مقدمة (جزء ٢)

238 8 5
                                    

بدأ الليل والظلام يتضح حولي تدريجياً مع ابتعاد صوت الموسيقي وخفوتها، مما جعلني أتنفس بسهولة أكثر. كان موقف السيارات مضاء ببعض مصابيح الإنارة، مما جعله يبدو أكثر سكوناً مقارنة بباحة الرقص. الضباب يعم المكان؛ لذا ينبغي لي أن أتوجه للمنزل في الحال قبل أن تُمطر. لقد فكرت في مراسلة أمي لتأتي لاصطحابي ولكن الوقت مبكر جداً علي مغادرتي للحفل، لا أريدها أن تسألني ما الخطب. ربما يجدر بي السير للمنزل والتسلل لغرفتي. لقد بدأت قدماي تؤلمانني بسبب الكعب، ولكنني تجاهلت الألم. وبينما أشق طريقي عبر موقف السيارات، فُتح باب صالة الرقص، وتبع ذلك صوت ما تعرفت عليه في الحال.
"چولي"
التفتُّ فوجدته سام، وكان يبدو عليه الجدية أكثر من العادة بهذه البدلة السوداء التي يرتديها.
"إلي أين تذهبين؟" سألني سام.
"للمنزل"
"في المطر؟"
لست واثقة بما أجيبه، أشعر بأنني حمقاء؛ لذا زيفت ابتسامتي "إنها ليلة ضبابية فحسب، أنا من سياتيل، أتذكر؟"
"أستطيع ايصالك إذا تريدين"
"لا بأس لا أمانع السير" لقد كان احمر خداي للغاية.
"هل أنت متأكدة؟"
"نعم، لا تقلق"  لقد أردت الابتعاد عن هنا لكن سام لا يتحرك، لذا حاولت مجدداً " رفيقتك علي الأرجح بانتظارك في الداخل"
"ماذا؟" لقد تلعثم قليلاً  "تايلور ليست رفيقتي، إننا أصدقاء فحسب."
هناك الكثير الذي أود قوله، ولكن هناك شعور ما بداخلي يمنعني من ذلك، لا يجدر بي الشعور بتلك الطريقة فأنا وسام لسنا معاً حتي.
"لمَ تُغادرين مبكراً؟" لقد تذكرته تحت الأضواء في صالة الرقص وهو يلف ذراعيه حول تايلور، ولكن من المستحيل أن أخبره بالحقيقة " الحفلات الراقصة المدرسية ليست من مفضلاتي، هذا كل شئ"
أومأ سام برأسه وأدخل يده في جيبه "نعم أنا أعرف ما تقصدين، أحياناً ما تكون تلك الحفلات سخيفة جداً"
"هل يحظي أحد ما بوقت جيد في هذه الحفلات؟"
"حسناً، ربما المشكلة أنك لم تذهبي مع الشخص المناسب"
لقد التقطت أنفاسي بصعوبة وأنا أسمع منه ذلك. حتي ونحن خارج الصالة نستطيع من هنا سماع صوت الموسيقي التي تغيرت إلي أغنية بطيئة، وقف سام عند الباب وهو يتحرك ذهاباً وإياباً محدثاً صوتاً بحذائه "هل تودين.. الرقص؟"
"لا أعرف... أنا فقط لست جيدة كثيراً في ذلك، كما أنني لا أحب أن يراني أحدهم"
التفت سام حوله، وبعد لحظات ابتسم ومد يده لي "حسناً لا أحد يشاهدنا الآن..."
"سام.." بدأت الحديث... ولكن ابتسامته المتكلفة المعهودة ظهرت وقال لي "رقصة واحدة فقط"
لقد حبست أنفاسي عندما اقترب مني وأخذ يدي وسحبني إليه. لم أتخيل أبداً رقصتي الأولي قد تكون كذلك، كلانا نتمايل في الخارج في باحة المدرسة. كان وجهه مبللاً قليلاً بسبب الضباب، ولقد استنشقت رائحته الطيبة وأرحت خدي علي صدره، وعندما كنت أرفع يدي لكتفيه لاحظ شيئاً ما "ما هذا؟" سألني.
زهرة الأقحوان الورقية مربوطة حول معصمي بشريط، احمر خداي مجدداً" لم أحظ بباقة ورد لذا صنعت واحدة لنفسي"
"أنا أعطيتك هذه"
"أعرف أنك فعلت"
فابتسم سام "تعرفين، أردت أن أطلب منك مرافقتي للرقص الليلة، ولكنني كنت قلقاً من أن ترفضي"
"مالذي جعلك تعتقد ذلك؟"
"لأنك لم تراسليني أبداً اليوم الذي التقينا فيه في متجر المكتب"
"ولكنك لم تعطني رقمك أبداً"
أمال سام رأسه وضحك فسألته منزعجة قليلاً "ما المضحك جداً؟"
التقط الزهرة من معصمي وبدأ بفكها، لقد كدت أعترض ولكن شئ ما استوقفني عندما لاحظت رقم هاتفه واسمه مكتوبين ع الورقة التي صُنعت منها الزهرة "لم أفكر أبداً بفكها"
"هذا خطئي إذن"
لقد ضحك كلانا علي ذلك، ولكن سرعان ما تلاشت ابتسامتي.
"ما الخطب؟"
"لقد تلفت الآن"
فلقد تمزقت الورقة وابتلت بالمطر.
"لا تقلقي أستطيع أن أصنع لك واحدة أخري، لا بل ألف"
وضعت ذاعي حوله بينما نكمل الرقص في موقف السيارات، نستمع للموسيقي المتسربة من الصالة، بينما يغطينا الضباب قبل أن يختفي وتتحول الليلة إلي سماء صافية، ثم تغيرت الذكري من جديد...
تتطاير الملابس من نافذة الطابق الثاني بينما أسرع إلي حديقة المنزل المغطاة بأشياء أبي، لقد كان والديّ يتشاجران طوال الساعة الماضية، ولا يمكنني احتمال البقاء في المنزل أكثر من ذلك. لطالما عرفت أن النهاية قريبة، ولكنني لم أتوقع أبداً أن تكون بذلك القرب. إلي أين يمكنني الذهاب؟ طلبت من سام أن يأتي لاصطحابي، ولكنه لم يأت بعد. أشعر بعيون الجيران تلاحقني من نوافذهم، لا أستطيع الباقي هنا أكثر، لذا خرجت من المنزل وبدأت بالجري والابتعاد بقدر استطاعتي حتي اختفي كل شئ خلفي.
أنا لا أعرف حتي إلي أين أذهب. لقد استمررت في الركض حتي لم يعد شيئاً مألوفاً حولي. لم أدرك أنني نسيت هاتفي حتي وصلت لحافة المدينة حيث يمتد العشب نحو الجبال. لقد ظهر ضوء سيارة ما من بعيد، وبينما كنت أحاول أن أفسح الطريق هدَّأت السيارة من سرعتها لتقف أمامي، وأدركت أنه سام.
"هل أنتِ بخير؟" لقد سألني بينما كنت أصعد السيارة. "لقد ذهبت لمنزلكِ ولكنك لم تكوني هناك"
لو لم أنسَ هاتفي لأرسلت له رسالة بمكاني، لذا سألته"كيف تمكنت حتي من معرفة مكاني؟"
"لم أفعل، لقد استمررت فحسب بالبحث عنك."
انتظرنا لوقت طويل في السيارة بينما يئن المحرك.
سألني سام في النهاية "هل تودين أن أصحبك للمنزل؟"
"لا"
"إذن إلي أين تودين الذهاب؟"
"أي مكان آخر"
لذا بدأ سام في القيادة، لقد درنا حول المدينة حتي فقدنا إحساسنا بالوقت. لقد بدأت أضواء المحلات تُطفأ الواحدة تلو الأخري وبدأ الظلام يعم المكان.
عندما لم نجد مكانا آخر نذهب إليه أخذنا سام إلي مكان لركن السيارات يعمل طوال اليوم. لم يسألني سام عن أي شئ مما حدث. لقد تركني فحسب أريح رأسي علي نافذة السيارة وأغلق عيني للحظة فحسب. آخر ما أتذكره هو ضوء لافتة المكان وسام وهو يغطيني بسترته القطنية بينما أغطٌُ في النوم....

لقد استيقظت علي العشب في ساعة الذروة. بينما أدفع نفسي للنهوض وأنظر حولي، أصابتني حرارة الشمس ولفحت وجهي. كانت الأشجار حولي مليئة بالأزهار المصنوعة من الورق المعلقة بسلاسل طويلة، المئات منها. عندما نهضت علي قدميّ لاحظت علي الارض بتلات ازهار صغيرة تقودني لصوت عزف علي الجيتار. لقد تبعت الصوت وأنا أمر بالأزهار الورقية بينما أتذكر أين أنا. إنه مكاننا السريّ عند البحيرة. المكان حيث التقينا مئات المرات من قبل. في اللحظة التي عبرت فيها الأشجار ورأيت ضوء الشمس ينعكس علي المياه، وجدته هناك... بانتظاري.
"چولي"  ناداني سام بينما يضع جيتاره جانباً "لم أكن متأكداً إذا ما كنت ستأتين"
"لم أكن متأكدة من كونك مازلت هنا"
أخذ بيدي ثم قال "سأكون دائما هنا من أجلك، چولز"
لم أشكك بذلك، علي الأقل هنا والآن.
لقد جلسنا بجوار البحيرة وحدقنا بالمياه. السحب تمر ببطء عبر سماء وردية. أحياناً أتمني ألا تغرب الشمس أبداً، حتي يمكننا البقاء هنا، نستمتع برفقة بعضنا البعض، نتحدث كما نفعل دوماً، نضحك علي نكاتنا الخاصة، متظاهرين بأن لا شئ سئ قد يحدث لنا.
نظرت لسام وحفظت وجهه، ابتسامته الجميلة، شعره الأسود الذي يتدلي علي جبهته، بشرته البرونزية، وتمنيت لو أن الزمن توقف عند هذه اللحظة مما يمكنني من البقاء فيها للأبد.
ولكن لا يمكنني ذلك، حتي في الحلم، لا يمكنني ايقاف الوقت. تزداد السحب سُمكا من فوقنا، وكانت هناك هزة غريبة تحت الارض. لابد أن سام لاحظ ذلك أيضاً؛ لانه سرعان ما نهض علي قدميه، لذا سحبت يده "لا تذهب بعد"
نظر لي سام "چولي... لو بامكاني البقاء معك، لما غادرت أبداً"
"ولكنك غادرت بالفعل!"
"أنا أعرف.. أنا آسف"
"أنت لم تودعني أبداً"
"هذا لأنني لم أعتقد أبدا أنني قد اضطر لذلك.."
من حيث لا ندري أتت عاصفه ما من خلفنا، كما لو أنها أتت لاصطحابه بعيدا عني. من خلف الأشجار بدأت الشمس في الغروب، وبدأت الظلال تغطي البحيرة. لا يفترض بالأمور أن تنتهي هكذا!  هذه كانت البداية فحسب، لقد بدأت قصتنا للتو! بدأ قلبي يخفق داخل صدري وضغطت بقوة علي يدي سام لأمنعه من الرحيل.
"هذا ليس عدلاً سام.." بدأت الحديث معه، ولكن صوتي بدأ بالحشرجة بينما أحسست بالدموع في عينيّ. قبلني سام للمرة الأخيرة "أنا أعرف أن هذا لم يكن جزءاً من خطتنا چولي، ولكننا علي الأقل حظينا بها الوقت معاً، صحيح؟ أريدك أن تعرفي أنه إذا كان باستطاعتي العودة بالزمن واللقاء بك مجدداً لفعلت ذلك كل مرة.."
اذا كانت النهاية مؤلمة هكذا، لا أعرف اذا كان لقائي به يستحق ذلك.
لقد أرخيت قبضتي من يديه وانا أفكر بهذا "أنا آسفة سام.. " قلت له وانا أبتعد للخلف "ولكنني لا أظن أنني أفكر بنفس الطريقة"
حدق سام بي كما لو أنه ينتظرني أن أستعيد كلماتي وأتراجع عنها. ولكن ليس هناك وقت كاف متبق. لقد بدأ سام يختفي ويتحول إلي بتلات زهرية صغيرة. لقد بقيت أشاهد والرياح تنشرها بالهواء، قبل أن يختفي تماما. لقد اقتربت لأمسك باحدي البتلات واقربها بقوة لصدري ولكن بطريقة ما انزلقت من يدي واختفت بالسماء، تماماً كسام...

يتبع



you've reached sam مترجمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن