الفصل الثالث

10.5K 311 16
                                    

عيناك.. آخر رحلةٍ ليليةٍ
وحقائبي في الأرض تنتظر الهبوب
تتوسل الأشجار باكيةً لآخذها معي
أرأيتم شجراً يفكر بالهروب؟
والخيانة، والذنوب..
هذا هو الزمن الذي فيه الثقافة،
والكتابة،
والكرامة،
والرجولة في غروب.
 

قبل خمسة أشهر:
يجلس نديم مع عمه فاروق في غرفة المكتب، غرفة كبيرة بها شباك يطل على الحديقة، أثاثها كلاسيكي يشبه أثاث القصور التاريخية يمتاز باللون البني المطعم ببعض الألوان الذهبية التي زادت من فخامته، ويوجد بها بعض التحف الأثرية الموضوعة فوق المكتب وبداخل المكتبة، على الحائط يوجد صورة سليمان المنزلاوي وزوجته فاطمة المنزلاوي في إطار كبير.
نظر فاروق لنديم بحزن قائلا له:
_بص أنا عارف أن اللي أنا هقوله ده صعب بس اسمع الحكاية بتاعتي للآخر.
_اتفضل يا عمي.
_أنا هحكيلك قصة الحادثة بتاعة أبوك وأمك كلها أنا عارف إن أنا حكتهالك قبل كده بس كان في حاجات مخبيها عليك وجه الوقت تعرفها دلوقتي.
بدأ حديثه بهدوء قائلا:
_طبعا أنت عارف أن الحادثة اللي هما اتوفوا فيها دي حادثة مدبرة.
المهم كنت أنا وأبوك وأحمد الهاشمي بنشتغل مع بعض من زمان أوي كنا عاملين مشروع لينا بعيد عن شغل العيلة، كنا عايزين نعتمد على نفسنا وميتقالش اشتغلوا بالواسطة عشان ولاد سليمان المنزلاوي.
أكمل فاروق ولمحة أسى تظهر بصوته:
_أحمد ده كان عايز يكبر الشغل بسرعة ومش فارق معاه الطريقة، وفى يوم أتعرض عليه أن احنا نشتغل في صفقات مشبوهة وغسيل أموال وهو وافق بس لما جه عرض علينا أنا وأبوك عارضنا، بس أبوك خد منه موقف جامد وفسخ الشراكة معاه، فهو قرر ينتقم منه عشان لما الشراكة اتفسخت الشركة وقعت واتقفلت.
صمت بضع لحظات وهو يشعر بغصة في حلقه فحثه نديم على الحديث قائلا:
_كمل حصل إيه بعد كده؟
أكمل فاروق بحزن من تذكره هذه الليلة المشؤمة قائلا: _لعب في فرامل العربية وحصلت الحادثة واتوفى أبوك وأمك...... من وقتها وأنا بحاول أمسك عليه أي حاجة بس مش عارف لأنه كان واخد احتياطه كويس ومش سايب وراه أي أثر بس أنت دلوقتي بقيت شغال في المخابرات وفي مهمات سرية وأكيد تقدر توقعه وتحاسبه على اللي هو عمله زمان.
نظر له نديم نظرة لم يعرف لها تفسير وقال له بصوت هادئ:
_وأنت بقى قررت تقولي النهاردة بالذات، أقدر أعرف السبب؟
_قررت أقولك لما حسيتك جاهز لده وبعدين أنا عرفت ان الراجل ده عنده بنت تقدر تقرب منها وتعرف كل حاجة عن أبوها.
قال له نديم بنبرة غضب ظهرت جليا بصوته:
_أنت عارف أن أنا مش بالحقارة دي ومستحيل أستغل بنته عشان هو غلط غلطة زي دي.
ياريت تعرفني لو في حاجة تاني مخبيها عليا يا.... عمي.
قال آخر كلمة باستنكار، فنظر له عمه بأسى قائلا له:
_لأ مفيش بس أقدر أعرف هتتصرف إزاي.
قال له بغموض وهو ينهض من على الكرسي:
_نديم المنزلاوي متعلمش يثق في حد عشان كده أنت مش هتعرف أنا هعمل إيه غير وقت ما أنا أحب...مش ده اللي حضرتك علمتهولي من صغري يا عمي.
أنهى جملته وخرج من المكتب متوجها صوب غرفة الطعام فوجد الجميع يتناولون طعام الإفطار باستثناء وِقَّاص..... وكريم بالطبع فهو أغلب الوقت لا يتواجد بالمنزل، فقبل ناردين من وجنتها قائلا:
