من طبيعة الإنسان إنكار مايجهل . فعلامَ لاينكر نفسه ؟
ومِن جهل الإنسان أنٍّه يسعى إلى المعرفة بحواسّه الخارجية لاغير . وحواسه الخارجيّة لاتتعدّى ظواهر الأمور. وهي محصورة ومحدودة .فكل ما تتناوله محصور ومحدود .وهي خدّاعة .فكل ماتحسّه خِداع .أمّا الحواس التي لاتستند إلى عينين وأذنين ويدين ومنخرين ولسان فهي في عرف الناس أوهام وأضغاث أحلام .ولو قلت لأحدهم إن له عينًا باطنيّة ، وأذنًا ليست من لحم ودم ،وإنّه بالتأمّل والسكوت يبصر ما لا تبصره العين ويسمع مالاتسمعه الأذن. لو قلت له ذلك لرماك بالطيش والجنون ،وكيف لمن يبصر ما لا يبصره الناس ويسمع مالا يسمعونه إلاّ أن يكون مجنونًا في عرف الناس؟
كثرة الكلام ملهاة للفكر.والبشر يهربون من السكوت والتأمّل .فأنّى لهم أن يدركوا الله ؟ والذين ينادون باسم الله من غير أن يدركوه بالتأمّل والسكوت -من غير أن يجدوه في أنفسهم-إنّما ينادون بأسمِ لامسمّى له. ولو أن البشر عرفوا الله لما قسموه إلى عبراني ومسيحي ومسلم وبوذي ووثني .ولما أهرق إنسان دم إنسان ،ولا أبغض إنسان إنسانًا من أجل الله .وما انقسم البشر مللًا ونحلًا إلاّ لأنّهم حاولوا المستحيل فحدّدوا الله الذي لا يُحدّ بلغاتهم المحدودة ، وقاسوا ما لايقاس بمقاييس بشريّة أرضيّة.وسيبقون كذلك إلى أن يدركوا قوّة الفكر،و إلى أن يسكتوا متأمّلين ومتفاهمين بالأفكار لا بالألسنة. ويوم يدرك الإنسان قوّة الفكر ثمّ يستطيع تسييرها حسب هواه ،يومئذ يصبح في إمكانه أن ينقل الجبال ويحمل البحار على أكفّ الرياح ..
- JoinedOctober 23, 2024
Sign up to join the largest storytelling community
or

"أن تبكي ، هذه طريقتك الوحيدة لتقسم للربِّ ..أنك عاجز.-بورخس .View all Conversations