-1-

2 1 0
                                    

إن الحياة ليست إلا رحلة ، خلالها لن تستمتع بلذة المعيشة إلا مع من تحبهم ، أو بمعنى أدق مع عائلتك . لكن على ما يبدو أن قطار هذه الرحلة قد فاتني . إذ أنني أجهل منذ صغري معنى حنان الأم ، لم أستشعر معنى أن تخاف عليك أمك من برد الشتاء و حر الصيف ، و لم أكن أعرف معنى أن تحرمك أمك من الذهاب إلى الرحلات الترفيهية و من المبيت عند أحد رفاقك خشية من أصحاب السوء . لقد كنت ضحية لعلاقة سامة خلفت صدى كبيرا داخلي .

كان أبي عامل نظافة بسيط في مدينة طوكيو باليابان ، و كان بالرغم من ذلك رجلا شهما ذو أخلاق و طباع حميدة ، عكس أمي التي لم تكن تعرف للحب معنى . إذ أن المال كان حبها الأول و الأخير ، و ما رضاءها بزواجها من والدي إلا بسبب عائلتها . كانت دائما ما تتذمر بشأن وضعنا الرديء و كم أن أبي لا يستحق أن يكون زوجا لها . و منذ يوم ولادتي و هي تبدي كرهها الشديد لي كما لو أنني لست إبنتها و لم أنشأ داخل رحمها . و مع بلوغي سن السابع عشرة ، تعرفت والدتي على رجل أعمال مشهور ، و بدٱ بالتقابل من فترة إلى أخرى . و عندما عرض عليها أن يتزوجا ، طلبت من أبي أن يتطلقا و لم يكن بيده حيلة . لأنه هو نفسه سئم الحياة تحت نفس السقف معها . و بما أن المنزل البسيط الذي كنا نقطنه كان لأمي ، لم يشأ أبي أن يكمل ما تبقى من حياته تحت رحمة والدتي ، لذلك قمنا بالإنتقال للعيش في كوريا الجنوبية أين يقطن عمي ، لكي يساعد والدي في إيجاد عمل لتوفير مستلزمات دراستي بما أن هذا سيكون عامي الأول بالجامعة ...

19_09_2016

" كاغامي أسرعي ، إن الوقت قد تأخر "
" حسنا أبي أنا ٱتية "
أجبت والدي الذي وقف متذمرا عند الباب ، و أنا قد تأخرت بسبب عدم إيجادي لهاتفي . لكنني وجدته أخيرا تحت المكتب .
طبعت قبلة صغيرة على جبين والدي و لوحت له سريعا قائلة " وداعا أبي "
" وداعا ، إنتبهي على نفسك و لا تتأخري في العودة مساءا "
كان هذا يومي الأول بالجامعة بكوريا ، و كنت متحمسة جدا للتعرف على زملائي الجدد . في الحقيقة أنا لست محظوظة في الحصول على الأصدقاء ، لكن أتمنى حقا أن تكون حياتي بكوريا أفضل مما كانت عليه باليابان ...
عندما دخلت الجامعة ، لاحظت أن الجميع ظل يرمقني بنظرات غريبة ، لا شك في أنهم لاحظوا أنني طالبة جديدة هنا فلاشك في أن الجميع يعرفون بعضهم هنا . ذهبت إلى مكتب المدير لتسليمه أوراقي الشخصية و من ثم أشار لي أن أتبعه إلى القسم الذي سأدرس به
" هل تتحدثين اللغة الكوروية بطلاقة ؟ "
إلتفت فجأة بسبب سؤال المدير بعدما كنت أنظر إلى التلاميذ المارين بجانبي
" أوه ، أه أجل أنا أتحدث اللغة الكورية منذ مدة طويلة ، لقد علمها لي والدي عندما كنت صغيرة "
" جيد ، إن جامعتنا متألقة جدا كما تعرفين و تلاميذها كذلك ؤ لذلك أبذلي قصارى جهدك للحصول على نتائج جيدة مثل بقية التلاميذ "
في الحقيقة لو لم يكن المدير هو من يتحدث لقمت بإدارة عيناي لهذا الكلام المبتذل . أنا أكره جدا من يجبرني على الحصول على أعداد جيدة ، لأنني حقا لا أهتم إن كانت الأعداد جيدة أم سيئة ، المهم أن أقبل بإحدى المناصب الجيدة بعد تخرجي .
وصلنا إلى القاعة، فدخل المدير و أنا من بعده . رأيته يتحدث مع الأستاذ للحظات من ثم إلتفت إلى الطلبة
" صباح الخير ، سأقدم لكم طالبة إنتقلت حديثا إلى كوريا الجنوبية و ستباشر دروسها معكم إبتداءا من اليوم "
إبتسمت عندما أشار لي بيده أن أتقدم و قلت " ٱه ، مرحبا . أنا كاغامي ميازاكي "
" مرحبا كاغامي " قالت إحدى الفتيات الجالسات بالمقاعد الخلفية ملوحة لي فأجبتها " شكرا "
عندما طلب مني المدير أن أذهب للجلوس ، لمحت مقعدا شاغرا حذو فتى . لكن على ما يبدو أنه ليس فتى عاديا ؛ لقد كان جذاب إلى درجة أنني لو جلست حذوه سأذوب .
هممت بالجلوس حذوه ، لكنه وضع يده على الكرسي و قال بصوت حاد " المكان محجوز "
دهشت لوهلة من ردة فعله فقلت " ماذا ؟ "
سمعت صوت صراخ فتاة من خلفي و لم تكن إلا تلك الفتاة التي رحبت بي منذ قليل " هاي ، صديقه مين جون سيجلس حذوه ، و كاغامي تعالي و إجلسي بجانبي "
" سيكون ذلك أفضل " قال ذلك ثم عاد للتركيز على القلم الذي يديره بين إصبعيه السبابة و الوسطى . إشتهيت أن أصفعه حينها على وقاحته لكنني تغاضيت عن الأمر و جلست حذو تلك الفتاة .
عندما جلست حذوها ، وضعت يدها على خدها و قالت " إذن أنت من أي مدينة من اليابان ؟ "
فتحت عيناي و تشكل فمي على شكل o عندما قالت ذلك ، لأن المدير لم يخبر الطلبة عن جنسيتي
" كيف عرفت أنني من اليابان ؟ "
" و كيف لا يتعرف أبناء نفس الوطن على بعضهم بسرعة ؟ "
" ماذا ، هل أنت أيضا من اليابان ؟ "
" أجل ، لكن في الحقيقة أنا أعيش هنا منذ صغري و لم أزر اليابان إلا مرة واحدة في حياتي . لقد كان من السهل التعرف على جنسيتك ، بالنسبة لي على الأقل ، لأن إسم كاغامي كثير الشيوع "
" واو تبدين دقيقة الملاحظة "
" شكرا ، لا داعي لمدحي "
قالت و هي تلقي بمؤخرة شعرها إلى الوراء ، لكنها سرعان ما تداركت أننا لازلت لم تعرف عن نفسها بشكل رسمي
" أوه ، نسيت إخبارك عن إسمي ، روكا كاواي ، طالبة إقتصاد بالصف الأول و جميلة جدا "
ضحكت على لطافتها و أجبتها مصافحة يدها
" كاغامي ميازاكي ٫ جالسة بجانب أجمل فتاة بالجامعة بأكملها "
ضحكنا في نفس الوقت ، لكننا لاحظنا أن الاستاذ يرمقنا بنظرات مميتة ، فإلتزمت كل منا الصمت .

Everything DiesWhere stories live. Discover now