الفصل الثاني عشر

1.9K 82 4
                                    


تساقطت بتلات الورود قتيلة على طريق أصم
مُعلنة انتحار السعادة وإراقة دمائها على جوانبه.
الأوراق مترامية على مرمى البصر، متغيرة اللون
باهتة الأحرف.
تتوه سطورها بين الألم والوحشة.
ورفعت الشمس ثوبها الباذخ عن ساقيها مهرولة نحو مخدعها تاركة الساحة لسيد الظلام.
فجلس فوق عرشه مطلقًا سهام الليل تلتهم بياض الطبيعة.
مرسلًا إشارته للقمر والنجوم بالاختفاء خلف السحب.
لا تدرين أتعزّي ذاتك على موت سعادتك وتبكي كالثكلى؟
أم تنكرين الرحيل والفراق وتُمنين نفسك أنكِ بالسعادة حبلى؟

واقفة أمام شرفتها تراقب قطرات المطر التي اشتدت وضوء البرق ينعكس في عينيها التي ترفعها ناظرة إلى السماء الهائجة.
تتناثر القطرات في الأرجاء بهدوء ورقة وكأنها تهمس في أذنيها بصوت خافت :
-"تفاءلي ما زالت الحياة مستمرة والأمل موجود"
أغمضت عينيها تشعر برذاذ الماء على وجهها بفعل الرياح المصاحبة لهذا الجو العاصف، تتنفس بعمق فانتشرت رائحة الأرض المطعمة بالطين بداخلها تشعرها بالانتعاش الطفيف، لم تشعر بوالدها الذي دلف إلى جناحها يجول بنظره باحثًا عنها ليجدها واقفة بتلك الطريقة.
ابتسم بحنان متأملًا وقفتها ورأسها تسنده على الحائط فاقترب منها وحط بيده على كتفيها بحنان.. تعرفت على لمسته فاسترخى جسدها والتفتت تضع رأسها على كتفه تحيط خصره بذراعيها، فضمها أكثر بداخل أحضانه وكفه تمسح على رأسها ، استمع لهمسها الذي خرج خافتًا :
-"أنا أعشق الشتاء يا أبي.. أعشق المطر لشعوري أنه يعرف بما يعتمر به صدرنا من هموم وآلام، لتهبط قطراته برقة على أمل إزالته أو تخفيفه، أعشقه بكل تفاصيله أبي"
قبّل رأسها ورفع نظره إلى السماء وقلبه يحدثها بأمل ورجاء :
-"اسقط يا مطر واغسل جراحها وبدّد الأحزان والأوجاع..
اسقط يا مطر قبل أن يجتاحها الجفاف والشتات"
ثم أخذها وجلسا على حافة الفراش.. ساد الصمت للحظات قبل أن تهمس مغمضة عينيها واضعة رأسها على صدره :
-"أبي أنا لم أقصر في حق مارية صحيح؟!"
ربت على رأسها بحنو وقبلها على جبهتها مجيبًا كي يرتاح قلبها من نار الندم المشتعلة به :
-"سارية لا يوجد رادع أمام قضاء الله، أنتِ تعلمين أن لكل أجل كتاب.. اختفاؤها وكل ما حدث ترتيب من الله"
-"وموتها أبي!"
قالتها بعد أن رفعت رأسها له والحزن يظهر جليًا في مقلتيها فربت على وجنتها بابتسامة :
-"موتها أيضًا بيد الله، أجلها جاء وهذا وقته بدلًا عن البكاء وذرف الدموع، ادعِ لها وعودي لقوتك التي لا تنكسر بسهولة"
أومأت بصمت وقلبها يرتاح من كلماته، رغم أنها بسيطة واستمعت لها من قبل لكن نبرة صوته الرخيم يبعث الراحة لداخلها.
ربت على كتفها يبعدها كي ينظر لوجهها وأخبرها بما يود أن يخبرها به:
-"ابنتي سأذهب في رحلة لمملكة الجنوب لابد أن أقوم بها، لهذا أريدك أن تنتبهي لنفسك وتعودي مثلما كنتِ"
انتفضت واقفة تنظر له بصدمة.. أيتركها الآن؟
هي في أشد الحاجة إليه ليأتي يخبرها أنه سيعود؟
ابتعدت للخلف تفرك كفيها بتوتر قائلة :
-"ستتركني يا أبي!
أنا بحاجتك وأنت تخبرني أنك ستذهب؟"
أغمض عينيه بقوة وتنهد كي يستطيع تهدئتها، فجذبها من كتفيها بالقرب منه بعدما استقام أمامها وأحاط وجنتيها بكفه :
-"تعلمين ألا يوجد أمر أشد على قلبي من فراقك.. لكن لابد منها"
أعادت خصلاتها للخلف بتوتر، تعض على شفتها بقوة ثم قالت :
-"دعني آتي معك"
-"سارية.. لا تنسِ أنك أصبحتِ زوجة إلياس، وأينما وجد زوجك تكونين أنتِ"
هتف بها بدر الدين بنوع من الحزم، لتتنهد بعمق وتومئ برأسها استجابةً لحديثه ثم احتضنته تستنشق عبقه الأبوي، كنوع من الصبر على ما تخبئه لها الأيام القادمة في هذا القصر.
-"لا تقلق عماه، دع هذا الأمر لي أنا كفيل به"
هتف بها إلياس بعدما دلف إلى الجناح فناظرته بصمت لكن نظراتها تقدح غيظًا من فرض حضوره عليها فسألت أبيها وهي على حالها :
-"لكن لماذا هذا السفر المفاجئ أبي؟"
تبادل النظرات مع إلياس المحتار في ردة فعلها عندما تعلم ما توصلوا إليه.
تقدم خطوتين مقتربًا منها مجيبًا هو على سؤالها :
-"هل أنتِ متأكدة أنكِ على استعداد لمعرفة ما حدث؟"
ابتعدت قليلًا تنظر إليه بحاجبين معقودين بدهشة :
-"ماذا تقصد؟"
نظرت إلى أبيها تهز رأسها بصمت فأجابها إلياس مرة أخرى:
-"لقد عرفنا من السبب في اختطاف مارية من البداية.. ولهذا أبوكِ طلب أن يتولى بنفسه أمرها"
-"أمرها!!
من تقصد بالتحديد؟"
-"إنها فتون"
نطقها أبوها بحزم وغضب دفين مشوب بعدم التصديق حتى الآن، فارتدت هي للخلف كمن تلقت لكمة بمنتصف صدرها تناظرهما بصدمة!
هل وصل حقدها وغضبها منهن أن تؤدي بحياة إحداهن؟
هزت رأسها عدة مرات بعدم استيعاب هامسة باستنكار :
-"كيف؟
ولماذا؟"
-"هذا ما سأذهب حتى أعرفه"
-"سآتي معك"
هتفتها باندفاع وغضب ظهر بقوة في مقلتيها الهائجتين، فرفع بدر الدين سبابته في وجهها رافضًا محذرًا :
-"لن تذهبي إلى أي مكان، ستظلين هنا حتى أعود إليكِ"
حزمه وقوة نبرته جعلتها تصمت وترضخ لأمره، تقدم إلياس ليقف خلفها موجهًا حديثه له :
-"أخبرتك ألا تقلق عماه، لكن وافق على طلبي ودع بعض الحراس يذهبون معك للحماية، حتى أكون مطمئن"
هز رأسه رافضًا :
-"يا بني الحراس سيجذبون الأنظار وسيجعل من ساعدها يتأهب ويصل لها قبلنا، لهذا دعني أذهب بمفردي"
ثم نظر إلى ابنته واقترب منها يحيط وجهها بكفيه طابعًا قبلة على جبينها هامسًا بحنان :
-"كوني قوية حتى أعود"
ثم تركهما وخرج، فنظرت إلى إلياس وهي مازالت على صدمتها :
-"فتون!!"
★★★★★

شعور الخيانة يحطم القلب، ويصبح كالعلقم في الحلق، كلما تبتلعه يهبط فينزع الحياة من أحشاء الروح!

شعور أصاب سارية بحالة من الشرود وهي جالسة في الحديقة على الصوفة الموضوعة في الهواء الطلق بجانب النافورة الكبيرة.
كان صباح شتوي لكنه دافئ إلى حد ما.
بعد سفر والدها إلى الجنوب لم تثق في أحد هنا عدا وسام وجاد، نظرت لذلك السلسال الذي لم يفارق يدها بتفكير، تضغط عليه بقوة ناظرة للفراغ بأعين مشتعلة وملامح جامدة وقالت في قرارة نفسها :
-"فتون.. هل وصل بكِ الحقد والكراهية أن تفعلي ذلك الشيء الخسيس؟!"
تنهدت بقوة رافعة رأسها لأعلى مغمضة عينيها، تضغط على جبهتها مفكرة :
-"هذا يعني أني ظلمت إلياس ونيار؟
يا الله أين كان عقلي وأنا مقدمة على تلك الخطوة؟
لمَ لم أفكر في ذلك؟
منذ متى وأنا بهذا الغباء؟!"
انتبهت على صوت خطوات تقترب منها لترفع نظرها للقادم، وما لبثت أن زفرت بقوة وهي ترى خديجة تتقدم منها بمشيتها الطاووسية، لتبتسم هامسة لنفسها :
-"ها قد بدأ اليوم!"
جلست خديجة على الصوفة المجاورة لها ولم تعرْها اهتمامًا، لتنظر لها سارية بجانب عينها وقالت بسخرية:
-"وعليكِ السلام أيضًا"
ابتسمت بسخرية وأسندت مرفقها على الوسادة مقربة جسدها منها وقالت :
-"لا تسخري يا هذه.. فأنتِ وأنا لا يوجد بيننا سلام"
رفعت سارية حاجبها وابتسامة جانبية ارتسمت على شفتيها لتجيبها :
-"لماذا أيتها الأميرة؟
هل لأن إلياس قرر الزواج بي؟"
نجحت في إثارة غضبها الذي لاح على وجهها، لكنها زمت شفتيها بإعجاب عندما وجدتها تجيد اخفاءه وأجابت ببرود كأنها تخبرها بأمر واقع :
-"صدقيني هذا الزواج سينتهي.. أنتِ رافضة له وإلياس أيضًا، أنا منذ صغري وأنا الملكة وهذا ما سيحدث"
لتقترب أكثر وتهمس أمام عينيها تنظر للونهما :
-"لهذا أنعمي بما أنتِ فيه حتى ينتهي وقتك"
أنهت حديثها بابتسامة ونهضت لتغادر، لكن صوت سارية استوقفها من خلفها وهي جالسة بلامبالاة تتلاعب بثيابها :
-"ومن أخبركِ أنني لا أريد هذا الزواج؟!
حقيقةً إصرارك جعلني أعيد تفكير في حجم وأهمية هذا المنصب، فلمَ لا أحمي نفسي وأرضى به!"
استدارت لها خديجة بنصف جسدها ولم تجبها، بل اكتفت بابتسامة غامضة على جانب شفتيها وذهبت.
★★★★★
هو رجل الغموض والوزير القاسي
وهي الوصيفة الهادئة الجميلة
غموضه يشوبه العبث والمكر
وهدوؤها مغلف بالقوة الجاذبة
بالرغم من ندرة الحديث واللقاء
لكن أكثر من يفهمان بعضهما.
دلفت من بوابة القصر برفقة بعض الجنود بعد عودتها من الشرق، هبطت وتقدمت للداخل لكن استوقفها صوت رجولي أجش من خلفها مرحبًا :
-"مرحبًا بعودتك أروى"
استدارت لتجده مأمون فانحنت باحترام تجيبه بحذر :
-"شكرًا لك أيها الوزير"
اقترب منها خطوات استقبلتها بثبات أعجبه، على الرغم من هدوئها، قلة ظهورها، حديثها المحدود وكأنها غير موجودة معهم إلا أن القوة المنبثقة من زرقة عينيها تعجبه!
وقف أمامها يشرف عليها من علو يسألها :
-"كيف حال الملك سليم؟"
رفعت حاجبها بخبث واقتربت خطوة رافعة رأسها تناظره بمكر هامسة :
-"لماذا ندور حول بعضنا أيها الوزير؟
أخبرني ماذا تريد؟"
ضحك بقوة حتى عادت رأسه للخلف ثم اقترب من أذنها هامسًا لها بشيء ما جعلها تبتسم مبتعدة خطوات للخلف واستدارت تكمل طريقها لجناح ملكتها هاتفة :
-"لنرى سيد مأمون"
وفي جناح ليان كانت تقف أمام مرآتها تمشط شعرها وهي بجوارها شاردة .
تأملتها بتعجب فمنذ أن عادت وهي صامتة، كانت قد أرسلتها مع والدها في رحلة عودته كي تنظم الأمور هناك بعد زفافها.
وضعت الفرشاة والتفتت لها تضع كفها فوق كتفها قائلة:
-"فيمَ أنتِ شاردة يا فتاة؟"
انتبهت لها أروى مبتسمة وهزت رأسها :
-"لا شيء مولاتي.. رأسي يؤلمني من أثر السفر لا أكثر"
تقدمت تجاه الشرفة المطلة على الحديقة الواسعة التي تفصل بين المنطقة الخاصة بالتدريب والحرمليك، فتأملتها ليان بدهشة وذهبت لتقف بجانبها تسألها :
-"لا أنا شعرت أن بكِ شيئًا.. أخبريني"
لم تجبها بل ظلت ناظرة لنقطة ما بعيدة، فالتفتت الأخرى إلى ما تنظر إليه، لتجد جاد يمتطي خيله ويدور به في الساحة، فرفعت حاجبيها بدهشة تعيد النظر إليها رأت بها نظرة إعجاب طفيفة، فأمسكت بطرف الستار تغلقه ووقفت أمامها بمكر مكتفة يديها.
حمحمت أروى بتوتر وخجل تعيد خصلاتها خلف أذنها وكادت أن تهرب لكن منعتها يد ليان :
-"جاد!
لا تخبريني أن قلبك دق يا فتاة"
سعلت بخفة تجيبها بتوتر :
-"ما الذي تقولينه مولاتي؟
أنتِ مخطئة لقد جذبتني صوت أقدام الخيل فقط"
دققت النظر في عينيها وقالت بمكر :
-"وهل نظرات الاعجاب لسرعة خيله!"
فغرت أروى فمها واتسعت عيناها بخجل فكادت أن تتكلم لولا فتح الباب ودخل نيار.
  انحنت أروى احترامًا قبل أن تهرول إلى الخارج تحمد ربها أنها استطاعت الهروب من ملكتها رغم أنها تعلم أنها لن تتركها حتى تتحدث.
راقبت ليان هروبها وهي تضحك بقوة على جبنها ، فتأمل نيار ضحكاتها مقتربًا منها بروية سائلًا :
-"ما الأمر؟"
مسحت على وجهها وهزت رأسها قائلة ومازالت ترمق مكان خروجها :
-"لا شيء لكن يبدو أن وصيفتي قد وقعت بالحب.. ريثما أتأكد سأخبرك بالتأكيد"
ثم نظرت إليه بأعين ضيقة وأكملت بابتسامة تزين ثغرها:
-"ما سر زيارة الملك لجناحي يا تُرى؟!"
ضحك بقوة واقترب أكثر يحيط خصرها قائلًا بمكر :
-"في الحقيقة كنت أريد أن آتي في ظروف أخرى لكن ما باليد حيلة"
نظرت له بغيظ تعض على شفتيها بقوة تشيح برأسها عنه، ليضحك بقوة مقبلًا وجنتاها بحب ثم أكمل بنوع من الجدية :
-"أخبريني هل أخبرتك سارية ذات مرة عن فتاة تسمى فتون؟"
عقدت حاجبيها بدهشة ونظرت في الفراغ بتفكير تحاول أن تتذكر هذا الاسم إذا كانت سمعته من قبل سارية أم لا!
ثم رفعت نظرها له تهز رأسها بالنفي :
-"لا.. هي أخبرتني عن حياتها قبل المجيء إلى هنا، لكنها لم تخبرني عن فتاة بهذا الاسم"
مط شفتيه بتفكير يومئ برأسه، وشبك كفيه خلف ظهره فوضعت كفيها على عضديه متسائلة :
-"ما الأمر نيار؟!"
رفع نظره إليها وتنهد قبل أن يقص عليها ما حدث مع الجندي.. وبعد أن انتهى شهقت بصدمة مما سمعت لتقول بهمس :
-"هل يعقل أن تفعل فتاة هذا بصديقتها؟
ثم من هذا الرجل الذي رآه الجندي يخرج من الكوخ؟!"
صمتت قليلًا ثم هتفت قائلة :
-"هناك أمر خطير يحدث نيار.. وسر كبير خلف كل هذا"
عقد حاجبيه بدهشة يستمع لها متسائلًا :
-"ماذا تقصدين ليان؟!"
-"أقصد أنه لو كان انتقامًا بين الفتيات كانت مارية ستظهر بمجرد دخول سارية إلى هنا.
ما الداعي من قتلها إلا لو كان أمر خطيرًا قد حدث أدى لقتلها؟"
صمت فترة مفكرًا في حديثها.. معها حق، لماذا قتلوا الفتاة فلا يوجد أي استفادة من ذلك؟
تنهد بقوة يومئ بتأكيد :
-"معك حق.. سأذهب الآن لأجتمع مع بعض كبار التجار وبعدها سأرسل إليكِ"
أومأت له بابتسامة جميلة ليقترب منها لاثمًا جبهتها بقبلة حنونة قبل أن يخرج وتركها تتأمل ظهره بحب.
كان في طريقه لقاعة المشاورات، فتفاجأ بقدوم خديجة المشتعل تجاهه، فوقف مكانه ولم يتحرك عاقدًا بين حاجبيه بدهشة من هيئتها الغاضبة، وخطواتها تكاد تحفر خندقًا من ثورتها حتى وصلت إليه لتضع يدها أمامها منحنية تحية له.
فسألها بشموخ :
-"ما الأمر يا ابنة العم؟!
لمَ الغضب يملأ ملامحك؟!"
ضغطت على أسنانها بقوة ناظرة إليه بغضب وهمست :
-"هناك ظلم يقع هنا.. وما المظلوم منه إلا أنا"
صمت وظل يستمع إليها دون تعابير على وجهه :
-"كان مقدرًا لي أن أكون أنا الملكة..
أيتركني ويتزوج بتلك الفتاة لأجل اتحاد سخيف؟"
قالت كلمتها الأخيرة بصراخ ليوقفها بجدية وغضب طفيف ظهر في عينيه، رافعًا كفه في وجهها :
-"أخفضي صوتك يا خديجة عندما تتحدثين معي، كل ما تتفوهين به لا علاقة لي به.. هذا شأن إلياس وحده وحياته لا دخل لأحد بها"
ليرفع سبابته في وجهها بتحذير :
-"سارية أصبحت زوجته فلا تقتربي منها بشر يا خديجة، فإلياس لن يصمت على هذا، يكفي ما نحن فيه الآن"
تسارعت أنفاسها وتوسعت حدقتاها من الحقد والغضب قبل أن تقترب منه بجرأة حتى لفحت أنفاسها صفحة وجهه وهمست بنبرة خبيثة :
-"لم يكن هذا رأيك أيها الأخ الحنون عندما أخذت حبيبة أخيك الذي تدافع عنه قبل خمس سنوات"
أشارت بسبابتها إليها ثم وكزته في كتفه وأكملت من بين أسنانها :
-"أنا وأنت نعلم جيدًا يا نيار أي شخص هو أنت، فلا تستعرض دور الشهم الآن"
-"خديجة!"
هتف بها بصراخ تردد صداه في أرجاء الممر وانتفض له الحراس الواقفين برماحهم بخوف فلقد وصل غضبه لذروته.. لتبتسم بلامبالاة ولم تهتز لصراخه، بل ابتعدت خطوة وقالت :
-"لا تصرخ عليّ، فلو لم يصدر إلياس حكمه بالزواج منها لكانت من ضمن جواريك الآن تأخذها كل ليلة وقد سقطت صريع جمال عينيها"
كفى لقد بلغ منتهاه!!
امتد كفه ليقبض على ساعدها بقوة جعلتها تشهق عاليًا وظهر الألم على قسمات وجهها، مزمجرًا بغضب يكاد أن يصب ثورته على رأسها.. لتأتي شهقة أخرى من خلفه جعلتهما يلتفتان إليها ليجدوها ليان التي خرجت مسرعة عندما سمعت صرخته، فهو لم يكن قد ابتعد عن جناحها بمسافة بعيدة ليصل غضبه وصوته إليها.
توجهت إليهما وقالت بدهشة تنظر لإمساكه بها، فوضعت كفها على مرفقه سائلة :
-"ما الأمر؟"
نظر مرة أخرى لخديجة التي تحاول جذب ذراعها من براثن قبضته لكنها فشلت ثم سمعته يهمس باشتعال:
-"أقسم بربي لسانك سيكون طعامًا لسيفي ذات يوم..
كلماتك سأحاسبك عليها خديجة.. تذكري هذا جيدًا"
ثم قرب وجهه منها وأكمل بشراسة :
-"أنا وأنتِ نعلم ماذا يحدث عندما أعد بشيء"
راقبت ليان النظرات المشتعلة بينهما وشعرت بذبذبات من التوتر حولهما، لم تفهم أي شيء غير أنه يكاد يصب غضبه على خديجة التي تكاد تبكي من قبضته، لتضغط بكفها فوق مرفقه بترجي طفيف :
-"أرجوكْ أتركها، سينكسر ذراعها بهذه الطريقة.. أتركها من أجلي"
دفع ذراعها بقوة جعلتها تندفع للخلف عدة خطوات ممسكة بساعدها تمسده لعلها تخفف ألم قبضته، ليدفع عباءته للخلف بقوة واندفع في طريقه يراقبه زوجان من الأعين.
خديجة بغضب منه وحقد، وليان بغضب له ثم وجهت نظرها إليها لتقترب منها دافعة إياها من كتفها بأناملها عدة مرات تهمس بحدة :
-"ألم تتغيري بتاتًا؟
ماذا كان سيحدث لكِ إذا تركته يصب غضبه عليك؟"
فدفعت الأخرى يدها من فوق كتفها بحدة أكبر وحكت أصابعها بإبهامها مصدرة صوت أمام عينيها قائلة بشراسة :
-"لم أطلب منكِ حمايتي.. فلا تتدخلي فيما لا يعنيكِ مرة أخرى"
أمسكت ليان أناملها بين قبضتها تنزلها من أمام وجهها وتدفن عينيها بحدقتيها، ثم همست بثقة :
-"لولا قدومي كنا سنشفق عليكِ مما كان سيفعله بكِ"
تركت يدها بحدة والتفتت عائدة لجناحها لكنها هتفت أثناء سيرها :
-"أسلم لكِ أن تختفي من أمامه حتى ينسى أمرك"
استدارت بنصف جسدها تناظرها بابتسامة ماكرة قبل أن تدلف إلى الممر الجانبي المؤدي لجناحها، لتضرب خديجة الأرض بقدمها بغيظ قبل أن تلتفت عائدة تتوعد في نفسها :
-"حسنًا نيار سترى من تلك التي تهددها بالعقاب"
★★★★★★

نستطيع العيش دون طعام ثمانية أسابيع
ودون ماء من ثلاثة لأربعة أيام
ودون هواء عدة دقائق أو أقل
لكن لا يمكن العيش دون شغف ولو لحظة!
الشغف ليس شعور عابر بل غذاء الروح الذي لا تستمر بدونه.
نرى في حياتنا خيبات أمل ، أحلام تموت، ورغبات تُحبط.
لكن الروح تموت بموت الأمل والشغف.

صوت التحام سيفين قادم من مكان ما جذب انتباه سارية التي كانت تتأمل قطعة كبيرة من القماش المطرزة أعطتها لها وسام كي تعطي رأيها بها.
فانطلقت ساقيها دون إرادة نحو الصوت، تصعد الدرجات المؤدية لساحة واسعة تدور حولها تتطلع إلى المكان، ليتضح الصوت جيدًا فاتجهت لترى ستارة رقيقة تفصل بينها وبينه، أزاحتها لترى أمامها..
جاد وأحد الجنود كل منهما في مواجهة الآخر ومبارزة جامحة بينهما، استندت بكتفها على الحافة تراقبه فقد مر زمن لم تره يبارز، ضحكت عندما رأته يقفز لأعلى يتفادى ضربة الجندي ليقف خلفه واضعًا سن السيف في ظهره، فرفع الرجل يده مستسلمًا لتتعالى ضحكاتها بصخب واستمتاع وهي تهز رأسها بيأس.
جذبت ضحكتها انتباه الاثنين لينحني الجندي احترامًا لها، فابتسم جاد وصدره يعلو ويهبط من شدة لهاثه، يراها تقترب نازعة وشاحها مشيرة إلى الخادمة الواقفة بالقرب منها لتضع تاجها وحليّها على الصحن الكبير التي تمده لها، وربطت طرفي وشاحها حول خصلاتها على هيئة ذيل حصان، ثم مدت يدها للحارس طالبة منه أن يعطيها سيفه، ليقدمه لها باحترام.
ابتسم جاد عندما فهم ما تنوي فعله، ثم تحولت ابتسامته إلى ضحكة عالية عندما وجدها تلوح بالسيف في الهواء بحركات دائرية رافعة حاجبها له ثم أخذت وضع الاستعداد وفي عينيها نظرة تحدي له ليقول من بين ضحكته :
-"أنتِ متأكدة مما تريدينه؟!"
أجابته ترفع يدها الممسكة بسيفها لأعلى رأسها موجهة سنه إليه، واليد الأخرى ممتدة للأمام تشجعه على المبارزة :
-"هيا أيها القائد.. أخبروني أن الجميع يهابك، فدعني أرى هذا بنفسي"
مد يده يقوي رابطة عمته وأخذ هو الآخر وضعية الاستعداد يرفع سيفه أمامها، واليد الأخرى في خصره ليبادر بالهجوم، فأصطك السيفان سويًا والصوت يعلو ويعلو.
لوح بالسيف أعلى رأسها لتخفضها ثم ضربته بقدمها خلف ركبته جعلته يهبط عليها وكادت أن تهاجمه لكنه رفع سيفه أفقيًا لأعلى فأوقف سير سيفها.
رفعت حاجبها بإعجاب فلوح بسيفه أسفل قدمها لتقفز لأعلى متفادية إياه، أعاد الكرّة مرة أخري لتتحرك في حركة بهلوانية تبتعد إلى وسط الساحة ليلتفت وشاحها حول وجهها فأزاحته وهي تقف بشموخ أمامه وصدرها يعلو ويهبط.
كاد أن يقترب لكن جذب انتباهه ظل أحد يراقبهما من أعلى، فوجده إلياس يشاهد المبارزة بحماس وتأمل، يرى حركاتها وضرباتها الدقيقة، بل وطرقها في تفادي ضربات جاد القوية، أشار له أن يستمر ويكمل ما يفعله حتى لا تنتبه وتتوقف.
ابتسم عندما علم مقصده ووجه حديثه إليها :
-"حركة لا بأس بها سارية.. لكن استعدي لتري السر الذي يجعل الجميع يفكر مرتين قبل مواجهتي"
عقدت حاجبيها بتفكير مصطنع ثم رفعت كتفيها بلامبالاة وأجابته :
-"ليكن إذًا"
لم تعطه الفرصة ليأخذ أي ردة فعله لتهاجمه فجأة فرفع سيفه أعلى جبهته يتفادى ضرباتها المتتالية التي تسقط فوق رأسه، ليدفعها للخلف فسقطت على ظهرها تئن بخفة من ألم السقطة ونظرت له بحدة، استغل سقوطها ليهبط بسيفه إليها فتحركت إلى يمينها منقذة نفسها منه.
كل هذا وإلياس يراقبهما رافعًا قدمه إلى حافة السور يستند بمرفقه عليه وابتسامة على ثغره، لكن شعور طفيف بالغيرة يتسلل إلى قلبه وهو يراها تتحرك وتدور كالفراشة المرفرفة فوق الزهور، يشعر أن هذا حقه وحده لا يملكه غيره حتى لو كان جاد الذي يكون بمثابة أخيها!
التفت إلى حارسه يهمس له بشيء ما قبل أن يعيد نظره مرة أخرى إليهما ليجدها استقامت محاولة تفادي ضرباته.
وقف أمامها بعد أن دار حول نفسه مبتعدًا عن مرمى السيف، وكاد أن يهجم لكن صوت الحارس الذي صاح باسمه من الخلف شتت تركيزه لتستغل الفرصة والتقطت سيفه بطرف سيفها تديره في الهواء بانتصار وابتسامة واسعة ارتسمت على وجهها.
ظهرت ملامح الاندهاش عليه لا يعلم ما حدث؟
هو لم يخسر من قبل إلا أمام إلياس!
فهتف لها بقوة وعدم تصديق :
-"هذا لا يعد انتصارًا سارية!"
ضحكت تمد له سيفها ليلتقط سيفه المعلق به ورفعت كتفيها مغيظة إياه :
-"كل شيء مباح في الحب و الحرب عزيزي"
رفع لها حاجبه بغيظ يراقب ابتعادها تلوح بالسيف في الهواء بدلال كمن تريد إصابته بالسكتة من الغيظ، ليلتفت إلى الحارس الذي انكمش في نفسه من نظراته بغضب وهتف به :
-"ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟"
ارتعش جسده وتلعثم في الحديث يخفض نظراته برعب :
-"الملك إلياس هو من أخبرني أنه يريدك"
توسعت عيناه بقوة ليرفع نظره تجاه إلياس الذي تصاعدت ضحكاته على ردة فعلهما، فرفع كتفيه بقلة حيلة يشير له بكفه أن يأتيه، ثم استدار ليذهب.
تحولت دهشة وغيظ جاد إلى ضحكات على ما فعله ليمنحها الفوز، يعلم مثله تمامًا أن حالتها الجسدية والنفسية لن تسمح لها أن تبارز لوقت طويل، ولو خسرت ستحزن ففعل هذا كي يشتت تركيزه عنها فقدم لها الفوز على طبق من ذهب.
هز رأسه بيأس وذهب للخارج حتى يلحق به.
★★★

الحب كالبوصلة بالقلب
تشير دائمًا تجاه الحبيب
تيار تنجرف معه القلوب نحو الجنون
وثورة يقوم بها القلب لينال ما يريد من المشاعر
الحب جناح يأخذ القلب في رحلة الحياة
متى دق الباب لا مفر من الاستجابة.
وهي كالزهرة وسط صحرائه القاحلة
نسمة باردة في عز صيفه
لون ثامن في قوس قزح يزيده بهاءً وجمالًا
ليكون لها كمكانة الروح في الجسد
النبض للقلب.. والنور للعين.

كان يسير في الرواق ومازال يهز رأسه بقلة حيلة كاتمًا ضحكاته بالكاد مما فعله!
لقد جعله يخسر أمامها!
ابتسم بتسلية يفكر هل وقع في حبها أم ماذا؟!
ضحك عاليًا على ما يتجه إليه عقله ضاربًا رأسه ليفيق من أفكاره قبل أن يصيبه الجنون.
تشتت الأفكار في رأسه وهو يشاهدها تسير في الاتجاه المعاكس له مقبلة عليه، وثوبها الأزرق يحيط بجسدها حتى الخصر منسابًا حول ساقيها وشعرها يراه لأول مرة منتشرًا حول وجهها، تحمل صحن كبير في يدها فوقه العديد من المشاغل اليدوية تعبث بها وتتفحصها.
ظهرت ابتسامة جذابة على فمه ينوي مشاكستها فبعد مواجهتهما في الحديقة لا يستطيع الإمساك بها في أي مكان، فالمحتالة بارعة بالهرب وتجيد الاختفاء متحججة بسارية ملتصقة بها.
ادعت إنها لم تره موجهة أنظارها للأمام متحكمة في عينيها بالكاد حتى لا توجه إليه أدنى نظرة، تحاول حماية نفسها من تأثيره عليها فمهما يكن هو وزير الملك وهي مجرد وصيفة لسارية، كما أنها تخاف من التجربة المدعاة الحب.
كادت أن تتخطاه وهو مستمر في التحديق بها، وعندما وجد منها التجاهل رفع إبهامه يحك ذقنه وابتسامة مشاكسة ظهرت على شفتيه.
أين شخصيته الجادة الواثقة وهو يفكر بهذا المكر؟!
قبل أن تتعداه بالكثير أمسك بذراعها يجذبها إليه يتراجع بها خطوة للخلف، وباليد الأخرى أخذ الصحن منها ووضعه على أحد الأرفف البارزة من الحائط، ثم أدارها يدفعها بالأخير إلى مكان أسفل الدرج لا يظهر للعيان، وهي لا تنبس ببنت شفة وقد أخذتها الصدمة على حين غرة.
قرب جسده إليها أكثر فاتسعت عيناها بذعر متراجعة حتى التصقت بالحائط تناظر عينيه بصدمة وتستعد حتى تصرخ في أي لحظة، فهذا هو الوقت المناسب لتخرج جنونها ولا تأبه له ولا لمكانته.. بينما يميل قليلًا محدقًا بعينيها ومازالت الابتسامة على شفتيه.
رفعت يديها تحاول دفعه عنها بينما هو لا يتزحزح من مكانه لتهتف به بغيظ وهو يحبط كل محاولاتها الفاشلة في الفرار :
-"ابتعد أفضل لك.. أنا لا أمزح جاد"
تجاهل كلماتها ومازال يحدق في عينيها واللمعة التي تظهر في عينيه تنبأها بخطورة وضعهما الآن، فهبط إلى أذنها يهمس بصوت خافت أثار القشعريرة في جسدها :
-"لماذا تهربين مني؟!"
أجابته بشراسة ضاغطة على أسنانها بحدة، بينما تحاول الفكاك من أسره ليعتقل كفيه خصرها يثبتها في مكانه :
-"أنا لا أهرب من أحد!"
اصطدمت أنفاسه الساخنة ببشرتها بينما يميل بوجهه حتى أصبحت شفتيه على بعد إنش من شفتيها :
-"أثبتِ إذًا أيتها الشجاعة"
لم تستمع له وظلت تتحرك بعصبية بين يديه التي تشتد فوق خصرها في محاولة يائسة منها للهرب.. نظرت له بغيظ ثم رفعت قدمها تحاول ركل ساقه فلاحظها ليباغتها محركًا ساقه يحيط بها قدمها ويستند بها على الحائط، ثم ارتسمت ابتسامة جذابة على فمه وفي عينيه بريق خطر هامسًا :
-"أخطأتِ"
وقبل أن تنطق كانت شفتيه تلتقط شفتيها في قبلة خاطفة ناعمة سرقت أنفاسها، استمرت لثواني قليلة ثم رفع رأسه عنها ببطء ليتأمل قسمات وجهها وقد أغلقت عينيها باستسلام وكفيها تضغط على ساعده بقوة، جعلت قلبه ينبض بشدة، وعندما وجد جفنيها يبدأن في الانفراج، أسرع هابطًا إليها وشفتيه تحط على خاصتها مجددًا وتلك المرة كان مصر على تعميق قبلته يغمض عينيه بدوره بمشاعر مشتعلة، يديه صعدت تحيط وجنتيها يقربها له، اشتدت مشاعره فزمجر.
وما أثار دهشته أكثر شعوره بيديها ترتفع من فوق ذراعيه ببطء حتى وضعتها على صدره فاستكانت على دقات قلبه وجسدها ذائب بين ذراعيه تبادله قبلته دون شعور منها.
تلائم جسداهما معًا ولا يجد أي قوة في جسده يجعله يستطيع الابتعاد عنها، مذاق شفتيها مسكر ولا يستطيع سوى أن يرتشف منه المزيد وليساعده الله حتى يبتعد فهو لا يعلم كيف؟!

الاكتفاء في الحب، يجعلك تبتعد عن الخيانة
فإن اكتفيت بمن تعشقه حتى ولو كان بعيدًا ومهما كانت الظروف والعوائق؛ لن ترى أحد غيره.

بصعوبة شديدة فصل القبلة؛ وبأنفاس ثقيلة وأعين منغلقة استند بجبهته على خاصتها من تأثير مشاعرهما الهادرة بعنف بين طياتهما.
أول من فتح عينيه هو متأملًا وجهها، وصدمة اجتاحته عندما وجد خطين من الدموع يسيلان ببطء على وجنتيها وقبضتيها تشتد فوق صدره، فرفع أنامله يمسح دموعها بسلاسة يبتسم عندما فهم سر بكائها وقد اعتقدت أنه استغلها بقبلته، وتأكد أكثر عندما نظرت له بانكسار وهمست بضعف :
-"لماذا فعلت ذلك؟!
أنا لم يقترب مني أحد كما اقتربت أنت الآن"
سعادة اجتاحت قلبه دون إرادة منه عندما علم أنه الرجل الأول في حياتها وأول من لمس كرزتيها، لينخفض نظره إلى وجهها يتأمله هامسًا بتقرير وجدية لكن نظراته تخفي مشاكسة محببة :
-"ولن يكون هناك غيري يا فتاة.. لقد صُدر الأمر بكِ وهذا حكم منتهي"
شعرت بارتفاع في ضغط دمها نتيجة لشدة ضربات الذي يقبع خلف أضلعها، فنظرت له بغرابة تحاول فهم المغزى من حديثه مبتلعة لعابها بصعوبة تسأله:
-"ماذا تعني؟!"
ضغط على وجنتها بسبابته وإبهامه بخفة يهز وجهها يمنةً ويسارًا ليقول بتلاعب ماكر في عينيه :
-"أسألي صديقتك فهي خير من ستوضح لك"
قرأت المكر في نظراته فأزاحت كفه عنها بحدة ثم جذبته من تلابيب ردائه مقربة إياه منها تشع الشراسة من حدقتيها جعلته يرفع حاجبيه إعجابًا من تلك المهرة لتهمس بقوة :
-"أسمعني جيدًا.. ما فعلته الآن لن يتكرر.. لن تتقرب مني ثانيةً لا أنت ولا غيرك"
في حركة سريعة منه كانت يديها خلف ظهرها يقبض عليهما بقبضته مقربًا إياه منه هامسًا بجدية :
-"لن يتكرر هذا إلا عندما أقرر أنا متى سأفعلها؟
ولن يقترب منكِ أحد غيري"
تلك المرة كانت ركلتها موفقة جعلته يتراجع للخلف بدهشة راكلًا قدمه في الهواء عدة مرات يخفف أثر الركلة، رافعًا نظره إليها بشراسة وهو يراها تبتعد تأخذ الصحن الذي كان بيدها ثم أسرعت للخارج ترمقه بنظرات من التشفي والانتصار.. ليضحك على طفوليتها ثم أسرع إلى إلياس كما أمره بالقدوم إليه.
أما هي فسارت في طريقها ترغي وتزبد تسبه في نفسها تارة، وتبتسم عندما تتذكر قبلته فيشوبها الخجل ثم تعود لتسبه مرة أخرى :
-"اللعنة عليك وعلى قلبي جاد"

سارية في البلاط الملكي "كاملة" Where stories live. Discover now