الفصل الاول: رجل من عصر نوح

26.5K 368 6
                                    


- "ما الذي تعنيه بقولك هذا ؟ لكن هناك اتفاقا بيننا وهذا الغداء يهدف إلى إتمام تحضيرات الزفاف "
قالت هارييت فينت هذا ، وهي تحدق بوجه الشاب الجالس قبالتها إلى المائدة والذي بدا في موقف دفاعي . زم الشاب فمه بعناد وقال وقد تورد خداه من الخجل
-" اختلفت الأمور الآن . عندما عقدنا هذه الاتفاقية لم أكن أبالي بما سيحدث لي فالفتاة التي أحب كانت خارج حياتي يومها بدت فرصة الحصول على رزمة من المال والسفر حول العالم
خيارا مناسبا أما الآن فقد عادت جيني وسوف نتزوج لن أدع أي شيئ يُعرض هذا الزواج للخطر".
-"لكن إن شرحت الأمر لها فبالتأكيد ..."
ضحك بيتر كارتس باستهزاء وقال
-" ماذا ؟ أتريدنني فعلا أن أخبرها أنني وافقت على الزواج من امراة غريبة تماما فقط من اجل المال ؟".
-"لا يمكنك أن توضح لها بأن هذا لن يكون زواجا حقيقيا بل مجرد اتفاق مؤقت لن يدوم لأكثر من أشهر قليلة ؟ إنه اتفاق عمل فقط ،الن تشكل هذه الحقيقة اي فرق ؟".
أجاب بيتر بنفاد صبر
-"بالطبع لا لا يمكنها أن تتقبل تورطي بأمر غريب كهذا حتى لو صدقتني فستظن أنني شخص مجنون تماما أومصاب بحالة هذيان وبالطبع لا يمكنني لومها"
هز رأسه وتابع قائلا" انا آسف آنسة فلينت هذا الاتفاق ألغي لن أخاطر بترك جيني مجددا فهي كل ما أملك في هذه الدنيا بالطبع يمكنك تفهم موقفي"
أجابت هارييت ببرودة " وانا لدي ميراث وهو عندي بالأهمية نفسها وسوف أخسره إذا لم أحصل على زوج قبل عيد ميلادي القادم من الواضح أنك لم تفهم هذا أبداً".
توقفت قليلا ثم أضافت " انظر إلى الأمر من جهة أخرى . تكلفة الزفاف مرتفعة جدا هذه الأيام وانا واثقة أن حبيبتك جيني تعرف هذا. من المؤكد أن بإمكانك إقناعها بأن هذه الأموال تستحق التضحية لا سيما إذا رفعت بدل أتعابك عما اتفقنا عليه".

"لا بالطبع لن تنظر إلى الأمر من هذا المنطلق . ما الذي يدفعها للقيام بذلك ؟".
وقف بيتر ليغادر ثم توقف قليلا ونظر نحوها عابسا وهو يقول"حبا بالله آنسة فلينت أنت لست بحاجة إلى شراء زوج . إذا ارتديت ملابس مختلفة وبدلت تسريحة شعرك سوف تبدين جذابة جدا . لم لا تعتبرين ما حدث فرصة جيدة للتراجع وتحأولين عوضا عن ذلك التركيزعلى إيجاد السعادة الحقيقية؟".
" شكرا على النصيحة لكنها غير ضرورية لأنني أحب تنفيذ الأمور وفقا لطريقتي الخاصة وأنا لا أسخر جاذبيتي لاجتذاب الرجال فأنا أفضل مهنتي على اي رجل" .
"على أي حال لا أظن أنني الوحيد الذي رد على إعلانك . أوكلي المهمة إلى احدهم" .
أجابت في سرها " لكنك الوحيد الذي يصلح ليكون زوجي في نظرجدي . فأنت في نظره نموذج الرجل الانكليزي المستقيم".
عندما رأته يبحث عن محفظة نقوده هزت راسها وقالت " لا أنا ساتولى أمر الفاتورة وأمر اتفاقنا أيضاً . كما ترى ،التزمت بوعدي تماما حتى اللحظة التي أعلنا فيها بطلان هذه الاتفاقية".
أضافت مبتسمة عندما استدار ليغادر" أتمنى أن تشعر أنك اتخذت القرار المناسب ولك تمنياتي بالخير"
ما قالته هو بالطبع كذبة إنها تود قتله كما تود قتل صديقته المغرورةالحقيرة . راقبته يرحل فيما أخذت تفكر بما عساها تفعله الآن . كيف تراها ستتعامل مع جدها؟
حسنا يجدر بها إزاحة هذه المشكلة من تفكيرها فهي بحاجة إلى التركيز على الاجتماع الهام الذي ينتظرها بعد ظهر هذا اليوم.
أشارت هارييت إلى النادل الذي اقترب منها على الفور إلا أن عينه لم تغفلا عن ملاحظة أطباق الطعام التي لم تمس على الطأولة .
" هل من سوء في الطعام سينيورا ؟"
أكدت له هارييت قائلة "لا على الإطلاق أنا .. لست جائعة هذا كل شيء".
ما حصل أفقدني شهيتي .. فكرت بصمت بما قاله بيتر " جذابةجدا "
لا بد أنها ورثت بعض الملامح من والدها المجهول . فعيناهاالرماديتان الصافيتان ذات الرموش الكثيقة لا تشبهان عيني أمها كذلك شعرها الكستنائي اللامع الذي يشبه ذيل حصان اصيل . هذا الشعر الذي يمكنه أن ينسدل كالشلال على كفتيها إن سمحت له بذلك. على اي حال فهي لا تود أن تشبه أمها سوءا بالشكل أم بالتصرفات . على العكس من هذهالأخيرة لم تظهر هارييت اي ميل للتورط في علاقات عاطفية عابرة اما صداقاتها مع بعض الشبان في مطلع شبابها فلم تتطور إلى علاقات جدية لأنهالم ترغب حقا في ذلك لن تمنح جدها أي فرصة كي يتهمها بأنها تدنس شرف العائلة كما فعلت أمها وقفت فجأة وحملت حقيبة يدها فيما القت سترتها السوداء على ذراعها وسارت باتجاه المدخل حيث يجلس صاحب المطعم لويجي خلف منضدته . رات هذا الأخير مشغولا بالتحدث إلى رجل طويل القامة دخل لتوه تدل هيئته المزرية أنه ينتمي بالفعل إلى الشارع ما
يعني أنها مضطرة إلى الانتظار إلى ان ينهي لويجي عمله معه. يرتدي الرجل سروال جينز قديما وقميصا قطنية بهت لونها أما شعره فغامق اللون طويل وغير مرتب وهو ذو وجه نحيل وذقن غير حليق ما جعل من الصعب رؤية ملامح وجهه . فكرت هارييت أن هذا النوع من الناس ليس من زبائن لويجي .
في الحقيقة توقعت أن تتم مرافقة الرجل بتهذيب وحزم نحو الباب لكن هذا الامر لم يحدث على العكس من ذلك استقبله لويجي بالود والترحاب فابتسم له وتناول دفتر الشيكات تساءلت هارييت بارتباك وتهكم أيدفع له المال ليغادر ؟
يدير لويجي مطعما ممتازا لكنها لم تلاحظ لديه يوما ميلا لمساعدةالآخرين إلا إذا كان لهذه الزيارة دلالات شريرة .. ربما جاء هذا الرجل ليأخذ أموالا غير مشروعة مقابل تأمين الحماية للويجي .
على اي حال على الأرجح أن ذلك النوع من الأشخاص لا يقبل الشيكات .
تنأول الرجل الشيك بخفة ودفع به إلى محفظته الرثة التي تنأولها من الجيب الخلفي لسروال الجينز الوسخ . استدار ليغادر بعد أن تبادل الرجلان عدة كلمات سريعة ومصافحة .
للحظة وجدت هارييت نفسها في مواجهته . بالرغم من مظهره الاشعث الذي يعطي انطباعا بأنه نهض من السرير
وارتدى أول ملابس وجدها أمامه لاحظت بارتباك أنه يتمتع بوجه هادئ وأنف مرتفع وفم مكتنز فوق ذقن مربع بالأضافة إلى عينين حالكتي السواد.
يمكن القول إنه وسيم أو على الأقل ملفت للنظر وجذاب بكل ما للكلمة من معنى هذا بالأضافة إلى تمتع بكتفين عريضتين وجسد نحيل ممتلئ بالعضلات . لاقى الرجل نظرتها وأجال بصره من راسها حتى قدميها بمنتهى اللامبالاة ثم خرج
وأغلق باب المطعم خلفه.
للحظة أحست هارييت برعشة غريبة فرفعت يدها بشكل دفاعي لتسوي قبة قميصها القطنية البيضاء .. كأن مظهرها يشكل فرقا .. وكأنها لا تقوم بارتداء هذه الملابس المملة كل يوم وإبعاد شعرها بقسوة عنوجهها لتعقده عند مؤخرة عنقها بأنشوطة مطاطية لم تستطع يوما نسيان تصرفات والدتها لذا فهي آخر امرأة في العالم ترغب بجذب انتباه الرجال واهتمامهم لا سيما رجل بهذا المظهر استجمعت قواها وأخرجت بطاقة اعتمادها من حقيبتها
إلا أن لويجي رفض تقاضي ثمن الغداء قائلا " أنت لم تأكلي شيئا آنسة فلينت ولم تشتري سوى الماء ولم يكن صديقك أحسن حالا منك . ربما تكون شهيتك أفضل في المرة المقبلة".
فكرت بمرارة ربما ستكون قد خسرت ميراثها في المرة القادمة وهذا الصديق الذي يتكلم عنه لن يكون معها مع ذلك أجبرت نفسها على الابتسام بامتنان .
عندما استدارت لتغادر أوقفها لويجي قائلابصوت واثق ومنخفض "ذلك الرجل الذي كان لتوه هنا .. أعتقد أنكِ
رأيته ولا بد أن وجوده أثار تعجبك".
احمرت وجنتا هارييت خجلا . أجابت " هذا حقا ليس من شأني" .
اشار لويجي نحو الحائط ذي اللون البرتقالي الباهت وقال " لا...... لا
هذا سيثير إعجابك فأنت أول من انتبه للوحة وقدّرها .. كان عليّ أن أخبره بذلك"
" تخبر من ؟"
نظرت نحو اللوحة الزيتية المعلقة على الحائط منذ ثلاثة أسابيع ثم رفعت حاجبيها بتعجب
وسألته" أتقصد .. إنه من قام برسمها ؟"
أومأ لويجي برأسه ولوى فمه بإعجاب قائلا" نعم . ألا تبدو عليه الموهبة ؟ إنه فنان يكافح في عِلية منزل . مع ذلك
هو يملك موهبة حقيقية . أنتِ بنفسك قلت ذلك آنستي".
نظرت هارييت مجددا إلى اللوحة . ما يقوله لويجي صحيح تماما . اعترفت بذلك لنفسها على مضض ، فهذه اللوحة استحوذت على انتباهها ومخيلتها منذ اللحظة الأولى التي وقع فيها نظرها عليها مع أن اللوحة ليست من النوع الذي يجذبها عادة.
بدت اللوحة بسيطة نسبيا فهي عبارة عن مشهد يطل على البحر المتوسط حيث تظهر السماء صافية فوق شاطئ هلالي الشكل ويبدو في الخلف سديم أزرق لا متناه .
في مقدمة الصورة هناك مرتفع في الأرض عِليه صخرة باهتة اللون قاحلة مسطحة وخالية من أي ميزة . على الصخرة هناك طأولة عليها زجاجة شراب نصف فارغة وكأسان أحدهما مقلوب يسيل منه شراب بلون الصدأ وكأنه دم جاف على السطح الابيض المعدني .
تحت الصخرة تماما هناك حذاء نسائي عالي الكعبين شبه مدفون في الرمال . لا شك أن هذه اللوحة تطرح الكثير من الاسئلة وتشجع على التخمينات بيدأن ما جذب هارييت في المقام الأول هذا الضوء الذهبي الكثيف الحارق الواهن الذي يغمر اللوحة . خُيل إليها أنه يلفح عينيها ، حتىمن خلال طبقات الملابس التي ترتديها . ما جعلها تدرك مهارة الرسام .
في بادئ الأمر ، سألت لويجي عنها فهز كتفيه بلا مبالاة وقال إنها مجرد تجربة وقد عرضها ليرى ردة فعل زبائنه .
في ذلك الوقت نظرت إليها هارييت مجددأوقالت " أعتقد .. أو بالأحرى أنا متأكدة أنها جيدة وقد أعجبتني كثيرا .
بالطبع إذا كان لرأيي قيمة
هذه اللوحة بالطبع بعيدة كل البعد عن تلك اللوحة المائية التي كانت معلقة قبلها وهي لوحة لبوستيانو .
في هذه اللحظة بالذات ايقنت هارييت أن هناك ما يزعجها في هذه اللوحة فبالأضافة إلى موضوعها الذي يبدو لغزا غامضا
ينبعث منها غضب ملموس أشبه بظفر ينغرز في اللحم بالرغم من ذلك كانت تنظر تلقائيا نحو اللوحة كلما قدمت إلى المطعم
ولطالما تعمدت التباطؤ للحظة أمام مكتب الاستقبال لتتأملها .
مدفوعة بردةفعل غير مبررة قالت فجأة "أهي للبيع ؟".
بدا لويجي متأسفا عندما أجابها " آسف سبق أن تم بيعها لكن لديه لوحات أخرى ويود أن يجد سوقا لها تمكنت من إرسال بعض الشارين المهتمين إليه وهو مستعد للتفأوض بشأن الأسعار"

روايات احلام/ عبير: لن ترحل الشمسWhere stories live. Discover now