«الموقفُ الخامسُ»

267 63 68
                                    


دقَّ الجرسُ في تلكَ المدرسةِ العُليا المشتركةِ مُعلنًا عن انتهاءِ الحصةِ الرابعةِ تزامُنًا مع رغبتِها في الصُراخِ مِن فرطِ الألمِ الذي تشعرُ بِه..

«رنا»تتلوى حرفيًا؛ إثرِ شعورِها بأمعائِها تتمزقُ، وأيضًا بالعجزِ الذي يملأ كيانَها..
فهي لا تستطيعُ أن تقفَ أو تجلسَ بصورةٍ طبيعيةٍ أي أنَّها لا تجدُ أي وضعٍ مُريحٍ بالنسبةِ لها..
دوارٌ يغزو رأسَها في همجيةٍ؛ فيجعلها غيرَ مُتزنةٍ..
رغبةٌ جامحةٌ في البُكاءِ تحاولُ مقاومتَها..

تتمنى لو كانت دُميةً، قلمًا.. شچرةً!
لهو أهونُ بكثيرٍ مِن تلكَ الصراعاتِ والحروبِ التي تشعُر أنَّها تُشَّن في الجُزءِ السُفلي مِن جسدِها، أي في رحمِها بالتحديدِ، وأسفل ظهرِها..

«رنا.. هل أنتِ بخيرٍ؟ تحتاجينْ لشيئٍ كـ..؟».

صوتُ صديقتِها «كاميليا» القَلِقِ انساب إلى مسامعِها؛ لينتشلَها مِن دوامةِ السوداويةِ التي تُصطَحب برفقةِ دورتِها الشهريةِ..

«أنا.. أنا أحتاجُ مُسكنًا بسُرعةٍ.. رحمي يتمزق.. لا أعلمُ لِمَ عليَّ أن أتحملَ ذلكَ؟!».
كانت تحاولُ جمعَ هذه الكلماتِ بين دموعِها التي انسابت على وجنتيها؛ مُعبرةً عن آثارِ ذلكَ العراكِ الذي تشعرُ بِه داخل أحشائها.

«حسنًا حسنًا.. اهدأي، تعالي لنذهبْ إلى ممرضة المدرسةِ، وستُخبرُنا بما علينا فعله، لكن لا أعتقدُ أنَّ الفوطَ الصحيةَ تتوافرُ ها هُنا».

نبست «كاميليا» بهذه العبارةِ محاولةً أن تُهدئَ مِن روعِها، بينما تُربتُ على كتفِ الأُخرى في حُنوٍ..

«لكنني أشعرُ وكأنَّ هناكَ نزيفٌ، ولم آخذْ في الاعتبارِ أنَّ ذلكَ سيحدث بتلكَ الكثافةِ..».
نبست بها بصوتٍ مُرتعشٍ وجسدها بالكاملِ يرتجفْ..

نزلا بصعوبةٍ بالغةٍ بينما تُحاولُ «رنا» الاتكاءَ على صديقتِها وهي تُصارِعُ ذلكَ الألمِ الذي يجتهد كي يفتكَ بِها..

ساروا في الفناءِ متوجهين نحو برويةٍ؛ مُراعاةً لتوَّچُعِ «رنا» الجسديِ..
كان الفناءَ مُزدحمًا بشكلٍ أزاد الدُوارَ بكيانها..
العديدُ مِن الأولادِ يتشاچرون بغوغائيةٍ مُحدثين جلبةً في جميعِ أنحاءِ الساحةِ..

سُرعان ما وضعت «رنا» يدَها على فمِها وهرولت بينما تحاول «كاميليا» اللحاق بِها إلى دوراتِ المياه مقاومةً تراخي جسدِها، تألُّمِه، ارتجافِه وشعورها بأنَّه يكادُ أن ينهارَ.

لكنها لَمْ تستطعْ تمالُكَ ذاتها وتقيأت!
تقيأت كثيرًا.. بل شعرُت وكأنَّ روحَها تخرُجُ مِن جسدِها..
كانت تُربت «كاميليا» على ظهرِها، وتُخبرُها أنَّ كُلَ شيئٍ سيكون بخيرٍ، لكنَّ الأخرى لَم تكنْ تسمع ما تقوله..

رؤيتُها صارت ضبابيةً..
كلُ جزءٍ بجسدِها يؤلمها..
تبكي..
تريد أن تصرُخَ..

تجمَّعت حولُها بعضُ العاملاتِ، المعلمون، وقليلٌ مِن زُملائِها..
ساعدتها صديقتُها؛ كي تغسلَ وجهها ويديها؛ حتى تُمحي جميعَ آثارِ القئ..

عشرُ دقائقٍ مرّت؛ حتى أخذت المُسكنَ الذي أعطته إياها ممرضةُ المدرسةِ، لكنَّها لَم تجدْ فوطًا صحيةً لديها، والدوامُ لَمْ ينتهِ بعد، هي حقًا في مأزقٍ!

كانت عائدةً مع «كاميليا» إلى الفصلِ مُستسلمةً إلى الأمرِ الواقعِ.. رُبما تستخدمُ مناديلًا ورقيةً بشكلٍ مؤقتٍ.. تُريدُ أن تبكيَّ حقًا..

«لن أهبطَ إلى مستواكَ.. فأنتَ حائضٌ مثلُها»
هتف أحدُ الفتيان بسُخريةٍ مُخاطبًا زميلَه الذي كان يتشاچر معه، مُشيرًا إلى بنطالِ «رنا» الأزرقِ الذي قد تصبَّغ ببُقعٍ حمراءٍ..

ظلَّت ثوانٍ في صمتٍ؛ كي تستوعبَ ما قاله ذلكَ الأرعن!

التفتت لَهُ بينما ترفُع إحدى حاجبيها..
«إذا كنت تستخدمُ الدورةُ الشهريةِ كوسيلةٍ لسبِه أو إهانتِه؛ فيُسعدني أن أحيطُكَ علمًا بمدى جهلِكَ وإدراكك المحدود؛ لأنَّ لولا هذا الطمث الذي تستخدمه كإهانةٍ؛ ما كنت لتتواجدَ ها هُنا على قيدِ الحياةِ.. خمن لِمَ؟».

«ما الذي تهذين بِه يا هذه؟ أي هُراءٍ ذلكَ؟ هذا ليس له أي أساسٍ مِن الصحةِ و..»
كاد أن يُكملَ حديثَه صائحًا..

«هه كما توقعتُ، أنتَ مُجردُ أحمقٍ.. دعني أخبِرُكَ يا أبله؛ أنَّ دمَ الحيضِ ذلكَ يكون بمثابةِ بطانةِ رحمٍ للجنينِ، أي أنَّ تلكَ الدماءِ هي من الوسائلِ الأساسيةِ لحمايتِه، لذا لولاه لكنّا الآن نحتفل بذكرى وفاتك في رحمِ أمِكَ قبل أن يكتملَ نموّك.. ثُمَّ هل كنتَ إمرأةً مِن قبلٍ حتى تُدركَ مقدارَ الألمِ الذي نُواجهه؟ الإجابة: لا؛ لذا لا تتفوه بما لا تعرفُ عنه شيئًا

«أنتن تُبالغن!.. نعم تُبالغن! تحاولن استغلالَ هذا الأمرِ لتجنيّن التعاطفُ ممن حولكن!».
صاح في سخطٍ بينما احمرَّ وجهُه غضبًا..

«نُبالغ؟ حقًا؟ أنتَ يُمكنُكَ أن تعترضَ وتسخط على أنَّ مثانتَك البوليةَ قد أيقظتكَ؛ لاستعادتها الشغفِ ورغبتِها في العمل، لكن هل جربت أن يوقظَك الرحمُ لاعتراضِه على عدم وجودِ جنينٍ؟... هل تعلم يا أخرق أن الشُعيراتَ الدموية لجُدرِ أرحامِنا تتمزق شهريًا متحولةً إلى دمِ الحيضِ؛ حينما لا يحدُث حملٌ؟.. هل تعلم أنَّ الأبحاثَ العلميةَ المُستمرةَ أثبتت أن ألمَ الدورةِ الشهريةِ يُعادلُ ألمَ الشخصِ حينما يُصابُ بأزمةٍ قلبيةٍ؟».

ظهرت أماراتُ الدهشةِ على وجههِ وهي تصدمُه بهذه المعلوماتِ التي لَمْ يكُنْ يعلم عنها شيئًا..
رُبما عليه إعادةُ التفكيرِ.. أو إعادةُ هيكلةِ تفكيرِه مِن الأساسِ.

«بالطبعِ لا تعلم! ثكلتك أمُك!».

-

كونوا أكثرَ لُطفًا حينما تتعاملون مع أنثى تمرُ بهذه الفترةِ العصيبةِ؛ فأنتم لا يُمكنكم إدراكَ حجمِ المُعاناةِ!

نسويّةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن