الفصل الثاني عشر 2

4.1K 318 17
                                    

هــل يـجوز الصـفح عمن يذنبٌ؟!
وهـو مـن كـأس الخطـايا يشربُ

كيـف أعفـو عـن حبيب قاتــلٍ
وهــو مــازال لقـتلـي يـطلـبُ !.


كانت جالسة جواره في سيارته المتجهة للمدينة، لم تكن مجرد رحلة عادية لمكانٍ أخر، بل كانت راحلة
راحلة عن عائلتها، وقريتها، وعن كل شيء تنتمي له
لم تستطع العيش في أرضٍ شهدت على كسرها وسحقها
لم تستطع العيش مطأطأة الرأس بين الناس
لم تستطع مواجهة النظرات المتهمة، وأخرى متسائلة
والأهم، لن تكون قادرة على تحمل المزيد من إهانات والدتها، ولا نظرات فراس الواجمة، التي تحمل خيبة وغضب.. لن تصمد أمام الشفقة في عيون فيدرا وأم عبده.

فتحت النافذة وأغمضت عيناها تستقبل صفعات الهواء لوجهها، تترك العنان للندى كي يضع رحاله على وجنتيها
تترك النسيم يُبرد سخونة البكاء المكتوم في عينيها.

كل شيء حولها يؤلم.. كل شيء يحمل طعم الصبار وأمرُ منه علقمٌ..
وأولهم وداعها بفيدرا قبل ساعات
كانت توأمتها تبكي بإنهيار حقيقي حينما أبلغتها عبر الهاتف أنها راحلة، بكت وترجتها ألا تذهب، ولكنها كانت قد حسمت قرارها بالفرار

علقت غصة في حلقها وهي تستطعم الطعم المُر والقبيح للكلمة.. ما أقسى الذل على من اعتاد العزة، ما أبغض الرمال على من اعتاد لمس السماء
فلك الغانم زينة البنات، صارت أقبحهم، ومثال سيء للفتيات كي يتعظن من فعلتها، فلك الغانم ما عادت كما كانت..تحولت من مهرة جامحة، لأخرى تتمنى رصاصة الموت.
كتمت تنهيدة أليمة وهي تتحاشى النظر للجالس جوارها
سبحان مقلب القلوب الذي حول قلبها عنه، سبحان من نزعه من قلبها بعدما كان أحب رجال الأرض لها.

قتلها
عنان قتلها..
كيف له أن يجلس مرتاح خالي الذهن هكذا ؟!
كيف يمكنه التواجد معها في ذات المكان دون أن يموت حرجًا وخزي مما فعله معها..كيف له أن يكون بهذه الوقاحة، كيف..كيف؟!

ضغطت على جفونها تعتصرهما بالدمع فيهما
تحاول التحكم في صرخاتها العاتية التي كادت تطيح بعنان وبالسيارة وبكل شيء حولها..

ولكنها لن تفعل، لن تظهر في هيئة المنكسرة..لن تعيش تذل نفسها أكثر..ستتماسك حتى أخر زفير لها.. لن تجعله يشاهد إنهيارها مره أخرى، لا تريد أن تريه هزائمها وخيبتها التي كان سببًا فيها
يكفيها...

أما هو فكان يقود السيارة بأنامل متشنجة.. ملامحة الهادئة كانت تخفى ما هو أسوء.. يخفي انفعاله وجنونه
يخفي أي شعور حاد قد يزيد الوضع سوءًا
هي غاضبة بما يكفي، لن يغضبها أكثر..

بعد عدة ساعات وصلوا للمدينة واتجه بها حيث مكان إقامته في السنوات السابقة.. المدينة التي طلبت هي
وما أن فتح باب الشقة الصغيرة، وأشار لها بالدخول أمامه وتبعها ببعض الحقائب.. كانت هي قد دلفت دون أن تنظر حولها..

كان يتوقع أن تعلق على حجم الشقة الصغيرة
أو عن أثاثها الذي لا يقارن بحداثة أثاث زواجهما
كان يتوقع أي تعليق سلبي عنها، ولكنها فاجئته بصمتها المُطبق، لم تقل كلمة واحدة تعبر عن رأيها أو اعتراضها أو حتى غضبها

بل دلفت وخلعت ملابسها السوداء الواسعة، وألقتها جانبًا، قبل أن تجلس على أقرب مقعد لها وتضع رأسها بين كفيها بصمت...كانت ترتدي بنطال أسود وكنزة رمادية، وأطراف شعرها مجموعة في عقدة خلف عنقها..عقدة لا يصدق إلى الأن انه شعرها..كانت امرأة محطمة..كشيء جميل تكسر ولم يختفى جماله رغم الإنكسار.

كان لا يدري أيتقدم منها ويواسيها، أم يظل واقفًا محله ويكتفي بالنظر لها من بعيد كي لا يغضبها؟!
كان العذاب يمزقة في البعد عنها، كيف يتركها تتألم وحدها وهو قادر على معانقتها ويخبرها أن كل شيء سيكون على ما يرام.. كيف يتركها تموت وفي يديه الترياق..كيف يقبل بحالتها تلك كيف !

ترك الحقائب أرضًا واقترب منها بخطوات بطيئة، كطفلٍ أخطأ وأغضب والدته، ومع أول دمعه منها، ندم على كسر آنية الزينة.
ليته كسر آنية الزينة وما كسر قلبها
ليتها مجرد دمعة وتتحرر من حزنها ذاك

ابتلع رمقه وانخفض لها يجلس أرضًا أمامها، يضع كفيه على ركبتيها، وينظر لرأسها الأسود الظاهر أمامه..بدى صوته الخشن الممزق بين ضعفه ويأسه خرج كغمغمات غير واضحة...
-(ارفعي رأسك يا فلك)

كانت جملة تحمل أكثر من معنى، وكل المعاني لا تليق بوضعها..حينها أبعدت كفيها عن وجهها، ونظرت لوجهه بعيون دامعة ووجه جامد حمل ما يكفي من كتمانها، خرج صوتها خاويًا كصحراء قاسية وهي تقول...
-(كيف أرفع رأسي وأنت قد كسرت عنقي يا عنان..تقتل القتيل وامشي في جنازته أيضًا)

كاد يزفر بجنون ويصرخ بها نافيًا، ولكنه تمالك أعصابه وشد قبضته على ركبتيها..كانت عيناه حمراء من سهر ليالي لم ينم فيها لساعة، وجهه الشاحب يؤكد افتقاده للزاد..كل ما فيه يشير لمدى عذابه..ورغم ذلك تُصر على جرحه أكثر وأكثر.

صمت، فلا شيء يقال
وقتها ابتعد عنها ووقف يتنهد بقوة وكأنه يخرج الروح في زفرته الوحيدة...وبعدها اكتفى بقول مختصرًا أحاديث لا حدوى منها ومن تكرارها...
-(الجهل خطيئة يا فلك..وأراكِ مُصرة على التمسك بها
على كل حال، الشقة أمامك، افعلي ما يحلو لكِ فيها)

بخطوات واسعة سار نحو باب الشقة كي يغادر
ولا تدري فلك لما رفعت عيناها له تنظر له دون كلمة
كان يرتدي بنطال جينز باهت، وكنزة قد أهدتها له قبل سنوات.. كانت الكنزة صغيره على جسده الضخم، ولكنه لازال يرتديها دون كلل منها
خصلاته البنية الطويلة تلامس كتفيه وقد تركها دون قص أو تهذيب، كما يحب أن يبدو دائمًا
خشن شرس وكأنه من أولاد الشوارع ذوي المظهر المخيف

التقت عيناها بعينه قبل أن يغادر
التوى قلبها خلص صدرها وهي ترى النظرة اليتيمة في عينه.. والتيهة المرسومة على وجهه.. ذات النظرة والملامح التي كان يأتي لها بها في الماضي حينما كان يتألم من شيء ما..كان يرتمي بين ذراعيها يطلب النجاة
ولكنه الأن لم يأتيها..ولو جائها لأرادته غريقًا
فما عادت هي الحِضن الواسع له في الدنيا
وما عاد هو الحبيب الذي تخاف عليه من شرور العالم

دار الزمان وصارا ألمًا لبعضهما
فلا هو قادر على البوح، ولا هي تعطيه الصفح.
أشاحت وجهها عنه ترفض أي تواصل أكثر..فما كان منه إلا الرحيل وإغلاق الباب خلفه..يبحث عن مكان أخر يخرج فيه ألامه بعدما ضاقت الدنيا عليه

أما هي فوضعت رأسها بين كفيها وعاد الخاطر يقتلها، والدموع تتسابق لعينيها دون أي رحمة أو شفقة
وهي تسأل نفسها يائسة...
هــل يـجوز الصـفح عمن يذنبٌ؟!
وهـو مـن كـأس الخطـايا يشربُ

كيـف أعفـو عـن حبيب قاتــلٍ
وهــو مــازال لقـتلـي يـطلـبُ !.
                                ***
-(أنا لا أفهم كيف تكونين مديرة منزله، وفي الوقت ذاته زوجة والده..أنا لا أفهم شيء يا نجاة)
كانت تلك كلمات مرام التي استنكرت ما قيل لها قبل لحظات، وقد بدت مصدومة كليًا من المعلومة الحديدة التي عرفتها

تبسمت نجاة بفهم وشردت للحظات تتذكر زوجها الراحل
حبيبها الوحيد..الفريد من نوعه، لن يكرره الزمان مره أخرى، رغم أنها تزوجته سنواتٍ معدودة إلا أنها كانت أحلى سنوات عمرها..سنوات سرقتهم من الزمان برفقته
وما أن كادت تتنفس الصعداء راحة، حتى فاجئها القدر بموته..

مسحت دمعة أليمة ظهرت في زاوية عيناها فمسحتها بسرعة وهي تتحدث بصوتٍ خافت، مشتاق، حمل حب لن تطويه الأيام بين صفحاتها فقالت متأثرة..
-(لقد التقيت بمحمود وأنا في التاسع والعشرون من عمري، كان لي مطعم أسماك ورثته عن والدي رحمه الله
وكان محمود زبون قديم لوالدي، كلما جاء للساحل ذهب له ليأكل من عنده، وحينما توفى والدي وورثنا المطعم أنا وشقيقتي، جاء هو ذات مره، وطلب ما يطلبه في الأعوام السابقة، كان يعشق حساء المأكولات البحرية
كان يعشقه من يد والدي، ويحفظ طعمه عن ظهر قلب، فحينما جاء بعد سنوات وطلبه وتذوقه، جن جنونه
ووقف يسأل عن والدي ويتمتم بحدة "هذا الحساء ليس حساء السيد فاضل"
حينها خرجت على صوته وسألته بحدة لما يفتعل الضجة
وتعاركنا وكنا مشهد مسرحي ناري لكل الزبائن

ضحكت نجاة وهي تتذكر ذاك اليوم الغريب الذي قابلت به محمود، لازالت الذكرى تجعل خفقاتها ترتفع كمراهقة تهيم بشاب أكبر منها...لازالت متأثرة بالحب الذي يفيض من قلبها لصاحب الذكرى فقالت باسمة..
(كان يتحدث بحدة يخبرني أن أخفض صوتي، وأنا اصرخ فيه بجنون أن حسائي ممتاز وأن العيب بفمه هو
وانتهى اليوم بزواجنا)

-(ماذا !؟)
خرجت صيحة مرام عالية مستنكرة وهي تسمع ختام كلمات نجاة عن زواجهما بعد العراك؟!

ضحكت نجاة بقوة وتجاهلت دمع عينيها وهي ترى ملامح مرام التي بدت مروعة من شدة الصدمة والذهول، وكأنها تسمع حكاية عن رجل برأس سمكة... لا تستوعب ما يقال لها.. لا تستوعب جنون واندفاع هذه العائلة أبدًا
قطعت نجاة صدمتها وهي تضحك مرحة...
-(الجميع فعلوا مثلكِ هكذا..ولكن لازالت أرى أن سبب زواجنا سبب وجيه لا يمكننا تجاهله)

-(وماهو السبب الذي دفعك للزواج برجل لم تريه سوى منذ ساعات واشتبكتِ معه بعراك ؟!)

تنهيدة حالمة وعيون دامعة..كانت تلك هي حالة نجاة وهي تسترجع الماضي بذهنها قبل أن تقول بخفوت...
-(لأنه أخبرني من بين كلماته الحادة أن جمالي لن يجعله يغير رأيه في طعم حسائي السيئ)

رمشت مرام لثوان قبل أن تتحدث مترددة..
-(هذا هو السبب)

صمتت نجاة للحظات تراجع نفسها، هل تخبرها بالسبب الحقيقي أو لا، كانت ممزقة بين قلبها وصوت عقلها، وكما العادة انتصرت سجيتها على أي تفكير، وخرج صوتها متردد ضعيف يسرد ما خلف كواليس النفس فقالت...
-(أنا ولدت محدودة الجمال، بخلاف شقيقتي الجميلة جدا كوالدتي، ولكنني كنت أشبه والدي رحمه الله
ورغم أنني كنت محبوبة بين عائلتي وأصدقائي، كانوا يرونني فتاة جيدة، قوية، يعتمد عليّ، وطيبة القلب
ولكن لم يصفونني بالجمال أبدًا.. ولا حتى عائلتي
مقاييس الجمال لم تنطبق عليّ أبدًا، فأنا سمراء البشرة بملامح قوية وجسد عريض.. كل صفاتي لم تكن تناسب صفات الجمال عند البقية..حتى أنا لم أكن أرى نفسي جميلة..نعم، أنا لست جميلة كما قال، وحينها كنت في أسوء صورة بسبب الحرارة والإرهاق..ورغم ذلك رأي أنني جميلة..كان اول رجل يخبرني أنني جميلة يا مرام)

تنهيدة عميقة خرجت من مرام وهي تتأمل وجه نجاة
كانت محببة للنفس، وجه يدخل القلب من أول دقيقة
لها أثر في الخاطر والروح..كيف وصفت نفسها بعدم الجمال!!؟
ألا تدري كيف تراها هي، ألا تدري أي جمال حقيقي تملك
-(ولكنك جميلة يا نجاة، أتخيل شكلك قبل سنوات بالطبع كنتِ ولازلتِ أجمل)

ظهر في عينيها نظر ممتنة عطوفة قبل أن تقول بجدية ناعمة...
-(ليس بوسع الجميع رؤية الجمال الحقيقي يا مرام، وإلا لمَ كان العالم مليئ بالسطحيين)

-(معكِ حق)

تبسمت نجاة وعادت تنظر لأناملها، ولخاتم الزواج الذي لم تنزعه لهذه اللحظة.. لازالت أناملها تحمل أثر أجمل ذكرياتها..لازال العقل يقظًا وحي وكأن ما حدث كان يوم أمس، من شدة زهوته ووضوحه، فقالت ببسمة حنين عالقة على شفتيها...
-(حينها كان كان محمود أكبر مني بخمسة عشر عامًا وله أطفال، كان قد انفصل عن زوجته بشكل مؤقت بسبب خلافات عائلية شملت شقيقه وشقيقة زوجته..ولكن لم يوضح لي أي شيء..واكتفى بنبرته الحادة وهو يسألني
" تتزوجيني يابنت" قُلت له "لن أتزوجك إلا لو اعترفت أن حسائي جيد")

-(واعترف!؟)

ضحكت نجاة وحركت رأسها سلبًا، وقد ظهر الغيظ على كلماتها التي خرجت منها بلهفة حقيقية، تناسب حجم الحب في قلبها...
-(لا، حتى موته كان يرى أن حسائي سيئ يومها كان أسوء حساء في العالم..ولكنه يعترف أن فطيرة التفاح خاصتي أفضل فطيرة في العالم)

شاركتها مرام الضحك، وحاولت التهوين عليها، ولكنها وجدت الحروف تُنسج على لسانها، وتخرج منها تلقائية خالية من أي تردد أو تفكير...
-(سبب زواجكما غريب يا نجاة، لازلت لا أستوعبه)

منطقيًا نعم
كان سببها غريب ليكون هو الدافع الوحيد للزواج
ولكن هي تدري أن زواجها حمل أسباب أخرى، أسباب نبيلة لن تنساها أبدًا لمحمود..لن تنسى مل جميل قدمه لها دون أي تردد أو بخل.
زفرت..وأخرجت كومة حنين من نفسها قبل أن تقول بإبتسامة مكسورة...
-(كان هذا السبب بالنسبة لي أنا، أما هو فكان له أسباب مختلفة تمامًا)

عقدت حاجبيها للحظات قبل أن تسأل بفضول قد غلبها كعادته...
-(وما هي..)

-(ليساعدني..توفى أبي وتركنا غارقين في الديون، والأقارب طامعون بنا، كل منهم يود أن يأخذ شيء دون التفكير بنا...حتى أمي لم تستطع الصمود وماتت كمدًا على حالنا)

ظهر التعاطف والحزن في عين مرام، وهي تسمع كلمات نجاة، وفكرت مذهولة أن نجاة القوية المرحة، مرت بظروف سيئة لا يتخيلها عقل..كيف لشخصٍ يصدر البهجة والابتسامة للجميع، تكون حياته مليئة بالألم
فقالت متنهدة بعطف....
-(وكيف علم بكل هذا؟!)

-(اثناء عراكنا تدخل أحد جيراننا وسحبه خارج المطعم.. عليه حالنا وكيف وصلت الأمور بي أنا وشقيقتي، ولكن كان أمر شقيقتي هين، فهي كانت متزوجة حينها.. أما أنا فكنت وحيدة وأكافح لأسدد ديون أبي.. حينها عاد محمود المطعم بعد ساعات وطلب رؤيتي ليطلبني للزواج
وافقت فورًا دون أن أفكر مرتين..واتصلت بعمي أخبره أنني سأتزوج..وخلال ساعات كنت متزوجة محمود بحضور عائلتي كاملة)

صمتت للحظات تنظر لمرام المدهوشة أمامها، قبل أن تقول مشددة على كلماتها بملامة واضحة، وحزن ظهر بين ثنايا كلماتها الهادئة الرزينة...
-(أتعلمين أنني قلت له تزوجني دون العودة لأحد من عائلتي، فهم لا قيمة لوجودعم..حينها نظر لي لائمًا وقال بضيق واضح " المرأة تتزوج بحضور عائلتها، فلو قعلت العكس دون مبرر قوي، فهي تقدم نفسها للرجل على طبقٍ رخيص يا فتاة" )

بدى الخجل واضح على وجه مرام.. لم يكن خجل فقط، بل وحرج وندم..حرج أنها سارت خلفه دون أن تجعل عقلها يفكر مليًا، دون أن تتبع إحساسها بأن كل ما يحدث خطأ كبير حتى لو تلاعب هو بكلماته...خطأ لا يمكن إصلاحه بسهولة

خرج صوتها كغموس بالخجل والحزن، وهي تسترجع ردة فعل نجاة حينما علمت بزيجتهم المفاجئة فقالت بخفوت...
-(لذلك غضبتِ مني )

رفعت يدها تربت على كتف مرام تواسيها، تخفف من حدة الثقل على كاهلها، تنقذ ما يمكن إنقاذه في نفسها
فقالت بصدقٍ تام وعاطفة واضحة...
-(غضبي الان من نصير الذي استغل حاجتك يا مرام
كل مشاكلك كانت لها حلول بعيدًا عن الزواج)

كانت كلمة استغلال كلمة كبيرة جدًا وظالمة لنُصير
هكذا فكرت مرام في نفسها، ورفضت أن تضعه في هذه الصورة السيئة، ولا تدري لمَ اندفع لسانها يُبرأه من اتهام نجاة ويقارن بين الماضي والحاضر فقالت سريعًا بخفوتٍ حرج....
-(ولكن يا نجاة أنتي أيضًا مشكلاتك كان لها حلول غير الزواج أيضًا)

تبسمت نجاة وحركت رأسها بإيجاب، ولمع شيء ماكر في عينيها قبل أن تقول بهدوء...
-(نعم ولكن محمود أعجبني وكنت أريد الزواج منه..فهل كنتِ تريدين الزواج بنصير ؟!)

-(لا..أبدًا ابدًا)
خرج نفيها حار جدًا وكأنها تنفي عن نفسها تهمة شنعاء لا تطيق أن تُقرن بها... حينها وقفت نجاة تحمل ما قطعته من الخضراوت قبل وقتٍ سابق، وشرعت في إعداد الطعام الذي تأخرت عن اعداده بسبب الحديث الذي سرقهما وسرق الوقت منهما..فتحدث مختصرة ما يجول في خاطرها...
-(وهذا ما أقوله، لم يكن الزواج برغبتك الصادقة.. ولكن على كلٍ أصبحتما زوجين الان وانتهى الأمر)

رددت مرام خلفها بقلق ضرب قلبها فجأة دون أن تدري له سببً واضح...
-(وانتهى الأمر ؟!)

تابعت نجاة ما تفعله دون أن تلتفت لمرام، وهي تقول بنبرة جادة واقعية، ترفض تزيينها كي لا تخدع مرام، فقد اختارت التحدث بواقعية دون أن تبدي رأيها الخاص فقالت بهدوء...
-(نعم يا عزيزتي، العقد تم وما عاد هناك ما يُناقش)

-(ولكن يا نجاة....لحظة واحدة)
أخرجت هاتفها الذي صدح برنينه فجأة وقطع نقاشها الهام والمحتدم مع نجاة، كادت تؤجل الأجابة، ولكن رؤيتها اسم شقيقتها على الشاشة جعلها تجيب فورًا بصوتٍ أم حنونة...
-(مرحبا يا فاتن، كيف حالك يا حبيبتي!؟)

اندفع صوت فاتن يغرد باشتياق حقيقي، اشتياق نابع من مدى تعلقها بشقيقتها الكبيرة،...
-(اشتقت إليكِ يا مرام، أخبريني كيف حالك وكيف حالك براء..لا تخفي عني أي شيء)

-(الحمدلله براء بخير، ولكن أحوالي أنا ليست بخير)

وصلها صوت فاتن القلق وهي تردد اسمها للحظات ثم تقول بخفوتٍ حذر...
-(ما الذي حدث يا أختي)

مسحت مرام على جبينها وشعرها للحظات، ثم ضحكت دون مرح، ضحكة تعبر عن وضعها في الوقت الحالي
ضحكة تائهة خاوية من أي منطقية أو وعقل فقالت...
-(لقد تزوجت يوم أمس)

خرجت صيحة عالية من فاتن، ولكنها امتزجت مع صيحة رجولية أخرى، نبرة تعود لوالدها المصدوم..!!
-(ماذا ؟!)
                             ***

(غصونك تُزهر عشقًا) Where stories live. Discover now