الفصل الأول

15.4K 470 15
                                    

||^ أغـصان الـزيتـون ^||

الفصل الأول :-

"نقطة النهاية لا تُنهي الأشياء، قد تكون بداية أعتّىٰ من سابقتها، أو إنها بالفعل بداية غير قابلة للشك."
____________________________________
كانت الأجواء حارّة للغاية، رغم كونهِ منتصف أيار، إلا أن آشعة الشمس التعامدية تسلطت على الأرض، مُحدثة بذلك توهج في درجات الحرارة التي تقافزت لما بعد السبعة وثلاثون درجة مئوية. كانت تجلس في المقعد المجاور لمقعد القيادة بداخل السيارة الفارهه، لم تبالي بالحرارة الخارجية وهي تنعم بمكيف الهواء بالسيارة، أثناء تطلعها لفساتين الزفاف من أرقى بيوت الأزياء بالعاصمة، حتى تبهر الجميع في الحفل المُرتقب. التفتت إليه لتلقي عليه نظرة خاطفة وهي تسأله :
- حمزة، إيه رأيك في الفستان الشامبين ده!.
تحركت عيناه بالإتجاة الذي تشير صوبه، وخطف نظرة غير مهتمة من أسفل نظارتهِ قبل أن يجيب :
- حلو.
قطبت جبينها بإنزعاج، وسألتهُ بشئ من الضيق :
- أنت مش مهتم ليه ياحمزة!.. ده المفروض فرحنا كمان ٣ أسابيع!.
ابتسم بمجاملةٍ وهو يلتفت بكامل رأسه نحوها، ثم مسح على وجنتها ملاطفًا إياها، بعد أن أظهر لها إهمال غير متعمد :
- سوري ياحببتي ، دماغي فيها ١٠٠ حاجه مع بعض.. وبعدين أن واثق في زؤك.. يعني أختاري اللي يعجبك وأنا معاكي.
أغلقت هاتفها الذي كانت تتفحص الفساتين من خلاله، ثم أردفت بـ :
- بابي كان عايز يتكلم معاك، هتيجي النهاردة بالليل؟.
طرق "حمزة" بأصابعه على المقود، ونظر حوله بقنوط، وقد أزعجتهُ إشارة المرور التي ظلت على وضعيتها المزدحمة لأكثر من عشر دقائق، فـ تجاهل سؤالها وهو يعقب بشأن هذا الأمر :
- بقت حاجه زفت يعني، كل ده أشارة مرور ليه!.
نفخ متذمرًا، ثم التفتت رأسه ليجيب عليها :
- أنا مشغول جدًا بالقضية اللي ماسكها اليومين دول ياميان، أفوق بس وهاجي للباشا.
تعمقت "ميان" في النظر إليه، بعيناها الزرقاء التي أشبهت أمواج عروس البحر المتوسط، ثم سألته بشغفٍ لسماع الجواب الذي سيرضي غرورها :
- مبسوط ياحمزة؟.
ارتخت تعابير وجهه في لحظة واحدة، كأنه إنسان آخر تمامًا، ونظر إليها وهو يردف بـ :
- طبعًا ياحببتي، أنا مستني الوقت اللي هتكوني فيه معايا للأبد، اليوم اللي هتبقى فيه على أسم حمزة القرشي.
تبسمت بدلالٍ وهي تحيد برأسها عنه، فـ مسحت يده على شعرها و :
- ومش هيكون في كسوف بينا زي دلوقتي كده.
ضحكت "ميان" وهي تنظر نحوه، وقبل أن ترد كانت تعابيرها يغزوها الوجوم، وعيناها ترتكز على تلك المرأة التي تقف بجوار السيارة، وتضع كفها المتلطخ على زجاج السيارة لتفسد لمعانهِ، فـ التفت "حمزة" برأسه ينظر، إلام تحدق هي بعيناها وكل هذا الذهول يعتريها، حتى صدمهُ رؤية تلك الغريبة، فـ فتح زجاج السيارة على الفور، ونظراتهِ المستهجنة تتردد على وجهها وهو يصيح فيها :
- أنتي عبيطة ولا بتستعبطي!!.
فـ سألتهُ بتبجحٍ، وعيناها ترنو إليه بنظراتٍ غريبة، حملت مغزى مُبهم :
- أديني أي حاجه يابيه.
رمقها شزرًا، وأشار لها بإحتقارٍ ليقول :
- غوري من قدامي أنتي عكرتي مزاجي، وإياكِ إيدك تلمس الأزاز مرة تانية.
صافرة إنفتاح الإشارة كانت بمثابة طوق النجاة لهم، فـ أغلق "حمزة" زجاج السيارة وشرع يقتاد سيارتهِ بعجلٍ بعدما فسد مزاجهِ كليًا، وعيناه تنظر إليها عبر المرآة الجانبية، حيث ظلت في محلها دون حراك، وبشكلٍ متصلب جعله يرتاب بشأنها، لكنه تجاهل التفكير بالأمر، بعدما تجاوز الأمر -حسب ظنهِ-، دون أن يعلم إنها كانت مجرد بداية، بداية لحكائة ستبدأ برؤيتها صدفة، صُدفة مرتبة ومخطط لها من قبل.
*****************************
فتح "صلاح القُرشي" عُلبة السجائر الفضية الفاخرة، ووضعها أمام ذلك الرجل المهيب، الذي حمل بين طيات ملامحهِ وقارًا وهيبة، وابتسم بتوددٍ وهو يقول :
- أتفضل يامعالي الباشا، مجيتك لحد هنا النهاردة شرف ليا وللمكتب كله.
سحب "كامل حداد" سيجارة من بين المعروض، فـ أشعلها له "صلاح" بقداحتهِ، ثم أردف "كامل" وتلك النبرة الخشنة ترافق صوته :
- أنا عايز المسألة دي تخلص بأسرع وقت ياصلاح، البت المفعوصة دي مش لازم تاخد حاجه من ابني.. هو اتجوزها عرفي يومين وخلصنا وأخد اللي هو عاوزه وخلصنا.
تنحنح "صلاح" وهو يجلس على رأس مكتبه، ومنع ابتسامتهِ المستخفة من الظهور أمام "كامل"، لئلا يتبين عليه تعابير الشماتة :
- المشكلة مش في الورقة العرفي ياباشا، دي البت تبلها وتشرب عليها ميا.. المشكلة إن البيه الصغير أتعدى عليها بالضرب وهي راحت حررت محضر ضده.
تغضن جبين "كامل" قبل أن يترك نزعة غضبهِ تنفجر منه، فـ تدارك "صلاح" الأمر على الفور وعرض عليه خطتهِ دون إطالة :
- بس بسيطة، أنا هعرف ألين دماغ البت وأخليها تتنازل، ومش هتسمع غير الخبر اللي يعجب معاليك.
تناول "صلاح" هاتفه وبدأ يجري إتصالًا وهو يقول :
- حمزة هيخلص الموضوع في ٢٤ ساعة، ولا تشغل بالك.

رواية "أغصان الزيتون" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن