تأمل وحدث

408 52 29
                                    


عاد مثقلاً بهمومه حاملاً خيباته، ليضعها على وسادته ويستلقي، ليبدأ الفرز الليلي. لكل منا طرق تمهيد ما قبل النوم، أنس لا يأتيه نومٌ إلَّا بعد ما يسترجع الأحداث اليومية التي مر بها، ويصححها في خياله، ويلوم نفسه إن لم يفعل الصح بنفس الوقت، ويضع حلولاً وأجوبة بديلة لما فعلها وقالها، وبعد هذا التيه الذي كان روتيناً يومياً قبل النوم، يأخذه التفكير ليغط في نومه. لكن في هذه الأثناء، وهو مبحر في دوامة الإدمان بالتفكير، باغتت مخيلته رسالة نصية تقول:

"أنس، أنا أعتذر، لن أستطيع التواصل معك هذه الفترة، كان في الود أن يكون لدي تواصل معك مستمر، لكن حدثتْ لي ظروف شخصية خارجة عن السيطرة، إن استطعتُ سوف أبعث لك، سوف أُعطيك حساب صديقتي المقربة؛ لتعلم باخباري منها.
إني أعلم جيداً أنك تهتم لأمري، وأنا مهمة لديك، وأنا أقدر هذا بكل احترام وود، وأشكرك على كل شيء. (حساب الصديقة ندى)
مع السلامة."
أنس في هذه الأثناء في حالة لا يحسد عليها، حالة يرثى لها تماماً، أحس في عقدة الماضي عندما كان يعتقد في أن طيلة حياته لا يحصل على ما يريد كما يريد، راوده كابوس الحظ العاثر. قبل أن يرد، أخذ يفكر
⁃ لماذا؟ ولما لم يستمر؟ ليس هي فقط، بل كل شيء جميل! ماذا فعلتُ في حياتي لأُعاقب عليه هكذا، لأكون في شتات؟ لما دائماً أكون مجزأ؟ وما الداعي من أنِّي أتعلق بفتاة لا أعرف ما نظرتها لي؟ أهي عطف؟ أم إعجاب زائل؟ أم تعارف اجتماعي؟ أم شخص عابر؟ مالذي يحدث معي؟ العمل لم يكتمل، الحب لم يكتمل، العائلة لم تكتمل، دراستي لم تكتمل، وغيرها الكثير!

أخذ يفكر في كل شيء لم يكتمل في حياته، غلبه النوم قبل أن يرد عليها؛ من كثرة قهره وغضبه من نفسه، أغمض عينيه قهراً

في هذا الوقت، آيلا بعثتْ هذه الرسالة لأغلب الناس الذين تربطها بهم علاقة جيدة، لكن ليست قوية جداً، ليس المقربين كما نقول، كان سبب ذلك شجاراً مع عائلتها؛ لأجل الدراسة وقرب وقت الامتحانات، وبلغتْ صديقتها أن تتواصل مع هولاء الاشخاص، لبين ما يتناساها شيئاً فشيئاً؛ لأنها كما تظن أنهم كما تعتبرهم، لو لم تظهر في حياتهم لعدة أيام نسوها، كما سفتعل هي. في هذا الحال، لا تعرف أنَّ المختل أنس هام في حبها كما يظن، وأنَّها اصبحت حب حياته. كانت صغيرة العمر في المرحلة الثانوية، كانت جملية جداً بعين الجميع على ما أعتقد، لديها آلاف المتابعين، والكل يتغزل فيها من شباب وشابات، علمتها الحياة الكثير، لتكون محفزة لكثير من الفتيات في عمرها، وما يقارب ذلك كونها خاضت العديد من التجارب في طفولتها، وحتى يومنا هذا.
في سن ما بين ال٧ وال١٠ سنوات دخلت في حالة اكتئاب حاد؛ بسبب تعرضها للتحرش، ودام اكتئابها مدة طويلة أشبه بالتوحد، كانت منغلقة جداً.
وفاة والدها أثر فيها كثيراً تأثيراً سلبياً، أحدث نقلة في حياتها في ذلك الوقت، انهارتْ نفسياً وجسدياً، وإلى الآن لا تعلم إن كان يوجد أحد في الدينا يعوضها عنه، كان سنداً لها في كل شيء، كان يفخر بها ويجعلها تفتخر في نفسها، كان له دور في حياتها يجعلها تعتقد أن لو يخرج كل من في حياتها ويبقى والدها فقط، لكانت تكون سعيدة ولن تحتاج لأحد، كان ضلها ومأواها.
تخطتْ ذلك، أو أوهمتْ نفسها بأنها تخطتْ ذلك، وخرجتْ من حالة الاكتئاب بعدما تعرضتْ لكثير من الامراض النفسية والجسدية. كانت تتعرض للتنمر كثيراً في مدرستها؛ بسبب عزلتها وصمتها، وعقليتها المغايرة تماماً لبقية الفتيات من عمرها، كانت زهرة ما بين الصبار.

نساء ورجل مختلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن