الفصل الحادي عشر 💗

1.5K 65 19
                                    

كل شيء في هذه الحياة مقدر و مكتوب على العباد ولن نستطيع الهرب من المكتوب..إلا من تغير مصيره بيد الله وليس بيد العباد...
العشق مكتوب والألم مكتوب، الحزن و الفرح مكتوب حياتنا قطار سريع يمر مرور الكرام بين محطات عديدة ومختلفة، منها التي تُسعدنا و منها التي تُحزِنا و تُرهقنا أحيانًا تكسرنا و أحياناً تصلحنا، ترى فيها زخارف القدر و تقابل فيها ما يمكن تغييره وما لا يمكنك الإقتراب منه تنظر فيها إلى نفسك ونمط حياتك، وتحاول تغيير كل الأشياء التي لا تحبها...
تعيش فيها بين أشخاص من مستويات اجتماعية وثقافية مختلفة للغاية، ونعيش جميعًا معًا متشابهون جدا مع بعضنا البعض، لكن بحقائق مختلفة وعادات مختلفة، ووجهات نظر مختلفة للعالم، ويسقط بعضنا في كثير من الأحيان في حالة حب...
ولكن ماذا لو وقع شاب من الضواحي مع امرأة جميلة مثل الأميرة تعيش في القصور بعيدة جدًا مثل النجوم؟ وما الثمن الذي سيدفعه العشقان مقابل هذا الحب لاحقًا ؟ هل الفراق أم الحزن وربما الإنكسار؟ أم الإستمرار في هذا الحب رغم أنف قيود المجتمع؟
الحزن موجود بالفعل في كل مكان حولهما، و شعور مرير كتب عليهما معًا يذوقاه، حسنًا.. فليكن هناك بعض الحزن بينهما في هذا العالم الفاني الآن، ولكن حبه لها سيبقى مهما كان، لأنه حب يصعب وصفه بالكلمات.
...........

زفر موسى بحيرة و استدار على عقبيه ناظرًا لشاهين الجالس في صمت، ثم عاد برأسه ليواجه عينا الحاج مصطفى الهادئتين خلف ستار غائمًا من الحزن :
- احمممم في إيه ياحاج خير؟ حضرتك و البشمهندس ساكتين ليه بالشكل ده، في حاجة حصلت؟! وإيه الموضوع المهم اللي حضرتك قولتلي لازم نتكلم فيه.
ابتلع الرجل الحائر الحزين ريقه بتوتر و رفع ذقنه سائلا موسى الغارق هو الآخر في حيرته البادية على ملامحه الصلبة :
- خير يابني إن شاء الله، بس موضوعك جد في جديد لازم تاخد خبر به، الكلام اللي هيتقال دلوقتي هنا بينا أنا لسة عارفه من شاهين قبل ما نجيلك، وهو كمان عرف إمبارح بالليل.
ارتجفت شفتاه على الرغم من مظهره الصلب وشعر أن الأمر ليس له أي علاقة بالخير بل إنه يبدو أسوأ مما يتوقع...
استنتج بحس العاشق القابع بين نيران الخوف على أن الوضع برمته يخصها هي.. يخص ناديا، حضورها إلى هنا، ثم مرضها المفاجئ، و تقرح عيناها الجميلتان من شدة البكاء و خاتم خطبتها المنزوع من اصبعها، انهيار شقيقتها و نظراتها المرتبكة له لحظة وصوله، كل شيء كان يبدو مريبًا مثيرًا للشك... مما جعله يندفع قائلا :
- حاج مصطفى الموضوع اللي حضرتك عايز تكلمني فيه إنت و البشمهندس أعتقد يخص أنسة ناديا.
ساد الصمت المهيب بينهم فحدق موسى بعيني شاهين وانتباه القلق للحظة واحدة تلقى فيها مئات اللكمات بمعدته قائلا بتلعثم نازعًا كل الألقاب :
- شاهين، ناديا حصل لها حاجة؟
- ناديا بخير الحمد لله إطمن.
أجابه وهو يضغط فوق جبهته مكمًلا حديثه :
- بصراحة أكتر الموضوع مايخصش ناديا وحدها هو كمان يخص أم رؤى لأنهم الاتنين في نفس.....
قطع حديث شاهين المبطن بالألغاز المثيرة للقلق و الخوف دخول رحمة حاملة صينية القهوة التي وضعتها فوق الطاولة الخشبية البسيطة :
- اتفضلوا القهوة، بعد إذنكم أنا.
رفع الحاج مصطفى عينيه نحو الفتاة الهادئة الجميلة قائلا لها برفق :
- اقعدي يابنتي رايحة فين؟ اقعدي معانا لأن واضح إن الموضوع اللي هنتكلم فيه يخصك إنتِ كمان.
همست رحمة بقلق وهي تسحب المقعد حتى تجلس بجانبها أخيها المتوتر :
- يخصني أنا ؟.
رد شاهين مختصر كل الشكوك وهو يسأل رحمة :
- مافيش ولا مرة سمعتي ياسر بيجيب سيرة واحدة ست اسمها ماجي شبرواي.
ضيقت رحمة عينيها بشرود في محاولة لعصر ذاكرتها حتى تتذكر هذا الإسم الجديد على مسامعها، بينما ازدادت ملامح موسى تعقيدًا و أطبق جفنيه في عزلة أخذته للبعيد حيث الماضي قبل عدة سنوات...
