32

182 12 0
                                    


الفصل الثاني والثلاثين

........
ترى ماذا سيكون ردها ان فاتحها بموضوع الزواج !! ماذا سيحدث أن سألها الان حالاً ؟!
هل توافقين على الزواج مني ؟!
يقولها هكذا سريعاً ودون مراوغة او تردد ... حتى وان كانت هذه التصرفات الطائشة المتسرعة ليست من طباعة ابداً ..... لطالما احتفظ بمشاعره حبيسه داخل متاهات عقله الباطن ... حتى تلك التجربة الوحيدة والفاشلة التي مر بها سابقاً لم يعرف بها احد ولم يشك بأمرها احد الا حيدر .. الذي كان من الصعب عليه اخفاء اي شيء يخصه عنه ... فهو كان يكشف دواخله دائماً وبمهارة ...
راقب ملامحها الحمراء جيداً
يبدو وكأنها احست بما يدور في خاطرة ... الامر واضح جداً من ارتباكها وحركة اصابعها المرتجفة وهي تعبث بشعر ملك .... كما انها تحاول النظر لأي مكان عدا المكان الذي يقف فيه هو .... سحب نفساً عميقاً ... بمحاولة منه لكي يهدأ قليلا من
تلك الخفقات المجنونة التي تكتسح صدره بقوة ... ابتسم لها ابتسامة صغيرة لم تصل لعينيه وهو يقول بصوت اجش مثخن بالمشاعر الغامضة
- هلا ...جهزتي ملك ...اريد السفر الى البصرة الان !
كم انت جبان يا معاذ .... عندما تجمعت الكلمات على طرف لسانك تراجعت مسرعاً خائفاً من الفشل
اجل هو خائف من ردها ....ان يبقى يحترق ويتلوع بنار الانتظار افضل مليون مرة
من الرفض الحاسم الذي قد ترميه في وجهه ! وهو غير مستعد الان لتلقي تلك الصدمة ابداً

رمشت عدة مرات وهي تطلق نفساً محبوساً في صدرها .... اومأت بصمت متجاهلة قدر
الأمكان تلك الاضطرابات التي تعصف داخلها وتتقاذفها دون رحمة
امسكت ملك من يدها ... ثم قالت هامسه وهي تطرق رأسها بخجل فطري
- ثانية واحده وتكون جاهزة ...عن اذنك
وتوجهت نحو الداخل بخطوات صغيرة .... بعينان حنونتان تتبع خطواتها ... يراقبها كيف تسير امامه الهوينى وكأنها تسير بين اروقة روحه الهائمة في حبها حد النخاع ....
ليتها فقط تعلم ما تفعله به بخجلها وبرائتها هذه ....والتي سلبت لبه واطارت النوم من عينه دون سابق انذار !!!!!!!
....................
.......................
يخلى سبيله بضمان مكان اقامته !
بهذه الكلمات تم اخلاء سبيل زهير وزميليه .... عندما غادر مع وليد المخفر ...احس
وكأنه طائر تحرر من الأسر ... الحرية ... يالها من كلمة رائعة ...كلمه تجعل الانسان يشعر بالانطلاق والسعادة ..... الايام الماضية التي قضاها في السجن كانت من اتعس وابشع الايام
التي مرت بحياته كلها ... استنشق الهواء الصيفي المعتدل الذي يداعب وجهه المتعب من نافذه السيارة ....
لكن حتى وان تم اخلاء سبيله الان ...التهمة لازالت تحوم حوله الى ان يجدوا السارق الحقيقي
وهذا ما يخشاه بالفعل .... يخشى ان يطول الامر ... بطبيعة الحال هو لن يعود للعمل ....حتى وان ظهرت براءته ايضاً ...... نفسيته لم تعد تتحمل العمل في مكان كان فيه موضع شك واتهام ....
عصر ذاكرته ربما للمرة الالف ... يحاول اكتشاف ان كان هناك من يكن له العداوة لكن حتى وان
كان المقصود هو لماذا توزعت التهمة على كلٍ من كورشير و بهاء !! لماذا لم يتم القبض عليه هو
فقط !!!
كورشير اخبره البارحة بأنه سيجري تحريات عن الموضوع بطريقته الخاصة وان توصل لشيء مهم يخدم قضيتهم سيقوم بإبلاغه على الفور !!!
دوامه مهلكة ومعقدة تلك التي تدور حوله وتحاول ابتلاعه ....لكنه لن يستسلم ويتراجع ... الاستسلام والتخاذل ليس من شيم زهير ابداً .....
كان وليد يقود السيارة بتركيز ...سعادته بخروج زهير ظاهره على ملامحه المسترخية المبتسمة ببشاشة .... القى نظرة خاطفة نحو اخيه الشارد بأفكاره ثم قال
- حمدلله على سلامتك اخي انرت الدنيا بخروجك
التفت اليه واجابه بهدوء ورزانة لا تليق ابداً بزهير المتفكه
- سلمك الله يا وليد
ملامح زهير الجدية العابسة بينت له ان شقيقه لايزال متأثراً بما حدث له وهذا من حقه طبعا
تنحنح قليلا ثم قال بمرح
- اذن اخي ...مالذي تنوي فعله في الأيام المقبلة ؟!!
مط زهير شفتيها وهو يحدق امامه بشرود ثم اجابه
- لا ادري ....لم افكر بعد .... لكني بكل تأكيد لن اعود للعمل في ذلك المشروع مرة اخرى !
هز وليد رأسه وهو يوافق اخيه قائلا
- اجل معك حق ..... انا اقترح ان تسترح لعدة ايام ثم تعود لفتح مكتبك السابق .. ما رأيك ؟!
كتف زهير ذراعيه واجابه مقطباً وكأنه يفكر بما قاله وليد
- لا ادري ...ربما افعل ذلك !
عاد الصمت يحوم حولهم في السيارة ...احترم وليد رغبة اخيه بأن يظل صامتاً شارداً بعالم خاص به وحده .... بالتالي اخذت الافكار تعصف في عقله ....ربما من لفق التهمه لزهير هي فتاة حاقدة عليه ....او ربما إحدى معجباته اللاتي لا تنتهي قائمتهن ابداً ...هو يعرف حق المعرفة ان شقيقه له من المعجبات عدد لا يستهان به ابداً ..... فهو مهندس ووسيم ولازال في العشرينيات من عمره ...كما ان له خفت دم توقع اجمل الجميلات بحبه ودون عناء يذكر منه !
زفر الهواء بضيق وحرارة ...حسناً حتى وان كان ما يفكر به صحيحاً ...اذن ما دخل زميلية في هذه التهمة !!! الامر محير ...ولابد وان هناك تفسيراً منطقياً لكل ما يحدث !
...................
............................
كانت تنتقل في المطبخ من مكان لمكان والسعادة تكاد تقفز من مقلتيها الضاحكتان ....والتي انتبه لها كل من في المنزل .... كيف لا تفرح وزهير سيصل للمنزل بعد قليل !!! حتى الخالة سعاد
وتبارك وكل افراد العائلة كانوا يشاركوها سعادتها هذه بل واكثر بكثير منها .....
اعدت الخالة سعاد كل الاطباق التي يحبها زهير ...وعلى رأس القائمة محشي ورق العنب ...
بكل ثانية تمر عليها كانت تمتد يدها بعفوية لتلمس سلسلتها الذهبية ... التي منذ ان اهداه لها
وهي لم تخلعه ابدا ....
غسق وتبارك لم تكفا عن رميها بالكلمات الماكرة المتفكهة .... كانت تستقبل كلامهم بأبتسامة خجولة وصغيرة .... لم تعارض او تغضب منهما ابداً .... لماذا قد تفعل ذلك وقد بات كل من بالمنزل على دراية ويقين من حبها الفاضح له !!!!
تكاد تقسم بأنهم يعلمون بتلك النار التي يؤججها عشق زهير في حنياها وداخل وتين قلبها النابض بأسمه على الدوم ..... حبها لزهير تعدى وتخطى حدود الحب ...ليصل الى اقصى درجة من درجات العشق الأزلي .... الذي جذوته لم ولن تنطفئ مدى الحياة
منذ ان اتصل وليد وابلغهم برجوع زهير عصراً وهي ...حائرة مرتبكة ... لاتعرف ما عليها فعله بالضبط ...استحمت لمرتين ... وكل دقيقة تتوجه الى المرآة تتأكد من زينتها البسيطة وحجابها ....
تفكر بجنون ...كيف ستقابله ..كيف ستنظر لوجهه ...ماذا ستقول له .....
بعد مرور نصف ساعة لاحقة كانت سيارة وليد تقف امام مدخل المنزل .... خرج الجميع لأستقباله الا هي ... قلبها كان يخفق بقوة مؤلمة .... عضت على شفتيها وظلت متسمرة في مكانها بلا حراك
سمعت صوته الرجولي الخشن وهو يبادلهم التحيه فخفق قلبها برعونة .... وكأنها مراهقة صغيرة
ومشتته ..... ادمعت عيناها فرحاً وتأثراً وهي تحمد الله بسرها وتشكره مراراً ومراراً

دلفت رضاب الى المطبخ لتفاجئ بشقيقتها تقف متكأه على الطاوله تحدق في الارضية بشرود ...
اقتربت منها مبتسمة ثم قالت بهدوء ورقة
- حبيبة !!! لما تقفين هنا هكذا !!
رفعت رأسها مجفلة واجابت بهمس وتلعثم
- اا...امم .. لا ..اعرف ماعلي فعله !!!
رفعت رضاب حاجبيها متعجبة ...اليست هي من كانت قبل قليل تملئ المنزل بصخبها وحماسها لاستقبال زهير !!!
ابتسمت برقة .... شقيقتها الصغيرة ..اصبحت الان متزوجة ... لقد كبرت وستصبح عما قريب مسئوله عن زوج واطفال واسرة !!! هي تستحق السعادة والراحة ...
حبيبة هي من نالت الجزء الاكبر من اهمال والدتها ....لكن مع ذلك هذا كان افضل لها
لقد تربت في كنف اطهر واحن امرأة على وجه الارض ... من يدري كيف كانت لتكون حالتها
لو ان سناء اولتها اهتماما مشابها لاهتمامها بها !!!!
هي حتى لا تريد التفكير بذلك .... زهير رجل محترم وحنون ... يحمل من الغيرة والشرف ما يجعلها مطمئنة على مستقبل حبيبة .... و فوق كل هذا فهو يحبها بشدة وهذا واضح جدا بتصرفاته
تقدمت رضاب ناحبتها اكثر ووضعت يدها على كتف شقيقتها بحنان وقالت
- اذهب وتحمدي لزوجك على سلامته حبيبتي .... هو ينتظرك !
اتسعت عينا حبيبة واصبح وجهها اشد احمرارا وهي تسألها بلهفة
- هل ..هل ..سأل عني ؟!
اجابتها رضاب ببساطة
- لا لكنه يبحث عنك بعيناه بين الوجوه .. هيا اذهب يا فتاة !!
رطبت حبيبة شفتيها وهزت رأسها بصمت ثم خرجت من المطبخ وكأنها كانت بحاجة لسماع
هذه الكلمات التشجيعية من شقيقتها ..... توجهت نحو الصالة بخطوات متثاقلة ووجه يشع احمراراً وسعادة ... على الرغم من حماسها منذ ساعات لاستقباله الا ان الخجل
والارتباك خيم عليها فجأة !!! ولولا كلام رضاب ... لما خرجت اليه ابداً

دخل زهير الى الصالة متعباً وما ان شاهد والدته التي سارعت اليه مهرولة حتى غادر وجهه التجهم والانزعاج وانبسطت اساريره .... خاصة وهو يلمس حب وسعادة عائلته واستقبالهم الحافل برجوعه ..... عيناه كانت تبحث عنها بكل ركن ... لقد اشتاق لها .... اشتاق لخجلها ولحمرة خديها
اين ذهبت تلك الماكرة الصغيرة وحرمته منها وهو في اشد الحاجة اليها !!!
فجأة ووسط صخب الجميع لمحها تقف عند باب الصالة تلاعب اصابعها بتوتر وهي تسترق اليه
النظرات اللامعة ..... اااه حبيبته الصغيرة تخجل من القاء السلام عليه امامهم ....تذكر ما كانت
تفعله معه في الاسابيع السابقة ...وكيف كانت تدعي القوة والغرور امامه ...اتعبت قلبه الى نطقت بكلمة موافقة ....لكنها مهما ادعت فهي تبقى للأبد حبيبة الخجولة الهشة الرقيقة .... التقت نظراته العسلية الغامقة مع نظراتها البنية ....رفع حاجبيه بمكر واشار لها بيده ان تأتي اليه ... دون ان يهتم بوجود الاخرين حوله ....
بلعت ريقها وتقدمت ناحيته وهي ترسم ابتسامة ناعمة على شفتيها ... مسبله اهدابها ...محمرة الخدين ....
ما ان وصلت قربه حتى سحبها من معصمها واحتضنها بين ذراعيه بقوة ....دافناً وجهه بين طيات حجابها الذي يفوح براحتها المميزة .... هامساً بصوت خافت اجش لم يسمعه غيرها
- اشتقت لك ايتها الخجولة !
استكانت وهدات نبضاتها المتسارعة الضائعة بين ذراعيه ... بعد ان عاد اليها رجلها وحبيبها .... رجع اليها من كانت تبحث عنه بين الظلام الذي كان يحاوط احلامها كل ليلة ومنذ ابتعاده عنها ...
وجهها مزروع بين جنبات صدره الصلب الواسع .... دفئ انفاسه انتقلت اليها ..وكـأنها الان برجوعه عادت الى الحياة من جديد !!!
بعد مرور عدة دقائق ..انتبهت الى الصمت المطبق الذي عم في المكان ...ابتعدت عن ذراعيه وهي تنظر حولها بأرتباك ... كانت كلا من تبارك وغسق محمرتا الوجه تحاولان كتم ضحكاتهما الصاخبة على منظر وجهها المرتبك ..... عضت شفتها وهي تبادلهم النظرات بعبس طفولي .... بينما حمدت الله بسرها لأن وليد غير موجود في الصالة ربما كانت لتموت خجلا منه لو شاهد بالفعل ما فعله زهير قبل لحظات ...
هتفت سعاد ببهجة
- اذهب وخذ حماماً دافئاً يا ولدي واسترح قليلا ريثما اجهز العشاء لك
بينما نهرت سعدية كلا من تبارك وغسق قائلة بلهجة موبخة
- علامَ تضحكان انتما الاثنان !!! تعلا معي الى المطبخ هيااا
غادرو الصالة بسرعة ولم يبقى الا زهير وسعاد وحبيبة ... اجلى زهير حنجرته وقال
- احم ...حبيبة هلا جهزتي لي الحمام
رمشت حبيبة بعينيها عدة مرات وهي تنظر الى خالتها التي كانت تبتسم لهما بحب وحنان ... وكأنها تطلب الاذن منها الاخيرة التي قالت بتفهم
- اذهب وافعلي ما قاله لك زوجك يا ابنتي

.......................
..........................

بالله اقسم اني بهواكِ مُغرم
فلا غير عينيكِ يقتل
ولا غير صوتكِ بالانفاس يكتُم
...............
كانت تجلس على طرف السرير ... تفرك يديها بتوتر .... تقضم شفتها السفلى تارة وتعضها تارة اخرى .... مالذي يرده منها زهير فهي ما ان اعدت الحمام واستعدت للمغادرة حتى امرها قائلا بلهجته الخشنة التي اشتاقت لها كثيرا
- حبيبة انتظريني في غرفتي لدي ما اقوله لك ... فقط اتخلص من الجراثيم الي تملئ جسدي والحق بك فوراً !
ابتسمت برقة وهي تتذكر ما حدث في الصالة قبل دقائق قليلة ...كيف احتضنها بقوة ... بقوة كادت ان تكسر عظامها الرقيقة ... وكأنه يحاول اخفائها بين اضلعه .... سحبت نفساً عميقاً وهي تشعر بالراحة .... اخيراً عادت الابتسامة والسعادة الى المنزل بعودته الميمونة !
رباااه كم اشتاقت له وكأنها فارقته لعدت سنوات وليس لأيام معدودة .... ربي احفظ لي من كل سوء
حياتي لا معنى لها دون وجوده فيها !
عادت من شرودها على صوت باب الغرفة التي اغلقها زهير بقوة ... رفعت نظراتها اليه ....
كان يرتدي بجامة منزلية سوداء اللون مع ( تي- شيرت ) ازرق ... ملتصق بجسده القوي ...مبرزاً عضلات صدره القوية .... على الرغم من شحوب وجهه الملحوظ وفقدانه لبعض الوزن ... الا انه لايزال جذاباً .... وسيماً بصورة مؤلمة لقلبها المقيد بحبائل حبه الازلي .....
رائحة عطره النفاثة الممتزوجة مع رائحة غسول الاستحمام اثملت رئتيها ...وجعلت نبضاتها تتسارع اكثر ...بينما تصاعدت الحرارة والدماء كلها لتتجمع وتتزاحم على وجهها المحرج ...
تقدم ناحيتها بخطوات هادئة وكأنه فهد يتربص لصيد غزالة صغيرة .... يلتهم يجوع تفاصيلها الصغيرة .....
منذ خروجه اليوم وهو يفكر بما سيقوله لها مراراً وتكراراً .... ربما ما ستقوله الان حبيبة سيتوقف عليه امور كثيره اولها
هي مدى تمسكها وثقتها به ... وثانيا مدى ايمانها واقتناعها ببراءته ... ربما رأيها هي بالذات ما يهمه الان اكثر من رأي اي شخص اخر .... حبيبة ليست ابنة خالته وحبيبته فقط ... بل هي النفس الذي يدخل الى رئتيه ..والنور الذي ينير له حياته كلها ....
جلس قربها بهدوء فابتعدت عنه قليلا وهي تقول بارتياك وتوتر
- ما..ماذا اردت مني زهير ؟!
تنهد مقتربا منها مرة اخرى وبأصرار
- اشتقت لزوجتي !!! هل لديك مانع !
اردف مكملا بتعب
- اااه يا حبيبة لو تعرفين كيف قضيت تلك الايام وانا بعيد عنك .... كدت ان اموت فعلا !
اجابت بلهفة ورعب
- بعيد الشر عنك !
ابتسم لها برجولة ومكر ...وهو يمسك انامها المرتجفة ليحتضنها بقوة
- تخافين علي !!!
همست بخجل بعض الهمهمات الغير مفهومة وهي تطرق رأسها ارضاً .... عم الصمت بينهما وزهير لايزال يحتضن اناملها المرتجفة في سجن كفه الضخم ... حدق بها متأملا حجابها واحتشامها المبالغ به ..وكأنه ليس زوجها وحلالها ... هذه الفتاة ستصيبه بنوبة قلبيه بسبب خجلها المفرط منه
حسناً الان سيركز الموضوع الذي يجب ان يسألها عنه .... ربما هذا ليس وقته ...الا انه بحاجة لان يعرف ويطمئن .... همس بصوت خافت واجش
- حبيبة ...ارفعي رأسك ودعيني اراك واشبع عيني منك !
فعلت ما قاله بأبتسامه ناعمة وهي تزيغ حدقتيها البريئتان على معالم وجه .... الدفئ الذي انبعث منهما اخترق جسدها وتوغل داخله ليستقر داخل قلبها الذي كان يخفق بجنون .... طال الصمت بينهما ... كان صمتاً مربكاً ومحرجاً بالنسبة لها ... اسبلت اهدابها برقة ...بينما اصابع زهير تحوم بلمسات مثيرة على باطن كفها المستريح على فخذه
تنهد بتعب وقال بصوت مرهق لكن جدي بنفس الوقت
- سأسألك سؤالاً واحداً فقط واريدك ان تجيبي على سؤالي بصدق وصراحة .... عديني بذلك !
رفعت نظراتها المتعجبة المندهشة لما قاله ...لكنها لم تعقب ولم تعارض ....فقط قالت بهمس
- اعدك زهير !
ابتلع ريقه وقال بصوت باهت
- هل ...هل صدقت التهمة التي وجهت لي !
رفعت رأسها بسرعة وهي ترمش بعينها عدة مرات ...مجفلة من سؤاله المباغت هذا ! ظلت صامته ... الصدمة تمكنت منها ... لم تتوقع فعلا ان يسألها زهير هذا السؤال ابداً
- هل الاجابة صعبه لهذه الدرجة ؟!!!
هزت رأسها بلا واجابت هامسة بقوة وثقة
- ابداً ..ابداً لم اكن لأصدق ذلك ..... حتى لو اثبتوا التهمة عليك ..... قلبي وعقلي وروحي كلهم متفقين و متأكدين من برائتك ..... انا ...انا ...احفظ كل تفاصيلك ....اعرف متى تكذب ومتى تكون صادقاً يا زهير !!
لاح التأثر بعينيه وهو يستمع لكلماتها الصادقة .... وجهها المحتقن وهي تدافع عنه بهذا الشكل الشرس وكأنها لبوة ثائرة تدافع عن صغارها .....
اما هي فقد استطاعت ان تشعر بأرتجاف جسده واضطراب انفاسه السريعة .... بدا وكأنه يحاول السيطرة على نفسه .... عيناه غامت ببريق لامع اخاذ جعلها تبادله النظرات كالمسحورة .... ولانت ملامحه المتشنجة ...
رفع كفه واحتضن جانب وجهها وهمس بصوت مثخن بالعواطف الجياشة
- الم تتسألي عن مصدر الاموال التي اشتريت بها سيارتي ؟!
ابتسمت بعينان دامعتان وهي تضع يدها الصغيرة فوق يده التي لاتزال تحتضن جانب وجهها ثم اجابت برقة
- ثقتي بك عالية جدا زهير .... اسير خلفك وانا مغمضة العينين !!
تأوه بتأثر وهو ينحني ساحباً اياها نحوه .... ليفعل ما رغب بفعله منذ دخوله للصالة .... التقط شفتيها الشهيتين بقبلة عبر من خلالها عن مدى اشتياقه وتلهفه عليها ... لتبادله قبلته هي الاخرى بشوق يظاهي شوقه ... حباً بالله ..لماذا قد تعترض على قبلته وهي متلهفة عليها اكثر منه .... تتوق وتنتظر مبادرته .. تريد ان تشعر بأنفاسه تداعب انفاسها .. كل ما كانت تريده هو قربه منها فحسب !!!
.....................
...........

دلف الى المصرف بثقة وهمية كان يدعيها .... يرتدي حله رسمية سوداء مع قميص ابيض
دون ربطة عنق ..... يعرف جيداً ان ما يفعله الان هو عذاب بطيء بالنسبة له .... اجل ..ان
يراها لو لدقائق معدودة او حتى عندما تذكرها رونق في بعض الاحيان ودون قصد منها
لهو العذاب والموت البطيء بالنسبة له .....
على من تدعي يا عبد العزيز ؟! انت ان ادعيت نسيانها ومحوها من قاموس حياتك امام رونق
وامام نفسك ...الا انك تعلم جيداً انك كاذب فاااشل ..... تبارك للان تعشش في عقلك ...تغزو احلامك .....
فيما مضى من سنوات عمره السابقة كان شخص قوي الارادة ..متحكم برغبته ومشاعره ... اكمل دراسته .... وزاول عمله ...وهو بعيد كل البعد ...لا بل كان حريص على ان لا ينغمس بعلاقة غرامية .... يكون هو الطرف الضعيف فيها .... حصن قلبه بأرادته .... بنى سور عالي حول نفسه .... لا احد مسموح له بعبورهذا السور الا رونق فقط .....
وعندما التقى بتبارك .... تحطم السور .... واندحر حصنه المنيع ... احبها بصدق وعاطفة نقية ومندفعة .... من الصعب عليه ان يتجاهل وينسى بسهولة ....رغم انه يعلم جيداً بأنها لن تكون له ابداً ..... للأن يتخيل ما قد يشعر به عندما يراها تتزوج من شخص اخر .... رجل كامل ..... رجل يليق بها .....
مجرد التخيل بمنظرها وهي ترتدي الفستان الابيض يجعل الحمم البركانية تفور في قلبه بقوة ..تاركة خلفها لسعات عميقة ومؤلمة من الصعب شفائها او تضميدها !!
وصل الى باب مكتبها وتجمد في مكانه لوهلة .....اتسعت عينه بقوة وهو يشاهد هذا المنظر الذي امامه .... وكأنه يشاهد خيبته تتجسد على شكل مشهد صغير بالابيض والاسود ..... لكنه مشهد جميل ومتكامل ....
تبارك تجلس خلف مكتبها وهي تتوهج جمالاً وشباباً وانوثة ...بينما تمد يدها ببضعه اوراق .. تتناقش مع رجل يجلس قبالتها على المكتب ...اقل ما يقال عنه بأنه وسيم وجذاب .... ربما كان في اواسط الثلاثنيات من عمره .... يكفي ابتسامته الساحرة التي يوجه لها .... تلك الابتسامة التي تجعل الفتيات هائمات يدرن حوله ببلاهة !!!
ليس هذا المشهد فحسب ما جعل قلبه ينبض بعنف مسموع ..... بل النظرات الدافئة التي كان يوجهها الرجل لتبارك ..... الاخيرة التي كانت منغمسه بكلامها وشرحها !!!
كور قبضتيه بقوة ...ضاغطاً على فكه ... كان يسيطر على اعصابه الثائرة بأعجوبه يحسد عليها
لماذا هو متعجب و غاضب !!! اليس زواج تبارك هو امر محتوم وطبيعي ؟! بالاضافة لذلك فهو من اقصى تبارك عن حياته ....تباً لقد طردها تقريباً من عيادته ...ليس هذا فحسب بل وابلغ رونق بأنه لم يعد يرغب بالزواج لا من تبارك ولا من غيرها !!
اذن تعود يا عبد العزيز ... هذا ما سيحصل قريباً ويجب ان تتحكم اكثر بمشاعرك المتذبذبه !!
سحب نفساً عميقاً ثم تقدم بخطوات ثابته وهو يركز على وجه تبارك المشرق المبتسم ....المكتب كان فارغاً لا يوجد به غيرهما فقط .... مما جعل الدماء الحارة تصعد لرأسه مباشرة .... طرق الباب المفتوح قائلا بخشونه وهدوء
- صباح الخير !
...........................
.....................................
فتحت عينيها ببطئ ....ركزت نظراتها الضاحكة على شباك الغرفة .... تحديداً على عصفور صغير ينقر حافة الزجاج وكأنه يبحث عن فتات الطعام هناك!
ارتسمت ابتسامة واسعة وسعيدة على شفتيها وهي تسترجع الرؤيا التي حلمت بها ليلة امس بعد ان صلت صلاة الاستخارة .... هذه الرؤيا كانت مشابه لرؤيا حلمت به قبلاً ..لكن بتفاصيل مختلفه قليلا ....
اغمضت عينيها وهي تتذكر ذلك البستان الواسع الذي كانت تجلس فيه بفستانها الابيض المزركش بدانتيل مطرز على حاشيته ...الفستان كان يشبه الفساتين التي انتشرت في القرن الثامن عشر ... تحديداً بين نبلاء اوربا .... من النوع المنفوش ....
تجلس تحت الشجرة تقرأ كتاباً بينما ملك كانت تركض بحماس خلف فراشة ملونه ...وهي ترتدي فستان يشبه فستانها تماماً ...فجأة حدثت عاصفة هوجاء .... انقلب كل شيء حولها ....حتى ملك اختفت ..ظلت تبحث عنها هنا وهناك وهي تناديها بخوف وفزع .... لكنها كانت قد اختفت بلمح البصر
ظلت تركض وتركض وهي تتعثر ... تلتفت حولها بخوف ..تبحث عن مكان آمن تلوذ اليه فجأة وقعت في حفرة عميقة او كادت ان تقع ....لكنها تشبثت بطرف جذع جاف كان متدلياً ... حاولت ان تتمسك به بيديها وبكل ما اوتيت من قوة .... لكنها لم تستطع ...اصابعها كانت تنزلق بليونه ....اغمضت عينها مستسلمة لمصيرها الاسود المجهول ...
كانت على شفير ان تسقط فعلا في تلك الهوة العميقة لكن صوت ملك وهي تنادي ...
- لقد وجدتها عمو انها هنا !!
لمحت رضاب في وسط الظلمة التي تحيط بها يد ممدودة ...امسكت بها وكأنها طوق نجاة انتشلها من موت محتم .... رفعت رأسها ونظرت لذلك الوجه المألوف ...العينان الحنونتان ...والابتسامة الدافئة .... لتكتشف ان اليد القوية التي منعتها وانقذتها من السقوط .... لم تكن سوى يد معاذ !! كان منحني وهو يمسك يدها بقوة قائلا بحنان
- انا معك لاتخافي !!!
عادت من شرودها وابعدت الغطاء عنها ... الساعة كانت تشير الى التاسعة والنصف ....ذهبت الى الحمام ...غسلت وجهها عدة مرات ثم رفعت رأسها ونظرت لأنعكاسها في المرآة ...
كان وجهها مورد على غيرالعادة ...وعيناها ضاحكتان .... تشعر براحة غريبة تسللت لحنايا قلبها ...توجهت الى المطبخ ولم تجد احدأ ... سمعت صوت خالتها وهي تتبادل الكلمات مع العمة سعدية ..يصلها من جهة الحديقة الامامية .... خرجت مسرعة ...كانت خالتها تمسك خرطوم الماء ..تقوم بسقي المزروعات .... اختلطت رئحة الماء مع رائحة الاوراق المبللة والطين .... فأثارت داخلها النشاط والحيوية ..... التفتت سعاد لها مبتسمة ووجهها يشع نوراً
- صباح الخير يا وجه الخير
تقدمت رضاب هامسه بخفوت
- صباح النور خالتي
عادت سعاد تكمل عملها قائلة
- تأخرتي بالاستيقاظ كثيراً اليوم حبيبتي ... ولم اشأ ازعاجك ... قلت لنفسي.....
قاطعتها رضاب قائلة دون ارادة منها
- خالتي ..دعي وليد يتصل بمعاذ ويبلغه موافقتي على الزواج منه !!!!
.......................
..................................
متى ستعرف كم أهواك يا رجلا
أبيع من أجله الدنيا وما فيها
يا من تحديت في حبي له مدنا
بحالها وسأمضي في تحديها
أنا أحبك فوق الغيم أكتبها
وللعصافير والأشجار أحكيها
أنا أحبك فوق الماء أنقشها
وللعناقيد والأقداح أسقيها
أنا أحبك يا سيفا أسال دمي
يا قصة لست أدري ما أسميها
أنا أحبك حاول أن تساعدني
فإن من بدأ المأساة ينهيها
وإن من فتح الأبواب يغلقها
وإن من أشعل النيران يطفيها
.................
كانت تتكلم مع احد العملاء اللذين يترددون دائما على المصرف ....والذي يعد اهم عميل لديهم
السيد فاروق المهيب ... من كبار رجال الاعمال وأثراهم في اربيل .. كانا يجلسان بمفردهما بثينه ذهبت الى المدير العام بينما ريم كانت قد قدمت على اجازة طويلة لأقترب موعد زفافها ....

لن تنكر انزعاجها من نظراته المتفحصة لها على الدوام .... كما انه اصبح يتردد باستمرار على مكتبها هي شخصياً ...اي انه يتعمد الجلوس معها ومناقشتها بما يخص عمله ...خاصة بعد المدح والثناء الذي تلقته امامه من مدير المصرف ..... وكأنه اصبح يتحجج بأي شيء لكي يزورها !!!
صحيح هو يكلمها بلطف ونعومة ...يخصها بنظرات عميقة ومتفحصة الا انه لم يتجاوز حدود الادب والاحترام معها ابداً ... وهي ايضاً بالمقابل كانت تتعمد ان تحدثه برسمية وعملية .... حتى لا يسرح بخياله بعيداً .... ليست على استعداد لدخول علاقات عاطفية وتحت اي ظرف .... خاصة وانها للأن متعلقة بحبائل الامل بالنسبة لذلك الرجل البارد القاسي الذي يدعي اللامبالاة معها الا ان
نظراته كانت تحكي قصة اخرى مخالفة تماما لما يحاول ادعائه !!!
- صباح الخير
رفعا رأسيهما هي وفاروق بأن واحد ...ردد فاروق السلام بهدوء ولامبالاة ..بينما ردت تبارك بصوت هامس وهي تلتهم وجهه بنظراتها المشتاقه رغماً عنها ...تداركت نفسها عندما شعرت انها
قد اطالت النظر اليه وقالت وهي تتنحنح
- تفضل دكتور عبد العزيز
تقدم وهو يفتح ازرار سترته قبل ان يجلس بأريحيه قبالة ذلك الرجل الذي يعد الان من اشرس والد اعدائه
- اسف ان جئت بوقت غير مناسب لكني اردت ان اتناقش معك بشأن القرض
هزت تبارك رأسها بسرعة وتفهم وهي تنقل نظراتها بينه وبين الاخير الذي كتف ذراعيه يراقب بصمت
- ااه ..اجل ..القرض ....... اهلا بك دكتور ارجوا ان تنتظر لدقائق ريثما انهي عملي مع السيد فاروق !
وضع عبد العزيز ساق فوق الاخرى وتكلم بأريحية وهو يعيد ظهره الى الوراء قائلا
- خذي وقتك انا لست مستعجل ابداً
امسكت تبارك القلم بين اصابعها التي اصبحت ترتجف بقوة ...بينما قلبها يخفق بعنف ...رباااه كم تحب هذا الرجل العنيد .... الم يشعر الى الان بحبها الصامت له !كيف يستطيع ان يتجاهل هذه الكيمياء والأنجذاب الواضح بينهما .. كيف !
وقف فاروق قائلا بلطف وهو يعدل سترته
- حسناً يمكننا اكمال العمل في وقت اخر !
وقفت وهي تقول بحرج طفيف
- يمكننا اكماله الان سيد فاروق !!
اجابها بهدوء وهو يلقي نظرة سريعة نحوعبد العزيز قبل ان يعاود التركيز على وجهها الناعم
- لا بأس انسة تبارك ....الظاهر انك ستنشغلين طويلا ... كما اني مستعجل بالفعل فقد تذكرت موعداً مهمه قد نسيته !
اومأت موافقة بصمت .. غادر فاروق المكتب بعد ان القى التحيه عليهما ... عادت تبارك للجلوس قائلا
- اهلا عبد العزيز كيف حالك ؟!
كانت تحاول ان تتحدث معه بهدوء ورزانة ... تدعي اللامبالاة مثل مايفعل هو بالضبط .....لكن ما يحصل داخل قلبها كان عبارة عن قفزات مهولة آلمت اضلعها ..... نبضاتها كانت تخفق بعنف من شدة قوتها ... شكت بأنه ربما سيستطيع سماعها لامحاله !!!!
-الحمدلله كيف حالك انت ؟!
وقبل ان ترد اردف بتهكم
- اعتقد بأني لست بحاجة لمعرفة الاجابة ! فأنت مما يبدو لي بخير وباحسن حال !
قالت بهدوء وهي تنظر له بعينيها الداكنتان الفحميتان
- الحمدلله على كل حال عبد العزيز !
اجابها بجفاف وهو يستند على جانب المكتب بمرفقه
- هلا بدأت بأجراءات الدفعة الاولى من القرض !
اومأت بألم وقهر وهي تنظر له بحزن .... متألمة على الحالة التي وصل اليها بسبب اوهامه وعناده الذي لامبرر منه ولاطائل .....
كان يراقب حركاتها بأشتياق .... يتمعن النظر لوجهها الأسمر الصافي .... رقتها وهدوئها ....تذكر ذلك الرجل ....شعر بنار تنشب بصدره مرة اخرى ... ترى هل يوجد بينهما شيء ما !!!!
ان لم يكن هناك مشاعر متبادلة من جهة تبارك فمشاعر واعجاب ذلك الرجل واضحة جداً ...حتى هو استطاع ان يلمح هذا الاعجاب وهو بعين واحدة فقط !!!
خرجت الكلمة من فمه بأندفاع وغيرة واضحة جعلت بصيص الامل يدب في اوصالها
- لطيف جداً السيد فاروق !!!!!
ابتسمت بهدوء ونظرت له بصمت لبضعة ثوان قبل ان تجيب موافقة بتعمد
- اجل معك حق
- ووسيم ايضاً! وهذا يجعله زوج مثالي تتمناه اغلب الفتيات !!
اتسعت عينيها بصدمة ...زوج مثالي !!!! الى ما يرمي اليه عبد العزيز .... رباه هو يعتقد بانهما ربما .... لالا هي حتى لا تريد ان تتخيل ما قد يجول بفكره !!!
سحبت نفساً عميقاً لكي تهدأ قليلا من ثورتها الداخليه .... ثم اجابت وهي تنتقي كلماتها بحذر وتعمد
- عندما تختار المرأة الزوج المثالي فأنها لا تفكر بوسامته يا عبد العزيز .... وابدا لم تقاس رجولة وغيرة الرجال بوسامتهم !
اجابها بسخرية طفيفة
- الوسامة ركن لا يتجزأ من اركان احلام اي فتاة تفكر بشكل سوي يا انسة تبارك !
عقد حاجبيها بعجز .... ربااه كم هو عنيد ...غبي ...ذو رأس حجري ... لايريد ان يفهم الى ما ترمي اليه ..... قالت بعناد وقوة وجراءة تفعلها لاول مرة
- الفتاة عندما تبحث عن شريك حياتها .... تبحث عن رجل بحق ... رجل يحتويها ... يحبها لشخصها .... فهي لا تريد حب المراهقين ...ولا تريد منه ان يتصل بها كل ليلة ليسمعها كلام الحب و الغزل ... ولا ان يكتب لها اشعار العشق والهيام ... هي فقط تريده هو ... برجولته .. بغيرته ... بحنانه ... تريده قريباً منها كقرب الوتين ... يفرح لفرحها ويحزن لحزنها ...يشاركها حياتها ... يمسك يدها بقوة ...يمسكها ليكملا طريقهما معاً .. والى الابد

ساد الصمت الثقيل بينهما .... تكاد تقسم بأنها لمحت دموعاً لامعه في عمق عينه الداكنة ....
كان عبد العزيز يتنفس بتثاقل ... وكأنه يحاول التقاط انفاسه المحتبسه من تحت الماء ... لم ينطق بحرف .... ام ربما هو لايجد ما يقوله لها ..... هي تخبره بطريقة مباشرة وصريحة جداً ..
بأنها تريده هو لشخصه .... لماذا قد تفعل ذلك !!!! أهي جادة بكلامها ...ام ربما هذا نوع اخر من الشفقة !!
كور قبضته بقوة .... ماذا قد يقدم لها رجل معوق ..محطم ..معقد مثله !!!! حتى وان ارادته فعلا فهو لن يخطو هذه الخطوة المجهولة النهاية .....
صده ورفضه لها هو لمصلحتها هي .... لانه يحبها لايريدها ان تتورط مع رجال لم يتبقى منه سوى حطام .... لن يدخلها لقلبه المهجور الذي لايحتوي سوى على اشباح مخيفة تدور في اروقته بضياع ... سيتعذب هو ويعذبها معه .... وقبل ان ينطق بحرف دلفت الى المكتب موظفة اخرى ..توجهت الى مكتب مقابل لمكتب تبارك .... انتهز الفرصة وكأنه يحاول الهروب من الاجابة ووقف قائلا بجمود
- حسناً انسة تبارك نلتقي في نهاية الشهر القادم مع الدفعة الثانية من القرض ...شكرا على المساعدة
تركها وغادر بهدوء كما جاء بهدوء .... راقبته هامس في سرها بحيرة وعذاب وهي تجاهد لكي تحبس الدموع التي تجمعت بعينها
- اه منك ايها الحبيب العنيد ..... ماذا افعل بعد كي تفهم وتستيقظ من غيبوبتك الوهمية ! بأي طريقة يمكنني ان اشرح لك بأني اريدك انت ..احبك انت ...ولن يحتل قلبي رجلُ سواك !!

..........................
....................................
البصرة عصراً
............
يجلس في مضيف عمه الشيخ راشد بهدوء ....ينتظر دخوله على احر من الجمر ....كل ما يريده الان ابلاغة بشأن خطبته وكفى .... سواءاً وافق او لم يوافق ..هذا لايشكل فرقاً عنده
المهم ان يحضا بها ...للأن هو غير مصدق بأنها وافقت ...وافقت على الزواج منه .....
منذ ان اتصل به وليد ظهراً وهو يشعر وكأنه يسبح فوق الغيوم .... رغم انها اطالت التفكير الى ان اتخذت قرارها ....لكن لاباس يحق لها الدلال ..... تلك هي رضاب التي ستصبح زوجته وشريكة حياته !!!
استقبلت والدته الخبر بفتور وبرود .... حسناً هو لايهمه ذلك .... يعرف والدته جيداً .. هي طيبة القلب .... رغم ما تدعيه من صلابة .... وهو متأكد كل التأكيد بأنهما ستكونان كالأم وابنتها .....
فقط فلتتعرف على رضاب عن قرب وتلمس رقتها وطيبتها ونقاء قلبها الصافي .... وهي ستقع بحبها دون ادنى شك ... تماما كما وقع ابنها على رقبته وانتهى به الامر هائماً بهواها كالمراهق الأبله !!!
تذكر ماحصل اليوم ظهراً ... كان يشرف على العمال في المصنع عندما رن هاتفه المحمول .... اعطى عدة توجيهات قبل ان يخرجه من جيب بنطالة ينظر الى المتصل بلامبالاة .... لكنه ما ان لمح اسم وليد حتى تجمد الدم بعروقة ... لماذا قد يتصل به الان .... فهو في الايام السابقة كان يحرص على الأتصال والسؤال عن زهير ..كما انه بارك له عندما خرج من الحبس وهنئه هاتفياً
اذن الامر يتعلق برضاب لامحالة !!!! سحب نفساً عميقاً ثم اجاب بهدوء بينما ضربات قلبه تدوي بصخب
- السلام عليكم ....اهلا وليد ...
صمت قليلا يستمع لما يقوله بحرص وترقب .... ملامحه المتحفزة المتشنجة انفرجت ...وارتسمت ابتسامة واسعة على ثغرة ...بينما أضاءت عيناه والتمعت بقوة ..... اطلق نفسه المحتبس براحة ثم اجابه بفرحة وحماس بينما يحاول قدر استطاعته تمالك لهفته
- سلمك الله يا وليد ....شكرا لك كثيرا .... اعدك وعد شرف بأني سأكون عند حسن ظنك .... لن تندم ابداً ثق بذلك
اغلق هاتفه بعد ان ودعه بحرارة ووعده بأن يأتي لزيارتهم محضراً معه والدته ليتم كل شيء بشكل رسمي وحسب الاصول .....
عاد من شروده على صوت عمه وهو يسعل بخشونه ... كان كالعادة يرتدي الزي العربي ... الذي يزيده هيبة ووقاراً ... هب معاذ واقفاً يستقبله بأدب واحترام .... ثم مد يده ليصافحه وهو يبادله التحية .... جلسا على الاريكة العريضة المذهبة ...بدأ عمه الكلام معاتباً
- كيف حالك يا ولدي ...لما لم تعد تأتي لزيارتي كالسابق ؟
ابتسم معاذ ببشاشة واجابه بهدوء
- معك كل الحق عمي ..اعتذر على تقصيري .. لكنك تعرف التنقل مابين المكتب والمعمل ومراقبة العمال لهو شيء متعب جداً !
اومأ عمه قائلا
- اعانك الله يا معاذ ! والان اخبرني ماسبب هذه الزيارة الغير متوقعة !
شعر معاذ بالحرج من عمه ...فهو بالفعل كان مقصراً بزيارته في الفترة الاخيرة .... لكنه لم يكذب قط ...فهو بالفعل كان مشغولا بالعمل كما ان ظهور رضاب وكذلك سفره المستمر الى اربيل زاد من انشغاله وتباعده عن الجميع ......
اجاب معاذ قائلا
- الحقيقة يا عمي ...ودون لف ودوران ....لقد قررت ان اتزوج
تهللت اسارير عمه واتسعت ابتسامته السعيدة وهو يقول مستبشراً
- ماشاءلله ... ماشاءلله ... اخيراً ستفعلها وتتزوج يا ولد ...لقد افرحتني جداً بهذا الخبر مبارك لك يا معاذ
اجابه معاذ بأبتسامة صغيرة
- سلمك الله عمي ..
اومأ عمه وهو يسبح بمسبحته قائلا بأهتمام
- والان لنرى من هي سعيدة الحظ ....بكل تأكيد هي واحدة من بنات العشيرة اليس كذلك ؟!
اجابه معاذ قائلا بهدوء وثقة
- لا ... ليست من العشيرة !
اختفت ابتسامة الشيخ راشد واجابه قائلا بجمود
- ماذا اذان غير ذلك ؟!!!!!
- هي من بغداد لكنها تعيش حاليا في اربيل ! شاهدتها بأحدى المرات واعجبت بها وباخلاقها ... وقد اخترتها زوجة لي !
ارجع عمه ظهره الى الوراء وقال بأنتباه
- اهااااا! اكمل لماذا توقفت !
نظر معاذ لعمه قائلا
- لم يعد هناك ما اخبرك به عمي ....
- اذن انت قررت ان تخطبها وانتهى الامر
اوما معاذ قائلا
- اجل عمي وقد اخذت الموافقة المبدئية من عائلتها !
اجاب عمه بجمود وبرود
- وان قلت لك بأني غير موافق ؟!
تنهد معاذ بعمق وهو يفكر ...هاقد بدأنا الحرب ...ابتسم واجابه بصبر
- مع احترامي الشديد لك عماه .... انا قررت الزواج منها وانتهى .... واتمنى فعلا ان توافق .... لانك ان وافقت او لا ..فأنا بكلا الحالتين سأتزوجها ! قراري هذا نهائي ولا رجعة فيه ! ابدا !
اجابه عمه بابتسامة صفراء
- انت تعرف بأننا لا نزوج بناتنا من الغرباء ولا نأخذ لأبنائنا الا من نساء العشيرة !
- وانا اسف عماه ...انا وكما اخبرتك منذ قليل اتخذت قراري وانتهى ...اتمنى فعلا ان تفهمني وتوافق ...ثق بأني ساكون سعيداً جدا بمباركتك لهذا الزواج !
قال جملته الاخير ثم وقف مستأذناً وقبل ان يخرج اردف بهدوء
- غداً سأسافر الى اربيل يا عمي وسأكون اكثر من سعيد ان رافقتني لتخطبها لي بنفسك فأنت بمثابة ابي ...عن اذنك .....
تركه وغادر بينما عمه راشد ظل يحدق بأثره متجهماً ....وهو يهمس يغيض ... هل سيعيد التاريخ نفسه !!! هل سيدع معاذ يفعل ما فعله شقيقة من قبل !! بعد خروج معاذ بدقائق دلف ولده زاهي الى الداخل وهو ينظر لوالده بفضول
- مالذي اراده منك معاذ وجعلك متجهماً هكذا ابي !!
اجابه والده قائلا بجمود
- تعال اجلس وسأحكي لك كل شيء بالتفصيل !
ما ان جلس قرب والده حتى اخذ الاخير بسرد كل ما قاله معاذ بينما زاهي يستمع لوالده مفكراً بتركيز ..... وما ان انتهى راشد من كلامه حتى قال زاهي بهدوء
- دعه يتزوج ابي !
هتف والده بأستنكار وقوة
- أجننت !!! كيف تقول هذا انت تعلم بأ.....
قاطعه زاهي قائلا بدهاء وفطنة
- دعه يتزوج ابي ..... زواجه هذا سيعود علينا بالفائدة ... و سنضرب عصفورين بحجر واحد !
ارتخت ملامح الشيخ راشد وردد خلفه متسائلا بعدم فهم
- سيعود علينا بالفائدة !!! وكيف ذلك ايها العبقري ؟!!!
- الان سأخبرك واشرح لك ابي
.......................
...............................
نهاية الفصل الثاني والثلاثين

رماد الغسقWhere stories live. Discover now