p2

35 3 0
                                    

من البداية سأتحدث عنا يا حبيبي، لعل الزمان كما أبعدنا يجمعنا، لعل العالم يعلم عنا فيشفق علي هذين المسكينين الذين ارهقهما الزمان..
-اصحي يا ليلي الساعة ٧ يا ماما، عشان تلحقي توصلي الكلية. انهاردة اول يوم فوقي يلا.
كانت تلك خالتي امينة، اعيش مع خالتي منذ وفاة والدتي
تركتني والدتي و انا في أمس حاجتي لها فقد كانت هي الام و الاب و الإخوة و الاصدقاء، كانت هي العالم داخل عالمي المتهالك، كانت و كانت و ياليتها لم تكن بل تكون..
كانت خالتي أمينة كما يلقبها العالم الخرِف عانس، فقد تخطت الاربعين و لم تركب يوما قطار الزواج، طرق بابها الكثيرون و لكن كما كانت دوما تقول لجدتي: يقولك ضل راجل ولا ضل حيطة، وانا اقولك الحيطة احسن من جوازة الندامة، اديكي شايفة نرمين خدت الراجل بدل ضل الحيطة و ايه اللي حصل طلقها ف مفيش و رجعت لنا بعيلة، لا نرمين انبسطت بجوازتها ولا البت الغلبانة دي تعرف حاجة عن ابوها، يبقي الحيطة احسن و احسن ياامي.
لم اعلم كثيرا عن والدي، قيل لي أنه فور علمه بحمل أمي هرب و لم يعرفوا عنه شيئا حتي الان، و لم تتسلم والدتي منه أي شئ سوي ورقة "الإفراج" كما سميتها، لم تحاول امي الزواج بعد تلك الزيجة الفاشلة و قررت تربية طفلتها في امان، بالطبع لم تسلم من بعض الهمسات و القيل و القال، و لكنها قامت بكل ما بيدها لتحافظ علي ابنتها الوحيدة و تربيها كما كل الاطفال، و ككل الاطفال ما لبثت اتسائل:هو بابا فين يا ماما؟ و كانت و مازالت دائما الإجابة واحدة: يا لولة بابا مسافر دايما عنده شغل يا حبيبتي معلش
-بس ده بقاله كتير اوي مسافر يا ماما
فتجاوبني ببسمة منكسرة: معلش يا لولة بيتعب عشان ميخليكيش محتاجة حاجة يا حبيبتي..
لم اعلم يومها كنه تلك البسمة و ذاك الصوت المنكسر، كنت دائما اقول:اكيد يعني ماما زعلانة عشان بابا بعيد عنها و مسافر، بكرة لما يجي هقوله مش يسافر تاني عشان ماما مش تزعل منه.
و اليوم يجر الغد و الغد يجر بعد غد، و الابنة تشب و الاب لا يعود..
=ايوة يا أمينة صحيت خلاص.
جاوبتها بصوت ناعس
-طب يا ماما يلا عملتلك ساندوتشات عشان تاكليها و عايزاكي تخلصيها كلها عارفة لو رجعتيلي بفتفوتة هطين عيشتك.
=ساندوتشات ايه بس يا ميمي؟ هو انا عيلة، ده انا ايام ابتدائي مكنتش باكل اللي امي بتعمله هاكل دلوقتي ف الكلية؟
-يا لولة يا حبيبتي مينفعش يا ماما، و بصراحة بقي اخاف عليكي تأكلي حاجة م الشارع و النبي و حياة نرمين عندك لتاكلي الساندوتشات متخليش قلبي ياكلني عليكي.
=حاضر يا ست ميمي هاكلهم و أمرنا لله، بس متحلفيش بأمي تاني انتي عارفة انا مبحبش كده
-مهو يا لي..
قاطعتها: ماهواش، امي برا حواراتنا، و يلا وسعي خليني ادخل الحمام
تركتها و دخلت الحمام، روتيني المعتاد من حمام سريع و غسل الأسنان ثم خرجت، ارتديت ملابسي السوداء كالعادة والتي فور ما رأتها أمينة انهالت علي بالصرخات كالعادة
-انتي يا بت مش نازلة من البيت بالهباب ده، من ساعة موت امك مغيرتوش كفاية بقي
=ميمي حبيبتي انا بلبس الاسود عشان بحبه و مش هغيره ف بدل كل الزعيق ده سيبيني انزل عشان لسه مشواري طويل و اوعدك المرة الجاية مش هلبس اسود ولا تزعلي روحك
-ليلي متجننيش ده اول يوم ليكي ف الكلية و لبسالي اسود، خشي غيري البسي اللبس اللي جبناه
=مليش مزاج، و خلاص بقي قولنا المرة الجاية هغير الاسود يلا سلام يا ميمي
قبلتها قبلة سريعة و جريت قبل أن تكمل شتائمها
ارتديت سماعات اذني، استمع لتلك الموسيقي للمرة المائة بلا كلل.
وصلت اخيرا، لم يكن حلمي كلية الآداب و لك لا اظن انها بذلك السوء! لطالما احببت القراءة، لعلني التقي ببعض الأدباء هنا
ضحكت ضحكة سخرية و انا أجول بعيني في المكان، فتيات يضحكن، فتيان يحاولون التقرب و نيل بعض الاعجاب، بعض الأساتذة تهرول هنا و هناك، بعض الأصدقاء في الكافيتريا، وضع فوضوي من الدرجة الأولي..
سألت فرد من الأمن علي اماكن الجداول للصف الاول و أرشدني و ذهبت لاتحقق من محاضراتي و لحسن الحظ لم يكن عندي اي محاضرات هذا اليوم فقررت اكمال تجولي و إنهاء جولتي الصغيرة في الكافيتريا و قد كان.
سعدت عندما علمت بوجود مكتبة زاخرة و علمت اين سأقضي معظم اوقاتي.
أنهيت جولتي و اتجهت لأشرب اي مشروب دافئ مع روايتي الحبيبة
استلمت مشروبي و جلست في مكان ناء عن الزحام اقرأ روايتي في هدوء
-مش نتعرف علي الأديبة
قالها شاب بدي لي في سنة التخرج ولا بجد ما يشغل باله غير مضايقة الجدد أمثالي
لم أعطه ردا بل نظرت له بازدراء و أكملت قرائتي
-لا و كمان نرجسية! ده احنا هنتسلي جامد!
تضايقت من اصراره، فقررت ترك المكان بما فيه و البحث عن بقعة اخري لأجلس بها بهدوء، فلم أعتد الرد علي المضايقات بمثلها
-يلهوي الحلوة اتضايقت
=لو سمحت عديني!
-و لو قولت لا؟
قالها و هو ما زال امامي يسد عني الطريق، نظرت له نظرة مليئة بالكراهية و ازحته عن طريقي و ابتعدت
-مقبولة منك يا جميل!
أكملت طريقي و كأني لم اسمع، و وجدت بقعة اخري لطيفة، جلست فيها لعلي اكمل ما بدأت من قراءة
-معلش، هو علي كده بيحب يغلس علي الطلبة الجداد، مش انتي جديدة برضو؟
قالتها فتاة بصوت رقيق فوجهت نظري لها و ابتسمت
=اه لسه سنة اولي، انا ليلي
و مددت يدي و صافحتها
-انا أميرة، اتشرفنا يا ليلي، انا سنة تانية
=تشرفنا
-شكلك داخلة الكلية حبا فيها
=لا ابدا كنت عايزة فنون جميلة اصلا، بس مجموعي مجابش
-هنا برضو بنعمل فن، كل كلية بتعمل فنها بطريقتها الخاصة، في فنون جميلة بيعملوا فن الرسم و النحت، هنا بنعمل فن الروح، ازاي تعبري عن روحك بكلمات
ابتسمت بسخرية و اجبتها:لو التعبير عن الروح سهل اوي كده بالكلام مكنش بقي في منتحرين ولا مرضي اكتئاب
- و مين قالك انهم مش بيعرفو يعبرو بالكلام، هما بيعرفو يعبروا بالكلام و كل حاجة، بس اللي بيوصلهم للحال ده أن محدش بيسمعهم، في فرق كبير اوي اني ملاقيش كلام يوصفني و اني ملاقيش حد اوصفله كلامي
ابتسمت ابتسامة صغيرة و ارجعت عيني لكتابي
-بتقري ايه؟
=كبرياء و هوي
-رواية جميلة، ذوقك حلو! هتنفعي ف الكلية متخافيش، و خد عندك واحد امتياز هننااعع
ضحكت و قلت: ده يبقي جيد جدا لو نجحت
ضحكنا و عن السكون لدقيقة لأجدها تكمل
- عند محاضرات يا ليلي؟
=لا جدولي فاضي انهاردة
- طب م تيجي اعزمك ع حتة مطعم جامد من الاخر! و قريب من هنا
أخذت دقيقة من التفكير ثم اردفت
=مظنش هقدر انهاردة عشان عاملين اكل حلو ف البيت مقدرش افوته
ضحكت ثم قالت: طيب يا ستي خدي رقمي اي حاجة تعوزيها في الكلية، او كتب كلميني فورا هكون عندك، و شوفيلك يوم الحاجة متكونش طابخة ف البيت عشان اعزمك
ابتسمت و قلت: انتي يا بنتي لسه عرفاني حالا تعزميني ازاي بس
ابتسمت و قالت: انا عارفة اني لسه عرفاكي، بس انتي شكلك يشجع اي حد يرتاح لك معرفش ليه، كام-واكملت بابتسامة حزينة-: انا ماليش صحاب هنا ف حاسة اني عايزة اشبط ف اي حد
ابتسمت لها:والله يا بنتي الحال من بعضه-ضحكت- خلاص انا كده معايا تليفونك اول م تبقي التلاجة فاضية هجري عليكي
ضحكت بملء فمها و أكملت: طب يا ستي ماشي لما نشوف بس، يلا اسيبك بقي عندي محاضرة، متنسيش تكلميني*قالتها و هي تلملم حقيبتها و تمد يدها لتصافحني*
=ماشي مش هنسي، باي يا اميرة
- باي يا ليلي
و تركتني لاغرق مرة أخري في روايتي الحبيبة مع ابتسامة انتصار صغيرة علي وجهي لتكويني اول اصدقاء الجامعة.

Chegaste ao fim dos capítulos publicados.

⏰ Última atualização: Jul 25, 2021 ⏰

Adiciona esta história à tua Biblioteca para receberes notificações de novos capítulos!

ربما في عالم آخر نلتقيOnde as histórias ganham vida. Descobre agora