جَـلـجَـلَــةٌ بَـكـمَـاء

42 5 4
                                    


... بِــسـمِ الـلَّـه الـرحـمـٰن الـرَحـيـم ...

جَـلـجَـلَــةٌ بَـكـمَـاء


أشعر كما لو أن الدنيا قد تلونت بالأسود والرمادي مجددًا ، لا موطنَ للنور بيننا ، لا أصل له أو كيان ، ماعاد يزورنا أو يُطِلُ ولو لثوانٍ ، لقد فارقنا ، فَارقنا ولا أظنه سَيرجع ليزيح السواد المتكتل في صدورنا .

تزاحمت الغيوم وانشقت السماء بخيطٍ براق ، يدوي صوته في الأرجاء و يبث الرعب في النفوس ، أُتابعُ تأملي للشرفة دون اكتراث ، نظرةٌ فارغةٌ صاحبها عبوسٌ وشرود ، تنتقل أبصاري من الجهةِ اليمنى إلى اليسرى بوتيرةٍ متناسقة ، مزامنةً حركة السيارات في الشوارعِ و الطرقات  .

من أنا ؟ وما هي حقيقتي ، هل أُصنف ضِمنَ قائمةِ السُعداء أم التُعساء ، وحيدةٌ أنا أم العكس ؟.
 
ردَّ الصمتُ جاعلًا مني أُكمل سلسلة أسئلتي ، أستفسر عن الدنيا ، هل أُأثم إن ابتسمتُ كاذبةً أمامها ؟ بينما تبادلني الابتسامةَ مع رشةٍ من الكبرِ والسخرية ، تستهزأُ بحالي الذي بلغته رغم كوني لم أُكمل السادسة عشر حتى ..

من قال أني سعيدة ، من قال أني محاطةٌ بالأصدقاء ، من قال والكثير من الترهاتِ التي قيلَت ، الشمس تشرق كل صباحٍ لتُذكرنا أن خيوطها الذهبية ستظهر بعد كل أزمة ، لكنها توهمُنا بذلك فحسب .

فَبِمجرد حلول بضع ساعاتٍ ستعود لمسكنها محتفظةً بالضياء لنفسها ، و نعود حبيسين في قوقعةِ الوحدة واليأس ، لا نُبصر أحلامنا نتيجة العتمة ولا ندركُ أين السبيل …

: أين السبيل الصحيح لِنخوض معركتنا به ؟ .
ننوح بخذلانٍ وإرهاقٍ باحثين في جعبة الحياة عن إجابةٍ لسؤالنا …

ليت السعادة سلعةٌ تُشترى وتُباع ، لكان الحصول عليها مُحتمًا بِمجرد امتلاك القطع المعدنية …
ليت الحزن قد وجِدَ على هيئة كيانٍ لِننبذهُ مُلقينَ به في قبرٍ لا منفذ منه .

ندفعه داخل كهفٍ من الجليد و نسدهُ بالصخورِ المُدببة ، رافضين تركه يجوب الأرض  محدثًا فيها الفساد والخراب ، فكم من شابٍ قد ترك حياتهُ بسبب ذلك المُسمى ، و كم من فتاةٍ عانت الاكتئاب أشهُرًا عدة ، لمجرد مروره من جانب غرفتها ! ..

لطالما رغبتُ بالتكلم ، كوني قد أطبقتُ الصمت على روحي منذ أمدٍ طويل ، فرغم تحدثي منذ دقائق ضئيلة ، إلا أنَّ هناكَ صوتٌ بداخلي ينبسُ مؤنبًا و باكيًا ، يصرخ أنه لم ينطق منذ أعوامٍ و أعوام ،

يطالبني بالإفراج عنه وتركه يبوح بالحقيقةِ علّه يرتاح ، وضعتُ أناملي على ثغره وقبضتُ عليه بقوةٍ ناهِرَةً :

” الزم الهدوء لبضعِ سنين أخرى أو إلى آخر نفسٍ يلتقطه هذا الجسد رجائًا ، لا مغزى من البوح إن كان المتلقي بشرًا ! “

كائناتٌ نرجسيةٌ تُرست بالحقد و غرقت بالأنانيةِ والطمع ، تُعِيرُ ذاتها حجمًا يكبرها وتُقدِسُ القيَّم لحظةَ توجيه التُهَمِ صوبها ، و إنْ عدنا للواقع سنجدهم يفتعلون أشنع التصرفات وأفظعها ، يكذبونَ ولا يَصدِقُون ، يتصنعون ويتعالون ، ليس وكأننا شُكلنا من طينٍ واحدٍ يومًا .


أنتهى

أُحب سماع رأيكم ؟..

قِــصَـصٌ تُــروَى  ✎...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن