٭*9*٭

407 48 46
                                    

*الفصل التاسع: إستخارة تليها خِطبة*

بعد خروج آدم ورحيله، جلست بعض الوقت رفقت واليداي، في جلسة صفاء كما يقولون، كنت جالسة ملاصقة لأبي محتضنة إياه، وقد حوّطني هو بذراعه الرجولية بكل حنان، مهما زادت سنين عمري، أعود كطفلة صغيرة بين ذراعِ والِدايّ، طبع جبيني بقبلة حانية ثم قال مداعبًا:

-صغيرتي التي قد أكل القط لسانها طوال وجود الضيف قد كبرت، و بدأ يتلاحق عليها العرسان..

شعرت بخجل فخبأت رأسي بحضنه أكثر، شعرت بعدها بلمسات خافتة برفق، تداعب أعلى رأسي، قد كانت أمي و التي حوطتني هي الأخرى من جانبي الأيسر، ممسكتًا بيدي التي من جانبها بيداها الإثنتين، ثم اقتربت أكثر لتطبع هي الأخرى قبلة حنونة على جبيني، من بعدها تتكئ برأسها على رأسي، ليغرقاني الاثنان بحنانهما، مهما زاد عداد عمري من سنين، أضل عندهما طفلتهما الصغيرة المدللة، التي دومًا بحاجة اليهما، إلى وجودهما، حبهما و عطفهما، و مشورتهما، مهما كبرنا دومًا نظل بحاجة إلى من هم أكبر مِنَا لنتكأ عليهم و نلجأ إليهم...

لكن يضل دومًا الله هو الصمد الأول و الأخير، الله الصمد، أي هو من نلجأ له و إليه...

- صغيرتي لن أسألك الآن على رآيك في الشاب، فأنا أيضًا يجب أن أسأل عنه قبل كل شيء، فأنا ولي أمرك لذا مسؤول عنكِ و مؤتمن عليكِ، كما يجب أن تسألي أنتِ أيضًا الله عنه، و ذلك طبقًا لسنة نبينا الكريم ﷺ، و الذي كان يحرص على أن يعلم أصحابه صلاة الاستخارة لجميع أمور الحياة، مثلما كان يعلمهم السور من القرآن و ذلك لأهميتها...

لكن صغيرتي مريم، لو ارتحتِ للشاب و حصل نصيب و تزوجتما، أُصيك بالطفل اليتيم خير، يجب أن تعلمِي أنكِ قادمة على مسؤولية كبيرة، فالزواج يا بنيّتي ليس فستان أو رقص و غناء، ليس حلويات أو مسابقة لمن يدفع أكثر، نحن لسنا في مزاد، الزواج يا حبيبة قلبي هو بناء أسرة مسلمة سوية و استقرار للكيان و الفؤاد، زوجك ليس خصمًا لكِ لذا لا تدققي معه في أتفه التفاصيل، حتى لا يتحول البيت لساحة لمصارعة الثيران، بيدك أنتِ أن يكون بيتك ساكن هادئ مطمئن أو العكس، فالسكن هو الزوجة، أنظرِ مثلًا لأمك خديجة، تعاشرنا لخمسة و عشرون سنة إلى حد الأن، وكله و الحمد لله بالمعروف و بما يرضي الله..

أدري أن أول أيام الزواج لن تكون سهلة عليكِ، فليس من السهل تغير تفاصيل حياتك جذريًا، و أن تصبحي فجأة مسؤولة عن بيت و زوج في عاتقك، خصوصًا و لا ننسى كما يجب أن تكوني أم لطفل يتيم، لكنكما ستعتدان، فقط في أول أيام حياتك الجديدة يجب أن تتحلي أنتِ و هو بالصبر، فمن الصعب في بادئ الأمر أن تألفَا طباع بعضكما البعض، لكن مع الأيام، ستأتي مرحلة العشرة، و التي أرى من خلالها أن العشرة الطيبة المبنية على الاحترام أشد متانة من الحب...

وهنا تدخلت أمي لتضيف على وصايا أبي الرصين، كلماتها بقلب أم حنون:

- قبل أن تختاري يا حبيبة قلبي فكري جيّدًا، حتى لا تظلمي نفسك و من معك، اسألي نفسك هل أنا قادرة على خوض هذه التجربة بحلوها و مرها، هل أنتِ مستعدة لتحمل تلك الحياة طوال العمر، دون رجوع، فأنتِ تعلمين أن بعد الإقدام على زواج لا عودة بعده، فمريم قبل الزواج لن تكون هي ذاتها بعده، لا بد من التغير كفصول السنة، متغيرة لكنها بذات الثبات في عمقها...

من الحلال سيبدأ كل شيء!!Where stories live. Discover now