الفصل السابع 💓

1.4K 72 23
                                    

تململ ياسر في مقعده بعدم راحة حين مالت عليه رحمة وهي تبتسم لضحى برقة هامسة:
- حبيبي إتكلم قول حاجة، عيب كده.
نظرت ضحى نحو ياسر المتهجم للغاية و يبدو عليه الضيق وهي تزم شفتيها بغيظ، لتضيف رحمة بابتسامة ودودة لا تفارق وجهها:
- مش بتاكلي ليه ياضحى شكل الأكل مش عجبك.
ردت ضحى بابتسامة دمثة تتصنعها:
- بالعكس أنا كلت كتير جدًا و خصوصًا من السمك اللي في الصينية، طعمه خطير، بس ياسر هو اللي مأكلش.
ضحك ياسر ضحكة ملتوية وهو يغمغم معتذر:
- معلش أصل معدتي بتوجعني شوية.
همست ضحى بتشدق:
- ألف سلامة عليك.
كانت رحمة تتماسك بكل قدرتها الفائقة على تمثيل دورها بإتقان بينما كانت دمائها تسري في عروقها بغليان...
شبكت رحمة أصابعها لتثبتهما أسفل ذقنها قائلة ببطء كأنها تتذوق مرارة كلماتها:
- السمك ده إسمه سنجاري كان أحمد الله يرحمه بيحبه جدًا
التفتت بوجهها نحو زوجها محتقن الوجه وأكملت وهي تبتسم بحزن:
- كان دايمًا ماما تطبخه لما تعرف ان ياسر جاي يتغدى مع أحمد.
أخفضت ضحى عينيها تردد بإرتباك:
- الله يرحمهم.
تمتم ياسر وهو ينهض:
- الحمد لله، تسلم ايدك حبيبتي.
و انحني يضع قبلة رقيقة فوق وجنة رحمة تحت أنظار ضحى الغاضبة..و بحقد دفين تتمنى الآن لو أطبقت بكفيها على عنق رحمة حتى تلفظ أنفاسها و تتخلص منها للأبد..
نهضت هي الأخرى منتفضة لتقطع عليهما هذا العرض المبتذل بالنسبة لها قائله من بين شفتيها المزمومتين:
- أنا كمان شبعت خليني أساعدك.
نهضت رحمة مندفعة لتقبض على معصمها بقوة و غل لم تلاحظه ضحى ، فهي كانت منشغلة بالتحديق في ياسر الذي تحرك نحو النافذة ليدخن:
- لأ ياحبيبتي ارتاحي انتي، انتي ضيفتي، تشربي قهوة ولا شاي.
التفتت ضحى نحوها وأجابتها بإبتسامة خبيثة:
- هشرب زي ياسر.. و زيك.
هزت رحمة رأسها قائلة:
- يبقى شاي، ياسر بيحب الشاي بعد أكلة السمك.. و أنا طبعًا.
.................................
وفي مكان آخر كان عابد يشاهد كل هذه الأحداث من خلال شاشة هاتفه المتصل بالكاميرات المزروعة، يستطيع الإحساس بغضبها المكتوم! و كأنه أصبح بينهما رابط خفي ينقل له كافة مشاعرها بوضوح تام،انه يراها تعاني في إتقان دورها، يشعر بها كـ كتاب مفتوح بالنسبة له.. تنهد بأسى وأغمض عينيه قائلا بتمهل:
- أووف وبعدين بقا؟؟
................
دلفت رحمة إلى المطبخ وهي تكتم صرخة قوية كادت أن تفلت منها، وضعت الأطباق التي تحملها من يدها بقوة ثم أمسكت بمنشفة المطبخ لتضعها بين أسنانها المصطكة ،وأطلقت صرخة مكتومة وهي تغمض عينيها بقوة:
- امممممممم، يا كلاااا.ب يا كلاااااا.ب.
ظل صدرها يعلو و يهبط بأنفاس متبعثرة وهي تهادن نفسها:
- اتحملي، اوعي تضعفي، لازم تاخدي حقك و حق أحمد
منهم، انتي قوية، قوية يا رحمة.
ذهب بعينيه خلفها محدقًا وهو يلهث بولع، و استغرقه الوعي لحظات كي يدرك أن ذراعي ضحى تلتف حول عنقه و شفتيها تقترب من شفتيه، اتسعت عيناه أكثر ثم وبخها بغضب و قلق نازعًا ذراعيها من حول عنقه:
- انتي اتجننتي؟ عايزه رحمة تشوفنا بالشكل ده.
وتركها و تحرك نحو غرفة المعيشة ..اندفعت بخطوات سريعة نحوه تقول بغيظ:
- و إيه يعني خليها تشوفنا و نخلص من التمثلية دي ..خليها تعرف إننا....
وضع كفه فوق فمها قائلا بتشدد:
- اخرسي، اخرسي.
نفضت كفه عن فمها قائله بحقد:
- حرام عليك.. مش قادرة أستحمل أشوفك معاها، جنب منها و أنا حتى مش قادرة ألمس ايدك، أنا كمان ليا حق فيك أكتر منها، أنا أم إبنك.
فكر ياسر أن التعامل بتروي و هدوء معها هو الحل الأمثل في هذا الموقف العصيب، غضبه و ثورته عليها لن يُجديا نافعاً:
- ضحى اسمعيني كويس، أكيد هيجي اليوم اللي رحمة تعرف فيه إننا متجوزين وعندنا ولد، بس مش....
صمت و ابتعد عنها سريعاً حينما لمح رحمة تخرج من المطبخ قادمة نحوهما فهمس محذرًا:
- رحمة جاية.
قالت رحمة بصوت حاولت أن يكون ثابتًا و غير غاضب قدر الامكان:
- بتعملوا إيه؟
تنحنح ياسرقائلا  وهو يشير الى مكتبة صغيرة خلفه تحتوي علي بعض الكتب:
- كن..كنت بفرج ضح.ى على المكتبة.
اقتربت ضحى من المكتبة وقالت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها:
- أصل ياسر عارف إني بحب القراية.
رد عليها بقوة:
- أحمد الله يرحمه كان قالي في مرة و إحنا بندردش مع بعض.
شعرت رحمة بشعور مرير من الخيانة و الغدر.. لم تعد غيرة بل كره، كره، لقد بات شعور آخر أكثر مرارة.. تكورت غصة مؤلمة بحلقها فقالت وهي تبتلعها بابتسامة عابثة حاولت ترسمها بإتقان:
- عقبال ماتشوفي الكتب هعمل الشاي، ااه ضحى تحبي الشاي سادة ولا بنعناع؟
كانت ضحى تتشنج ببطئ وهي تضغط أظافرها المدببة في جلد ذراعها بقوة لتترك أثر واضح، لوت شفتيها قائلة:
- ساده ياروحي، ساده.
غادرت رحمة بخطوات ثابتة، وظل ياسر يراقبها حتى اختفت داخل المطبخ ليعود إلى رحمة التي كادت أن تفتح شفتيها لتتكلم فأوقفها قائلا:
- هعدي عليكي بالليل.
همهمت بتهكم:
- ساعة ولا اتنين و تمشي طبعًا.. زيارة فض مجالس.
- لا هنام معاكم.
قال بصوت قاطع.. تبسمت ضحى وسألته:
- بجد ولا بتهزر؟
داعب خدها برفق مبتسم:
- لا بجد.. انتي و إبني وحشتوني.
همست ضحى برقة:
- بحبك...
تنهد ياسر وشفتيه تنفرج بابتسامة ضئيلة غير ساطعة:
- ياريت تمشي دلوقتي، قولي أي حاجه لرحمة.
قالت من بين أسنانها:
- أمشي، ماتخفش أوي كده، رحمة مش أخده بالها منك ولا مني كل همها تحمل وبس.. مش شايف أكلة السمك عايزه تخليك تنور من الفسفور الليلة.
ضمت شفتيها بمكر وهي تغمز له:
- مسكينة.. ماتعرفش ان الفسفور ده كله هيبقى من نصيبي.
زفربيأس وهو يبتعد عنها:
- وبعدين معاكي بقا؟
............
بنفس الوقت اتسعت عيناه أكثر و أكثر وهو يراقبهما عن كثب وقال عابد ساخراً:
- مش باين عليكي خالص يادكتورة ضحى.. اللي يشوف
وشك البريء ده ينخدع فيكي بسهولة.
..................
سحبت ضحى نفسًا ثم همست بخفوت:
- خلينا في الأهم من الست رحمة، أخبار الشغل إيه؟
صدرت عنه صيحة استنكار قائلا بنبرة خافتة معترضة:
- هنا ياضحي! هنتكلم عن الشغل هنا مش قادرة تصبري شوية، لما أجيلك بالليل.
كتفت ذراعيها قائله بفم ملتوي:
- هو أنا عارفه أتكلم معاك أصلا و لا أتلم عليك، شغلنا اللي هو سبب العز ده كله اللي عايشة فيه الهانم مش عارفين نتكلم عنه كلمتين، ياسر أنت لازم تنجز شوية في موضوع تخليص أوراق البنات خلينا نخلص ونقبض بقا.
استدار اليها بعنف وهو يهتف بقوة و صرامة:
- أعمل إيه أكتر من كده يعني؟ بخلص الورق و جوازات
السفر.. أنا اللي في وش المدفع والمسؤولية كلها عليا، ربنا
يستر، كل ده عشان البهوات يبقوا بعيد عن الموضوع.
همس ياسر وهو يبعد عينيه عن ضحى:
- اششششش رحمة جاية، امسكي أي كتاب.
...................
تراجع عابد إلى الخلف و أسند ظهره براحة مائلا برأسه قليلاً ثم همس وهو يحك لحيته:
- ورق و جوازات و بهوات إيه حكايتكم إنتم مين اللي وراكم، ياترى أنت ياحسام باشا.
أمسك هاتفه وكتب سريعاً وهو يراقب رحمة التي تقف أمامه بوضوح:
- عطلي ضحى عندك ساعة على الأقل.
.........................
اهتز الهاتف في جيب سروالها الجينز فإبتسمت رحمة وهي تخرج هاتفها و تقرأ رسالة عابد المختصرة.. اهتزت حدقتيها قليلاً لترفع عينيها نحو ضحى الجالسة أمامها بهدوء ترتشف الشاي.. كتبت رحمة وهي تتنهد:
- أوك، بس مش أكتر من ساعة عشان قربت أقتلها.
عكف ياسر حاجبيه وهو يسألها:
- خير يارحمة في حاجة؟
هزت رأسها وهي تقول ببساطة:
- ده عرض حبيبي من الصالون اللي بتعامل معاه عشان الصيف.
استدارت رحمة برأسها وقالت لضحى التي تفترس ياسر بعينيها كأنها تتعمد أن تلفت انتباه رحمة اليهما:
- المرة الجاية لازم ظافر يبقى معاكي، انت ماشفتوش ياياسر سكر خالص.
مط ياسر شفتيه قائلا بربكة ملحوظة:
- ماشاء الله، ربنا يحفظه.
رددت ضحى خلفه:
- يارب..
ثم أكملت بضحكة أفعى صفراء وهي تمط شفتيها:
- لو ماكنش تعبان كنت جبته معايا طبعًا ..أحسن تفكري
إني مش عايزه...
وبترت كلماتها عن قصد وفي داخلها تقزف المفرقعات:
وقد نالت ماتمنت فقد عقدت رحمة حاجبيها و ملامحها
بهتت قليلاً.. وهزت كتفيها وهي تقول بفتور:
- بصراحة لو ماكنتش أعرفك كويس ياضحى كنت فكرت في كده، أصل دلوقتي للأسف بقيت بتعرض لمواقف كتير زي دي، ناس كتير بيخافوا على أولادهم خصوصًا لما تكون الست اللي قدامهم متأخرة في الحمل أو مش بتخلف.. بقا أغلبهم بيخبوا و بيخافوا وكأن الناس دول عدوى أو مرض.
- رحمة... مش اتفقنا مانكلمش في الموضوع ده.
همس ياسر بحنو وهو يمسك بكفها الرقيق ليرتاح بين كفه الكبير، مما آثار و أشعل حنق ضحى الشديد، ازداد انعقاد حاجبيها وهي تهمس بغل في نفسها:
- ان ما حرمتك منها مابقاش أنا ضحى.

بقلبي رحيق لقائنا Where stories live. Discover now