"أحمد تعالى اتفضل، دكتورة ماجي ده أحمد خطيبي اللي كلمتك عنه، حبيبي أعرفك على دكتورة ماجي شبراوي أحسن دكتورة تجميل في مصر كلها"
"أهلا وسهلا دكتورة"
"أهلا بيك دكتور أحمد اتشرفت بمعرفتك، عن إذنكم أنا مضطرة أقوم عشان عندي مواعيد عيادة، دكتورة ضحى نكمل كلامنا بعدين"
عاد من شروده على صوت شقيقته التي أكدت :
- لا معرفهاش.. عمري ما سمعت الإسم ده ولا حتى سمعت ياسر بيتكلم عنها مع ضحى"
تحرك حلقه بصعوبة وتشنج جسده تلقائيًا وصرح :
- أنا بقا أعرفها.
تحولت الثلاثة وجوه نحوه بصدمة، ليسأله شاهين :
- تعرفها منين، قابلتها قبل كده؟
نظر إليه موسى عاقدًا حاجبيه بشدة يغمغم بضحكة ساخرة :
- شوفتها كانت قعدة مع ضحى بيتكلموا في كافتيريا المستشفى اللي كنا بنشتغل فيها، أول ما شاوفوني جاي عليهم تقريبًا سكتوا وبعدين ضحى عرفتنا على بعض، وبعدها على طول ماجي مشيت، بس قبل ما تمشي قالت لضحي نتكلم بعدين.
التفتت رحمة نحوه تسأله بريبة :
- مسألتش ضحى مين ماجي ديه وتعرفها منين؟
لم يجبها موسى للحظات طويلة ناظرًا لنقطة بعيدة ورد بعدها :
- سألتها، أيوه سألتها إيه علاقتها بدكتورة تجميل حتى يومها هزرت معاها وقولتلها إنتِ ناويه تعملي عملية تجميل.
صمت وهو يضغط فوق عينيه بشدة.. فقال شاهين وهو يقبض فوق كتفه :
- وبعدين ردت عليك قالتلك إيه.
توترت ملامح وجهه وعيناه تضيقان مجيبًا بخشونة :
- جمال، جمال ساعتها ظهر فجأة قدامنا، كأنه طلع من تحت الأرض فضل يتكلم معايا على الحسابات وعلى العلاوات فإنشغلت معاه ونسيت موضوع ماجي ده.
ثم دمعت عينيه وهو يضحك بخشونة حزينة ساخرًا من نفسِه ومن الفخ المدبر الذي وقع بداخله بعد أيام قليلة :
- بعدها بخمس تيام حصلت الحادثة، ههه كانوا كلهم متفقين مع بعض عليا، وأنا في النص ولا داري بالخطة الحقيرة اللي وقعوني فيها، معنى كده أن دكتورة ماجي ديه ليها يد في اللى حصل كله، يعني هي المستفادة من تجارة الأعضاء.
دمدم الحاج مصطفى برفق :
"حسبنا الله ونعم الوكيل، فيهم"
نظر اليهما أحمد عاقدًا حاجبيه مستفسرًا :
- بس مين هي ماجي شبراوي؟ حضرتك تعرفها منين ياحاج إنت و البشمهندس.
فتح شاهين فمه للحظة، ثم لم يلبث أن قال بصوت خافت ونبرة حزينة وهو يتنحنح رافعًا عينيه بعيني موسى المتلهفتين للإجابة :
- ماجي شبراوي تبقى والدة ناديا و أم رؤى.
صرخت رحمة بصدمة :
- اااااااااايه؟
سقط قلبه بين قدميه فجأة، شعر أنه سقط في دوامة عميقة من الضياع صَمَّت أذنيه عن سماع كل شيء من حوله، فقدت عيناه الرؤية، جف حلقه وهو يختنق يمسد عنقه وبعنف جذب ياقة كنزته الملتفة حول عنقه تخنقه...
صاحت رحمة وهي تربت فوق صدره :
- أحمد إنت كويس؟ أحمد رد عليا.
دمدم شاهين بقلق وهو ينظر نحو والده ساكن التعبير تبدو الصدمة قوية على الشاب الذي يتلقى الصدمات بلا توقف الواحدة تلو الآخرى:
- موسى حاسس بإيه؟
هز رأسه نافيًا كل شيء ونهض من مكانه دون أن يصدر أي صوت، اتجه نحو المبرد الصغير ليخرج من داخله زجاجة ماء بارد وسكبها كلها فوق رأسه حتى يخمد نيران البركان المتفجر داخل رأسه... توقفت رحمة بجانبه تربت على ظهره برفق مستنجدة بنظراتها القلقة بشاهين والحاج مصطفى الذي أشار لها برأسه أن تهدأ :
- رد عليا يا أحمد، رد عليا حبيبي إنت كويس؟
أومأ برأسه قائلا وهو يتنفس بصعوبة وصدره الضخم يتحرك بلا هوادة :
- هبقى كويس يارحمة إن شاء الله، هبقى كويس بس أفهم ليه أنا اللي بيحصل معايا كده، ليه؟ ليه اشمعنى أنا يا حاج مصطفى؟
همهم الحاج مصطفى :
"استغفر الله العظيم وأتوب، وَحِد الله، وَحِد الله يابني واستغفر ربك ماينعشي نسأل ليه"
"لا حول ولا قوة الا بالله، لا حول ولا قوة الا بالله"
غمغم وهو يقترب من الحاج مصطفى الذي مد يده لموسى حتى يأتي ويجلس بجانبه، سريعًا جاءت رحمة بمنشفة ووضعتها فوق رأس أخيها لتجفف رأسه بحنو في حين جلس مهزوم بجانب الرجل الذي كان له في مقام الأب و السند، قائلا بصوت خافت :
- فهمني ياحاج اللي مش فاهمه، عرفني كل حاجة أنا مستعد أسمع كل حاجة منك ومن البشمهندس.
ربت الرجل فوق كتفه العريض وهو ينظر إلى إبنه :
- شاهين هيقولك على كل حاجة، بس قبل ما تسمع اللي هيقوله حط في دماغك وإعقل الكلام كويس، اتأكد أن ناديا و أم رؤى الاتنين مالهمش ذنب في أي حاجة، زيهم زيك تمام هما كمان ضحايا ماجي شبرواي.
أغمض عينيه وهز رأسه ببطء شديد وكل جسده مشدود كالوتر وبدأ شاهين حديثه:
- أنا هقولك كل حاجة ياموسى سمعتها و عرفتها.
بعد وقت كان شاهين قد انتهى اخباره كل شيء عرفه عن ماجي و أفعالها المشينة التي أوقعت بموسى، و أيضا أفعالها الحقيرة المدبرة ضد زوجها ووالد ابنتيها، خيانتها له، و قتله بمساعدة حسام، تحالفها القذر مع حسام وجر ابنتها الى فخ خيانتهما..
أخبره كل شيء سمعه من ناديا و سردته عليه مَي زوجته، وساد الصمت بين أربعتهم..
شعر شاهين بالارتياح والسكينة وكأن ثقل كبير انزاح من فوق قلبه...
ظل الحاج مصطفى يحرك مسبحته في هدوء وهو يسبح بذكر الله...
رحمة متسعة العينين شاحبة اللون فاقدة التركيز وهي التي كانت تعتقد نفسها الضحية الوحيدة بعد أخيها في تلك اللعبة القذرة، إذا بها تعلم أن هناك ضحايا آخرين يشاركونهما نفس المصير...
أما هو فظل صامتًا لا يرد ولا يصد يفكر فقط في هول الصدمات المتتالية، و في تلك الهشة الرقيقة.. كيف مرضت فجأة ووقعت أثيرة عذاب روحها، فجسد الانسان لا يمرض إن لم تمرض روحه، هي تحملت كل الحقائق وحدها كتمتها بداخل قلبها فمرضت لأنها...
تصلبت ملامح موسى أكثر و غضب أكثر، حسام هو عدوه الوحيد سوف يقتلع روحه بيده، ينتزعها منه انتزاعًا كما نزع روحه من جسده ببطء، مرة عندما شارك في ظلمه، ومرة أخرى عندما انتزع روح ناديا و آلم قلبها...
انتبهت رحمة من صدمتها وسألت :
- يعني ناديا معاها دليل براءة أحمد على تليفونها؟
هز شاهين رأسه :
- أيوه معاها وده اللي هنقدمه للضابط اللي بيتعاون معاكِ.
همهمت رحمة إسمه في بطء :
- عابد.. طيب و ناديا و مَي ممكن يشهدو ضد أمهم؟
أومأ شاهين برأسه :
- أعتقد إنهم مستعدين لأنهم عايزين حق أبوهم كمان المشكلة تتحل.
نطق بصوت متشدد :
- المشكلة ماتحلتش يابشمهندس ديه زادت، أنا مش عايز أعرض ناديا و أم رؤى لأي ضغوط ديه مهما كانت أمهم.
صاحت رحمة بغضب :
- أمها ست مجرمة، بتقتل الناس بدم بارد و ترمي كل التهم على غيرها، ست خاينة قتلت أبوهم، هما مش هيشهدوا غير بالحق.
صرخ بغضب :
- لا يارحمة لاه أنا مش عايز أعرض ناديا لحاجه زي ديه كفاية اللي هي فيه... أقصد اللي هما فيه، إحنا ممكن ناخد التليفون كدليل بس نبعد ناديا و أم رؤى عن.....
قاطعه شاهين قائلا بتأكيد :
- أعتقد إن الدليل الأقوى هيكون بشهادة ناديا اللي سمعت بودانها وصورت بنفسها، إنت مش هتعرضها لأي خطر أو ضغوط، هما أصلا في خطر طول ما الست ديه عايشة وسطهم...
دمدم الحاج مصطفى:
- شهادة ناديا هتكون في مصلحتك يابني.
أومأت رحمة برأسها مبتسمة للحاج مصطفى وأعادت
عينيها إلى أخيها الجالس في صمت :
- عمي الحاج مصطفى عنده حق و بعدين هما كمان لازم ياخدو حق باباهم الله يرحمه صح ياعمي ولا أنا غلطانة؟
انعقد حاجباه في صمت وقلبه يتألم من أجلها حتى قال الحاج مصطفى ببساطة و صراحة على الفور :
- لو خايف على ناديا يبقى إنت لازم تحميها يابني.
رفع موسى إليه عينين غير مدركتين مجيبًا بهدوء :
- أنا أحمي ناديا!
وقطب حاجبيه يهمهم ساخرًا :
- هو أنا عارف أحمي نفسي عشان أحميها يا حاج.
كانت رحمة أول من سألت بحيرة :
- أحمد يحميها إزاى ياعمي، حضرتك تقصد إيه؟
تنهد الحاج مصطفى قائلا بهدوء :
- أقصد يحميها بالحلال يابنتي، موسى يتجوز ناديا.
تحرك حلقه بحركة خفيفة وقلبه ينتفض، لكنه تمكن من دفن مشاعره، بينما اتسعت عينا رحمة مرددة :
- يتجوزها.
أجابها شاهين الذي ناقش الأمر مع والده من قبل :
- الموضوع واضح وضوح الشمس و أنا و الحاج و مَي
عارفين شعور ناديا من ناحية موسى، و أعتقد إنك بتبادلها نفس الشعور، و إن شاء الله يا دكتور كل المشاكل تتحل قريب، و ظهور برائتك مسألة وقت.
قال كاذبًا بصوتٍ عادي تمامًا وهو يفرك كفيه معًا في توتر :
- أنا مش هقدر أكدب عليكم إنتم أهلي دلوقتي، فعلًا أنا بحب ناديا جدًا ويعلم ربنا إني حاولت أدفن الحب ده جوه قلبي عشانها و عشانكم، ماكنش ينفع أعض الإيد اللي اتمدت ليا و أنقذتني من الموت و.....
أخفض رأسه متوترًا وهمس بخجل :
- كل الظروف و المشاكل اللي أنا فيها سواء دلوقتي أو قبل كده بتمنع الحب ده.
زفر الحاج مصطفى و استدار على عقبيه ناظرًا إليه :
- الحب مش عيب يابني طالما بما يرضي الله، إنت احترمت وجودك وسطنا و ماعملتش أي حاجه تخليك تتكسف من نفسك، أنا اللي بطلب منك تجوز البنت و تحميها و تحافظ عليها.
ليكمل شاهين مؤكدًا على حديث والده :
- ناديا مش هتلاقي أحسن منك ولا أنت هتلاقي أحسن منها، إنتم الاتنين محتاجين لبعض، ولا موقفك أتغير لما عرفت ان أمها...
قاطعه قائلا بتأكيد :
- لا لا يابشمهندس مش هنكر إني انصدمت لما عرفت ان أمها و ابن عمتها وجوز أختي وصاحب عمري هما السبب في اللي حصلي، بس ناديا مالهاش أي ذنب في كل ده زيها زي رحمة.
أومأ شاهين برأسه وصرح :
- يبقى خلاص طالما الموضوع ده مالوش تأثير عليك توكل على الله و أخطبها.
أغمض عينيه وهو يشيح بوجهه عنهما وقد تحولت كل ملامحه لقناع جامد غير مقروء ثم قال أخيرًا بصوت حائر :
- طيب ازاي أنا مش عارف رأسي من رجلي، نفرض ان حصل أي حاجة منعت ظهور برائتي، و اتنفذ الحكم عليا.
شهقت رحمة وهتفت بخوف :
- بعد الشر، إن شاء الله مش هيحصل كده، شهادة ناديا في صالحك، صح يا بشمهندس؟
وافقها شاهين :
- إن شاء الله أنا واثق من كده.
قال بإصرارٍ و خيبة أمل تعتلي فرحته :
- ممكن ناديا بالشكل ده تفكر إني عايز أتجوزها عشان تروح تشهد على أمها، أنا مش عايزها تظن فيا الظن ده، مش عايز أكون في نظرها مجرد استغلالي، بستغل
وضعها مع امها علشان تشهد ضدها.
ابتسم شاهين بهدوء قبل أن يقول بخفوت :
- هي دلوقتي بتفكر عكسك تمامًا وخايفة لما تعرف حقيقة أمها تكرهها و تحملها الذنب، علشان كده لازم تاخد إنت الخطوة ديه وتثبت لها إنك مش هتتخلى عنها، موسى ناديا حالتها وحشة جدًا و محتاجاك دلوقتي جنبها أكتر من أي وقت صدقني.
وفي تلك اللحظات أخرج شاهين هاتفه الذي يهتز داخل جيب سرواله و أجاب زوجته التي تفاجئ ببكائها الحاد وهي تقول :
- شاهين تعالى على البيت دلوقتي حالا، ناديا عايزة تمشي.
هتف شاهين متفاجئ وهو يقف منتفضًا :
- اهدي بس يا مي و فهميني بالراحة من غير عياط ناديا عايزة تمشي تروح على فين؟
سقط قلبه بين قدميه ووقف هو الآخر أمام شاهين الذي يتبادل معه النظرات بقلق:
- مالها ناديا، عايزة تروح فين؟
أشار له شاهين حتى يهدأ و وقفت رحمة بجانبه وهي تمسك بذراعه هامسة لأخيها الذي شحب وجهه:
- أحمد حبيبي اهدى.
أغلق شاهين الهاتف مع زوجته المنهارة وقال لوالده و لموسى الواقف على الجمر :
- مي بتقولي إن ناديا مصممة تمشي، لأنها مش عايزة تواجه موسى بعد ما عرف ان أمهم هي السبب.
تجمدت ملامح موسى الذي قال بقهر :
- أرجوك يا بشمهندس ماتخلهاش تمشي، ماتخلهاش ترجع تاني للمجرمين دول امنعها بأي بطريقة حتى لو بالعافيه.
توقف الحاج مصطفى بينهما قائلا بصلابة:
- شاهين مش هيقول أي حاجة، إنت اللي لازم تقولها الكلام ده بنفسك، اسبقنا يا شاهين و قول لأهل بيتك إننا جايين وراك.
أومأ شاهين برأسه وتحرك سريعًا عائدًا إلى بيته:
وسحب الحاج مصطفى نفسًا طويلا قبل أن يقول بصوت آمر قطع تردد موسى و خوفه العميق الذي كسى ملامحه الخشنة :
- خلاص قضي الأمر و هنتوكل على الله و نتكلم مع البنت واللي فيه الخير يقدمه رب العالمين.
قالت رحمة بابتسامة واسعة وهي تتشبث بكف أخيها مضطرب الأنفاس لتدعمه :
-أحمد لو بتحبك بجد مش هتفكر غير فيك وبس، هي محتاجة ليك وإنت كمان محتاج لها.
زفر موسى نفسًا كاللهب وقال بصوت بدا خائفا متوترًا لكن هادئا:
- اللي حضرتك تشوفو و تقول عليه يا حاج أنا موافق عليه بس أنا....
ربت الحاج مصطفى فوق كتف ذلك المرتجف بقوة مقاطعه وقد علم ما بخاطره:
- ماتنعاش هم حاجة خالص، سيبها على الله و عليا يابني المهم دلوقتي تفكر في اللي جاي و إن شاء الله خير..جهز نفسك عشان نروح على بيت أخوك شاهين و ربنا يقدم اللي فيه الخير.
ثم نظر لرحمة قائلا لها :
- وإنتِ كمان يابنتي اجهزي عشان تيجي معانا، لازم تبقي جنب أخوكي.
هزت رحمة رأسها بطاعة :
- حاضر هجهز على طول.
وتركت أخوها يقف متصلبًا أمام الحاج مصطفى الذي هادنه قائلا:
- ماتقلقش يابني كل عقدة وليها حلال بإذن الله، يلا يا دكتور توكل على الله.
*************
في طريق عودته من مدينة الإسكندرية توقف ياسر بإحدى الاستراحات الخاصة بالمسافرين، وترجل من سيارته وهو يشعر بنيران متأججة تجتاح رأسه الممتلئ بالأفكار السوداوية المخيفة، جلس فوق طاولة جانبية بعيدة عن كل الجالسين يفرك وجهه وشعيرات ذقنه المستطالة بإهمال، اقترب منه النادل يسأله عن طلبه :
- تحب تشرب إيه يافندم؟
ناظره ياسر لبرهة جعلت النادل يقلق من نظراته الغير مستقرة وهو يهز رأسه قائلا :
- مش عارف؟
- أفندم.
- قهوة، قهوة دبل في كوباية.
أومأ النادل برأسه وذهب بعيدًا عن هذا المشتت، تمتم ياسر بصوت خافت حائر :
- إنتِ فين يا رحمة؟ روحتي فين؟ إنتِ اللي عملتي كده في ضحى؟
ليعاود قائلا :
- بس عملت إيه فيها؟ هي فين و ضحى فين؟
ارتد للخلف بتعب وفي رأسه تدور المئات من الأسئلة المخيفة وصوت خالة رحمة يتردد كالصدى برأسه :
- ضحى ماجتش هنا يابني، مراتك راحت فين؟ رحمة فين يا ياسر، وديتها فين؟
رحمة لم تذهب إلى الإسكندرية إلى عائلة والدتها كما أخبرته أو ادعت وكذبت عليه ترى أين ذهبت؟
أمسك هاتفه ودق عليها عدة مرات متتالية دون رد منها كالعادة كأنها تستفزه بعدم ردها، عليه و إهمالها له بهذا الشكل المهين لرجولته التي تبعثرت على يد زوجاته:
كان خلف ياسر المخبر حسنين رجل الضابط شادي الذي يراقبه كظله، جلس في طاولة قريبة منه وتحدث مع شادي يخبره :
- شادي بيه.. ياسر رجع من اسكندرية من عند أهل مراته، لف عليهم واحد واحد ويظهر كده إنه عرف إنها مش عندهم.
سأله شادي وهو يتخاصر :
- هو فين دلوقتي؟
أجابه حسنين وهو يراقب ياسر الذي يمسك هاتفه بإستمرار :
- في إستراحة على الطريق الصحراوي و شكله بيتصل بيها، ماسبش تليفونه من ساعة ماقعد من ايده، شكله عايز يعرف هي فين بأي طريقه.
قال شادي وهو يزفر :
- أووف تمام ياحسنين، خليك وراه زي ظله إياك يغيب عن عينك لحظة واحده.
- أمرك يا باشا.
ارتشف ياسر من كوب القهوة بيد ترتجف وهو يضرب بقبضة اليد الأخرى فوق الطاولة ثم توقف فجأة قائلا من بين أسنانه :
- كفايه كدة، كفااااية، حسام لازم أكلم حسام، أعرفه.
آفاق حسام من نومه العميق بعد سهرة طويلة قضاها برفقة ماجي على رنين هاتفه، فرك عينيه الناعستين و نظر إلى العارية النائمة بجانبه فوق الفراش تتقلب في دلال و زفر بضيق وهو يجيب على هاتفه :
- الو، احمممم، أيوه مين معايا؟
قال ياسر بصوت متردد :
- حسام بيه أنا ياسر.
قال حسام وهو يتثاءب بكسل واضعًا كفه على ظهر ماجي العاري يملس فوقه بنعومة مما جعلها تتململ بدلال وهي تبتسم :
- ياسر اااه، هي الساعة كام دلوقتي يا ياسر؟
حك ياسر ذقنه قائلا بتوتر :
- حسام بيه إحنا العصر، لو سمحت فوق و إسمعني في حاجة مهمة لازم تعرفها.
ظلت ماجي على وضعها نصف نائمة فوق بطنها تمرمغ وجهها في الوسادة وهي ترفع ساقيها لأعلى و تحركهما ببطء...
دمدم حسام وهو يعتدل في جلسته :
- في إيه يا ياسر اتكلم.
هدر فجأة بعصبية لتنفجر الإنفعالات التي تراكمت في داخله منذ إختفاء ضحى و هروب رحمة بوجه محتقن من الغضب :
- حسام بيه ضحى، ضحى مش لاقيها مختفية بقالها كام يوم، مش عارف هي فين ولا راحت فين؟
انتفض حسام فجأة من فوق السرير قائلا وهو يقطب حاجبيه بغضب :
- يعني إيه مختفية راحت فين؟ لاااا هي مراتك ناويه تلعب معانا ولا إيه، راحت فين انطق؟
صاح ياسر بصوت مرتفع وسط المكان :
- مش عارف راحت فين يا حسام بيه مش عارف، أنا لو كنت أعرف كنت كلمتك وبعدين هتعمل كده ليه.
اتسعت عينا حسام و نظر إلى ماجي هادئة الملامح و التي لم يظهر على ملامحها اي من علامات القلق ثم اعتدلت جالسه ترفع الغطاء فوق جسدها :
- الكلام ده من امتى؟ اختفت من امتى؟
رد ياسر وهو يمشط خصلاته المبعثرة بقلق :
- بقالها تلت أيام و عملت محضر في البوليس.
صرخ حسام :
- إنت ازاي تعمل كده، افرض تكون مراتك في حته كده ولا كده تخص العملية الجديدة ازاي تبلغ؟
قال ياسر من بين أسنانه محاولاً خفض صوته الغاضب منعًا للفت الإنتباه :
- أبوها و أمها قالوا لازم نقدم بلاغ ولو كنت رفضت كانوا هيشكوا فيا هيقالوا أنا السبب هما كده كده شاكين في رحمة مراتي أخت أحمد، فاكر أحمد يا حسام بيه.
عبس حسام باستهجان ورد ممتعض :
- ومراتك ديه كمان مالها إيه اللي خلاهم يشكوا فيها؟
زم ياسر شفتيه هاتفًا بحيرة :
- هي كمان مختفية مش عارف مكانها فين ولا راحت فين، قالت رايحة عند أهل أمها في اسكندرية، بس هي مش موجودة عندهم أنا لسه راجع من هناك.
شخر حسام وهو يصرخ :
- نعممم و ديه كمان راحت فين؟ اسمع أنت و جوز النسوان بتوعك لو كنت بتلعب معايا أنا ممكن....
قاطعه ياسر بغل قائلا :
- اسمع أنت كويس أنا لو ماعرفتش هما فين خصوصًا رحمة هدمركم، أنا مش بلعب معاكم ولا كان ليا أصلا في اللعب الوس**خ ده من الأول، إنتم اللي جرتوني معاكم وخلتوني أبيع نفسي و صاحب عمري، لو إنتم السبب أنا مش هسكت، عليا وعلى أعدائي أنا مش زي جمال اللي راح فطيس.
ارتفعت ضحكات حسام الصاخبة فائضة الغضب وهو يهتف :
- ماحديش ضربك على إيدك ياروح أمك أنت وهي حسام الباشا مش ببتهدد، إنت دخلت اللعبة بمزاجك و اللي دخلتك فيها مراتك التانية، وهي نفسها باعت خطيبها و خليتك تبيع و تخون صاحب عمرك عشان الفلوس، ماتجيش دلوقتي تعمل فيها الشريف فاهم اقفل دلوقتي وأنا هشوف راحت في أنهي داهيه ديه كمان و هقولك.
شعت عيناه السوداوتين كــ لهيب الجحيم قائلا :
- أمرك يا حسام باشا، بس خد بالك كويس أنا كمان مش بهدد أنا بقول كلامي الأخير لو رحمة حصلها حاجة أو حتى ضحى أنا هتكلم و اقول على كل حاجه ومش هسكت وعليا وعلى أعدائي.
أغلق حسام و تصاعدت النيران في جوفه بإشمئزاز و شعر بمرجل يغلي في جسده وهو يناظر تلك الهادئة المستكينة:
_تعرفي ضحى راحت فين؟
أمالت ماجي رأسها قليلا وهي تتفحص حسام بحدقتين
ضيقتين مشقوقتان كالأفعى بنظرة قشعرت بدنه نفوراً وسألته:
_مالك خُفت كده ليه؟ ده أنت حسام باشا.
هدر حسام وهو يحاول إخفاء ارتعاشه غضبًا:
أنا مش بخاف من حد وإنتِ عارفه كده كويس بس انا لازم اعرف ايه اللي بيدور من ورا ظهري مبقاش كده زي الأطرش في الزفة:
اقترب منها ومال ليحاوطها بين ذراعيه قائلا وهو ينظر في عينيها القويتين و القاسيتين:
_راحت فين؟
ردت بسؤال مرواغ:
_مين فيهم؟
قال بابتسامة غاضبة:
_ضحى و أخت الدكتور، رحمة.
بوقاحة أنكرت وقالت وهي تبعد ذراعيه عنها:
_ماعرفش حاجه عن دي ولا ديه، حسام إحنا عندنا شغل كتير مش فاضيين للكلام الفارغ ده.
غادرت الغرفة بسرعة و انطلق هو خلفها يلاحقها بنفور:
ماجي أنا مش هتحرك خطوة من هنا غير لما اعرف انتِ عملتي إيه من ورايا، و بالمرة تقوليلي مكان ناديا
فين؟ احنا في مركب واحده ماتنسيش الكلام ده.
بحذر ارتسمت ما يشبه ابتسامة ضعيفة على شفتيها
الجافتين لكنها كانت كافية أن تزيد من شكوك عقله و
قلبه:
_قولتلك ناديا سافرت.. قالتلي انها مش عايزة تكمل في الجوازة دي ..وعلى فكرة هي مش عند أختها عشان هي متأكدة زي مانا كمان متأكدة إنك هتروح هناك وتسأل عنها.
عض حسام على أنامله وهتف صارخًا:
_آمال راحت فين؟
صرخت هي أيضا:
_أنا عايزه أعرف دلوقتي إحنا في ناديا ولا في ضحى؟ إيه حكايتك!! ناديا، ناديا، إيه نسيت، يظهر كده إنك نسيت.. تمام يبقى أفكرك يا حسام باشا.
