٢٢-إتفاق

103 15 0
                                    

إرتفعت شمس الصباح ناشرة أشعتها الذهبية في مهمة إظهار ملامح ذلك النصف من الكرة الأرضية..و في منزل ريناس حيث لازال الهدوء يخيم على الأجواء معلنا بذلك أن سكانه لا يزالون نائمين بعد سهرة طويلة و ممتعة،أو على الأقل هذا ما بدى..ففي الحديقة و بالضبظ أسفل إحدى أشجار الزيتون الطويلة كانت جمانة تتخد من مقعد خشبي دائري مجلسا لها و تصغي بصمت لحفيف أوراق الأشجار و زقزقة العصافير..سيمفونية الطبيعة الخلابة..!

قاطع خلوتها تلك صوت خطوات هادئة تقترب شيئا فشيئا، إلتفتت من بين أغصان الورود المزروعة هنا و هنا تحاول إلقاء نظره عن هوية هذا الزائر لتتسع عيناها حين لمحت وجهه..ضيف السيد حسام كما سمَّته، ذلك الشاب الذي يظهر النشاط جليا على وجهه و الذي أقسم والد ريناس أن يبيت لديهم ليلة أمس حين تأخر الوقت..

و دون وعي منها متناسية حالتها وجدت نفسها تتأمله، كان يضع كلتا يديه في جيوب بنطاله و يقف بعيدا عنها غير عالم بوجودها، نظره مثبت بالأفق البعيد بإبتسامة بدت منكسرة عكسها بريق حدقات عيناه ذات اللون الغريب بالنسبة لها..

تنهيدة عميقة غادرت صدرها و أزاحت نظرها عنها ليديها المتوضعة بحضنها..لا تزال تشعر بالضيق الشديد يعتريها..يمنعها من النوم ناشرا ماضيها على شكل كوابيس خطيرة تكاد تقودها للجنون أو الإنتحار..

-"صباح الخير..!" أجفلت حين سمعت صوته يدوي قريبا منها، لترفع نظرها إليه بنوع من التفاجئ متمتمة :" صباح الخير "

إبتسم لوسين في وجهها و إتخد من مقعدٍ بعيد منها نوع ما مجلسا له مغمضا عيناه و منصتا لسيمفونية الطبيعة الخلابة..!

وجدت جمانة نفسها تتأمله من جديد و تتأمل جلسته التي تعبر عن راحته في هذه اللحظة و هو مغمض العينين،  لوهلة حسدته عن شعوره الذي بدى لها مريحا للغاية و تمنت لو كانت بمكانه لدقائق فقط حتى تستريح من ماضيها الذي يطاردها بلا توقف..دقائق فقط..!

-"كيف؟" همست بتساؤل و نبرة برهنت تعبها و رغبتها الشديدة في معرفة كيفية عودتها للحياة مجددا..

و كما بدى لها فقد سمعها لوسين بالرغم من كون نبرتها كانت هامسة ، فقد فتح عينيه ناظرا لها بتساؤل و إرتفع حاجبيه مكملا تعابير وجهه المتسائلة.

و بلا شعور منها مجددا  وجدت نفسها تكمل بخفوت و قد أزاحت نظرها عنه:" كيف يمكنني العودة؟"

هي كانت تقصد العودة لجمانة القديمة..الفتاة المرحة التي لا تفارقها الإبتسامة، كيف تعرف أنها تجاوزت حقا ما مرت به و ليس أنها تدعي فحسب، تضحك ظاهريا و تتمزق داخليا كقطعة قماش بالية؟...

-"حين ترغبين فقط" أجابها بنبرة هادئة و لم يُزح عيناه عن خاصتها البندقية لتعيد أنظارها إليه متسائلة عما قصده بجوابه، إبتسم بهدوء و إعتدل في جلسته مردفا :" لن أسألك شيئا و أتدخل بحياتك ، لكن سؤالك الواهن عكس الكثير، و ما يمكنني قوله لك أنه في اللحظة التي ترغبين من أعماقك في العودة فيها هي فقط اللحظة الحقيقة و الباقي ليس سوى تزييف"

ريناس روبي1Where stories live. Discover now