الفصل السادس

4.8K 336 37
                                    

الفصل السادس..

إلى أين تأخذني يا حبيبي من والديَّ؟
ومن شجري، من سريري الصغير ومن ضجري،من مراياي من قمري، من خزانة عمري ومن سهري،من ثيابي ومن خفري؟
إلى أين تأخذني يا حبيبي إلى أين؟
تُشعل في أُذنيَّ البراري، تحملني موجتين وتكسر ضلعين، تكسرني ثم توقدني،ثم تتركني في طريق الهواء إليك، حرام حرامٌ.

-محمود درويش

كانت قد أنهت كتابة قائمة الأشياء التي تنقصها في أغراض زواجها، ما عاد ينقصها سوى القليل جدًا وتكون قد أكملت كل النواقص وما عاد ينقص سوى زواجها فقط.
فقد جائتها والدتها صباحًا تخبرها مقتضبة أن تحضر نفسها لاتمام الزيجة بعد ثلاثون يومًا من الأن، فلا داعي للتأجيل طالما بات حل مشكلة ولد فايز وشيكة، وقد مر على وفاته قرابة العام وعدة أشهر، و عبدالعزيز جاهز للزواج في أي لحظة، وهي كذلك، فلمَ التأجيل أكثر؟!

حينها حركت رأسها بوجومٍ صامت وبدأت تسعى لإتمام النواقص، وتطوعت أم عبده لتذهب وتساعدها في شراء ما ينقصها.
فـفيدرا منشغلة في دراستها ولا تبرح غرفتها احتجاجًا على قرار فراس ووالدتها بخصوص عدم ذهابها للمدينة مره أخرى، والسيدة أميرة منشغلة بالتفكير ولا تبرح دارها إلا للضرورة القصوى.
فلم يبقى لها سوى أم عبده لتساعدها في تجهيز أغراض الزفاف، فتلحفت بملابسها السوداء الواسعة، وأسدلت وشاحها على وجهها استعدادًا للخروج، ومضت مع أم عبده نحو المحلات التجارية والأسواق مستمعة لثرثرة أم عبده حول القماش وأنواعه، وأفضل الحوانيت في القرية والكثير من الحديث الذي لم يصل لأذن فـلك
كانت تسير مع أم عبده بعدما تخلت عن التحرك بالسيارة وخالفت أمر والدتها، كانت تود السير بحرية في الأسواق
تود الشعور بنفسها بين الناس بدلًا من وحدتها في دارهم الواسع الذي يقتل الروح من سكونه.

كان الضجيج في نفسها أعلى من أصوات المارة بالسوق
عقلها منشغل، وقلبها مضطرب، وكرامتها تقف لها وتُمسك بعصى الألم؛ كي تمنع قلبها من استعادة ذكرى الحبيب الخائن.
شيء ما في نفسها لا يصدق أنها تتجهز الأن؛ كي تسكن دار رجلًا غير عنان، ستربط اسمها باسمه، تشاركه حياته وفراشه، تعطيه اهتمامها وتتعرى أمامه.
أشياء لم تتخيل فعلها سوى لعنان ومعه كان قلبها لعنان، منذ أن كانت مراهقة بجدائل سوداء طويلة، كانت تكبر بشوق؛ كي تشاركه الحياة وتشاطره الحب، كانت تساير جنونه في حبها، وتضحك بدلال حينما يُخبرها بحسم:
-(تعالي نتزوج ونكبر سويًا، لا داعي للانتظار.)

ولكن مرت السنوات، وكبرت وكبرا وكبر الحب معهما
ولكنه لم يكن حب طاهر وبريئ كما الماضي، بل كان حب ملطخ بالخيانة والخزي، بالخطيئة والعار، حُب موصوم بالتمرد وحكم عليه بالمستحيل.
لم يعد عنان هو ذاته الشاب المراهق الذي أحبته وأعطته أغلى ما تملك، أعطته قلبها الغالي واهتمامها العزيز
هبطت من برج كبريائها وعاشت معه في أراضي جنونه وعشوائيته، ولكنه كافئها بالتمرد السافر، والعبث والخيانة
أعطته حُبها الصادق فبادلها بأخر مؤذي لا يليق بها أبدًا هي فلك الغانم، فتاة يتمناها ألف رجل ويتمنوا راحتها، إلا الرجل الوحيد الذي تحبه، إلا هو، انتبهت من شرودها على يد أم عبده وهي تربت على كتفها هامسة بحذر:
-(سيدتي فلك، لاحظت أن السيد عنان يسير خلفنا منذ دقائق، هل أتصل بالسيد فراس وأخبره؟)

(غصونك تُزهر عشقًا) Where stories live. Discover now