أخذت نفسا عميقا وقالت بهدوء وهي تنظر في عينيه المشتعلتين و اصبعها ينغرس في صدره:
_أنا اللي خططت لكل حاجه عشان تبقى ليا و معايا وأنا اللي دبرت لموت خالك حبيبك، و أنا كمان اللي بعدت مى من سِكتنا علشان كانت شاكة فيا و كانت مسألة وقت وهتشك فيك أنت كمان.
صمتت تلهث و استمر الصمت بينهما للحظات كانت مشحونة بغضب يسرى بين الطرفين بنظرات حارقة:
جوازك من ناديا كان من تدبيري أنا، فاهم تدبيري أنا بس، قربتك منها عشان مصلحتنا، جواز مؤقت مجرد ستارة تخفي علاقتنا عن الناس لحد ما يتم اللي أنا عايزاه، وخلاص الموضوع خلص والعملية الأخيرة هتم وأنا وأنت هنسافر من هنا يعني كده كده كنت هتسيب ناديا، يبقى فوق وخلينا في شغلنا أحسن.
اهتزت حدقتاه للحظة ثم انتصب في وقفته يسألها:
ماجي قوليلي الحقيقة، انتِ عملتي حاجه في ناديا؟
نظرت اليه بصدمة كأنها لا تصدقه قائله بلهجة ساخرة:
_أنت اتجننت دي بنتي، صدقني ناديا هربت.
و بنبرة ماكرة همست:
_هربت مع اللي بتحبه.
التفت ببطء نحوها يهمس بصوت ناقوسي مرعب:
_ بتحبه!! ناديا بتحب واحد تاني؟
تعالت ضحكاتها و جلست:
_واحد تاني ليه هو كان في اولاني؟! أنت صدقت الكذبه.
_مين هو اللي ناديا بتحبه؟ هو مين يا ماجي؟ اتكلمي.
هدر بصوت غاضب وهو يطيح بكل ما حوله من أشياء
دققت ماجي في عينيه فوجدت ملامحه تزداد غضبًا و
غيرة محترقة:
_حسام ده مش موضوعنا، ناديا خلاص قالت كلمتها الأخيرة، خلينا في شغلنا ،اممم النهارده عندنا اجتماع مهم وعلى فكرة التحويلات الجديدة وصلت.
نظر اليها مقطبًا حاجبيه قبل أن يهمس باستسلام:
_عندك حق شغلنا أهم الفلوس اهم من ناديا ومن اي حد.
ملست فوق خده ثم قبلته برقة وهمست بدلال:
_حتى أهم مني أنا كمان.
ضمها لصدره يضغط على جسدها الغض ثم
ازاح شعرها وقبل عنقها وهو يدمدم:
_انتِ أهم عندي من الدنيا كلها، ماجي شبراوي هي اللي عملت حسام باشا، مش هتقوليلي بقا وديتي ضحى و رحمة فين؟
هزت رأسها نافية وهي تضع رأسها فوق كتفه:
_معرفش مكان رحمة.
ارتسمت أعتى علامات الغضب فوق وجهه و تمتم بتصلب:
_لكن تعرفي مكان ضحى صح.
رفعت راسها من فوق صدره ونظرت في عينيه بتسلية
واضحة وهي تمرر لسانها فوق شفتيها ببطء هامسة:
_ أعرف مكان جثتها.
_جثتها!! انتي قتلتيها؟
هدر مفزوعًا وهو يتراجع للخلف في نفور وكأنها حية سوف تلدغه بسمها القاتل.. برقت عيناها بالتسلية و
ضحكت تسأله:
مالك اتخضيت كده ليه؟ كأنها أول مرة وبعدين ده مش إسمه قتل، ده استئصال.
في ذهول خرج صوته متحشرجًا وهو يبتلع ريقه الجاف
قائلا:
_ليه عملتي كده؟ ليه، ضحى دي كانت واحدة مننا.
رفعت كتفها قائلة ببساطة:
_جمال كمان كان واحد مننا وأنت قتلته.
لعن حسام ببذاءة لا تليق بمركزه ثم انطلق كالسهم
يسحبها من ذراعها بقوة هاتفًا:
_جمال كان مصدر إزعاج ليا ولكي ولشغلنا كان بيهدد
إنه هيكشفنا لكن ضحى.....
صاحت بهدوء وهي تقاطعه:
_ضحى كمان كانت بتهددني، تخيل الحقيرة ديه قليلة
الأصل بعد كل اللي عملته معاها جايه لحد عندي في
المركز تهددني.
ولم يرمش لها جفن وهي تتابع:
_قولت خلاص تهديد بتهديد يبقى استفاد منها هي اللي جابته لنفسها، وبعدين انت قلقان ليه الموضوع عدى زي شكة الدبوس، و خلاص أخدت منها كل اللي أنا عايزاه.
ظل حسام ينظر اليها بنظرات مبهمة ثم هتف وهو يمرر اصابعه بين خصلات شعره المبعثرة:
_ياسر لو عرف مش هيسكت ده كان بيكلمني زي المجنون، عايز يعرف مكانها ومكان مراته التانية.
لم يظهر اي انفعال على وجهها وهي تنظر إليه وتفكر، وقالت بصوتها المغوي المبحوح:
بسيطة يا حبي لو فضل يزن يبقى نريحه هو كمان.
قال بغضب:
_نقتله هو كمان.
هزت رأسها مبتسمة:
_لا طبعا ياسر مفيش منه أي منفعه بس ممكن حبي
نلبسه قضية ياخد فيها كام سنة سجن عشان يتأدب.
صمت وقد ظهر الخوف في عينيه منها.. بينما تابعت هي:
_لازم احنا اللي ناخد الخطوة الأولى دائما، إحنا خلاص على وشك السفر و الهجرة من البلد ديه كلها علشان كده لازم ننضف ورانا كل الوسا*خة ديه.
ظل صامتًا يفكر بصوت همس داخله:
ياترى الدور الجاي هيكون على مين ياماجي شبراوي
عليا ولا على ناديا؟ لا يا ماجي انا اللي هغدر بيكِِ قبل ما تفكري تغدري بيا، و عارف هعمل إيه كويس.
فرقعت باصابعها أمام وجهه:
_حبي سرحت في إيه؟
نظر إليها و عيناه تلعبان لعبة تحدي غامض مع عينيها
في صمت:
_بفكر في كلامك انتِ عندك حق لازم نخلص من كل الوسا*خة علشان ميبقاش ورانا ديول، أنا هعمل اللي قولتي عليه و هنفذه بالحرف.
ضحكت و شفتيها تنغمس بين شفتيه بقبلة محمومة
بعاطفة محرمة قبل أن تهمس له:
_بعدها كل الدنيا هتبقى تحت رجلينا هنعيش زي الملوك مالكين العالم كله بفلوسنا، معايا هتكون أسعد راجل في الدنيا.
قال وهو يمرر شفتيه فوق جيدها بخبث:
_و معايا هتكوني ملكة، ملكة قلبي.
**********
هرولت مي نحو زوجها باكية بحرقة في حين كانت ناديا تجمع ملابسها داخل الحقيبة وقالت له:
_شاهين، ناديا مصممة تمشي مش عايزة تسمع مني ولا كلمة، اعمل حاجه بالله عليك.
مد اصابعه ولمس بحنان وجنتها ومسح دموعها الغالية على قلبه الذي يعشقها وهمس بابتسامة اراحت قلبها:
_ماتقلقيش ناديا مش هتمشي من هنا خلاص، الحاج جاي ورايا ومعاه موسى احنا اتفقنا على.....
بتر حديثه عندما سمع صوت عجلات حقيبة و خرجت ناديا تسحبها خلفها... توقف شاهين عن كلامه مع مي التي نظرت له تثتغيث بلهفة فقال وهو يقترب منها:
رايحة على فين يا ناديا؟
ردت سريعاً دون تفكير:
ماشية من هنا يا شاهين.
قال بنبرة قاطعة:
_ناديا انتِ مش هتتحركي من هنا، ده بيتك و أنتِ هنا وسط أهلك و ناسك.
اخذت نفسا عميقا وهي تحاول جاهدة الوقوف بسبب ضعف جسدها وقالت بحزن:
شاهين خليني امشي من هنا لو سمحت، أنا مش عايزه ابقى موجوده في نفس المكان اللي فيه موسى
مش عايزه اشوف الإنسان اللي ظلمته أمي وقضت
على مستقبله.
سبقته مى نحوها قائله وهي تحاول سحب الحقيبة من بين اصابعها المتشبثه بمقبضها:
_ناديا بلاش كلام فارغ تقدري تقوليلى هتروحي فين
عايزه ترجعي للدكتورة و الحقير اللي معاها.
صاحت بغضب:
_لا طبعا مش هرجع تاني اعيش معاها ولا حتى عايزه اشوفها، أنا هسافر.. هروح اي بلد، انا عندي صاحبتي عايشة في أبو ظبي هروح اقعد عندها لحد ما اشوف
هعمل إيه.
صرخت مى بحدة في وجهها غاضبة:
_إيه الكلام العبيط ده ! تروحي تعيشي مع صاحبتك في بلد تانية وأختك هنا، ناديا احنا هنا نقدر نحميكي لكن لوحدك هتعملي إيه، وبعدين انتِ مالكيش اي ذنب في اللي حصل لموسى، احنا كمان اتظلمنا زيه بالضبط
اعقلي وبلاش جنان.
بنوبة بكاء عاصفة انفجرت:
_مى كفاية ضغط على اعصابي وخليني امشي.
وفي المقابل هتفت شقيقتها وهي تسحب الحقيبة منها:
_وأنا قولت لا مش هتتحركي من هنا، فاهمة.
تدخل شاهين بين الأختين ليفصل بينهما قائلا:
_بس يا مى كفايه، انتِ مش شايفه حالتها، بالراحه ومن غير صريخ .
نظرت له بتيه وخوف وقالت:
_شاهين أنت مش شايف اللي بيحصل ازاي أصلا هي بتفكر تمشي بالشكل ده، ديه ممكن تقع من طولها.
وقبل أن يتحدث دق جرس الباب فقال شاهين وهو
يُشير لها لتصمت:
خلاص الموضوع هيتحل.. ادخلي حطي طرحه على راسك.
واتجه نحو الباب ليفتحه وهمت ناديا ايضا نحو الباب حتى تخرج بحقيبتها.. فتح شاهين باب المنزل لوالده
الذي دخل أولا و من خلفه رحمة التي نظرت مباشرة الى تلك الجميلة الباكية ناعمة الملامح.. وفي المقابل
تبادلت معها ناديا النظرات في دهشة حتى لمحت من
خلفهم ظل شامخ القامة يتقدم للدخول من بعدهما.....
_موسى...
همست برجفة وساقيها تتجمد كأنها شُلت:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اتفضلوا يا ولاد.
قال الحاج مصطفى مبتسم في وجه ناديا الشاحب:
_إزيك يا ناديا يابنتي.
_ الحمدلله ياعمي.
همهمت بصوت متحشرج و عيناها تتشابك مع عينيه في إتصال حسي لا ينقطع، ظل يناظرها بلوم، و تساءلت
هل يلومها على ما حدث من والدتها أم لأمرٍ
آخر لا تعرفه.. انتبه من شروده على صوت شاهين وهو-

بقلبي رحيق لقائنا Where stories live. Discover now