الفصل الأول

140 7 8
                                    


تتحرك السيارة برتابة بينما الصغيران يغفوان في الخلف، قسمات وجهه مشدودة وعيناه ثابتة يتطلع للطريق دون أن يحيد عنه، لمحت بعيناها تحرك طفيف بجانب فكه يضغط على أسنانه بحنق، تنهدت سلمى بحزن تحيد بوجهها عنه تشرد في الطريق وذكرياتها؛ ذكريات عدة سنواتٍ مضت تشعر وكأنها حدثت أمس... قلبها لم ينس بدقاته المتسارعة، وجدانها يخبرها أن الذكرى باقية كعلقم أثره لازال صداه في جوفها لن يَحلوْ ولن يتركك تنسى طعمه المرير...

ألتفتت تنظر للصغيرين ثم عادت تغمض عينيها وخفقات قلبها تضرب في صدرها معترضة على استرجاع الذكرى... عدة سنوات مضت تخطت النصف عقد.... ست سنواتٍ كاملة مرت عليها كعقودٍ تُسلسل قلبها ليتها لم تلتقي به ليتها لم تعشق أو حتى تستسلم بضعفٍ مخزي لسطوته...

فتاة مرحة تتحرك بحيوية بين أروقة الشركة تحمل بين يداها عدة ملفات وخصلاتها السوداء القصيرة تتراقص أمام عيناها، ابتسامة سعيدة ترتسم على ثغرها ولمحة حزن عميقة تسكن عمق مقلتيها السودوتين...
منذ أن تخرجت من دراستها ووجدت وظيفة بتوصية من قريب والدها بمجموعة شركات "سعد العزازي" وهي تشعر أن عليها اغتنام الفرصة في التعلم والترقي، ستة أشهر مضت وبكل يوم تدرك أنها أعجبت أكثر بمجال السكرتارية عوضًا عن دراستها للفنون..

طرقات ناعمة طرقت بها يداها فوق الباب الخشبي لتفتحه قائلة بابتسامة هادئة لملامح صاحب العمل البشوشة :

- صباح الخير يا سعد باشا، أتفضل الملفات دي راجعتها وكله تمام بس محتاجة مراجعة حضرتك وإمضتك.

ضحكة متحشرجة خرجت من ثغره مصحوبة بسعالٍ بسيط، يخلع نظارته الطبية يضعها فوق المكتب أمامه وعيناه بأطراف جلدها المجعد تضيق بمشاكسة :

- يا بنتي بتحسسيني إننا في السبعينات بكلمة باشا دي فين كلام الشباب بتوع اليومين دول... مسيو سعد مثلًا تحسسني إني چان مش راجل عجوز.

ابتسمت بلطف تشاكسة بطريقة مماثلة :

- تمام يا مسيو سعد الملفات قدام حضرتك أهي.

أشار لها لتجلس فهتف بجدية يتحدث معها وعقله يشرد للماضي :

- أنتي عارفة ليه أنا وظفتك غير إنك من طرف عبد الشكور ورغم إنه عارف مبحبش الوسايط بس أول لما شوفتك فكرتيني بحد عزيز على قلبي..

- والله شرف ليا يافندم.

مد يده بالملفات بعدما وقعها فهتفت بتعجب :

- حضرتك مراجعتهاش!!

- مش أنتي راجعتيها! أنا واثق فيكي.

ابتسمت بلطف تجذب الملفات وترحل فتطلع سعد في أثرها يبتسم بسعادة وعيناه تلمح صورة حفيده الموضوعة فوق المكتب بإطارها الفضي...

همس وعيناها تغيمان بحزن :

- مش عارف أخرتها معاك إيه يابن عبد الرحمن...

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Nov 19, 2022 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

أمواج هامسة Where stories live. Discover now