٣- حُبٌّ تحتَ الأنقاضِ.

107 21 44
                                    

  الحبُّ دربٌ معبدٌ بالبهجةِ، ملغمٌ بالخيبات، مسيرهُ مُضنٍ، و المشيُ فيه دون شريكٍ محضورٌ.

لأنّه طريقٌ عامرٌ بالذكريات، تسكنُهُ الآمالُ في كلّ جنبٍ.

و رغم مشقّتِهِ، إلا أنّ تعبهُ حلوٌ، لأنّه يخلق فينا عواطفَ رقيقةً مهما تفاوتت غلاظةُ أرواحِنا، و يرسم لنا سبُلًا جديدةً كلّما تمزّق ورق حياتنا،
غير أنّها سبُلٌ قصيرةٌ، ما إن يغفو النّهار تنتهي!

غربتُ و ماثيو عند الثّكنة تزامنًا و غروبَ الشّمس،

وقفنا هُنيهاتٍ قبل أن أفترق و إيّاه بعد أن ودّعتُه بقبلةٍ على ضفة وجهه الشمالية، لأجعله يتوّعد لي بأن يثأر منّي لاحقًا باثنتين من أخواتها.

توّجهتُ نحو الباب الرّئيسي للدّخول، و قبل أن أطرقه فُتحَ، لأنّي لوحِظتُ من قِبل الحارس سلفًا،

حيّاني باحترام و زّف إليّ تهانيهِ بالإنتصار مرفقةً بسّلة شُكرٍ لأسلمها لوالدي.

بادلته بـإيماءةٍ، و بضع جُملٍ من شقّ اِبتسامةٍ، ثم أكملتُ مسيري من الرّواقِ الجانبيّ الخاص،-كوني أنتمي لأسرة العقيد.

مجددًا وجدتُني أقابل بابًا، حين وصلت لعتبةِ المنزل، و قبل أن أطرُقهُ أخذت مغزلَ الأعذار، و رحتُ أنسجُ منه وشاحًا يستُر غيابي، لأقدمَه لأمّي إن سألتْ،
مع أنّي كلفت ماريا بغزله إن سُئِل عنّي.

صفعتُ وجهَ الباب بيد… حاولتُ السّيطرةَ على اِرتجافها، فـتوّقفَتْ عن ذلك، ليس لأن خوفي من السؤال زال،

بل لأنّه اِنتقل لساقايَ بعد أن اِستقبلني وجه أمّي مشدود الملامح، حادُ النظرات!

رميتُ أول خطوةٍ للداخل و أنا أرمي التّحيةَ، فـرَمت أمّي هي الأخرىٰ سؤالها:

«أين كنُتِ حدّ الساعة؟»

تفكك كلّ ما حبكتُه من أعذارٍ، فوجدتني أواجه برد سؤال أمّي دون ولو خرقَةٍ باليةٍ،

لولا أنّ أختي أنجدتني في آخر نسمة برقعةٍ ألقتها في صالحِي:

«أخبرتكِ أمّي، كانت مع سارا!» 

لوهلةٍ شعرتُ بدفىءٍ راحةٍ طفيفٍ، أنهتهُ أمّي قبل أن تعاود الإندلاع بعاصِفةِ جملةٍ جمدَت لِسانِي:

«سألتُكِ أين كنتِ أجيبي حالًا!»

تصادمَ الكُلمُ في جوفِي و تصارعَ، كـلاجئين يعمّرون آخر قطارٍ للنجاة، لأطلقَ جملةً مرتعشةً:

«كما أخبرتكِ ماريا، كنت مع سارا!»

أشارت نظراتي نحو أختي تؤيِد ما نفاه ثغري، فـخمدت أعاصير أمّي، لكن زمهرير نبرتها لم يفعل، مذ أنّه مازال يصيب بدني بالرعشة:

«إقطعي بضعًا من خيوطك معها، حبلُ العلاقة المتين هذا لا يروقني.»

بدأت تنبيهَها بصوتٍ حازمٍ لتنهيه بنظراتٍ أحزم منهُ.
أما أنا، فـبانصياعٍ أجبت:

أطلال ذكرىٰ: أرشيف ذّاكرة. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن