عصافير الجنة

21 5 2
                                    

عصافير الجنة
ندى ممدوح فايد

  كانت خديجة تهبط الدرج تود الجلوس في الحديقة في جوٍ هاديٍ صافي لتقرأ كتابها،  وإذ بها ترى أروى تقف داخل شقتهم أمام الباب وهي ترتدي حِذاءها، فـ أقبلت نحوها وقالت  :
- حبيبتي أنتظري سأساعدك؟
رفعت أروى بصرها إليها وهي تعتدل، وتبسمت بسمةٌ كضوء الفجر،  وقالت  :
- خديجة،  كُنت سأتي إليكِ.
قبلت خديجة جبهتها بحنوٍ، وقالت :
- أدامك الله ليّ، وأنا كنت سأسأل عنكِ توًا.
جثت خديجة أمامها ومالت وهي تلتقط حذاءها وقالت  :
- أرفعي قدمك اليمنى يا أروى.
نفذت أروى،  فساعدتها خديجة على إرتداءه في كِلا القدمين وعقدة رباطه،  ثُم نظرت إليها وأمسكت بكتفيها، وأردفت  :
- حينما ترتدي الحذاء ابدأي بالقدم اليمنى، وأنتِ تخلعيه ابدأء باليسرى،  حسنًا؟
أؤمأت أروى موافقة،  وسألت ببراءة  :
- حسنًا يا حبيبتي،  ولكن لماذا  ؟
استوت خديجة واقفة وأمسكت بكفها، وقالت  :
- هُناك حديث عن أبي هريرة ينص عن هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏ إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ " جامع الترمزي
لذلك يا حبيبة قلبي أرتدي حذاءك باليمنى وعند نزعه باليسرى،  حسنًا؟  لا تنسي ذلك.

أنهت حديثها وهُما يهبطان الدرج سويًا،  بينما أروى تعدها أنها لن تنسى فعل ذلك أبدًا، أوقفهما صوت ملك وهي تخرج من شقتهم وتركض تجاههم  ، و تقول   :
-  خديجة،  أنتظري هل أجلس معكم  ؟
تبسمت خديجة ومدت كفها لها،  وقالت  :
- بالطبع يا ملك،  ولنرى أين لمياء أيضًا ونجلس سويًا.
صاحت ملك في سعادة وهي تصفق  :
- وستحكين لنا قصة من قصص الصحابة  ؟
ضحكت خديجة لسعادتها وأؤمأت برأسها موافقة، وبينما هُم جالسون لاحظت ملك همهمة خديجة بكلمات لم تحددها،  فنظرت إليها، وقالت  :
- هل يُمكنني أن أسئلك سؤال يا خديجة  ؟
طوقت خديجة كتفها بحب،  وقالت  :
- بالطبع يا روحي.
أعتدلت ملك بجلستها لتبقى مقابلاً لها،  وقالت  :
- لقد تناهى ليّ همسك ولكني لم أحدد ما تُردديه،  فبماذا تهمسي  ؟
تبسمت خديجة، وقالت في لهفة  :
- ألا أخبركم بكلمات تزرع لكم شجرةٌ في الجنة  ؟
صاحت أروى وهي تصفق بكفيها في حماس  :
- بلى، بلى يا خديجة أخبرينا.
برقت أعين خديجة بالسعادة، وقالت  :
- سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
فـ يا أحبائي عن أبي هُريرة، أن رسول الله ﷺمَرّ به وهو يغرس غرسًا فقال، يا أبا هُريرة، ما الذي تغرس
قُلت: غِراسًا ليّ.
قالَ:  ألا أدُلك على غِراس خيرٍ لك من هذا؟
قالَ: بلى يا رسول الله.
قال ﷺ، قُل  : "سبحان الله،  والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"يغرس لك بكل كلمة منها شجرة في الجنة."
صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.
دارت خديجة ببصرها على الفتاتين فوجدتهن يجلسن مُقابلها القرفصاء وينظرن لها بتمعن واهتمام شديد، فقالت بسعادة ولهفة  :
- أحبابي هؤلاء الباقيات الصالحات كل كلمة تُلفظين بها تغرس لكِ شجرةٌ في الجنة
فمن يُريد أن يزرع منكن شجرة في الجنة؟
هاج الفتاتين في حماس وكُلاً منهن تقول  "أنا، أنا يا خديجة" ببهجة شديدة.
هدؤوا حالما بدأت خديجة في الحديث، قائلة  :
- أحسنتن حبيباتي وسأزيدكم فضل هذه الكلمات كلا تتركوها أبدًا.
غشاهن الهدوء وهم ينصتن إليها في اهتمام شديد، فقالت خديجة بشغف  :
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقيتُ إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. سنن الترمزي وحسنه الشيخ الألباني.
تنهدت خديجة في سكينة،  وقالت  :
- يا أحباب أن الباقيات الصالحات سببًا في دخولنا الجنة.
وإذ ذدنا في الكلمات سنذداد زرعًا في الجنة.....
قطع حديث خديجة ألقاء خالد السلام عليهن واستأذن أن يستشيرها في أمرًا ما، فـ سمحت لُه مُرحبة.
فوقف أمامها،  وقال بتلقائية  :
- يا خديجة،  سمعت أحد زمُلائي يقول صلوا على من جلس على ركبتيه يواسي طفلاً مات عصفوره، هل هذا صحيح يا خديجة  ؟
ومن يكون هذا الطفل  ؟
طلبت خديجة منه الجلوس،  وقالت  :
- يا حبيبي بالفعل أن رسولنا واسى طفلاً مات عصفوره، كما أن هذا الطفل أخ أنس خادم رسول الله والبراء بن مالك وابن أم سليم الرميصاء.
قطعتها شقهت أروى وهي تتمتم في دهش  :
- هو ابن الرميصاء التي جعلت مهرها هو إسلام طلحة  ؟
أتسعت ابتسامة خديجة لفهم أروى وتذكرها لقصة الرميصاء أعظم النساء مهرًا وأومأت برأسها.
فقال خالد مُتسائلاً  :
- الطفل هو أخ أنس خادم رسولنا، والبراء الذي أنقذ أنس من خطاطيف الأعداء وأحترقت يديه  ؟
أؤمأت خديجة وهي تملس على خصلاته في حنو  :
- أحسنتم أحبابي أجل الطفل هو أخ هؤلاء الفرسان المغاوير وابن أم سليم أعظم النساء مهرًا،  كان هذا الطفل يكنى أبا عمير وكان معه عصفور يلعب به ويحبه، دخل النبي ذات يوم عند أم سليم فوجد أبا عمير حزينًا،  فسأله النبي عن سبب حزنه، فقيل له أن إن عصفوره الصغير مات، فجعل النبي ﷺيواسى الصغير ويمازحه ويقول  "يا أبا عمير ما فعل النغير".
ولكن يا أحبابي ليس هُناك صحة عن جلوس النبي على ركبتية قط، ولكن بالفعل الرسول كان يواسيه.
تبسم خالد وقبل رأس خديجة شاكرًا وأستأذن منصرفًا، فـ حين أدمعت أعين الفتيات شوقًا لرسول الله، فتبسمت خديجة شوقًا هي الأخرى وقالت في سعادة  :
- صلوا على الحبيب.
فردت أروى وملك معًا  :
- اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

عصافير الجنة لـ ندى ممدوح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن