(٣٠يوم جواز "اليوم الخامس")

450 17 0
                                    

إستيقظ هيثم في العاشرة صباحاً كعادتهُ فلم يجد زوجتهُ مُستلقية جانبهُ..فهي إعتادت الإستيقاظ مبكراً هي الأُخرى..هبط هيثم لأسفل حيثُ المطبخ فلم يجدها..بل وجد والدتها تُحضر الأطعمة المختلفة فقال لها:" معقول يا طنط؟..حضرتك اللي واقفة في المطبخ وبتجهزي الفطار بنفسك؟"
_"وفيها إيه يابني هو أنا غريبة ولا بعمل فطار لحد غريب..إنتو ولادي..ولا إنت بقى مش معتبرني زي والدتك وهتعاملني كضيفة؟"
="لأ ضيفة إيه بس؟..حضرتك في مقام أمي الله يرحمها..بعدين أي حد يعز على هبة أشيله في عيوني..أنا بس قصدي على تعبك"
_"تعبكم راحة يا حبيبي.. تسلم من كل شر يابني ويطرح فيك البركة وأفرح بعيالك إنت وهبة يارب".
أخفض هيثم صوتُه مُقترباً من والدة هبة قائلاً لها: "وطي صوتك يا طنط..إوعي تنطقي إسمها قدامي وهي قاعدة لا تفضحينا"
_"حاضر يابني"
أمسك هيثم يد والدة هبة وقبلهُما قائلاً لها: "يخليكي لينا يا ست الكل"
ربتَت والدة هبة على ظهر هيثم بمحبة وحنان فذكّرتهُ بوالدتهُ حين كانت تُربِت على ظهرِه راضيةً عنهُ فشعر بأن رائحتُها تُعبّق روحِه وتسكُن قلبِه وشعر بالهدوء والإطمئنان والسكينة والحب والأمان..شعر بأنهُ عاد لطفولتهِ من جديد..عاد هيثم لبحثهِ عن زوجتهُ الجميلة..فوجدها تخرج من الحمام مُلتَفّة بمنشفتها الطويلة مُبرزة فخذيها وذراعيها وعلى رأسها منشفة صغيرة تُغطي شعرها المُبتل وجُزءاً من نهديها بارِزان فَعلَت إبتسامة على وجه هيثم ولمعَت عيناهُ فدندن قائلاً:" يا خارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخة..خوخة خوخة خوخة.. آآآه"
سترت هبة كتِفيها ونهديها وهي تشهَق من فزعتِها وقالت لهُ بإرتعاد:"إنت إزاي تدخل من غير ما تخبط؟"
_"وأخبط ليه؟..أوضتي ومراتي"
="على فكرة مش أوضتك لوحدك وكان لازم تخبط"
_"لأ مش لازم..لو كنت خبطت مكنتش شوفت القمر وهو مبلول كدة"
="إنت قليل الأدب على فكرة "
_"وإنتي لسانك طويل وأطول منك على فكرة.. ثم إنك مراتي..يابت إنتي مراتي"
="بلدي أوي..وبعدين دة ميديلكش الحق إنك تدخل عليا فجأة في أي وقت من غير تخبيط ولا إستئذان"
_"أوضتي..وليا الحق أدخل عليكي في أي وقت وأقرب منك كمان..حلال ربنا..إيه؟"
قالها وهو يَقترِب منها مُمسِكاً إياها من خصْرِها المَمشوق وشدّها إليه بعُنف حتى إلتصق جسدهُما ببعضَهُما بعضاً مما أشعل شرارة العشق والإشتياق والرغبة بينهما فقالت هبة بإرتباك:"وإنت مفكر إنك كدة بتخوفني أو بتوترني؟"
_"تؤ..مبخوفكيش ومبوتركيش..أنا بحبك"،ثم إقترب بشفتَيه لتُلاصِق شفتاها الصغيرتين لإرتشاف قُبلة مُنتظرة مُنذ وقتٍ بعيد ولكن إنقطع لهيبها حين دخلت والدة هبة فجأة عليهِما وقطعت وصلتهُما المُلتحِمَة الحادة فإنتفضت هبة من مكانِها مُحاولةً إبعاد هيثم الذي إنتفض.. وشعرا كأنهُما ما زالا في مراهقتهِما وقد كشف أمرهُما في مَوضع مُخِّل بالآداب التي خالفوها بفعلتهِما..فقالت والدة هبة بإرتباك واضح:" يووه..معلش ياولاد نسيت أخبط على الباب..يا قلة ذوقي"
_"ولا يهمك يا ماما مفيش حاجة.. صباح الخير"
="صباح النور..يلا الفطار جاهز تحت..كنت جاية أستعجلكو عشان تنزلو قبل ما يبرد"
_"حاضر يا ماما هلبس حالا وآجي وراكي علطول"،أومأت والدة هبة بالمُوافقة وغادرت الغُرفة وأغلقت خلفها الباب بعناية وحرص شديدَين..فنظر هيثم لهبة غير مُستوعِباً لما حدث..تنهدت هبة قائلة في نفسها:" الحمدلله"،ثم إنتبهت لوجود هيثم الواقِف مُقابِلاً لها و مازالت تعتَريه الدهشة فقالت لهُ بغضب وحِدَّة:" عجبك كدة؟"
                                            ..............  _
="إيه؟..هتفضل باصصلي كدة كتير؟..يلا إتفضل إنزل..إطلع برة..قاعدلي هنا تعمل إيه؟ "
إقترب منها هيثم وأزال المنشفة من فوق جسدها الناعِم وهو يقول:"ما تيجي ألبسك"
ركضت هبة من أمامِه وهي تُمسك بالمنشفة التي سقطت على الأرض مَغْشياً عليها أمام جسد جميلتهُ..فأعادت هبة لفتها من جديد خَجِلة من هيثم فركض ورائها قائلاً:"إستني بس..مش هعمل حاجة.. أنا قصدي خير..أنا غرضي شريف" ، أغلقت هبة باب الحمام عليها بالمفتاح وخرجت عندما سمِعَت صوت باب الغُرفة يُطرَق مُعلِناً خروج هيثم من الغُرفة فإطمئنَّت و فتحت الباب فوجدت هيثم يدفعُها للداخِل فجأة ويُحكِم غلق باب الحمام خلفه...
                        ...............
أعدت أم هبة من أطايب وألذّ الأطعِمَة إحتفالاً بأبنائِها حَديثي الزواج "هيثم وهبتهُ الجميلة"
هبط عُصفورَين الزَوجيَة الجُدد فقالت والدة هبة بنبرة عِتاب:" الأكل برد يا ولاد"
_"جينا"
تناوَلت عائِلَة هيثم الجديدة فطورِهم..حيثُ أصبح لهيثم عائلة جديدة مُنذ دخلت هبة لحياتِه ومع إنضمام والدة هبة إليها في منزِّل واحد..هذا كان يُشعرهُ بأنهُ صاحب عائلة صغيرة هو من يَعولها وهو من يهتم لأمورها..كيفما كان يفعل والدهُ في سنوات طفولتِه.
عند إنتهاء هيثم من الطعام قام شاكِراً والدة هبة على صُنع يداها وصعد للغرفة ليُبدِّل ملابسهُ قبل شروعهِ للخروج للبَتْ في قضية أحمد أخيه التي ما زالت مُعلقة ولم يجد بها أي جديد منذ البارِحة..نغزت أم هبة إبنتها قائلة لها:" سيبي الطفح وقومي جهزي لجوزك الحمام..خلي عندك دم"
_"أنا لسة جعانة يا ماما هخلص أكلي وأقوم"
="يابت فزي قومي..الأكل مش هيطير"
_"يوووه بقى..طييب"
غادرت هبة في تأفُّفْ خلف زوجها تُتمتِم بكلمات مُبهَمة فقالت الأم في ذهنها:"بنات آخر زمن".
بينما كان هيثم يستحِم إستعداداً لتبديل ملابسهُ للخروج كانت والدة هبة في وادٍ غير واديهم..كان كل تفكيرها حول إبنتها..ماذا لو عَلِمت هبة بأن زواجِها المُفتَرض أنهُ إتفاق بينها وبين توأم زوجها لمدة لن تتخطى الشهر ..لُعبة..لعبها عليها هيثم ليحتضنها في شباكهِ للأبد بعد إستطاعتهُ أن يوقعها في عشقِه وكل هذا بمشاركة والدتها وعلمها بالحقيقة كاملة وموافقتها على هذا الزواج..فهو زواجٌ مشروط بالنسبة لهبة.. ما هو موقف هبة؟..ماذا ستكون ردة فعلها عندما تعلم بذلك؟..ماذا سيكون شعورها عندما تعلم بأن هيثم وأدهم وجهان لعملة واحدة..هما الشخص ذاتِه..ما هما إلا شخصاً واحداً..وهو زوجها العزيز..و كل هذا ما هو إلا كذبة مُخترعة من وحي هيثم..ما مدى قوة صدمتها حينما تعلم؟.
                   .. ...................
 
_"جميلة يا حبيبتي "
="نعم"
_"هاتيلي فوطة..نسيتي تجيبيها وإنتي بتحضري حمامي"
="لأ إزاي..أنا متأكدة إني جبتلك..حطيتها بإيدي"
_"معلش يا حبيبتي..عادي كلنا بننسى..ممكن تجبيلي واحدة وأديكي تمنها بعدين؟..أصلي معييش فكة في الحمام"
="هاهاها..هتموتني مرة بظرافتك دي"
أخرجت هبة منشفة من خزانة ملابسهم الخاصة وطرقت باب الحمام طرقة خفيفة ففتح هيثم الباب فتحة ضئيلة للغاية وكانت هبة تقف خلف الباب تمُد يدها تجاه الفوَّهة الصغيرة تلك واضعة عينيها أرضاً..فسحبها هيثم إليه فجأة للداخل سحبة عنيفة لاصِقاً إياها خلف الباب بعدما أغلقهُ..وإقترب بجسدهُ العارٍ المُبتل من جسد هبة قائلاً لها بخبث:"أنا شوفتك الصبح من غير هدوم..ودلوقتي إنتي شوفتيني من غير هدوم..كدة نبقى خالصين"
ردت عليه هبة بإرتباك:"ومين أصلا قالك إني كنت عايزة أشوفك كدة؟"
_"كنتي هتموتي وتشوفيني كدة يا جميلتي "
حاولت هبة التملُّص منهُ ولكنها كانت في وضعية حرجة للغاية..فغمزها هيثم قائلاً لها: "مش يلا بقى ؟"
_"يلا إيه ؟"
="يلا نجيب عبدالله"
صفعتهُ هبة صفعة قوية إجتاحت جسدهُ بالكامل فإقترب إليها أكثر ليثأر منها بإلتهام قُبلة عنيفة لم تقوىَ هبة على الفرار منها حتى أصبحت القُبلة العنيفة قُبلة حارّة ومن ثم ساخِنة فإبتعد هيثم قليلاً وقال لها:"مش أنا نبهتك قبل كدة من اللي عملتيه دة ؟..ولكن مفيش فايدة..يبقى إنتي اللي جبتيه لنفسك بقى يا حلوة "
تذكّرت هبة أول لقاءٍ لهما عندما صفعتهُ بنفس الطريقة التي لا تَقِل شراسة عن صفعتِها للتّو..ولكن ماذا تفعل؟..لا مفر للهرب هذه المرة ..ولا مفر من العقاب والإنتقام..جرّدها هيثم من ملابسها بعُنف بعدما حملها لحوض الإستحمام مُبللاً إياها وغمرها برغوة الصابون فقالت لهُ بإرتباك:"على فكرة دة تصرف مش كويس وممكن يندمك بعدين"
_"وأنا عايز أندم..ندميني كدة"،ثم إقترب من أُذنها وقال بهمس:"مش هيثم اللي يندم على حاجة ربنا حللهاله ومن حقه..ها؟..إيه تاني؟"
_"طب لو سمحت مش عايزة "
="مش عايزة إيه؟"
_"مش عايزة تجاوزات من فضلك"
="إستحملي نتيجة أفعالك"
إستسلمت هبة بعد وقت من محاولات هيثم في التحكُّم في قواها..إستسلمت لواقعها ولقُبلاتهِ الساخنة بل وإندمجت معهُ فيما بين القُبلات والعِناق والمُشتَّق فيما بينهما حتى إشتدّت المعركة بينها وبين هيثم فحملها على فراشِهم برغوتها لإتمام المعركة على أكمل وجه..ومن بعد هذه اللحظة أصبحت هبة إمرأة مُتزوجة فعلياً ورسمياً..علمياً وعملياً..شرعياً وقانونياً..نامت هبة في أحضان هيثم بعدما عادت لطفلة بريئة بعدما كانت قطة شرِسة في الفِراش..أخرجت كل قوتها وطاقتها حتى هدأ تهدجها وغفلت كالأطفال الرضيعة بين أحضان أُمهاتِها..كان هيثم غير مُصدّقاً لما فعلَه..وأخيراً نال اللحظة المُنتظرة مُنذ أن رآها وأحبها..مُنذ أول ليلة لم يحدُث بها المُفترض حدوثِه. مرّ يوم وإثنين وثلاثة حتى بات فاقِداً الأمل في أمر حبيبتهُ مُتيقناً أنها لم تُحِبُّه ولا تشتاقهُ ولا ترغب فيه كما يشتاقها ويرغبها..كان مُتيقناً أنها لن تُحِبّهُ أبداً وسوف تتركهُ بعد مرور الثلاثين يوماً..حملها هيثم من فوق صدرهِ واضعاً إياها بهدوء على الفراش جانبهُ كما ترفع الأم طِفلها من صدرِها لتُلقيه على الفراش لينعَم بنومٍ هادئ وهو لا يشعُر بأنها قد أزالتهُ من بين ضلوعها..وقام لإرتداء ملابسهُ لإكمال مسيرتهُ المُفجِعَة لقلبهُ مودعاً والدة هبة طالباً منها أن تترك هبة حتى تستفيق وحدها فأومأت والدة هبة إيجاباً ودعت لهُ بأن يهدئ الله سرهم ويرزقهم الذرية الصالحة وأن يعوضهما خيراً.
عاد هيثم لإنهماكهِ في تفاصيل فعلة أخيه..متوجهاً لقسم الشُرطة "مكتب/كمال السعيد" لمواجهة أخيه الذي تم القبض عليه ليلة أمس.
_"أستاذ هيثم"، قالها الضابط وهو يمد يدهُ للمصافحة..فبادرهُ هيثم المصافحة والتحية قائلاً:" كمال باشا..أخبار حضرتك"
_"بخير والحمدلله..كله ماشي تمام"
="يديمها عليك نعمة"
_"يارب"
طلب الضابط القهوة المضبوط لكليهما طالباً من هيثم إحتسائها حيالَ وصول أخيه المُتّهم الفعلي مع المتّهم الآخر المدعو"شقاوة"..وعند إنتهاء القهوة كان قدوم كُلاً من المتهمين "أحمد وشقاوة" مُعلناً بطرقات على الباب ثم دخلا تلو بعضهما البعض فقال المحقق كمال موجهاً كلامهُ "لشقاوة": "إزيك يا شقاوة..أتمنى تكون الضيافة كما يجب أن تكون"
_"خدمة خمس نجوم يا باشا"
فوجهَ الضابِط كلامهُ "لأحمد": "أستاذ أحمد..إيه الأخبار يا كبير؟"
_"أفندم؟..حضرتك محتجزني هنا من إمبارح عشان تسألني إيه الأخبار؟..ممكن أفهم أنا بعمل إيه هنا؟"، ثم وجه كلامهُ لأخيه سائلاً:"إنت بتعمل إيه هنا يا هيثم ؟"
فسألهُ الضابِط: "إيه دة فعلا مش عارف؟"
_"أحب أعرف..وياريت نلم الموضوع بهدوء من غير شوشرة عشان مضطرش ألجأ لأساليب مش هتعجبكم"
="دة تهديد؟"
_"دة تحذير"
="طيب..حيث كدة بقى حضرتك متهم بقضية شروع في قتل مع سبق الإصرار"
_"نعم؟..قتل إيه وقتل مين وليه؟..وفين دليلك على الإتهامات دي؟..دة أنا هوديكو في داهية"
="مفيش داعي لتهديداتك وتحذيراتك يا أستاذ أحمد.. و الدليل معانا واقف وراك"
نظر أحمد "لشقاوة" فأطلق "شقاوة" تحياتهُ على أحمد فسألهُ الضابط:"مش دة اللي كلفته يقوملك بالمهمة دي؟"
="أكيد في سوء تفاهم..حضرتك أنا معرفوش"
_"بس هو باين عليه عارفك عز المعرفة أهو..دة حتي العشم باين بينكو ياراجل..عموما متتعبش نفسك..الكاميرات صورته وجابته وإحنا جبناه وهو إعترف عليك"، ثم سأل الضابط شقاوة:"ولا إيه يا شقاوة.. مش هو دة برضو؟"
_"أيوة يا باشا هو"
قاطعهُ أحمد مُنفعلاً:"أيوة إيه؟..إنت تعرفني منين أصلا؟..إنت شوفتني قبل كدة؟..يافندم أنا أول مرة أشوفه..أكيد حد متآمر عليا"
قال الضابِط ببرود:"متآمر إيه يا أحمد بيه..القضية متقفلة والأدلة موجودة وصحيحة مليون المية"
_"قضية إيه يا فندم وقتل إيه؟ "
="شروع في قتل أخوك والمدام بتاعته"
_"يا فندم أنا معرفوش وعمري ما شوفته عشان أتفق معاه..وأتفق معاه على إيه ؟..قتل أخويا اللي من لحمي ودمي؟"
بادرهُ هيثم بحسرة:" دلوقتي إفتكرت إن ليك أخ من لحمك ودمك؟"
_"صدقني يا هيثم"
="إن كنت ناسي أفكرك..بس أنا بقول ملوش داعي نجيب الدفاتر تنقرا"
_"والله العظيم ما شوفته ولا أعرفه"،ثم وجه سؤالهِ لشقاوة:"أنا أعرفك يابني؟"
_"لا إله إلا الله يا أستاذ أحمد.. وأنا هستفاد إيه لما أخبي وأكدب وأتحبس أنا وأنا مليش ذنب..أنا عبد المأمور وبس يا باشا..إنما أتلط ف قتل وما قتل يبقى لا أبقى على عدو ولا حبيب..لحد هنا وخط أحمر يا باشا"
="آه يا كلب يا حقير..دة أنا هخرب بيتك..مين سلطك عليا؟..إنطق"
_"يا باشا إعترف وخلصنا بقى خلينا نتفض..ملوش لزوم التحوير دة..محصلة بعضيها"
="محصلة إيه يا كلب..إنطق..إنطق بدل ما أروح فيك في داهية"
_"يا باشا منتا كدة كدة رايح في داهية"
="والله لا أخلص عليك يا مجرم يا حقير"
أمسك أحمد "شقاوة" من رقبتِه متوعداً لهُ..إما الإعتراف أو الموت وهو ينطق تلك الكلمات العنيفة..حيثُ كان الضابِط وهيثم في تلك اللحظة يُخلصان "شقاوة" من بين يدي أحمد بالقوة فقال لهُ هيثم بحسرة:" إيه؟.. خلاص القتل بقى عندك حاجة سهلة أوي كدة؟"
_"أنا مقتلتش ولا حاولت أقتل حد يا هيثم ولا حتى حاولت أسلط عليك حد"
="كان نفسي يكون كلامك دة الحقيقة..بس في أدلة وبراهين بتقول عكس كلامك دة..بس والله كان نفسي تكون دي الحقيقة..وكان نفسي متحطش في الموقف دة في يوم من الأيام يا أحمد"، وغرغرت الدموع في عيناه فأبتعد عن أخيه الذي دمعت عيناه هو الآخر
_"سجل عندك يابني حبس أربع أيام على زمة التحقيق"، قالها الضابط ودعى العسكري لإصطحاب أحمد فإجهش أحمد بالبكاء وهو ينطق بكلماتهِ المخنوقة قاسماً لأخيه أنهُ لم يفعل ذلك..وبعد دقائق من الصمت والحزن والدموع والبكاء قال هيثم لشقاوة:"على إتفاقنا..هساعدك في كل اللي إنت عايزه وكل اللي أقدر عليه..فقال الضابط موجهاً كلامهُ لشقاوة:" تقدر تروح دلوقتي تستجملك يومين كدة..وياريت متختفيش أحسن وحياة امك لو حصل ما هرحمك..لسة عايزك"
_"تؤمر يا باشا"
="إتفضل"
غادر شقاوة وتلاهُ هيثم بعدما شكر الضابط على ما بذلهُ من مجهود في قضيتهُ..وفي الخارِج رأى هيثم رجُلاً يُراقِب شقاوة ويتبعهُ كظلِّه دون علمِه..ثم نظر لهُ الرجُل وعاد لإكمال مسيرتهُ.
                     ___________
في منزل هيثم تستيقظ هبة التي كانت تزال نائمة..إستيقظت وهي لا تذكُر شيئاً..ترجَّلت لأسفل فوجدت والدتها جالسة أمام التلفاز وفي حوذتها طبقاً كبيراً وسكّين وبعضاً من الخُضروات الطازجة و حولها أكياس كثيرة من الخُضروات الأُخرى مُتراصّة حولها فقالت هبة بدهشتها:"إيه يا ماما اللي إنتي عاملاه دة؟"
_"زي مانتي شايفة كدة "
="إيه كل دة ؟"
_"دة شوية خضار جبتهم عشان أظبطهملك بما إني قاعدة معاكو اليومين دول..وكدة كدة مبعملش حاجة.. ومش لأجلك لأ..لأجل جوزك الغلبان اللي زمان معدته باظت بسببك"،ثم أردفت:"أنا مجهزالك كل حاجة على التسخين بس"
="ربنا يخليكي ليا يا ماما.. تعبتي نفسك والله وأنا أساسا إتعلمت أطبخ"
_"بجد؟..إتعلمتي إمتى وإزاي ومين علمك؟"
="قبل الحادثة بيوم إتعلمت من التليفزيون"
_"اللهم صلي على النبي"،قالتها الأم بعدما أطلقت زغاريدها فقالت هبة ضاحكة:"إيه يا ماما اللي إنتي بتعمليه دة؟..كل دة عشان قولتلك إني إتعلمت الطبخ؟"
_"وهي دي شوية ؟..الحمدلله بيضتي وشي"
="حساكي أوڤر شوية؟"
_"مش أوڤر ياختي ولا حاجة.. يلا بقى شدي حيلك كدة.. نفسي أشيل حفيدي قبل ما أموت"
="بعد الشر عليكي يا ماما متقوليش كدة..ربنا يخليكي ليا وميحرمنيش منك أبدا ويجعل يومي قبل يومك ياستي"
_"طب يلا همتك معانا..شدي حيلك وفرحيني"
="إيدك معايا يا حاجة"
_"إيدي معاكي في إيه ؟"
="في حيلي يا ماما.. تقيل مش قادرة أشده لوحدي"
_"غوري من وشي يا هبة" ، ضحكت هبة وقالت:" كله بأوانه يا ماما.. لما ربنا يأذن ويريد"
="ونعم بالله.. ربنا يرزقكو الذرية الصالحة يابنت بطني"
وفي ظل هذا الحديث إنتبهت هبة أنها لم تتفقد أحوال هيثم بعد .. فأخرجت هاتفها من جيب سروالها وقامت بمهاتفتهُ..ليرُد عليها هيثم بعدما مسح دموعِه قائلاً لها بمرح:"ألو"
_"أيوة يا هيثم إنت فين؟"
="في قلبك"
_"قديمة..إنت فين بجد ؟"
="في الشركة يا جميلتي "
_"إيه الأخبار؟"
="كله تمام..في حاجة ولا إيه ؟"
_"لأ مفيش.. بطمن بس"
="منتحرمش من العين و الرمش..أنا كويس يا حبيبتي.. متقلقيش..إنما إنت عامل إيه يا وحش..طمني عليك؟"
_"وحش في عينك"
="حقيقي إنتي المثال الحقيقي لكلمة وحش"
_"وإنت المثال الحقيقي لقلة الأدب..يا قليل الأدب"
="خلي بالك من نفسك يا حبيبتي لحد ما أرجع"
_"حاضر"
="كلي كويس أوي"
_"إشمعنى بقى؟"
="عشان عندنا ميتنج بالليل"
_"مع مين؟"
="مع بعض"
_"مع بعض إزاي يعني؟"
="مش هينفع أقولك في التليفون"
_"ليه؟"
="أصله حساس أوي"
_"إيه دة اللي حساس؟"
="الميتنج"
_"إنت قليل الأدب بجد مش هزار..أنا غلطانة إني كلمتك أصلا"
="في إيه يا وحش قلبي بس مالك؟"
_"مليش..سلام"
="سلام يا وحش يا ملبن إنت يا جشطة"
_"حيوان" ، ثم أغلقت الهاتف في وجهِه فضحك هيثم ثم عاد لما كان عليه مرة أُخرى.. راجعاً بظهرهِ للخلف شارداً في أخيه..مُتذكراً تعابير وجههُ وحالتهُ التي باتت سيئة في لحظة..شعر هيثم وكأنهُ كان صادقاً هذه المرة فقال في نفسِه "ولما لا؟"..فمن الممكن أن يكون قد أورطهُ شخصٌ ما..يريد إزاحتهُ من الحياة بضربة واحدة.. ياتُرى من؟..ثم عاد وقال في نفسِه" أنهُ لَمِن الجيد أنهُ قد قام بتأجير شخصاً ما لمراقبة شقاوة..فمن الممكن أن يصل للفاعل الحقيقي"
                  ________________
النفس أمارة بالسوء..هذه ليست طبيعة البشر ولكن من منّا لم يضعف يوماً؟ من منّا لم يرتكِب خطأً أو جُرماً أو معصية؟..فما كان سبب هذا سوى الإبتعاد عن خالقنا عزّ وجّل..فالبعض يتعرض للضّغط النفسي مِن مَن هُم حولِه ورؤيتهُ بأنهُ يحمٍل ما فوق طاقتِه..والبعض يُصغي للوساوس الشيطانية سواء النابعة من الشياطين بأنفسهم أو الوساوس والأفكار الشيطانية الآدمية..والبعض يستسلم لمقولة المثل الشعبي الشهير:"الزن على الودان أمرّ من السحر"..والبعض يُفضل أن يضعف أمام شهواتهِ وملذاتهِ وسيرهُ زاهداً في دُنياه تاركاً زُهدِه في مثواه الأخير..والبعض الآخر تأمُرهُ نفسهُ بالسوء بعدم رضاه وقناعتهُ وشعورهِ بأنهُ ينقصهُ الكثير والكثير وعدم رضاه وقناعتهُ بحياتهُ وبيئتهُ وتعايشهُ مع وضعهِ وظروفِهِ الذي إصطفاهُم لهُ الله وعدم ثقتهُ وإيمانهِ بأن الله يرزُق عبادهُ من حيثُ لا تحتسِب..وأن الدُنيا ما هي إلا مِتاع غرور وقلة ثقتهُ بأن الله إذا أحبّ عبداً إبتلاه..وأنهُ لا يُكلِف نفساً إلا وِسعها..والبعض تأمُرهُ نفسِهِ بالسوء عندما يتغافَل ضميرهُ على غفلة نفسِه فيتغلّب بداخلهُ شرّهِ على خيرِه..فما كان حلاً لهذا إلا التوبة والتقرُّب الدائِم إلى الله حتى نبتعد عن إرتكاب الأخطاء والمعاصي..وألا نكُّف عن ترديد ذِكر الله وشُكرهِ وحَمدهِ على كل ما وهبنا لهُ.
