الفصل الرابع

840 101 26
                                    

ذهبت حفصة معه، جلست هي والطفل في الكرسي الخلفي في السيارة، وهما في الطريق حاولت أن تفك الحاجز الذي بينهما فسألته عن اسمه فلم يجيب، كررت السؤال ولم يجيب، ولكنه كان هادئا وقلما يحدث هذا..
_ أتعلم أن لكل شخص اسم خاص به لكي نستطيع التواصل مع بعضنا البعض، أنا اسمي حفصة ومتحمسة لمعرفة اسمك.
كان ينظر إليها دون أي استجابة..
_ حسنا، ما رأيك أن نلعب لعبة معرفة اسمك، سأخمن بعض الأشياء وأنت تهز رأسك بلا ونعم، وإن استطعت أن تجعلني أعرف اسمك سأصنع لك الكعكة بالشوكولاتة.
وأخيرا هز رأسه بالموافقة وهو يبتسم.
_ أخبرني إذن، هل اسمك قديم أم حديث أم هو إسلامي؟
رفع الطفل ثلاث أصابع وهو فرح..
_ ما شاء الله، حسنا هل هو اسم صحابي أم مذكور في القران والحديث؟
رفع الطفل إصبعا واحدا..
_ حسنا، أكان ملازما للرسول؟
أومأ الطفل بنعم وأشار بإصباعيه السبابة والوسطى دلالة على ملازمة الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم..
_ أخبرني أولا، هل تعرف كل المعلومات عن هذا الصحابي؟ أم أنك تسرح بعقلي؟
رفع اصبعا وابتسم..
_ حسنا لنكمل، هل روى أحاديثا كثيرة عن خير البرية؟
أومأ الطفل بنعم وقد وصل لقمة حماسه..
_ هل كان خادما للرسول ودعا له الرسول بالبركة في العمر أم كان يمتلك هرة؟
فرح الطفل أنها اقتربت على معرفة اسمه، ورفع إصبعا.
_ ما أجمل أن تعرف كل المعلومات عن صحابي وأنت بهذا العمر يا أنس.
فرح أنس وراح يرقص في مكانه أنه نجح في جعلها تخمن اسمه..
_ حسنا، عندما نصل سأصنع لك ما وعدتك به، ولكن أخبرني من الذي أخبرك بهذه المعلومات عن الصحابي أنس بن مالك؟
جلس الطفل مكانه وبدأ الحزن بالظهور على وجهه..
_ أمك أليس كذلك؟
 
هز رأسه بحزن بالغ، فأتبعت حفصة وقد هربت من عينيها دمعة..
_ أتعلم شيئا، لقد فقدت أمي أنا أيضا، فأنا أشعر بك كثيرا، أحيانا لا نحتاج لطبيب ماهر يمتلك من اللسان بلاغته؛ بقدر حاجتنا لمن مرّ بمثل حالتنا، فهو لن يقول ستنسى لأنه لم ينسى، بل سنهون على بعضنا مصاعب الدنيا.
قام الطفل واحتضنها وبكى، وقاطعهم صوت حمزة..
_ البقاء لله يا حفصة، رزقك الله الصبر والسلوان.
_ ونعم بالله، آمين.
ثم وجهت حديثها مرة أخرى لأنس..
_ هل تقبلني صديقة، وأعدك أنني سأقوم بهذا الدور على أكمل وجه.
هز رأسه بحماس وصافحها، ودار الحديث بينها وبين حمزة تارة، وتتحدث مع أنس وهو يبتسم تارة أخرى، حتى وصلوا إلى منزلهم، كان منزلا مكونا من طابقين وله حديقة كبيرة وكل شيء في مكانه وكأن فنانا قام برسمه، أو الأحرى أنه لا ينتمي لكوكب الأرض فلا يوجد ذرة تراب تعلوا أثاثه، فور دخولها همت بأن تفي بوعدها وتصنع الكعكة لأنس فدخلت إلى المطبخ وكان أنس يلاحقها خطوة بخطوة..
_ حسنا يا أنس، أنا لا أعرف شيئا في مطبخكم هذا لتشردني.
صكت وجهها وهي تمثل الحزن..
_ ألم تجدوا مطبخا أوسع من ذلك يا أنس؟
ضحك أنس حتى ظهرت غمازتيه..
_ سأخبرك بالمكونات وأنت أحضرها لي.
وبالفعل أخبرته بكل ما تريده وأحضره إليها وهو يضحك، وبعدما وضعا الكعكة في الفرن أمسكها أنس من يديها لتذهب معه حيث يريد، وعند مرورهما من الصالة وجدا حمزة نائم على الأريكة فأشفقا عليه وهرول أنس ليحضر غطاء له، ثم ذهبا لوجهتهما، ووقفا أمام باب غرفة مكتوب عليها " مملكة أنس الخاصة "..
_ هل ستجعلني جزءا منها؟
أومأ رأسه بنعم ففرحت حفصة ولمعت عيناها، عندما دخلت وجدت رسومات تغطي كل مكان في الغرفة ومكتبة صغيرة في الزاوية مليئة بالكتب العلمية وليس كتب أطفال..
_ تقرأ وترسم وأنت بهذا العمر؟ تبارك الله، ولكن هذه الكتب لا تناسب طفل في الثامنة من عمره، من الواضح أنك سابق لعمرك يا أنس.
وبعد مرور وقت في مملكة أنس الخاصة هرولت حفصة لتطفئ الفرن على الكعكة وأنس يجري خلفها ويضحك وامتلأ البيت بصوت ضحكاته، وقفت حفصة عند باب المطبخ والصدمة تعتلي وجهها من هول ما رأت..
_ سامح الله من ربط الحمار وتركك، ما هذا الحمق؟
نظر إليها شاب والغضب يسيطر على ملامحه..
_ تتحدثين معي؟
_ ومن غيرك يا وقح؟
_ من أنتِ لتتحدثي معي هكذا؟ وكيف تتحدثين بتلك الوقاحة والثقة؟
_ لولا أنني أحترم ذاتي لفعلت شيئا نندم عليه كلانا.
استيقظ حمزة على صوتهما فهرول إلى المطبخ..
_ اهدءا ماذا بكما؟ لما هذا الضجيج؟
_ انظر إلى هذا الأحمق يا حمزة، لقد أكل خلطة الشوكولاتة التي من المفترض أن أضعها على الكعكة، ومن وقاحته يغضب عليّ.
_ من هذه يا حمزة؟ وكيف دخلت إلى هنا؟
_ لتهدءا حتى أستطيع أن أرد على كلاكما.
ملأ صدره بالهواء ثم أتبع..
_ هذا ريان والد أنس وصاحب البيت، وهذه حفصة الطبيبة النفسية لأنس.
وقفت حفصة أمام ريان والشر يتطاير من عينيها..
_ ابتعد عن وجهي.
_ من أين لكِ هذه الثقة التي تتحدثين بها؟ أتأمريني في بيتي؟
_ الكعكة ستحترق يا أبله.
ضرب ريان كفه في الحائط ووجه الحديث إلى صديقه..
_ أخرجها من منزلي، لا أريد رؤيتها ثانية.
_ لست ميتة على البقاء هنا، ونمتلك نفس الإرادة.
أخذت حفصة الكعكة وراحت تصنع خليط شوكولاتة جديد ثم خرجت وجلست هي وأنس على طاولة الطعام، وضعت الكعكة في طبق لأنس وهي غاضبة ثم صمتت ولم تأكل، فأمسك حمزة كفها ولمعت عيناه كأنه يترجاها ألا ترحل، ربتت حفصة على كتفه..
_ لن أتركك، لا تقلق، أنت صديقي الوحيد في هذا العالم بعد أن تخلى أبي عن هذا الدور.

_ راتيل سعد.

هدوء العواصفWhere stories live. Discover now