الفصل الخامس: لن اسامحك

11.7K 238 0
                                    


الفصل الخامس
لن أسامحك

هذا العناق ليس عاطفياً حتى امرأة دون خبرة سابقة مثل هارييت يمكنها إدراك ذلك. على العكس من ذلك إنها إهانة متعمدة. استفزته فرد عليها بطريقته وانتهى الموضوع.
مازالت هارييت تشعر بتورد طفيف في وجنتيها. أدركت باشمئزاز وجود وخز غريب في أنحاء جسمها... سيستغرق نسيان هذا الأمر الكثير من الوقت. تنهدت بقوة إذا لم يسبق لأحد أن تعامل معها بهذه الطريقة. لم تتوقع حدوث ذلك لذا لم تتمكن من القيام بأي خطوة مراوغة. حسناً! يجب ألا ينتهي الموضوع عند هذا الحد. عليها القيام بشئ ما في الصباح. لكن... ما هو؟
حل الصباح وهارييت مستلقية في سريرها لا تملك أدنى فكرة عن طريقة تعاملها مع هذا الوضع. ربما عليها التخلي عن الفكرة بأكملها. سيتوجب عليها أيضاً الاعتراف لجدها وتحمل العواقب. لن تستطيع إخفاء الحقيقة لوقت طويل حتى إن أبقى روان فمه مغلقاً وهى بالطبع لا تضمن صمته. هذا يعنى تحملها لغضب جدها وخيبة أمله لأنها حاولت خداعه ومن الطبيعي أن يفقد ثقته بها إلى الأبد. شعرت بالدموع تحرق عينيها. أخبرت نفسها بأسى: ما كان على البدء بهذا الأمر. ليس هناك شئ... أي شئ يستحق هذا النوع من الألم. ذلك الحقير محق في ما قاله. عليه اللعنة ذكرت نفسها بغضب أن هذا الحقير سيستمر بالتواجد حولها وعليها التعامل معه. يجب أن تفي بالتزاماتها نحوه. تم الاتفاق بشأن صالة العرض لذا لا يمكنها فعل المزيد. إذاً عليها أن تعطيه الأموال المتفق عليها ثم تجعله يتركها ويرحل. لكن ربما هذا هو بالضبط ما يسعى إليه
جلست هارييت فجأة. ربما اكتشف روان كيف يغضبها إلى أقصى الحدود وذلك العناق لم يكن سوى حيلة مدبرة ليجعلها تلغى الخطوبة. بهذه الطريقة سينتهي دوره في الاتفاقية فيغادر بعد أن يحصل على مبتغاه. حسناً لن يربح إلا إن سمحت له بذلك. سوف توضح له أنها لا تريد سوى اسمه على وثيقة الزواج وبعدها ليفعل ما يحلو له. في الوقت نفسه عليها الاعتراف أنه أجبرها على الإحساس به كرجل. فجأة أصبحت الأمور على درجة كبيرة من الخصوصية. يا إلهي! إنه هنا... نائم في إحدى غرف الضيوف أو ربما مستيقظ ويفكر... فكرت على أن أكون أكثر حذراً
عندما وصلت إلى غرفة الطعام كانت تشعر ببعض التوتر والنعاس. وجدت روان وحيداً هناك وهو على وشك إنهاء طبق غنى باللحم المقدد الفطر والبيض المخفوق. وقف بتهذيب وقال: " حبيبتي طلب منى جدك إعلامك أنه سيتناول فطوره في غرفة نومه ".
وضعت هارييت بعض الحبوب في وعاء ثم أضافت الحليب.
قالت بعبوس:
" آه هو ليس مريضاً. أليس كذلك؟ "
" لا مطلقاً أظنه يعتقد أننا نود البقاء على انفراد لبعض الوقت ".
عندما جلست عاد روان إلى مقعده. سكب فنجان قهوة وأعطاها إياه. جعلها هذا التصرف الحضاري تصر على أسنانها: " إنه مخطئ تماماً. كيف جرت لعبة الشطرنج؟ ".
" لم يستطع أي منا إيجاد نقطة الضعف عند الآخر ".
" لا يملك جدي أي نقاط ضعف. أقترح أن تنفذ ألاعيبك في مكان آخر في المستقبل ".
" لم يساهم نومك المبكر في تحسين مزاجك عزيزتي هارييت هل بدلت رأيك بشأن الزواج بى؟ "
قالت بصمت فقط في أحلامك وبصوت مسموع قالت بحماس " بالتأكيد لا يبدو أنك أعجبت جدي لذا يمكننا إتمام المراسم بمجرد أن توقع على وثيقة ما قبل الزواج ".
" لكنه أخبرني أنه لا يوافق على الزواج المدني ".
" أتقصد أنك دعوته؟ "
" ظننت أنه يود أن يسلمك لي عزيزتي هارييت ".
" حسناً الحمد لله أنه لا يود ذلك. ما علينا سوى إنهاء الاتفاق ثم يذهب كل منا في طريقه ".
ثم ابتسمت بفتور " سأبقى على اتصال بك ".
ساد الصمت لفترة ثم وقف روان وقال بلطف مبالغ فيه " حسناً أنا لا أفكر سوى باللحظة الحالية. الآن على أن أتركك عزيزتي هارييت. ستأتي سيارة أجرة لتقلني إلى المحطة ".
توقف قليلاً ثم أضاف " لا ضرورة لأن ترافقيني إلى الباب. يمكننا أن ندع جدك يفترض أننا ودعنا بعضنا بحنان وعلى انفراد ".
قالت بتوتر " لكنني أفضل التأكد من ابتعاد الزوار عن هذه الملكية ".
رفع روان حاجبيه وقال " لديك الكثير من الشكوك تجاه الآخرين جميلتي ".
" من فضلك لا تنادني بهذا الاسم السخيف. أنا لست جميلة ولست لك.
حدق بها لوقت طويل فشعرت بدقات قلبها تتسارع رغماً عنها. بعدئذ تكلم بصوت لا يحمل أي دلالة غضب " من الصعب إرضاؤك هارييت لكنني لن أكف عن المحاولة ".
توقف قليلاً ثم أضاف " والآن، أكملي فطورك بسلام ".
رحل روان تاركاً هارييت جالسة عند الطاولة تحدق في العدم. لم تمس فطورها ولم تعد تريده.
أيقنت هارييت يوم الزفاف أنها سترتدي الفستان القشدى اللون للمرة الثانية هذا إن لم تشأ ارتداء إحدى البذلات السوداء الكثيرة المملة التي تملأ خزانتها. عندما ألقت نظرة تفحصية على نفسها في المرآة تمنت رغماً عنها لو اشترت فستاناً خاصاً للمناسبة. بالطبع ليس فستان زفاف أبيض بل فستاناً بسيطاً جميلاً يمكنها أن تلبسه في السهرات الصيفية خلال عطل الأسبوع في غريس ميد. لهذه المرة فقط ربما وجب عليها رفع شعرها بشئ من الأناقة. سألت نفسها بنفاذ صبر لم أعذب نفسي بهذه الأمور؟ وكأن هذا زفاف حقيقي أو أنني بالفعل عروس حقيقية. ربما يأتي روان مرتدياً سروال جينز.
مع ذلك لم تشعر بالرضي على مظهرها عندما ألقت نظرة أخيرة على نفسها وغادرت غرفة النوم.
سبق وطلبت سيارة أجرة لتقلها إلى المحكمة لكن ما زالت أمامها خمس دقائق أخرى. حررت الشيك لروان ووضعته في مغلف مع واحدة من بطاقات الشركة الصغيرة. بعد لحظة من التفكير أخرجت البطاقة ودونت عليها " مع أمنياتي لك بمستقبل جيد ".
جلست على حافة الأريكة وهى تشعر بضياع غريب. ليس هناك ما يدعو للقلق. الأمور تسير وفق الخطة الموضوعة. سبق أن ذهب روان إلى مكتب محاميتها ووقع على الاتفاق دون أي اعتراض. قالت لها إيزابيل " حضر برفقة محاميه الخاص. إنه محام مشهور يدعى جاك ماكسويل. أخذا بعض الوقت لمراجعة الاتفاق... سطراً تلو الآخر ".
توقفت قليلاً ثم أضافت " آمل أنك تدركين ما تقومين به هارييت. ما الذي تعرفينه عن الرجل سوى أنه مفلس وفائق الوسامة؟ ".
ردت هارييت بأسلوب دفاعي " أعرف أنه رسام رائع وأن والدته كانت رسامة مشهورة أيضاً قابلت والده خلال إجازة كانت تقضيها في اليونان. يبدو أن والده يعمل في مجال السياحة أو على الأقل هذا ما قاله روان لجدي وهما يلعبان الشطرنج. ربما يملك والده حانة صغيرة ووظيفة النادل لم تعجب الابن. بالطبع لا يمكن لومه على ذلك ".
" لا بالمناسبة لم يبد سعيداً عندما قرأ البند الذي يحظر ذهابه إلى غريس ميد أو التكلم مع جدك مجددا "ً.
" هذا إجراء وقائي. حاجته إلى المال تضمن عدم إثارته للمشاكل ".
سألت إيزابيل بنبرة مشككة " لم لا نؤجل الموضوع حتى أتحقق منه بشكل جيد؟ ".
" لو كنت أعين مهندس ديكور... لما أصريت على التحري عن وضعه. حسناً المفهوم ذاته ينطبق على هذه الحالة. سيقوم بالعمل المطلوب منه ثم يأخذ أجره ويرحل. الأمر بهذه البساطة.
اليوم وقد حان موعد الزفاف بدا الأمر أكثر تعقيداً حتى في بعض المناسبات النادرة عندما مرت الفكرة في رأسها لم تتصور زواجاً كهذا أو تتخيل العودة إلى العمل بعد مراسم الزفاف وكأن شيئاً لم يحدث. لم يخطر ببالها عريس مثل روان زاندروس...
دخلت هارييت إلى المبنى الذي يضم المحكمة. راودها أمل غير مبرر بألا تجد روان هناك. آه هذا تفكير انهزامي لا سيما أنها على وشك تحقيق ما تريده بالضبط.
بالطبع وجدته في غرفة الانتظار. انتبهت على الفور أنه يرتدى بذلة سوداء أنيقة أخرى ويضع وردة بيضاء في عروة سترته. لا بد أن لديه صديقاً يملك الكثير من البذلات. أخذت نفساً عميقاً وتقدمت إلى الأمام. الرجلان اللذان يرافقان روان لا يوازيانه طولاً لكنهما على الدرجة نفسها من الأناقة وهما يضعان وردتين بيضاوين أيضاً. عضت هارييت على شفتيها هي لا تحمل حتى زهرة ربيع واحدة. بالطبع لاحظ جميع الموجودين ذلك. بدأت تشعر كأنها تعيش أحد تلك الأحلام الرهيبة حيث تجد نفسك في حفلة في قصر باكنغهام مرتدياً ملابسك الداخلية فقط.
تمنت فجأة لو أنها قصدت مزين الشعر وجعلت شخصاً مختصاً يضع لها مساحيق التجميل وطلاء الأظافر. ليتها جعلت من نفسها " ولو لمرة واحدة " فتاة يود رجل ما الزواج منها فعلاً. لو أنها فعلت لنظروا إليها الآن بإعجاب بدلاً من هذا الاستغراب الفارغ من أي معنى.
تقدم أحد رفيقي روان نحوها وهو شخص قصير ممتلئ الجسم أشقر الشعر ولا يشوب وجهه الوسيم ذا الذقن المربع سوى تعبير يدل على العدائية. قال لها الرجل ببرودة: " صباح الخير آنسة فلينت أنا جاك ماكسويل وهذا زميلي كارل ونستون. نحن هنا بصفتنا شهود على الزواج ".
بدا الرجل أشبه بلاعب ركبي أكثر منه محامياً قوياً. أكمل قائلاً: " ربما تودين الآن إنجاز الجزء المادي من اتفاقك مع موكلي. لقد أوكل لي استلام المال ".
نظرت بتعجب نحو روان الذي أومأ إليها دون ابتسام فسلمت المغلف لجاك متمنية لو أنها لم تدرج تلك الرسالة السخيفة. ما هي إلا لحظات حتى وقفت هارييت بمواجهة المرأة ذات الشعر الرمادي والبذلة الزرقاء وأخذت تردد الكلمات التي طلب منها قولها ثم مدت يدها ليضع روان خاتماً ذهبياً في إصبعها.
انتهى كل شئ بسرعة كبيرة وها هم يقفون الآن في ضوء الشمس لكن أحداً لم يرم عليهم الورود ولم تكن هناك سيارة لتقلها بعيداً مع زوجها أو أناس يلوحون ويتمنون لها حياة سعيدة ويلتقطون صوراً لها. والحمد لله إن أحداً لم يقترح أن يعانق العريس العروس. ساد صمت طويل ثم قال جاك ماكسويل " حسناً! يا رفاق لنبحث عن مكان نتناول فيه الغذاء ".
أوشكت هارييت أن تحرك شفتيها لتخبره بضرورة ذهابها إلى المكتب إلا أنها أدركت في الوقت المناسب أن الدعوة ليست موجهة إليها. رفعت ذقنها واقتربت من روان. قالت بابتسامة مشرقة " وداعاً سيد زاندروس سرني التعامل معك ".
سحبت خاتم الزفاف بقوة من إصبعها وأعطته إياه ثم أضافت " تذكار صغير من الصفقة ".
ثم رحلت دون النظر إلى الخلف.
لم تكن فترة بعد الظهر الأفضل لهارييت. واجهها الكثير من المهام الصغيرة المزعجة التي تطلب حلها مكالمات هاتفية مطولة. في نهاية النهار لم تشعر أنها أنجزت الكثير ولم تحظ بفرصة للتدقيق في مشروع ميد لاندز وبينما هي على وشك المغادرة طلب منها طونى التكلم مع المستأجرين في مبنى هاتيورد والاستماع إلى شكواهم بشأن تدبير شؤون المبنى وخدمات الصيانة.

روايات احلام/ عبير: لن ترحل الشمسWhere stories live. Discover now