هكذا كان هو حال أحمد حتى تورطهِ في تلك القضية..كانت نفسهُ ضعيفة. أمرتهُ بالسوء..وجعلتهُ ذو قلبٍ بارد كالثلج..جاحِد وقاسٍ..أقسى من الحجر..جحَد بأخيهِ وأمهِ بعد وفاة أبيه..أمهُ التي حملتهُ وهناً على وهن..حتى فصالهُ بعد العامين..أمهُ التي إنحنى ظهرها بعد وفاة زوجها..أمهُ التي ضحّت بكل ما تملُك من مالٍ وعلمٍ وفضيلةٍ وأخلاقٍ كي تُحسِن تربيتهُما..وكان جزاؤها هذه النتيجة؟..أمهِ التي أصبح لها حائِطٌ مائِلٌ وقعت بهِ عندما مالت عليه ..عندما ضعفت..أمهُ التي قهر قلبها وماتت بحسرتها على ولدها الصغير هيثم الذي بات مظلوماً مُنذ رحيل أبيه عن دُنياه..أخيه الذي أصبح يتيم الأب والأُم وبات يتيم الأخ..أخيه الذي إفتقر العائلة ولم يرِث من الحياة سوى أيامٍ فاظّة..لم يرِث سِوى رَماد الذكريات..ذكريات لا تُنسى..وذِكرى من أخيه للنسيان بعمدٍ منهُ..ذِكرى كانت في يومٍ من الأيام نعمة من الله..والآن أصبحت عليه نقمة..ذِكرى منزوعة الأخلاق..صلبة القلب..ذِكرى تُدعى"أحمد"..أخيه..ذِكرى لم يتبقى منها غير العداوة بين الأخوين ..كانا صديقان يوماً ما..كانا شريكان في دروب الحياة.. الحياة التي أذاقت أخيه مرارة أيامها من بعد رحيل الأحباء ختاماً بحبيبتهُ الجميلة "جميلة".
كانت رأس أحمد مُشوشة تضُج بالتفكير فيما فات وفيما هو قادم كان يشعر لأول مرة بمذاق الظلم الذي أذاقهُ لمن هُم حولِه وكانو أقرب لهُ من نفسِه..وفي تلك اللحظة أدرك أحمد أن كل ما إكتنزهُ من أموال وما جمعهُ من ثروات لم تفيدهُ في شئ ولن تفيدهُ بعد الآن..أصبح مُدركاً الآن أن ثروتهِ الحقيقية لا تكمُن في شئ سوى الندم والعذاب..مُدركاً أن ما عليه الآن إلا التوبة النصوحة عمّا أذنب..وما عليه إلا التحلي بالصبر ومواجهة الحقيقة المُرّة والمروِعة..وتقبُّل الأمر الواقع والأليم.
بكى أحمد بحُرقة و كأنهُ لم يبكي من قبل..داعياً الله أن يقف جانبهُ ويُنجيه.
                    ______________
إنتهى هيثم من أعمالهُ وعاد لأسرتهِ الصغيرة وكانت هبة في إنتظارِه..إستقبلتهُ بإبتسامة وقامت بإحتضانهُ قائلة:" إتأخرت ليه؟..كنت لسة رايحة أرن عليك..وحشتني"
_"دة طبيعي؟"
="مية في المية خالي من المواد الحافظة"
_"لأ بجد والله دة طبيعي؟..يعني للدرجة دي العركة بتاعة الصبح جابت مفعول"، قالها وهو يغمِزها فأجابتهُ هبة بعصبية:"صدق أنا غلطانه إني بعاملك بطيبة وإحساس"
_"إحساس؟"
="آه إحساس"
_"طب بمناسبة الإحساس..مش هنخلي عندنا إحساس؟"
="إحساس إيه ؟"
_"إحسساااسس"،قالها هيثم وهو يغمُز هبة بعينهِ مرةً أُخرى فقالت لهُ:"إيه؟..مالها عينك النهاردة؟"
_"عيني بتسلم عليكي"
="الله يسلمها"
_"غبية"،قالها هيثم وهو يُتمتِم بصوت مُنخفض فقالت هبة بضجر:"مين دي اللي غبية؟"
_"عيني يا حبيبتي"
="هعديهالك بمزاجي يا هيثم "
خرجت الأم بإبتسامتها المُرتسمة على ملامحها قائلة: "حمدلله على السلامة يا هيثم"
_"الله يسلمك يا أمي"
="إتأخرت ليه يابني؟.. قلقتني عليك"
_"معلش يا أمي آسف..الشغل خدني منكو..حقكو عليا"
="ربنا يعينك ويرزقك يا حبيبي.. يلا عشان العشا جاهز ومستنيك"
_"يلا"
ثم إتجهت العائلة الكريمة الصغيرة المُفعمة بالحُب والحنان ..مليئة بالبهجة والأمل..لطاولة الطعام لتناول العشاء حتى إنتهائهم من تناولهم فقال هيثم وهو محاولاً النهوض:"مين اللي عمل الأكل دة بقى ؟..إنتي يا ماما يا حبيبتي ؟..ولا إنتي يا حبيبتي؟"،ردت عليه والدة هبة: "إحنا الإتنين يا حبيبي.. إيه رأيك في نفس مراتك في الأكل؟..أنا وقفت معاها أساعدها بس"
_"تسلم إيديكو بجد..الأكل تحفة..الحمدلله "
سألته أم هبة: "رايح فين؟.. كمل أكلك"
_"الحمدلله شبعت..هطلع بقى أغير هدومي وأريح شوية..تعبت أوي النهاردة "
="ألف سلامة عليك يابني..قومي ياهبة مع جوزك يلا..وأنا هلم الأكل وأدخل أنام أنا كمان"
_"حاضر يا ماما "،ثم إتجه كلٌ في طريقِه..وصعدا الثُنائي غرفتهما لإكمال مسيرة الصباح..إحتضن هيثم هبتهُ الجميلة..محاولاً إدخالها لأجواء الرومانسية والرغبة التي حدثت في الصباح..قام بتقبيلها قُبلات خفيفة على جبينها ووجنتيها تمهيداً لما هو آتٍ..ثم وضع قُبلةّ على أنفها الصغير ثم وضع أنفهُ على أنفها محاولاً إرتواء قُبلة من شفتيها..فأستسلمت لهُ هبة وبادلتهً بإنسيابيتها..حتى قطعها هيثم من حالتها تلك قائلاً لها:" هاخد دش بقى وأجيلك علطول يا قشطة حياتي إنتي"
_"إتلم يا هيثم وبطل أسلوبك البلدي دة..ثم إني هنام أصلا "
="إجري نامي..وبعدين ماله البلدي؟..حلو البلدي..جميل البلدي.. قشطة البلدي وملبن يا ملبن يا طعم إنت"،قالها هيثم وهو يُدغدغُها من خصرها محاولاً مُداعبتها فقالت لهُ هبة:"إتلم قولتلك"
_"هتلم يا عسل ..حاضر"
="إتفضل يلا خد حمامك"
_"طب ماتيجي تحميني"
="إتفطم بقى "
_"بت فصيلة"
="واد قليل الأدب"
_"واد قليل الأدب؟..طب تعالي بقى "،ثم حملها من خصرها على كتفيه ودخلا للحمام واغلق بابهُ قائلاً:" أنا هربيكي من أول وجديد"
                   _____________
تُرى ماذا سيحدُث في اليوم السادس؟..وما الجديد في قضية أحمد؟..يا تُرى من هو المُجرم الحقيقي ؟..هل سيحاكَم أحمد لأنهُ القاتِل بالفعل؟..أم أن هُناك مُجرم خفي لم يظهر بالصورة بعد؟..

                           يُتبَع
#ناريمان_عبدالله

30يوم جوازWhere stories live. Discover now