الجزء العاشر:حبُّكِ منقذتي أشفاني وحدهُ منَ السَّقمِ

344 73 42
                                    

أخذت عفيفة نفسًا عميقًا ثمّ قالت بمنتهى الحكمة:

-نهال، لم أسمح لنفسي يومًا أن أسألك عن تلك الرسالة التي بقيت لسنوات طويلة في درجك الخاصّ، حتمًا لم أقرأها لكنّني عرفت مضمونها من خالد نفسه قبل وفاته بأيّام قليلة.

تسمّرت نظرات نهال عند كلام دفعها طوعًا إلى الاستماع فأكملت عفيفة بصوت موشّح بالشجن:

ما زلت أذكر زيارته ذلك الصباح بعد سفر والدك. في الحقيقة هالني ما سمعته في البداية لكن عندما فهمت السبب الحقيقيّ لاختفائه المفاجئ تفهّمت طلبه وتعاطفت معه.... أتى يرجوني أن أرسل بطلبك ليصارحك بالحقيقة... هل تتخيّلين هذا الموقف؟ حتمًا لم أقبل بطلبه لكن نصحته أن يترك لك رسالة يشرح فيها كلّ ما حصل معه، كان من حقّك أن تعرفي أنّه لم يتخلَّ عنك بإرادته، هو أيضًا أراد أن تحتفظي به ذكرى جميلة لا تشوّهها الشائعات والأكاذيب... وأنا لأنّني كنت أرى الحزن في عينيك رغم الحياة الجديدة التي بدأتها مع ظافر اقترحت فكرة الرسالة

-ما حاجة هذا الكلام الآن؟

أنا لا أخبرك بهذا الكلام يا ابنتي كي أفتح جروح الماضي، أعرف تمامًا أنّ القدر لم يشأ أن يجمعك بخالد رحمه الله وهذه الصفحة قد طُويت منذ زمن كما أعرف أنّك جاهدت دومًا كي تتقبّلي طبع زوجك الحادّ لتحافظي على زواجك وبيتك لكن لا تحاولي أن تنكري أنّك لم تتألّمي عندما اكتشفت الحقيقة... أتعرفين لماذا؟ لأنّك عشقت خالد وكنت تحلمين بلحظة الارتباط به... إبنتي حبيبتي، لا أريد أن تتكرّر المعاناة مع حفيدتي، هي تعشق ذلك الأديب ولن تحتمل فكرة ابتعادها عنه... لن تقفي بوجه سعادة ابنتك... لن تجبريها على تذوّق مرارة العلقم الذي ذقته... إسمعيني حبيبتي، كوني إلى جانب ابنتك كي تعيش حبّها بهدوء واتركي القدر يرسم لها طريق المستقبل... إن قدّر الله وجمعها بذلك الرجل فلا يمكن لأحدٍ أن يفرّقهما، ضعي هذا في رأسك وتصرّفي على أساسه

-لكن أمّي... ما عانيت منه مختلف، أنا اعتقدت أنّ خالد قد تخلّى عنّي

-يبقى الألم قاسيًا وموجعًا حتّى إن اختلفت أسبابه... لا أريد لحفيدتي أن تتألّم، يكفيها ما تعيشه هذه الفترة

-هذا تمامًا ما أريده أيضًا... لا أريدها أن تتألّم... كيف أتركها تواجه هذا الظرف؟ لماذا تتجاهل خطورة ما ينتظرها إن لم يُشفَ؟

-توقّفي نهال واطلبي له الشفاء... أتعرفين أنّه لم يطالب بأحد عندما كان بين الحياة والموت إلّا بها؟ ألا يعني لك هذا شيئًا؟ بحسب خبرتي في الحياة هو أكثر من كافٍ لتدركي قيمتها عنده

-عديني أنّك ستحتوين خوفها عليه وتريحين الاضطراب الذي سبّبه إخفاؤها ما تعيشه عنك... حبيبتي، سحر تفتقد إلى التجربة، عاشت سنواتها وحيدة بعيدة عن صخب الدنيا وعندما انطلقت إلى الحياة وجدتها تُلقي عليها بالهموم دفعة واحدة... أرجوك يا ابنتي، كوني لها السند الداعم كما كنت دومًا معك، هي منزعجة جدًّا من إخفاء حقيقة العلاقة التي تربطها بالأديب

ملهمتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن