الفصل الرابع

30 9 14
                                    

                    ”سواراثيا“
الشمس كعادتها لا تستلطف هذه المملكة فتكتفي بارسال بعض الآشعة الوهنة التي تطل من نوافذهم الزجاجية الني يكسوها الضباب فتكوِّن ضوءًا مكتومًا غير محبب إلى العين
وفي نفس القاعة التي ارتوت بدم "ألمير" جلس الملك أيهم" على كرسيه الملكي الفخم، متهيج الأعصاب لسبب مجهول.
أخذ نفسًا عميقًا يحاول طرد العبث في عقله وأعصابه وما يلبث حتى يعلن الحارسان على بابه قدوم أحد كبار رجاله، فتح الباب و دخل الرجل تحَّاه ثم بدأ يلقي الحديث بقلق يناسجه خوف
. لدي خبران يا سيدي.-
اومأ برأسه ليبدأ حديثه
ازدرد ريقه وبدأ الحديث بصعوبة
- الأميرة أرازيا" مولاي.
ما إن سمع اسمها حتى بدأت الدماء تفور في عروقه
- لـ..لـقد هـربـ...ذهبت، ولا نجدها في القصر كله ولا في المملكة!
أغمض عينيه يهدأ من سورته و قال
- آتوني برأسها!
اومأ الراجل الماثل أمامه
ثم تابع أيهم" وهو يحاول التماسك
- وما الخبر الثاني ؟
- اخبرنا جواسيسنا أن الملك" سامان" يجهز جيوشه ليحتل السفح  الشمالي لجبل "جليل" المتعَاهَد من جميع الممالك عدم المساس به..وقتل حاكمه.
انتفضت شفتا أيهم" غضبًا
- أخبر قائد الجيش أن يحشده و يتوجه في الحال لتعليم  سامان" كيف ينقض العهود.
سحب الرجل أنفاسه بصعوبة وخوف
- سيدي، جيشنا لا يتحمل الحرب، ولا يسعنا المجازفة به، سنفقده بالكامل!
قبض أيهم كفيه وضرب مقابض كرسيه و تنهد  في غضب وقلة حيلة.
وفي برهة الصمت التي سادت دخل إلى القاعة حارس
وقال بقلق دفين من الوجه الحنق المرسوم على الملك أيهم وتنحنح قائلًا
- مولاي، رسول غريب الهيئة من مملكة غريبة لم نسمع بها من قبل لديه رسالة لك.
تنفس أيهم" ببطء ليسترد هدوءه، وأشار إليه بيده ليدخله، ذهب الحارس
وبعد هنيهة دخل إلى القاعة رجل غامض ملابسه كلها سوداء، يرتدي بنطال و سترة من قماش خشن ثقيل يشبه مظهر الملابس الجلدية و يلتف على جسده أحزمة تضم العديد من الأسلحة.ويتدلى خلفه رداءًا له قلنسوة تغطي وجهه بالكامل.
دخل القاعة بثقة و خطواته تجلجل المكان، وقف أمام أيهم في محازاة الرجل الآخر أخرج من خلف أحد أحزمته لفافة ورقية يتضح أنها رسالة و فك لفاتها فأصبح طرفاها معلقين بين يديه وبدأ يسرد ما بداخلها
وتحدث دون أن يزيح قلنسوته عن وجهه
- من" خشايار" ملك المملكة العريقة "نازيسياه"
إلى الملك الأعظم "أيهم" ملك الشتاء والربيع والصيف والخريف
الملك المستحق وعالي القدر
أعرض عليك أنا الملك"خشايار" مائتي ألف من الجند مقابل أن تُسقط الممالك الثلاث، ولا فائدة تعود لي من كل هذا.
أرى فقط أنك المستحق لحكم أراضي "نيڤيار" بأكملها وجبل "جليل"
وأرجو ألا تدخل مع رسولي في تفاصيل.
إما أن تُجب بنعم أو لا.
تحياتي
"خشايار"
وبحركة سريعة أعاد رسول خشايار الورقة الصفراء العتيقة كسابق هيئتها ووضعها بيديه المدفونة في قفازات سوداء خلف أحد أحزمة وسطه.
نظر إليه أيهم في توجس، وراح يفكر لِم قد يقدم أحد الملوك هذا العدد من الجنود مقابل شيء لن يستفيد به؟ ولكن حرقته من سامان" وماهو مقدم على فعله جعلته يسيء التفكير والتحليل، وألا يسأل متى وكيف ظهرت تلك المملكة؟ ولم لا يكشف رسوله عن وجهه، كأنه مسحور أو مغيب عقله!
حفزت كلمات خشايار" الكبر والعظمة في نفس أيهم" فـ بدون عقل قال للرسول الماثل.
- نعم أوافق، ومتى سيأتيني الجنود.
الرجل ذو القلنسوة بثبات
- في الحال.
ابتسم أيهم بتهكم ليجد كل أراضيه تهتز وقصره يضطرب بأكمله كأن عملاقًا ما رفعه عاليًا ثم حطَّه أرضًا.
ارتعد أيهم و رجله بينما وقف رسول خشايار" باستقرار
انتفض أيهم" في جلسته و قام باسراع نحو إحدى نوافذه المطلة على بهو قصره فلم يصدق عيناه ود لو صعقه أحد ببرق أو أفاق عقله بصوت الرعد، فمن بهو قصره إلى آخر ما يمتد إليه بصره يحتشد بجنود بزي أسود كالذي يرتديه مرسول الملك.
           
                    *************
                السفح الشمالي لجبل ”جليل“
             ‏
السماء متلحفة بلحاف أسود محبوب وتتحلى عناقيد النجوم التي تتوهج بجمال وتتناثر حول القمر المغموس في السماء فيصنعون معًا فريقًا منيرًا يحاربون ظلمة الليل بتودد وتحارب معهم نسمات رطبة منعشة.
وقفت على باب رمادي لمنزل عتيق في سفح الجبل فتاة استعارت حبات القمح لتسكن في بشرتها و سواد الليل ليكون في شعرها المُجدل من جانبي مقدمة رأسها و حتى انسيابه على ظهرها متعاونًا مع مظهر السيف مكونين مزيجًا بين الرقة والحدة.و تركت الزُرقة التي في البحار والسماء موطنها لتتخذ عينيها موطنًا جديدًا يأخذان فيه حقيهما في الثناء والجمال،و ترتدي بنطال و سترة من الجلد الأسود و أحزمة زيتية معلقة فيها أسلحة و حزام ظهرِّي يحمل سيفًا و غمده.
هرولت سيدة في الخمسينات من عمرها إلى باب البيت وهي تهتف بغضب
- ”راسيل“..راسيل“.
التفت فتاة عشرينية إلى صوت أمها وقالت بضجر وهي تقف على الباب تهم بالرحيل
- ماااااذاااا؟؟؟
تغضن جبين أمها
-ماذا !!....ألا تري غريبًا في فعلك.
عقدت يديها ورفعت حاجبيها الدقيقين
- لا، لا أرى!
جذبتها من ذراعها بقوة لتنفك عقدتيهما و تتحرك قدمًا داخل البيت إثر جذب أمها
- هل أصابتك جِنة ما؟...لم يبزغ الفجر بعد!..إلى أين تذهبين؟
اقتربت من أمها وقالت بحماس
- حسنًا، لقد سمعت في هذه الليلة عندما كنت في السوق أن مملكة غريبة ظهرت من العدم كأنَّ الله نفخ فيها فبُعثت، والحقيقة أنَّ النوم لم يكحل أجفاني طوال الليل لحماسي باكتشافها.
تقوس فم أمها بغيظ و امتدت يدها تقرص أذنها وتجرها للداخل
- ويا لهذه الجِنة، إنكِ لحقًا طائشة لعينة!
صرخت بهمس ثم أفلتت يد أمها وهي تفكرك أذنها بتألم وتأفُف
نظرت إليها أمها في لوم وغضب
- وكنتِ ستذهبين بمفردك هااه؟
انزوى فمها
- لا... كنت سأصحب معي "حرفوش"
هتفت
- "حرفوش"! إنه نائم وأنتِ كنتِ على وشك المغادرة!
استيقظ ذئب ضخم أبيض اللون يبيت على سجادة مهترئة في بهو هذا المنزل فور سماعه جملة الأم الأخيرة، وزمجر وهو يوجه أنظاره نحو راسيل التي قالت تهدئه
- لاتظن بي سوءًا يا "حرفوش" كنت سأيقظك واصحبك معي.
قام من نومته وتوجه نحوها بغضب
- لا لا أرجوك، لا أقوي على سخطك علي يا "حرفوش"
أمها بعجب
- وتقوين على سخطي...ياربي ما هذا الذي بليتني.
دنا منها الذئب الضخم الذي يكاد يصل طوله إلى كتفها، فربتت على جبينه و لاعبته حتى رضي عنها.
وابتسمت ثم نظرت إلى أمها فوجدتها تشطاط غضبًا فخففت من ابتسامتها كي لا تثور عليها.
زفرت الأم بيأس ضاربة كف بكف، ثم مضت نحو غرفتها وهي تقول
- لا تذهبي قبل بزوغ الفجر يا راسيل" وإلا قتلتك.
رددت خلف والدتها مصطنعة وجه مضحك.
- وإلا قتلتك!
ثم توسدت الذئب وانتظرت حتى بانت زرقة السماء
همست بحماس بعد أن أبقظت الذئب الذي رقد مجددًا
- هيا بنا يا "حرفوش"!
اومأ الذئب بعد استيقاظه و مرر رأسه على يدها يوافقها نفس الحماس
فتوجها ناحية الباب وعلى عتبته هتفت راسيل" موجهة الحديث إلى والدتها في غرفتها.
- لا تقلقي يا أمي "زبيبة" معك...ستحميكِ جيدًا، سآتيك غدٍ.
خفضت من صوتها
- أو بعد غدٍ.
ثم سطمت الباب بقوة و انطلقت وذئبها في رحلتهما سريعًا، لأن لو سمعت والدتها ما قالته لحطمت رأسها.
★★

سارت راسيل" بحماس بجوار ذئبها الذي شاركها نفس الحماس وحب الاستكشاف
سارت بتبختر وهي تشق طريقها من السفح الشمالي إلى الشمال الغربي حيث ظهور المملكة الجديدة.
والمكان هنا بهي بديع تفترش الأرض بالخضرة و تكثر الأشجار و به العديد من الأراضي الزراعية وأهل السفح الشمالي ميسورو الحال، والعيشة رضية حسنة.

وبعد المشي مسافة تقدر بالكيلومترات مع ذئبها الوفي بدون ملل أو كلل وبدون أن تشعر بالتعب والإرهاق فكانت الطاقة تتفجر بداخلها
استلت أحد خناجرها المنثورين على وسطها بحركة استعراضية وهي تلوح به في السماء
- ما رأيك أن نسفك دماء بعض جنود الحاكم يا حرفوش"
نظر إليها الذئب و زمجر  باستنكار، فعقبت بمرح
- ويا لك من طيب خير حرفوش" أمزح معك..أخرجته توجبًا للإحتياط.

وبينما كانت تمشي في سلام بين الربوع الخضراء سمعت صوت نقر أقدام تدعس الحشائش الصغيرة بخوف و رهبة و كلما مرت الثواني زادت سرعة مشي الأقدام و زادت رهبتها.
واقترب الشيء منها حتى استطاعت سماع أنفاسه التي تُسحب و تطلق بصعوبة، فنظرت حولها بحرص تبحث عن مصدر هذا الشخص
لتجد.....
                 ★★★
لو وصلتوا لهنا فـ أنا محتاجة دعمكم يـ أحلى أخوات 🩶🪽

سم رئبالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن