٢٥. الرحلة المدرسية: إيريم.

51 6 2
                                    

قبل أسبوع من الرحلة

''أمضى على الأمر عشرون عاما، لقد تغيرت يا أختي، ما عدت أعرفكِ حتى'' 

تلك الجملة ذات النبرة الحزينة خارجة من حلق ياردن تجاه أخته التي تقبع في الزنزانة أمامه.

''ما الذي حدث لإيريم اللطيفة المرحة؟ لماذا إيريم الطيبة محكومة بالإعدام؟''

ذلك العتاب الحزين، من ياردن ذو الملامح المكسورة على أخته، لكنه توقف عن العتاب حين رأى ملامح الأخرى الغير المكترثة.

''لماذا طلبتي رؤيتي؟''

''لأوصيك بولديّ وخصوصا آدم''

''نعم أنا أعتني بهما''

حدقت به مطولا ثم قالت بتكرار ''وخصوصا آدم''

وقف بعد أن نفذ صبره ''لقد أهملتِ الولد حقا، إنه أفضل حالا، أوقفي ضميركِ الأموي المتأخر'' وهمّ بالإنصراف قبل أن توقفه جملة واحدة '' زرعت به عينا هايان''

التفت إليها وحدقتا عينيه متسعتان ''ماذا قلتِ؟''

كررت الجملة بنبرة باردة ''زرعت به عينا هايان''

''هل تقولين الحقيقة؟''

تبسمت ''برؤيتي لك مدهوشا هذا يعني أنه بارع بالإخفاء كما أوصيته، فتى جيد''

صاح بها ''هل أنتِ جادة؟''

''كل ذلك لأجل البشرية، ذلك الرجل خبأها عن الجميع''

''خبأها لمصلحة الجميع''

''قل هذا لنفسك''

''ماذا تريدين أن أفعل الآن؟''

''لديك نفوذ، لا تجعل أحدا يقربه''

○○○

 ''علينا أن نتصل بالإدارة''

ثم حدق في آدم مفرقعا أصابعه ليشد انتباهه ''آدم! آدم''

كان آدم يتنفس بصعوبة بالغة هذه المرة، أن تكون على أقل من متر واحد من جثة ممثلة أمر ليس عاديا، كان صامتا، متجمدا في مكانه، هزه المعلم وقال ''آدم، تمالك نفسك، أنت شخص بالغ''

أفاق آدم من صدمته أخيرا، حدق في المعلم، وقال مرتجفا ''كيف حدث ذلك؟''

يعلم أنه ليس المعلم هذه المرة، لا يمكنك أن تقتل أحدهم في أقل من خمسة دقائق ناهيك عن التمثيل بجثته''

''لا وقت لدينا علينا أن نتصل بالإدارة، ابق هنا ريثما أعود''

في منتصف المكان والظلام مع جثة، لم يكن الأمر مرعبا لكنه كان محزنا،  جعله يتذكر الكثير، وفي نفس الوقت فكر في من قد يمكنه فعل ذلك بشخص آخر، ذلك أمر فضيع.

تم أخذ جثته بصمت، وطُلب من آدم ألا يتحدث، لكيلا يثير ضجة، وسيتم إتخاذ التدابير اللازمة والتحدث مع عائلته في صمت.

كان من المهم لهم أن تسير الرحلة في سلاسة، من الواضح أن القاتل موجود في الرحلة، وقد كان القاتل يتوقع أن يقوموا بإلغاء الرحلة حتى يفلت من فعلته، لكن تلك ليست نيتهم، سيتركونه وحيدا معلقا يترقب أن يتم الإمساك به، سيجعلون خطته تفشل تماما.

''لماذا كنت مستيقظا في تلك اللحظة يا آدم؟''

''لست جيدا في النوم في الأماكن الجديدة''

يبدو سؤالا بسيطا من الأستاذ، لكن يبدو أن لديه بعض الشكوك، هل يظنه الفاعل؟ 

''تعلم أنهم سيستجوبونك صحيح؟ سيسألونك عماذا كنت تفعله، ولماذا كنت هناك. فهمت؟''

أومأ آدم برأسه، يعلم جيدا ذلك، يعلم أنه سيكون محل استجواب بلا شك لهم ''لا يخاف من التحقيق إلا من ارتكب جرما''

''ومع ذلك يكون الأمر مقلقا إن كان استجوابك الأول من الشرطة''

''ليس الأول على أية حال''

عبس حاجبي المعلم في تساؤل ''هل تم استجوابك من قبل؟''

نسي الأمر تماما، نسي أن لا يخرج الموضوع أبدا، وإلا كل شيء سيكشف، محاولا إخفاء توتره ورجفته التي سببها دقات قلبه العالية ''كان شيئا من الماضي البعيد''

كانت نظرات المعلم له وكأنه لم يقتنع بالتفسير والغموض. إنه معلم صفه، لابد أنه رأى السجل الذي يوحي بأنه لم يدخل مقر شرطة في حياته.

ففي الأكاديمية حين تقدم على القبول يجب أن تحضر ورقة من الشرطة توحي بأنك لم تكن يوما على علاقة بالشرطة، إن كنت ضحية أو شاهدا فلا بأس، أما مجرم فلا تدخل الأكاديمية ولا تقبل.

وتلك القضية تم وضعها كقضية كبرى سرية لذلك ولا ضحية قد تذكر حتى للأكاديمية، لكن الشرطة قد تكون أمينة وتخبرهم إن كان مجرما في قضية ما لكنها قد لا تقول القضية أبدا.

رجع الأمر كما قرأ أنه تم إدخال طالب لديه سوابق إلى الأكاديمية مما تسبب في مجزرة تم تسميتها ''مجزرة سكن ألفاديا''

بسبب الأحداث التي حدثت بدأ جدول الرحلة متأخرا بساعتين عن غير المعتاد. وكما قيل لم يتم عمل أية ضجة، لكن آدم كان باستطاعته رؤية الكثير من الأعين التي تراقب من بعيد.

''كان هايان ملكا عادلا، يدافع عن الضعفاء ولا يحب المجرمين، ورغم ذلك كان متواضعا، لم تغره مغريات هذه الحياة، فقد كان يهتم بالشعب ويخاف أن تنام عين جائعة، وحين الحرب كان لا يرحم من يؤذي شعبه.

لم يحب التماثيل والتصاوير، كان دائما ما يقول 《أخشى أن يتم اتخاذي إلها، أنا لست إلها، أنا بشري اسمه هايان》

سيرة حسنة تكفيه، كتب كتاب حياته ولكن الكتاب اختفى، قيل هو أخفاه حتى لا تقع إلا في يد شخص واحد: صاحب العينين.

آخر من رأى الكتاب قال أن أوصافه هي كتاب بني الغلاف، وضخم؛ لكثرة الأوراق، ويجعل الكتاب متماسكا خيط من صوف أبيض، وطبعا لا أحد يعرف مكانه''

''أراه الآن'' قالها آدم بينه وبين نفسه وهو ينظر من النافذه محدثا نفسه ''الكتاب في مغارة في وسط الجبل''

لكن عينا أخرى أدركت الأمر، عرفت فيما يفكر فيه.

ملحمة أندارياWhere stories live. Discover now