الفصل الثاني : من يجرح الحجر ؟

647 19 0
                                    

الدروب عبر الجبل ضيقة، ملتوية حول نفسها، و بدت السيارة و كأنها تحيد عن مسارها، لتستقر في أعماق البحر، و كانت الرياح تلطم زجاجها مما أضاف مزيداً من الإحساس بخطر داهم، خاصة أن قيادة سيارة على حافة أرض غريبة و متجهة إلى غاية مجهولة كان في نظر رافينا ضرباً من الخيال .

جلست رافينا صامتة في المقعد المجاور قرب زوجها و أغمضت عينيها حتى لا ترى المنحنيات التي تتلوى عبر الطريق، و يبدو أن عاصفة الصيف اقتفت أثرهما منذ غادرا بريطانيا، و ظلت ملازمة لهما طوال الطريق .

قال مارك بعد مضي ساعة من الصمت :
«آسف أن صورة الجزيرة التي أفسدتها مياه الأمطار هي أول منظر يقع عليه بصركِ» .

و فتحت رافينا عينيها فوقع بصرها على الصورة الجانبية التي حدد معالمها ضوء العاصفة، فشاهدت ألسنة النار و قد تركت بصماتها على صفحته و بعد صمت و جيز استطرد قائلاً :
«يعتبر كاستيل ديل توري واحداً من أجمل معالم سردينيا عندما تلقي الشمس بأشعتها عليه و يعبق الهواء برائحة الليمون» .

كان يتحدث إليها كواحد من ممثلي شركات السياحة و هو يحاول أن يقنعها بأنها بحاجة إلى الشمس فقط لكي تعشق مدينته، تساءلت هل يمكنها أن تحب هذا المكان النائي الذي يقع بعيداً عن وطنها و عن جاردي الذي استأجر مدبرة بيت لترعى شؤونه، بذلت رافينا جهدها لكي تقاوم حنينها إلى الوطن الذي راح يؤرق مضجعها و تطلعت إلى يد مارك و هو يدير عجلة القيادة، ثم نقلت بصرها إلى آثار الندوب التي انحرفت غائرة في جلده الأسمر و كان مارك يركز انتباهه على الطريق عندما قال لها :
«لا بد أنكِ تشعرين الآن بالإعياء و لكن بعد ميل أو أكثر ستلوح كازاتشيبريسو و ستشاهدين أشجار السرو التي تعلو في كبد السماء كالمشاعل وسط الأمطار، و من المحتمل جداً أن يصفو الجو غداً و تشرق الشمس و تحت الكازا تقع بساتين الليمون التي تقترب من البحر، و الكروم المزروعة على جوانب التل» .

سألته بأدب :
«هل تمتلك حصة من الأرض ؟»

و شعرت أنه يبتسم باستياء و أجاب :
«مساحة جيدة، أنا معروف هنا بإسم بارون الأرض و الفلاحون الذين يعملون في أرضي هم أحفاد الفلاحين الذين عملوا عبر السنين مع اجدادي، الأحداث لا تتغير سريعاً في سردينيا لأن أسلوب حياتنا ما هو إلا صورة مستمرة للماضي» .

قالت و أصابعها انعقدت على حقيبة يدها و تشبثت بالجلد :
«أنت تقصد النظام الإقطاعي و أنت نموذج للإقطاعيين، كلمتك هي القانون في هذه الجبال و الناس يحنون هاماتهم إجلالاً لك» .

قال :
«لا ينحني أي سرديني لأحد، أنا أحمل اللقب فقط و لكنني لا أحصل على حصة من انتاج الأرض أكثر مما يحصل الأشخاص الذين يفلحونها» .

«و أنت لك العسل، أليس كذلك ؟ أم أن زوجتك وحدها سوف تستخلص العسل لك» .

ألقى مارك نظرة سريعة عليها و سألها :
«عم تتحدثين ؟»

العروس الأسيرة // روايات عبيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن