ردد بنبرة جادة و هـو يبحث في الأرجـاء :
_ ماما فيــن ؟
_ انا أهــو يا سيــف
قالتها " نيروز" و هي تهبط الدرجات للأسفـل ، فـ أشار " سيف" بـ عينيه لـ " ندى" التي انسحبت من بينهـم ، ثـم تحرك ناحية أقرب أريكة و اعتلاها مرددًا باهتمام :
_ اخبارك ايه يا نيرو ؟
فـ بادلته ببسمة مشرقة و هي تجلس بجواره :
_ تمام يا حبيبي  انت عامل ايه ؟
أومأ بــ حركة بسيطة من رأسه ، ثـم زفـر بـ حرارة و هـو يعقد ساعديه أمام صدره و نظر أمامه بــ شرود ، تنغض جبيـن " نيـروز" مرددة باهتمـام :
_ مالك يا سيف ، انت كويس ؟
انتبه لها فــ تصنع الابتسـام :
_ اه يا حبيبتى
فلم تقتنع :
_ أومال مالك سـرحان في ايه كده ؟
فـ حاول التهرب منها و :
_ شغـل يا ماما
ضيقت عينيها و هي تتمعـن النظر اليه بعدم اقتناع و :
_ ربنا يعينك
_ يا رب
ثـم التقطت كفه مرددة بتلهف :
_ قولى ، انت مش هتجيب أيار عندنا تانى ؟
رفع احدى حاجبيه استنكارًا و لوى شفتيه بتهكـم و :
_ دلوقتى مش هتيجي ، فاكرة  يا نيرو لما قولتلك على ….
فقاطعته بـ عبوس :
_ الله بقى يا سيف ، كنت فاكراها حاجة تانية خالص
فــ لاحت صورتها أمام عينيه ، بـل أنها لم تذهب عنهما ، التوى ثغره بابتسامة هادئة ، و شـرد و هـو ينظـر أمامه بها و قـد حُفـرت تفاصيل وجهها على جـدران قلبه ردد بـ تنهيـدة مُطولـة :
_ هي فعلًا انسـانة رقيقـة أوي مكنتش تستاهل أي حاجة حصلت لها !
فـ رددت بـ فضـول :
_ نفسي أعرف ايه اللى حصـل عشـان تبقى كده ، يا ابنى قولـى هـو أنا هـ..
فـ قاطعهـا بـ احتجـاج :
_ ماما لو سمحتى ، اتكلمنا في الموضـوع ده قبـل كده
تنهـدت بـ قنوط و هـي تنظر له شزرًا متمتمة بـ حـدة :
_ ماشي يا سيف
فـ التقط كفها و قربه من شفتيه طابعًا عليه قبلة حانية متمتمًا بـ ابتسامة عـذبة :
_ معلش يا نيـرو متزعليش
فـ نظرت له من طرف عيـن ، بينما أسند كفها و نظر أمامه بـ شـرود جلي ، شـرد في ابتسامتها التى رآهـا اليـوم ، تردد صـدى ضحكاتها الرقيقـة على أذنيـه كأنها عصفـور يغـرد ، رُغمًا عنه تـزيـن ثغـره بابتسامة عـذبة و هـو يتـذكـر خجلها المحبب اليه ، كـل تفصيـلة بها تجذبـه اليها ، مجـرد رؤيته لها ينسـى الدنيـا و ما بها و :
_ سيــف ، روحت فيـن ؟
أخرجته من شروده فـ حمحم و هـو يلتفت لها :
_ احـم ، أنا معاكى يا ماما كنتى بتقولى ايه ؟
فـ رددت بـ ابتسامة واسعة بنبرة ذات مغـزى :
_  بقولك مش  ناوي تفرحنى بقى ؟
تنغض جبينه و ردد مستفهمًا :
_ أفرحـك ازاي ؟ مش فاهـم !
فـ نفخـت بـ ضيق مرددة بـ نبرة جادة :
_ مش ناوي تفكـر في الجواز بقى يا سيـف ؟
حملق بها لـ ثوانٍ غيـر مستوعبًا و قـد اتسعت عيناه مكررًا بـ صدمـة جلية على تعبيراتـه و :
_ أتجــوز !
فـ رددت بـ دهشـة و هي تتمعـن النظر لـ تعبيراته :
_ أه تتجوز ، هـو أنا قولت حاجة غلط ؟
فـ تنغض جبينه و تجهمت ملامحه و هـو يردد بـ استهجــان :
_ مستحيـــل !
فـ زفـرت بـ قنوط متمتمة :
_ يا ابني أنا نفسـي أشوف عيالك قبل ما أمـوت
فـ ردد محتجًا :
_ بعد الشـر عنك يا ماما ، متقوليش كده لو سمحتى
فـ عبست ملامحها و تهدل كتفيها بيأس مرددة باستياء :
_ هـو أنا بطلب حاجة غريبـة ، نفسي أشوف احفادي بيجـروا حاوليا
فـ ردد بـ امتعاض و قد اختنق صـدرهُ فـجأة :
_ ماما ، أنا مش بفكـر في الموضوع ده دلوقتى ، أنا كل تفكيري في الشغـل و بس
ثـم نهض مرددًا بـ ضيق :
_ و يا ريت نقفل الموضوع ده ، أنا تعبان و طالع أرتاح ، عــن اذنـــك
استدار بـ جسده و سار خطوتين للأمام ، فـ عقدت " نيـروز" ساعديها أمام صـدرها ، متمتمةً بـ استنكـار :
_ كـل تفكيرك في الشغـل و لا في أيـار ؟
…………………………………………………………………………………………………………………..

في طَي النسيان Where stories live. Discover now