part 23 🖇

9 2 0
                                    


يوماً بعد يوم أخذ جيش أماليا يقترب للنصر .. رُغم أنف ديال و رغم قلة جيش أماليا ولكن تلك الإرادة الفولاذية كان لها رأي آخر في هذه المعركة..حُسمَ القتال بهذا النصرِ الغير منطقي
وأُعتقتْ عنق البلاد أخيراً ...
وها هو لوان يراقب فتاته ، تلك الفتاة بحجم عقلة الإصبع ملكة ! على الرغم من أن الأمر مضحك ولكن يجعله هذا أكثر فخراً كلما فكر فيه .
" يوان تعال ، حان وقت الطعام " التقط لوان كلبه من على الأرض وقرر إراحة عينيه أخيراً وإبعاد ناظره عن يولاند ويترك لها المساحة لتتقمص دور الملكة ، أخذ يوان وطعامه وخرج من القصر متجهاً ناحية ذلك الشاطئ.. أو ملاذه الآمن كما يدعوه ، ولم يشغل باله أثناء سيره سوى رجل الكوخ المسكين ولم يتوقف عقله عن رصد احتمالات مُفجعة عما قد يكون حدث له ، ولكن أزعجه ذلك التفكير وقرر إن يطرد هذه الأفكار من رأسه ويجلس في هدود يستمع لنغمات هذه الأمواج ...
وصل للشاطئ وبالطبع لم ينسَ أن يلقي نظرة على صديقه العزيز ألا وهو ذلك الكوخ ، ألقى عليه السلام وخرج بعدها ليضع يوان أرضاً وبالطبع طعامه وجلس بجانبه في هدوء دام لبضع دقائق ، ليتكلم لوان أخيراً ويقول
" يوان أتظن أنني محظوظ أم بائس؟ " هز يوان ذيله دون أن يفهم بالتأكيد مما جعل لوان يضحك على لطافته لقد كبر كثيراً ولكنه لم يتغير مطلقاً
" هل تؤمن بالحظ حتى ؟ همم .. ألا تفعل؟ .. وأنا أيضاً لا أؤمن به ولكن أتعرف بدأت أفعل منذ فترة ، أظنني محظوظاً ،أتعرف لماذا ؟ فقط .. لتواجدي معها في نفس المكان أتنفس نفس الهواء وأنظر لنفس الشمس .. لم أكن سيئ الحظ أبدا يكفيني أنني التقيتها.. كنت أكثر من محظوظ فقط لأحظى بهذه الفرصة بل كنت الحظ ذاته لأحظها بها ولو قليلاً ، لطالما كنت جشعاً ولكن لن أصبح الآن فقد حصلت على أكثر مما أستحق ... أحيانا أتمنى أن يكون كل هذا حلماً إن لم يكن حقاً ولكن حتى مجرد كونه حلماً يسعدني لهذا .. فقط لأجلها علىّ تركها ... لست حزيناً أو سأتظاهر فقط لأنني لا أريد نسيان هذه السعادة التي رأيتها معها أنا ممتنٌ لها لمنحى ذلك القلب النقي ، حبها لي شرف سيطوق رأسي حتى أموت .. لهذا أنا محظوظ ، يوان.. ماذا أفعل ؟ أنا لا أريد الرحيل " قال لوان لينهار باكياً بعدها
" ماذا أفعل يوان همم ؟ هل ستُحسن التصرف وتعتني بيولاند ؟ .. لا أعلم ما هذه الأصوات التي لا تفارق أذنيّ وهؤلاء الأشخاص الذين أراهم وأشعر بهم في محيطي وأسمعهم يتكلمون عني هل حقاً حان وقت الرحيل ؟ ولما يؤلمنى رأسي بشدة هكذا يوان ؟ أنا منهكٌ للغاية و .. حزين " أكمل باكياً بينما يحتضن يوان ، ليشعر هذا الكلب الوفيّ بحزن صاحبه ويبادله العناق
***
" لوان ، هل أنت هنا ؟" دلفت يولاند للغرفة بعد يوم شاق وأخذتْ تبحث عن لوان
" أين ذهب ؟"
قررت أن تبدل ملابسها وتجلس لانتظاره حتى يعود فعلى الرغم من ذلك الإرهاق الشديد الذي تشعر به ولكنها لا تريد أن يُغلق لها جفنٌ إلا أن تراه وتسمع صوته
اتجهت لخزانتها لتخرج ملابسها ، ألا بها تجد شيئاً ما اعتادت عليه منذ أن تعلم لوان الكتابة .. ورقة كُتب عليها بخطٍ مُبعثر " إلى حبيبتي يولاند " لتتتملك الفراشات من قلب يولاند وتلتقطه بحماس وبابتسامة على محياها ولكن لم تدُم تلك الإبتسامة كثيراً فسرعان ما تبدلت ملامح يولاند وظهرت هذه التجعيدة على جبهتها لتقبض على تلك الورقة بشدة وتندفع لخارج الغرفة بدون تفكير، فيا تُرى ماذا كُتبَ بداخلها ليتسبب في سقوط قلب يولاند للمرة الثانية، أقرر لوان أن يكتب قصيدة رثاءٍ لينعي هذا الحب؟..
أخذت تلك الكميدة تبحث هنا وهناك وتنادي باسمه بكل ما أُوتيت من قوة ، ولكن أسيُسمع النداء بينما أبى القدر ؟!
ركبت يولاند الباكية عربتها أمام حاشيتها التي يتمزق قلبها إلى أشلاء إثر رؤية ملكتها في هذه الحال ولا يجرؤ أحدٌ منها على أن يسأل ماذا حدث ، حملوها إلى ذلك الشاطئ حيثما كان اللقاء وحيثما وقعت في الحب وحيثما لازلت بالفرار ، وحيثما سيتلاشى ملاذها الآمن ..
لم تستطع كبح نفسها من إكمال قراءة ورقته التي أبت أن تكملها لانها لا تقبل بهذا الوداع ، هي تريد رؤيته لمسه واحتضانه.. فتحت الورقه وبالفعل انهمرت دموعها من قبل حتى أن تقرأ حرفاً ..
" قبل أن يحين موعد فراقنا أنا أكتب لك هذه الآن لا أعلم متى سترينها وأتمنى ألا تفعلي.. ولكني رحلت لا أعلم كيف جئت إلى هنا ومازلت لا أعلم أين أنا تحديداً فقط أنا تائه ولكنكِ كنتِ خريطتي في هذا العالم الذي لا أعي عنه شيئاً، كيف كنا كشخص واحد وأصبحنا شخصين منفصلين الآن؟ أهكذا تغيرت مساراتنا؟
إذا كانت هذه نهاية قصتنا فهذه ستكون رسالتي الأخيرة وهذه هي كلماتي المكبوتة التي كنت أكتبها وأمسحها سريعاً ولكن علي تركها الآن، مشاعري تجاهك ليس من السهل نسيانها ولكن على تركها تذهب،
هذه الشمس التي نظرنا إليها معاً، رائحة ذلك الشاطئ و هذه الأيام برفقتك محفورة بقلبي كالوشم، لن أستطيع العودة إليها مجدداً، سأقبل لومك لي ولن يحزنني كرهك ...اكرهيني وانسيني ولكن أنا لن أفعل قلبي البارحة قلبي اليوم وقلبي الغد أَحْبّك يُحبك وسيحبك
الآن علي اخبارك أنه يتوجب عليّ الرحيل من الصعب قول وداعاً ولكن لا مفر من ذلك ..أنا أحبك يولاند ولن أحب غيرك ، ولكن أتمنى أن تفعلي فلا يسعني تركك لتعيشي بهذا القلب المجروح للأبد، حبيبك لوان  "

" لووان " صرخت يولاند عندما لمحت ظهره العريض بجانب يوان أمام الشاطئ لتهرول بأقصى سرعة إليه
-" يولاند .."
" لماذا فعلت هذا ؟ أنا أكرهك كثيراً لما تريد تركي ماذا سأفعل، ما عساي أن أفعل ؟ " سقطتْ يولاند أرضاً فقد أنهكها البكاء والصراخ ولكن ارتاح قلبها ريثما رأته علاوة  ، نهض لوان من مكانه واقترب منها ، نزل لمستواها وأمسك بيدها وبدأ يبكي هو الآخر
" يولاند ..ماذا أفعل؟ لا أريد الرحيل "
-" لا لن ترحل أنا لن أسمح لك " قالت لتتشبث بيده هي الأخرى وكأنه حبل النجاة الوحيد
" أنا أسمع هؤلاء الأشخاص من عالمي من فترة مضت ويزداد الأمر سوءاً ، لا أعلم إن كنت سأستطيع العودة أم لا ، ولكنني لا أريد أن أذهب حتى ولو ليوم واحد .. أنا أريدك يولاند "
-" إذن خذني معك هاه ؟ سأحسن التصرف وسأتعلم كيف أعيش هناك كما تعلمتَ .. خذني معك أرجوك لن أعيش هنا وحدي "
" لا يولاند ستعيشين ، أنا حقاُ لا أعلم إذا كنت سأعود أو لا ... وإن لم أعُدْ ، لقد عهدتك على أنكِ الأميرة يولاند وها أنتِ الآن ملكة البلاد ، هناك شعبٌ بأكمله يثق بكِ فلا تخذليه ولا تخذلينني أنا الآخر ، فأنا سأظل فخوراً بك حتى أذفر آخر أنفاسي .. تزوجي وأنجبي أطفالاً وعيشي تلك الحياة التي تتمنينها بشدة ، أمنيتي الوحيدة يولاند هي أن تتحقق كل أمنياتك .. أن تصبحي أماً كما أردتِ ، وزوجة كما كنتِ تحلمين حتى لو مع غيري ، تزوجي رجلاً وسيماً ، وشجاعاً ، رجلاً يضيء لكِ الشموع بدلاً مني في ذلك الظلام الذي تخشينه ، أفعلي ذلك لأجلي رجاءً "
-" لن أفعل " ردتْ يولاند بينما يتعالى صوت نحيبها وبكائها أكثر فأكثر ليقبل يديها مجدداً ويضمها إليه ويقول
" أنا فقط أريد هذه اليد الآن ، كل ما أريده قبل أن أرحل هو أنتِ يولاند كفى حديثاً عن المستقبل لأنني أعلم أن فتاتي ستنجو ، أليس كذلك يوان ؟ يا إلهي طفلي المدلل الذي سيعتني بأمه في غيابي " ..
ضم لوان يولاند ويوان إليه بقوة فأصبحوا كما لو شخصاً واحداُ ليشهد غروب الشمس على فراق هاذين الإثنين وعلى قصة الحب الذي ستدوم في قلبها للأبد
حتى لو كانت مجردَ حلم ، وحتى لو كانت تخيلاتٍ عبثية فستتذكر الشمس قصتهما كما تتذكر الأرضَ
وكما يتذكر أورانوس المريخ فقد كان الأمر أشبه بتصادم أورانوس بالمريخ ، بعيدان كل البعد عن اللقاء، كلٌ له أقماره ولكنهما واقعين في حب شمس واحدة تزيل الظلام من أجلهما...فانحرف كل منهما عن مداره وقررا النظر لهذه الشمس معاً
فأعلنتْ الأقدارُ الحربَ على الحكاية وتركت زمام الأمور لألعابها المشئومة؟ ... أم ربما  كان كل ذلك مجرد وهمٍ و لا وجود لحكاية من الأساس؟، فقط ربما كان المريخ يقبع في مخيلة أورانوس الخاصة..أو ربما وُجدت حكاية بالفعل ولكنها حيكت بأنامل الفضاء _ هذا المكان حيث يسبحون _ صاغها كالكسوف إذ استغل القمر انهماك الأرض في اختلاس النظر إلى الشمس لينزع سعادته ويخفيها عنه فقذف كلٌ منهما قلبه للآخر ... كالشمس والأرض كانا أورانوس والمريخ و كالكسوف كانت حكايتهما ..
***
" سيد لوان هل تسمعني ؟ استدعي الطبيب بسرعة "

   The Same Sun - نَفْسُ الْشّمْسِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن