الدروب عبر الجبل ضيقة، ملتوية حول نفسها، و بدت السيارة و كأنها تحيد عن مسارها، لتستقر في أعماق البحر، و كانت الرياح تلطم زجاجها مما أضاف مزيداً من الإحساس بخطر داهم، خاصة أن قيادة سيارة على حافة أرض غريبة و متجهة إلى غاية مجهولة كان في نظر رافينا ضرباً من الخيال .
جلست رافينا صامتة في المقعد المجاور قرب زوجها و أغمضت عينيها حتى لا ترى المنحنيات التي تتلوى عبر الطريق، و يبدو أن عاصفة الصيف اقتفت أثرهما منذ غادرا بريطانيا، و ظلت ملازمة لهما طوال الطريق .
قال مارك بعد مضي ساعة من الصمت :
«آسف أن صورة الجزيرة التي أفسدتها مياه الأمطار هي أول منظر يقع عليه بصركِ» .و فتحت رافينا عينيها فوقع بصرها على الصورة الجانبية التي حدد معالمها ضوء العاصفة، فشاهدت ألسنة النار و قد تركت بصماتها على صفحته و بعد صمت و جيز استطرد قائلاً :
«يعتبر كاستيل ديل توري واحداً من أجمل معالم سردينيا عندما تلقي الشمس بأشعتها عليه و يعبق الهواء برائحة الليمون» .كان يتحدث إليها كواحد من ممثلي شركات السياحة و هو يحاول أن يقنعها بأنها بحاجة إلى الشمس فقط لكي تعشق مدينته، تساءلت هل يمكنها أن تحب هذا المكان النائي الذي يقع بعيداً عن وطنها و عن جاردي الذي استأجر مدبرة بيت لترعى شؤونه، بذلت رافينا جهدها لكي تقاوم حنينها إلى الوطن الذي راح يؤرق مضجعها و تطلعت إلى يد مارك و هو يدير عجلة القيادة، ثم نقلت بصرها إلى آثار الندوب التي انحرفت غائرة في جلده الأسمر و كان مارك يركز انتباهه على الطريق عندما قال لها :
«لا بد أنكِ تشعرين الآن بالإعياء و لكن بعد ميل أو أكثر ستلوح كازاتشيبريسو و ستشاهدين أشجار السرو التي تعلو في كبد السماء كالمشاعل وسط الأمطار، و من المحتمل جداً أن يصفو الجو غداً و تشرق الشمس و تحت الكازا تقع بساتين الليمون التي تقترب من البحر، و الكروم المزروعة على جوانب التل» .سألته بأدب :
«هل تمتلك حصة من الأرض ؟»و شعرت أنه يبتسم باستياء و أجاب :
«مساحة جيدة، أنا معروف هنا بإسم بارون الأرض و الفلاحون الذين يعملون في أرضي هم أحفاد الفلاحين الذين عملوا عبر السنين مع اجدادي، الأحداث لا تتغير سريعاً في سردينيا لأن أسلوب حياتنا ما هو إلا صورة مستمرة للماضي» .قالت و أصابعها انعقدت على حقيبة يدها و تشبثت بالجلد :
«أنت تقصد النظام الإقطاعي و أنت نموذج للإقطاعيين، كلمتك هي القانون في هذه الجبال و الناس يحنون هاماتهم إجلالاً لك» .قال :
«لا ينحني أي سرديني لأحد، أنا أحمل اللقب فقط و لكنني لا أحصل على حصة من انتاج الأرض أكثر مما يحصل الأشخاص الذين يفلحونها» .«و أنت لك العسل، أليس كذلك ؟ أم أن زوجتك وحدها سوف تستخلص العسل لك» .
ألقى مارك نظرة سريعة عليها و سألها :
«عم تتحدثين ؟»
![](https://img.wattpad.com/cover/300578922-288-k950440.jpg)
أنت تقرأ
العروس الأسيرة // روايات عبير
Romanceالملخص : دائماً يرتبط الحب بالجمال، دائماً يكون العاشق شبيهاً بأدونيس و العاشقة شقيقة عشتار، إلا أن هذه القاعدة ككل قاعدة لها شواذها، و رافينا التي أحبت رودري الجميل ما لبثت أن وجدت نفسها حيال رجل محروق الوجه و اليدين، يطارده ماضيه كالظل، و في أرجاء...