الفصل الثالث : رجل لا كالرجال

599 13 0
                                    

أخيراً نامت رافينا بعد ليلة حالكة و سهاد طويل، و عندما استيقظت في الصباح كانت الشمس تتسلل إلى غرفة نومها تحمل معها الدفء و شذى الأعشاب و نسمة البحر، ظلت في فراش العرس تتأمل الغرفة، و وقع بصرها على المقعد المستدير قرب المدفأة، فتذكرت أنها جلست عليه بانتظار مارك، و حملها كالطفل في ذراعيه، و ربما لسلوكها الطفولي معه، تركها و لم يلمسها، فنشجت بالبكاء، و نامت وحدها في غرفة الزفاف .

غادرت الفراش لتجد دلواً نحاسياً مملوءاً بالماء الدافيء، و استمتعت بحمام أعاد الإنتعاش إليها، ثم فتحت خزانة ملابسها و أحست برغبة تحدوها أن تتمتع بالحرية و الإنطلاق خلال يومها، فاختارت بلوزة ملونة و سروالاً فضفاضاً، و مشطت شعرها و أرسلته على ظهرها، و وضعت لمسة من أحمر الخدود لتخفي معالم شحوب وجهها الذي نجم عن التوتر الذي كابدته خلال أول ليلة أمضتها في كازاتشيبريسو، و عندما اتخذت طريقها للخروج من الغرفة، و شرعت تهبط درجات السلم الحلزوني للبرج، شعرت بالجوع ينشب أظافره في معدتها، و لم تجد أية اشارة تنم عن وجود مارك، افترضت أنه يقوم بجولة تفقدية على البساتين و حقول الكروم التي تحيط بالكازا، و بدأت رافينا تتساءل إذا كان البيت هجره أهله، عندما رأت رنزيو يعبر الصالة في سترته البيضاء، ثم قال لها بالإيطالية و هو يحدق في سروالها الفضفاض :
«صباح الخير يا بادروتشينا» .

قالت له بالإنجليزية :
«أحب أن أتناول طعام الإفطار يا رنزيو» .

و كانت تعلم أنه يفهم الإنجليزية لأن مارك أخبرها أثناء تناول طعام العشاء بأن رنزيو كان يعمل في فنادق أوروبا .

قال :
«البادرون لم يعد بعد من جولته الصباحية، و على البادروتشينا أن تنتظره لتنضم إليه في الشرفة المطلة على البحر حيث اعتاد تناول افطاره» .

بدت رغبة شفافة في نظراتها و هي تسأله :
«الشرفة المطلة على البحر ؟ إنني لم أرها .. هل تقودني إليها ؟»

و انحنى رنزيو، و اخترقا الصالة، ثم سارا في ممر ضيق، و عبرا مدخلاً يؤدي إلى الشرفة التي امتلأت بأشعة الشمس، و المفعمة بهواء البحر و كانت الشرفة تبرز من الأمام لتطل على البحر مباشرة، و محاطة بسياج من القضبان الحديدية تأميناً لسلامة الواقفين، و تمتم رنزيو قائلاً :
«البادروتشينا سوف تنتظر وصول طعام الإفطار» .

قالت :
«أجل» .

و سارت إلى نهاية الشرفة، مأخوذة بمنظر الجبال، و الأمواج تتكسر فوق الصخور التي تجمعت على الشاطيء كأنها أطلال قلاع محطمة و شاهدت النسور ترفرف فوق صفحة المياه، أدهشها أن يحب مارك تناول طعام افطاره في مثل هذا المكان، هذا الملك الذي يتمتع بمشاهدة هذه المناظر الطبيعية، و سيد هذا البيت الكبير القائم على المعقل الصخري ... ها هنا ملأت المرارة فمه، فقسا قلبه بعد موت ابنه دريستي و خاصة أنه يملك كل هذه القرى، بلا ابن يرثها، وقفت رافينا عند سور الشرفة، و الريح تعبث بشعرها، و على سماتها ملامح العروس الأسيرة، و كانت تعلم أن مارك سوف ينضم إليها حالاً، فتوترت أعصابها من مقابلته بعد الموقف الدرامي الذي شاب فراقهما ليلة أمس، و أنذرتها أعصابها بدنو وصوله قبل أن تسمع وقع خطواته فوق أرضية الشرفة .

العروس الأسيرة // روايات عبيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن