الفصل السادس والثلاثون

12K 468 11
                                    

الفصل السادس والثلاثون

ترجلت من سيارة الأجرة أمام البناية التي تقطنها والدتها.. وهي تتحامل على اَلام جسدها وذراعها معلق برباط طبي.. لفتت اليها انظار البشر الفضولية في منطقتهم من رجال ونساء اعتادت على نظراتهم المزدرئة لها ولوالدتها المعروفة لديهم مهنتها ولكن لا يجرؤ أحد على مواجهتها ولا الإحتكاك بها لسلاطة لسانها ودنو اخلاقها في الرد.. بصعوبة تمكنت من اعتلاء الدرج الأسمنتي حتى وصلت لشقتهم وقبل أن تمتد يدها نحو جرس المنزل.. تفاجأت بفتح الباب وخروج إحدى الفتيات الغريبة عنها تتفوه لمحدثتها في الداخل:
- من عنيا ياأبلتي.. اتصلي انت بس في المصلحة وانا تحت أمرك.
رمقت أمينة بنظرة مندهشة قبل أن تتخطاها لتخرج وتردف بصوتها العالي ساخرة:
- دا باين جايلك وارد جديد يا ابلتي.. بس دي متكسرة خالص ياعيني ههههه
نظرت في أثر الفتاة أمينة بقرف وهي تغادر وتنزل الدرج.. قبل أن تلتف لداخل منزلهم فوجدت والدتها أمامها اتت لترى ماتقصده الفتاة هتفت متفاجأة بإسمها.. قبل أن تشهق وتضرب على صدرها بجزع:
- يانهار اسود.. إيه اللي حصلك يابت ؟
ردت بسأم وهي تلوح بيدها لمساعدتها:
- والنبي يامّا دخليني الأول وبعدين اسألي.
اقتربت محاسن تلف ذراعيها حول ابنتها لتساعدها وهي تتمتم بتأنيب:
- تغيبي تغيبي وترجعيلي بمصيبة.. نفسي في مرة واحدة بس تفرحيني بدخلتلك عليا.
تأوهت بألم قائلة:
- والنبي دخليني الأول يامّا.. هو حرام تدخليني من غير ما تأنبي ولا تقطمي فيا.. طب راعي حتى تعبي.
مصمصمت تلوك بفمها وهي تغمغم :
- خشي ياختي خشي.. وانتي من امتى بس الكلام كان بيجيب فايدة معاكي؟!
..................................

بداخل غرفتها كانت تتحدث في الهاتف حينما سمعت جلبة في الخارج.. اتجهت بخطوات خفيفة حتى وصلت الى الباب تفتحه بمواربة.. لتتبين صدق ظنها حينما رأتها تدلف مع والدتها.. همست لمحدثها بمرح:
- العصفورة جات اخيرًا ياسعد.
وصلها صوته المتلهف:
- امينة رجعت صح يابت ولا بتهزري؟
اجابت مبتسمة بانتشاء:
- بقولك قاعدة برة وانا شوفتها دلوقتي وهي داخلة مع امها.. دراعها متربط وبتمشي بالعافية دا باينه من أثار الحادثة.
اجابها من الناحية الاَخرى:
- حلو اوي... عايزك بقى ياشاطرة تعملي معاها زي مافهمتك بالظبط يانيرمين.. ماشي.
أومأت برأسها موافقة:
- تمام تمام.. طب اقفل انت دلوقتي وانا هبلغك بالجديد اول بأول.
اغلقت الهاتف وتنفست عاليًا قبل ان تخرج لها من الغرفة.. لتجدها مستلقية على الاَريكة بتعب ووالدتها بجوارها تخاطبها بسخط:
-  يابت قولي اللي حصلك ده حصل ازاي؟ وما اتصلتيش ليه تقوليلي عشان اجيلك؟ هو انا مش امك يامنيلة على عينك؟
أجابت وهي مغمضة عيناها:
- والنبي يامّا ارحميني دلوقتي انا مش حمل الكلام معاكي.. مشوار المستشفى هد حيلي وزود تعبي تاني .
- حمد الله على سلامتك ياامينة.
فتحت عيناها مجفلة على صاحبة الصوت تردد قاطبة الحاجبين بدهشة :
- نيرمين!!! انتي إيه اللي جابك هنا؟
..................................
تسير برواق المشفى بخطوات مسرعة وعقلها يعمل في عدة اتجاهات.. بعد ما حدث وانكشف السر اخيرًا بظهور فاتن.. ماذا يجب عليها أن تفعل الاَن؟ اتخبره بوجودها على قيد الحياة.. أم تتجاهل الخوض في الموضوع خصوصًا مع رغبة فاتن في التخفي عن الجميع سوى عن واحد فقط! وماذا عنه لو علم هل سيرق قلبه اليها مرة أخرى وينساها ام أن مرور السنوات قد ساهم في نسيانها من ذاكرته الى الأبد.. ولكن هل يعقل؟
نفضت رأسها لتجلى عنها بعض هذه الأفكار وهي تتجه لغرفة حسين في المشفى والتي اصبحت المقر الرئيسي له فيها الاَن بجوار اخيه.
طرقت بخفة قبل أن تفتح الباب لتُقلي التحية على الجميع.
- صباح الخير.
ردت زهيرة الممسكة بطبق الفاكهة تطعم منه ابنها المصاب ومعها شروق وحسين أيضًا.. دلفت تقبل المرأة على رأسها قبل أن تتجه لحسين تطمئن عليه.
- عامل ايه النهاردة ياحسين؟
أجابها حسين بابتسامة ودودة وقد استعاد وجهه بعض صفائه ورونقه
- الحمد لله ياستي..ادينا بنقاوح مع التعب عشان نقف على رجلينا من تاني.
قالت بابتسامة محفزة:
- شد حيلك ..انا كمان شايفة ان في تحسن.. ربنا يقويك أكتر وتخرج من عزلتك هنا في المستشفى.
رفع كفه وعيناه للأعلى بتمني والتفتت هي نحو زهيرة تحدثها:
- وانت كمان ياخالتي عيني باردة عليكي.. باين كدة تحسن حسين انعكس عليكي انتي كمان .
زهيرة بابتسامة راضية:
- ياه يابنتي.. دا انا روحي ردت فيا من ساعة مافاق.. هو احنا كنا فين وبقينا فين بس؟
تمتمت بالحمد وهي تتنقل نحو شقيتها الجالسة بركن وحدها تكتم ابتسامتها:
- نعم ياحلوة وانتي قاعدة لوحدك وساكتة ليه؟
ذهبت عيناها نحوه قبل أن تجيبها:
- ماانا قاعدة مؤدبة أهو يافجر.. فيها حاجة دي؟
حدقت بها مندهشة قبل أن تنقل عيناها نحو حسين الذي مالت رأسه يتمتم بملامح متهكمة اثارت ضحكة شروق:
- مؤدبة!!
التفتت فجر باستفسار نحو زهيرة التي تبسمت لمناكشاتهم وقالت :
- والنبي يابنتي اهو من ساعة ما قعدت وانا شايفة الحركات والنظرات دي مابينهم ومافاهمة حاجة.
تبسمت فجر هي الاَخرى تخاطبها:
- ولا هاتفهمي ياخالتي.. كبري انتي مخك منهم.. دول دماغهم لوحدهم.. المهم انا مش شايفة علاء يعني هو راح فين؟.
تحمحم حسين يجيبها ببعض الجدية:
- علاء خرج من شوية يشوف حسابات المستشفى .
تحركت لتغاد الغرفة:
- طب انا هاخرج شوية اطل على واحدة اعرفها هنا على ما وصل هو .
.....................

عينيكى وطنى وعنواني Where stories live. Discover now