«الموقفُ الثاني»

438 83 88
                                    


قد أشارت عقاربُ الساعةِ إلى العاشرةِ مساءً، وشقَّ القمرُ طريقَه لينسابَ بينْ السُحبِ كي يتحركَ مُتلألأً في ظُلماتِ الليلِ..
لَكِن كلَ ذلكَ لم يشتت ذهنَ«مريم»، والتي كانت تحاولُ جمعَ كُلِ ذرةٍ بتركيزِها لإنهاء ذلكَ المقالِ الذي تعمل عليِّه بعدما أنهت عملها الرئيسي، فقد باتت تعملُ بدوامٍ إضافيٍ؛ فبعد ترقيّتها الأخيرةِ في الجريدةِ تكثّفت المهامُ عليّها..

غزا الصُداعُ رأسها في همجيةٍ؛ إثرِ قلةِ نومِها في الفترةِ الأخيرةِ واعتمادِها على الكافيين بصورةٍ بالغةٍ لَم تعهدها مِن قبلٍ..

اقتحم المكتبَ أحدُهم بشكلٍ مُفاجئٍ أفزعها للغايةِ..

«كامل! ما الذي تفعلُه هُنا في ذلكَ الوقت؟».

لَمْ يرُدْ بل خطا بضعُ خطواتٍ دخولًا إلى مكتبِها، ونظراتُه مُرتكزةٌ عليها؛ مما أدى إلى وصولِ توترِها إلى ذروتِه.. ماذا بِه؟!

«لا شيء.. نسيتُ أحدَ أغراضي فقط
حرّك كتفيه مع ابتسامةٍ ساخرةٍ نابسًا بهذه العبارة.

«وهل نسيت ذلكَ الشيء في مكتبي يا كامل؟».
كانت تتحدث عاقدةً ساعديها أمام صدرِها، رافعةً أحد حاجبيها باستنكارٍ..

اقتربَّ بخطواتِه أكثر مِنها.. وهو ما زال يُحافظ على هذه النظرات الثابتةِ؛ حتى يُربِكَها.
إلى أن وضعَ يدَه على كتفِها بودٍ زائدٍ تعلم أنَّه مصطنعٌ..
«كنتُ أرغبُ فقط بالاطمئنانِ عليكِ، فما الذي يجعل فاتنةً مثلُكِ البقاءَ إلى ذلكَ الوقتِ في العمل؟ إلا إذا كانت..».
كانَ يتحدث بنبرةٍ أقلِ ما يُقال عنها أنَّها وضيعةٌ، بل وسمح ليدِه القذرةِ أن تنزلق لتصلَ إلى أعلى صدرِها..
مما جعلها تنهض صارخةً في وجهِه..
صفعتان قد انبعثتا من الغضبِ الذي اشتعل بكيانها، وهوتا على وجهه القمئ..

صاح، ثار، سبَّ ولعنَّ..

«كيف لمَن يعلوَّني في المنصبِ ويشرف على عملي أن يكونَ أنثى؟ ياللعار!  أنتن لا تفقهن شيئًا عَن سوقِ العمل!».

«أنتِ لَم تترقِ سوى لسببٍ واحدٍ كلُنا نعلمُه.. تُرى ما الذي حدث بينكِ وبين المُديرِ كي يُرقيَّكِ؟»

«يا لَك مِن وقحٍ وقذرٍ.. أنتَ مرفودٌ، لا أرغبُ بأؤناسٍ يعملون معي لديهم هذه العقلية الدنيئة! كما أنني سأعرِّضُكَ للمسائلةِ القانونيةِ؛ فلا تنسى أنَّك تحرشت بي».
أنهَّت صُراخَها المقهورَ مُشيرةً إلى الكاميراتِ المتواجدةِ في كُلِ رُكنٍ في الجريدةِ.

غادر حينما أدركَ مدى حمقَه ودنائته..
لكنّ جسدَ «مريم» لَم يكف عَن الارتجافِ، كيف لأحدٍ أنْ يُفكرَ بهذه الطريقة؟
كيف لشخصٍ يكوّن عنها صورةَ عاهرةٍ لمُجردِ أنَّها مجتهدةٌ في عملِها، ولقد ترقيت؛ نظرًا لتفوقِها، والجميعُ يشهد بتفانيها في العملِ.
لِمَ لأحدِهم أن يكونَ بهذهِ الوضاعةِ؟

-

ذلكَ الفصلُ يحوى نوعين مِن التحرُّشِ:
-التحرُّش الجسدي
-وما يُسمى بالـ"Gender Harassment"
أو محاولة التقليل من أو إهانة الشخص لمُجردِ كونِه أنثى.

نسويّةWhere stories live. Discover now