اللقاء الأول

31 1 0
                                    

ببرود حانق وملامح ساخرة أتجه نظر الدوق إلى الجسم الضئيل الذي يخاطبه معتذراً بعد أعتراض سير عربته التي يجرها حصان يشبهه في تكبره.
أنتم بالفعل تماديتم هذا ماقاله الدوق مترجلاً من عربته ؛
" أعتقد أنني سأكتب خطابا الى الملك فريدريك لعله يفصلنا عن هؤلاء الهمج، مللت كل يوم أتعثر بمتشردة مثلكِ "

ردت عليه ذات الجسم الضئيل ضامة يديها أمامها ناظرة إلى ملابسه المنمقة جداً تحاول عدم إظهار اعجابها الشديد بجزمته الويلنغتون :

" المنظر البيروقراطي هذا مؤذي جداً للمتفرجين مرورك هنا يومياً بتلك العربة لم يجلب لنا سوى الأذى من حراسك أرجو أن تخبر الملك بذالك أيضاً "
بخفة تحركت وأختفت في الحشود المتفرجة بإهتمام شديد.

تابع الدوق جولته اليومية في تفحص الأسواق وتفتيش المؤونة القادمة عبر البحر لعل أحد المتطفلين من البلاد القريبة يختبئ فيها،
مروراً ببعض الأسواق الخاصة توقف ليتناول وجبته الأولى هذا اليوم
في مطعم صغير لايتناسب مع مكانته العالية طلب حساء البصل وبعض النبيذ الرخيص مع قطع من السكر كتحلية.

" أرى أنك تحب العيش كالفقراء بعد كل هذا " قال مالك المطعم الصغير.
نظر إليه الدوق مرتشفاً من نبيذه الرخيص وترتسم على وجهه الإبتسامة
" أنا أتي هنا فقط لأنني بخيل، أحاول الحفاظ على مالي فهذه عادة الأغنياء والرأسماليون "

لوح له الساقي ناكراً وغير مصدق على كل حال، قائلا أن الرجال مثل الدوق بماله ذاك من المستحيل أن تكون صفة البخل من مكونات شخصياتهم.
لم تمضي دقائق حتى دخلت فتاة شقراء الشعر وذات قامة قصيرة تقول موجهة كلامها لمالك المطعم " ارجوك حساء البصل أكاد أن اموت " اكملت كلامها دون تفحص ماحولها من جالسين :
صادفت كلباً غنياً اليوم أيضاً كان وسيما للغاية لكنه مثلهم تماما، الأوغاد الأرستقراطيين والبيروقراطيين وتلك الصفات المقرفة التي تطلق عليهم بينما يطلق علينا ماسحي الأحذية أو العبيد البيض وكأن العبودية لذوي البشرة السمراء فقط، أتمنى أن لا اراه مجدداً كان منمقاً وحذاؤه ذاك لم يكن يناسبه...
قطعت كلامها عندما وصل طعامها وبدأت في إلتهامه بصمت غير مبالية بالدوق الذي تهاوت كرامته للمرة الثانية اليوم.

أعتمر قبعته متوجها ألى الباب ماراً بها وقال " Appétit fou, petit corps "

ألتفتت للوارء ولم تستطع أن ترى إلا ظله الطويل وجزء من حذائه حيث لاذ مسرعاً.

"ويلنغتون مجدداً، ظنتت أن يومي يتحسن حقاً لكن لا"
مخاطبة نفسها ناظرة إلى الطبق الذي أنهته تقريبا يعتريها الفضول

"هل هناك فقير يمتلك مثله؟ "
بالطبع لا اظن ذالك لكن ماذا كان يفعل شخصاً مثله هنا ياللغرابة.

" أذ ظللتِ تفكرين هكذا وتجعلين من أمر التفرقة شيئاً يشغل بالك ستصبحين مثلي تديرين مطعما لا يقدم إلا حساء البصل وبعض النبيذ الرخيص"

تكلم صاحب المطعم موجهاً كلامه لها .

" لكن يا أبي.. "

طلب منها أن تكف عن ذلك وأن تساعده في غسل الأطباق ليستعدو لأغلاق المطعم.

ومن جانب أخر ظل الدوق يتمشى في شوارع باريس حيث كان أينما ذهب يحمل معه كتاباً جديداً كل يوم حيث يبدأ القراءة في وقت متأخر من النهار وينهيها بسرعة مهما بلغ عدد الصفحات ظل يتمشى حتى وجد نفسه أمام القصر الملكي فلم يستطع الهرب على كل حال كان تعباً جداً .

لمحه الحراس من بعيد وهو قادم وأشار لهم ليتركو السياج مغلقاً
" اتركوه سأفتحه بنفسي "
وكان يعلم أن السياج مغلق ولا يتم فتحه من الخارج على أي حال فتسلق إلى أن هبط في الجانب الآخر.

"أرى أنك مجنون تماماً"
تقدم ناحيته فريدريك مخاطباً أياه ملوحاً ببجاحة وأستطرد قائلاً :
" لم اتمكن يوما من فهم تسلقك للسياج هذه الأيام هذا مزعج مع وجود هذا الكم من الحراس الذين تحت أمرتك أصدقني القول هل أنت مدمن او شيء من هذا القبيل؟ "

ظل الدوق ينظر إليه دون رد
الدوق لا يتكلم كثيراً فهو لا يحب تجاذب اطراف الحديث مع أحد غير مُحبب له او عندما يكون في مزاج غير مناسب يصمت فحسب.

لم يستغرب فريدريك صمته كان معتاداً عليه جداً

"إذاً أظن ان حديثي لم يُثر إهتمامك دعنا نغير الموضوع، كنت تسير طوال النهار صحيح و تقرأ الكتب أخبرني ماذا استفدت اليوم من ذاك الشيء"

مشيراً إلى الكتاب

"إ نها رواية لفولتير لن تستطيع فهمها على أي حال تفوق مستوى تفكيرك "

"أنت لا تهتم بالعالم الحقيقي أبداً أقصد قد تكون عربيداً زير نساء أفضل من أن تكون قارئاً الحقيقة هي لقد أضعت عليك الكثير من المتعة"

شعر الدوق أنه يهان للمرة الثالثة وتهان هوايته المفضلة بطريقة غير لائقة

"شكراً لا أحتاج إلى هذا النوع من المتعة"

وغادر إلى مضجعه .

القصر يبدو للوهلة الأولى أنه مظلم جداً وقاتم وخالي من الحيأة حتى تصادف لوحات السير كونتس في زواياها حتى تشعر بالجمال ينبض في المكان ، السير كونتس صديق الدوق الوحيد منذ الطفولة وهو عينه رسام القصر ليبقى بقربه فهو الوحيد الذي يهرع إليه الدوق في وقت الشدة والإنزعاج، ويمتلك الدوق لوحة مميزة في غرفته هو الوحيد الذي يستطيع رؤيتها وغير مسموح للخدم وغيرهم الدخول إليها.

ٱستقر الدوق على سريره محاولا النوم بسلام تحدث إلى نفسه قائلاً

أمي إن الدوق لاينام، كل شيئاً من حولي يبدو كالحلم، واللوحة تزداد جمالاً.
اغلق عيني وافتحها ولا أنام نومي متقطع، إن الدوق تعب ابنك تعب..

ظل يهذي بنفس الكلام حتى استغرق فالنوم.



منظور الكاتبة :

1- حساء البصل تُتعبر طعام الفقراء في العصر الثامن عشر .
2- أحذية ويلنغتون ماركة أحذية مشهورة في ذالك العصر
3- Appétit fou, petit corps "
المعنى " شهية طيبة ذات القامة القصيرة "

الدوق وذات الجسم الضئيلWhere stories live. Discover now