_صباح الخير يا جماعة.
_صباح النور.
أردف نديم متسائلا:
_وِقَّاص فين يعني مش شايفه؟
أجابه زياد مازحا كعادته:
_راح يقابل الجو بتاعه.
نظر له يزيد نظرة محذرة وهو يردف بتوضيح:
_راح يفطر مع صبا برا وهيقابلنا في الشركة.
قال نديم بهدوئه المعتاد:
_تمام خلاص يلا افطروا بسرعة عشان نطلع على الشركة عشان ورايا شغل تاني النهاردة.
سرعان ما هتفت ناردين بنزق:
_أكيد رايح تعمل بطولة جديدة بقى وتقبض علي راجل شرير صح؟
فضحك الجميع علي طريقتها الطفولية وأردف هو في نبرة غامضة:
_لأ مش صح يا لمضة أنا رايح أمهد الطريق للقبض عليه....أقولك خليكي في حالك.
استطرد وهو ينهض قائلا:
_أنا رايح الشركة أقل من 10 دقايق تكونوا خلصتوا وحصلتوني ومحدش يتصل بوِقَّاص هو لما يخلص هيجي لوحده، ومعلش يا يوسف وصل ناردين الجامعة وأنت رايح المستشفي، وأنت يا زياد روح الجامعة يلا هتتأخر على المحاضرة الأولى.
فور أن انتهى من إملاء أوامره عليهم ذهب بخطى هادئة متزنة.
قال زياد متذمرا:
_هي تفرقة عنصرية ..... والله تفرقة يقومنا من على الفطار واحنا بطننا بتصوصو عشان اللي يروح الجامعة واللي يروح الشركة وسايب الاستاذ وِقَّاص مع حبيبة القلب يفطروا برا.
أردف يوسف بدوره:
_يا ابني اتلم بقى دي خطيبته ده أنت حشري أوى.
قالت له ناردين بنظرات فهمها يوسف جيدا:
_لأ أنا موافقاك يا زياد متزعلش نفسك معلش بقى ما هي ناس ليها حب وناس ليها دكاترة تسد النفس يلا بقى لازم نستحمل يا ابني.
هتف يوسف بسخرية:
_إيه يا بنتي ده جدتي بتتكلم يلا قومي عشان هنتأخر ورايا عملية.
هتف زياد مسرعا:
_والنبي توصلوني معاكوا ده أنا ابن عمك الغلبان الكحيان اللي حتى عربيته اتاخدت منه.
قال له يوسف بشماتة:
_ما أنت تستاهل عشان تبقى تترفد حلو من الجامعة ومش هنوصلك يلا امشي بقى.
جذب ناردين برفق فور أن أنهى حديثه وخرجا سريعا وبعد وقت قليل من قيادته للسيارة.
قالت له ناردين متسائلة:
_يوسف بقولك إيه صحيح هو أنت هتعمل إيه في العملية دي يعني؟
نظر لها متعجبا فهي عادة لا تسأل عن العمليات ولكنه تجاهل تعجبه قائلا:
_هعمل عملية نقل كبد بس بتسألي ليه يعني؟!
أردفت برهبة ظهرت جليا بصوتها:
_يعني أنت هتفتح بطنه وتطلع منها الكبدة بتاعته وترجع تقفلها تاني وتفتح بطن الراجل التاني وتحطها جواه وتقفله. 
فضحك هو على حديثها قائلا من بين ضحكاته:
_حاجة زي كده مش بالظبط يعني.
_لأ طب بص بقى أنت كدة تنزلني هنا وحلو أوي كده يا ابن عمي أنت من طريق وأنا من طريق، ما أنا مش هقعد مع سفاح بيقطع بطن البني آدمين.
فضحك يوسف بشدة على سذاجتها ثم أردف قائلا:
_يا بنتي بقطع إيه وسفاح إيه بس، أنا بنقذ حياتهم وبعدين احنا وصلنا الجامعة أصلا.
نزلت مسرعة من السيارة قائلة له:
_طب سلام بقي....لأ ويقولي بنقذهم ده بيقطع بطنهم.
أخذت تتمتم ببضع كلمات لم تصل إلى أسماعه بينما أخذ هو ينظر إلى طيفها وهي تذهب و لبسمة تعلو وجهه، فكم يحب نقاءها وسذاجتها التي تنسيه العالم بأجمعه.
 

شمس الحياة (مكتملة)Where stories live. Discover now