٠٠-شَظَايَا.

107 11 89
                                    

"كَونَ شَظَايَا رُوحِي غيْرَ حَادّةٍ؛ لَا يَعنِي أَنّها لَمْ تُوجِعنِ أَثْنَاءَ تَشَظّيهَا"

٫،٫،٫،٫،٫،٫،

1990م

كانَ المكانُ يسترِيحُ في هدوءٍ جمِيلٍ، يتخلّلهُ صوتُ دقّات السّاعةِ، حتى وصل صوتُ هسهساتِ ثوبهَا، وهي تقتربُ من ذَلكَ الغطاءِ الْأَبيضِ الكائنِ على أحدِ الأَرَائكِ الزيتِيّة اللّونِ في غُرفةِ الجُلوس البسيطَةِ هذِه، جلَستْ بجانبه، وبدأتْ تُحركهُ بأَناةٍ، فيما تعلو وجهها المتعب، ابتسامةٌ مرتاحةٌ حنونٌ، ثمّ بدأتْ تداعبُ ما تحتَهُ: «هيّا، قمْ يكفيكَ نومًا، هيّا».

ثم حملتهُ، كانَ طفلًا صغِيرًا، ناعسًا، أجبرَتهُ على الاستيقاظِ، فطفقَ يدعَكُ ملامحَهُ الدّقيقةَ، بيديْهِ الضّئِيلتين، البيضاوَتينِ، حملتهُ وهي تداعبهُ، وتقبلهُ مبعدةً النعاس عنه، وخرجت به إلى شرفة المنزل الضيقة، ذات الطلاء الأبيض المتقشر، والذي أظهر من تحته عدة بقع اسمنتية، كانت قد فرشتْ فيها فراشًا اسفنجيًا، جلست عليه، وأجلست الطفل في حِجرِها، وأعطته خشخاشته، كان الوقت ضحًى، والطقس ما يزال لطيفًا، وهادئًا، وجميلًا، حتى أتى صوت مبحوحٌ، حادٌ، صارخٌ بشكلٍ مزعج من جوف المنزل:
-«هِييْ، يا بنت! أ لن تُحَضري الغداء بعد؟ أم يجب علينا أكله عصرًا كل يومٍ؟».

تمتمت الجالسة بالشرفة بـ: ‹أستغفر اللّٰه› ثم رفعت صوتها، ناطقة بسخط: «لن تموتي جوعًا إن انتظرتِ ساعةً أخرى».
شهقت العجوز وكأن فاجعةً قد ألمّت بها مردفةً: «بنات حرامٍ بلا فائدة! فضيحةٌ بلا فائدة!».

فقاطعتها الشابة بحدة: «إن كنتِ تريدين غداءً الآن؛ فحضريه بنفسكِ!»

-«لِمَ أؤويك في بيتي إن كنتُ سأطبخ لنفسي ها؟!».

فتنهدت الشابة بقلة حيلةٍ، مردفةً: «حسنًا سمعنا، انتظري قليلًا فقط».
التفتت العجوز نحو التلفاز تشغله، وهي تتميّز من الغيظ، تتمتم: «هه، ياللوقاحة!».

٫،٫،٫،٫،٫،

بعد ساعتين، كانت تجلي الأطباق، والأواني، ونظراتها تتجه ناحية الشارع من النافذة، بعينين شاردتين، كان لعينيها ذلك الألق الحزين، والدافئ، والذي يوحي بعمق تلك العينين، وكأنك ستغرق في عمقهما.

سمعتْ صوت خطوات العجوز وهي قادمة إليها، فأعادت نظراتها نحو الصحون، ولم تلتفت حتى شعرت بقوة سقطة الكأس الزجاجية على يدها، وحرارة الشاي المنسكب منها، فتحت صنبور الماء لتطفئ الحريق الذي شبّ على جلدها، وهي تسمع نعيق العجوز، التي كانت شبه مبتسمة بشماتة:
-«أيتها المصيبة، ما هذا الشاي؟ حلو جدًا! وأنا لا أشربه هكذا، أفسدته، أفسدك اللّٰه على فسادك، كم مرةً علي أن أعلمكِ!».
-«آح».
شرعت تتأوه، وتنفخ على يدها، فيما زادت العجوز من اكفهرار ملامحها، ونطقت ساخرةً: «إيه، انفخي، انفخي، في المرة القادمة اعلمي كيف تحضرينه، وإلا لَمّكِ الشارع أنت وهذا البلاء الذي معكِ!».

خرجت العجوز تهز كتفيها، تاركةً الأخرى على وشك البكاء خلفها، والتي حملت أحد الصحون الخزفية، وكانت عازمةً على رميه عليها، إلا أنه قد تردد في نفسها، صدى صوت رجل هامسٍ، محذرٍ: «إن خرجتِ من هنا؛ لن تجدي سوى الشارع، وإن لم تجدي سوى الشارع؛ فقدتِ حياة كليكما».
توقفت وهي ترتجف، وأعادت الصحن بهدوء إلى مكانه، وأتمت غسل الصحون، رغم حرقة يدها، ثم بدأت بإعداد الشاي من جديد، اتكأت على المغسلة خلفها، وعلى يمينها كان موقد الغاز، يدها اليمنى محمرة بشدة من جهة الإبهام وصولًا لرسغها، وكان هذا الاحمرار واضحًا جدًا، خاصةً مع بشرتها الحنطية، ويديها النحيلتين حد رؤية أوردتها.

٫،٫،٫،٫،٫،٫،

1988م

-«لا، لا يوجد أي طفل، أنا لم أحمل منه».
هكذا أجابتهن ذات العينين الخضراوتين، وهي تنظر للثلاثة أمامها بضجر، عادت السيدة الكهلة، تسألها بشفقة، وهي تضع يدها على ركبتها: «أ أنتِ متأكدة أنه لا يوجد؟ نخاف عليك، إن كان هناك طفل؛ فستعودين معنا».
-«آه، أمي! أخبرتك بأنه لا وجود لأي طفل، وأنا بخير هنا، وانظري غونول وليلى معي، لست وحدي، أنا بخير».
أجابت المَعنية بسخط، وقد ضربت يديها على فخديها، وهي تتجه بنظرة رجاءٍ للجالسة على يسارها، غونول، وترفعها ناحية الواقفة، ليلى.

كانت الاثنان متشابهتين في الشكل، عينان بنيتان، واسعتان، وأنف رقيق، معقوف الأرنبة، وشفاه متوسطة، محددة، الفرق بينهما في الوزن، فبينما غونول معتدلة الوزن، وبخدود ممتلئة بعض الشيء، فإن ليلى نحيلة جدًا، فيظهر وجهها أطول من الأخرى.
ابتسمت غونول بطمأنةٍ للسيدة القلقة، قائلة لها: «نحن هنا يا خالة، لا بأس عليها، ستكون بخير معنا».
زفرت السيدة باستسلام، وقالت: «الحمد لله وحده، أتمنى لكُنّ كل الخير».

انتهى ذلك اليوم كسائر أيام المأتم، الذي كان قبل أسبوع، إذ سمعت كل من غونول، وليلى، عصر يوم الجمعة، صراخ آيسال، واستنجادها، لمَّا وقع زوجها من شرفة شقتهما، حين إصلاحه للسلك اللاقط للتلفاز، ومن يومها تحولت شقتها في العمارة، إلى مأتم لاستقبال العزاء، أمها وأبوها وأخواها، بقوا معها حتى الآن، حيث غادروا، وكانت الأم قبلها تحاول إقناع ابنتها بالعودة معها لبيتهم، بينما الأخيرة مصرة على البقاء في شقتها، لأنها تريد إكمال دراستها، وإن لم يكن السبب الحقيقي، هي أرادت أن تبقى مع ليلى وغونول، ولسبب استغربته غونول هي الأخرى، لذا قررت تبعًا لذلك الذهاب لسؤالها...

يتبع...

كان نفسي اكتب دي الكلمة؛-؛

صورة الفصل هدية من: KAZEIIA

شكرًا💞✨

أُقحُوانNơi câu chuyện tồn tại. Hãy khám phá bây giờ