الفصل الثاني عشر«أصبحت ملكي»

995 66 11
                                    

إلى صاحبة العيون البنية التي تحذبني إليها دائمًا، كنت فقط أود سؤالك عن أحوالك، فلقد أخبرتيني ذات يوم أنك لا تستطيعين العيش بدوني، كيف حالك الآن؟! حسنا، لأخبرك أنا عن حالي، هناك قلب مشتت لا يعرف أي طريق يسلك، فكل الطرق تؤدي إليكِ، هناك عين لم تعد ترى شيئًا مبهرًا أو يستحق النظر إليه سوى عينيكِ، هناك رسائل قديمة وأخرى حديثة لا أستطيع أن أرسلها لكِ، فكأن الطرقات تعيدها إليّ كلما أرسلتها، ولكنني لم أستسلم فلقد إتخذت الهوى مرسالًا ليخبرك عني وعن أحوالي، لينقلها لكِ وأنا أعلم بأنكِ ستشعرين بي، وإن لم تفعلي، حسنًا لا بأس، فأنا سأتدبر أمري، ولكنني لا أستطيع أن أتدبر أمر قلبي، وروحي ورسائلي، وعقلي الذي لا يكف عن التفكير
منذ أن تركتِ يدي، وأنا أفتقد دفء كفوفي، أفتقد ذاتي معكِ، أشتاق لذلك الجانب من شخصيتي الذي لم يظهر سوى معكِ ولكِ فقط، أعلم أن هذه هي الحياة، ولكن أن نلتقي ثم نفترق مرة أخرى، هذا غير منصف لي ولقلبي بالمرة.

************

باليوم التالي..
خاصة بيوم العزيمة التي أصرت عليها «سديم»، دق جرس الباب، فسارت بخطوات راكضة نحو الباب لتفتحه، لكن «مهاب» أوقفها ليفتح هو، فتراجعت خطوة للخلف وعلى وجهها إرتسمت إبتسامة غامضة، متحفزة، لا تبشر بالخير، فتح «مهاب» الباب، وإستقبلهما هو وزوجته، دلف «أنس» أولًا، ثم بعده «مها» التي رمقت «مهاب» بنظرات راغبة إستطاعت إخفائها عن زوجها، ولكنها لم تستطع أن تخفيها على تلك التي كانت واقفة متحفزة، متربصة لها كالأسد المترقب لإبتعاد فريسته عن القطيع حتى يتيح له فرصة الإستيلاء عليها.

جلسوا جميعهم بالداخل، وكان إختلاف المشاعر هو المسيطر عليهم، فكانت «سديم» تجلس بكل ثقة وثبات قد إكتسبتها إثر حديثها مع «عليا» التي حمدت ربها على أنها قابلتها، بينما «مهاب» كان التوتر يعتلي وجهه ولكنه كان بارعًا في إخفاءه، فهيبته ومركزه لا يسمحان له بأن يراه أحد متوترًا أو خائفًا، و«مها» التي رغم إستغرابها الشديد من تلك العزيمة، إلا أنها كانت سعيدة للغاية، فها هي غريمتها تقدم لها الفرصة على طبق من ذهب، ولم تدرك أنها وقعت في فخ نصبته لها «سديم»!أما عن «أنس» فكانت عفويته وتلقائيته هي المسيطرة عليه كعادته مما جعل «سديم» تشفق عليه وتتساءل بداخلها(كيف لتلك الخائنة أن تكون زوجة لذلك الرجل الرائع؟!)

مر قرابة الربع ساعة، ثم وقفت«سديم» و دعتهم للجلوس على طاولة الطعام، فنهضوا جميعًا، ثم توجهت «مها» للمطبخ معها مدعية مساعدتها، ولم ترفض «سديم»، بالعكس كانت أكثر من مرحبة بذلك.

دلفا معًا للداخل، فبادرت«مها» بالحديث غرضه إثارة غضب «سديم»:

_تعرفي ان انا بحسدك يا مدام سديم

قد يعجبك أيضاً

          

صمتت قليلًا، ثم تابعت بخبث:

_قصدي بحسدك على جوزك... راجل.. وشهم وجدع.. ووسيم.. يعني كامل من كل حاجة تتمناه اي ست

كانت تقصد إثارة غيرتها وغضبها، ولم تحسب حساب أنها أمام إمرأة تكمن قوتها في ضعفها، لا يستهان بها، فأجابتها «سديم» بثقة تامة قاصدة إيصال لها مغزى معين:

_بس هو إختارني أنا.. ومفيش أي ست مهما كانت تقدر تاخد مكاني عنده

شعرت«مها» بأن لحديثها مغزى ما، ولكن زال شعورها ذلك عندما تحدثت «سديم» بنبرة حاولت جعلها عادية:

_يلا نطلع الأكل على السفرة

خرجت وفي يديها الأطباق، وخرجت «مها» خلفها، بعدما أقنعت نفسها أن حديث«سديم» كان عاديًا للغاية، ولكنها هي المتوترة وحسب

بالخارج...

بالنظر للمنظر الخارجي، ستجد أن كل شيء طبيعي جدًا، ولكن بالحقيقة كان لكل منهم عالم خاص يعيش به بعيدًا عن عالمهم الواقعي، ولكن سار كل شيء كما مخطط له، كانت «سديم» تُطعم «مهاب» بيديها أحيانًا، كما لو أنه طفلها المدلل، بينما إشتعلت«مها» من الغيظ، ولكن إن جئنا للحق لم تفعل «سديم» ذلك من أجل إثارة غيظها فقط، إنما كانت هذه إحدى الأمنيات التي تمنت لو تحققها مع زوجها، وهي أن تطعمه بيديها ويشاكسها كما تفعل الآن، ولكن حتى هذه الأمنية البسيطة أفسدها عليها بجفاءه.

بعد الإنتهاء من الطعام..

جلسوا جميعًا أمام التلفاز يتناولون أكواب الشاي، لاحظ «أنس» ضيق «مها» التي كانت عينيها مُثبتة على «سديم» التي توسطت صدر زوجها وتلف يدها على خصره وتشاهد الفيلم المعروض أمامهم، وضع يده على كتفها وهو يلاحظ ضيقها، وعندما نظر في الإتجاه الذي تنظر فيه وجد عينيهت مثبتة على صديقه وزوجته بشكل آثار إستغرابه، فهزها برفق قائلًا بخفوت:

_مالك يا مها.. في حاجة مضايقاكي

إنتبهت له وتصنعت الإبتسام في وجهه قائلة:

_لا ابدًا يا حبيبي.. مفيش حاجة

أومأ لها ولكن في داخله قد أُثير شيئًا ما، لا يعلم ماهيته، فهل يعقل أن زوجته منزعجة من إحتضان صديقه لزوجته؟! بالطبع لا..
هكذا أقنع ذاته وحاول نفض الأفكار من هذا النوع عن رأسه، ثم تناول الكوب خاصته وشرب منه وهو يشاهد الفيلم وعقله يعمل في جميع الإتجاهات.

بعد مرور بعض الوقت..
قد إنتهى العرض الخاص بالفيلم، ولكن يبدو أن «سديم» قد قررت أن تبدأ في عرض من نوع آخر، فقامت بدعوة«مها» لتشاهد شقتها، وتتعرف عليها، ولم تمانع«مها» بالعكس، كانت أكثر من سعيدة بهذه الدعوة.

حكايات خلف الأسوار(مازال للحكايات بقية) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن