الخاتمــة

256 11 2
                                    

فرجٌ يودي بدهرٍ عصيب
يحمل وعدًا بفجرٍ قريب
جُل الكروب والأحزان يُسقطها
والفرحةُ عنه لا تغيب

بعد ثلاث سنوات..
ركضت الصغيرة بخطواتها اللطيفة تجاه الباب فور أن سمعت صوت قلقلة مفتاح أبيها .. فتهللت أساريرها وهي تهتف بصوتٍ طفولي لذيذ :
_بابا جاء .. بابا جاء.
فتح حمزة الباب بابتسامة حانية مستقبلًا عناق طفلته الدافئ بعد أن نزل على ركبتيه، ثم أغلق الباب لينظر إليها قائلًا :
_أين قبلة بابا يا دانية؟
اقتربت الفتاة لتطبع قبلة رقيقة فوق وجنته، ثم ابتعدت قليلًا تناظره بعسليتيها الواسعتين بترقب .. ظل جالسًا وكأنه لا يفهم إلامَ ترمي، قبل أن يسأل :
_ماذا؟ هل تنتظرين شيئًا؟
رمشت الصغيرة بأهدابها عدة مرات موزعة نظراتها بينه وبين والدتها التي اقتربت مبتسمة بعذوبة وهي تحمل فوق كتفيها رضيعًا صغيرًا أخذ يحرك كفيه وهو يمدهما تجاه والده فور أن رآه ..
ضحك حمزة مخرجًا من جيب سترته مصاصة صغيرة على هيئة شريحة برتقال طازجة ..
لتتسع ابتسامة الصغيرة وهي تدبدب بقدميها أرضًا بفرحة شديدة وكأنه جلب لها العالم بأسره .. وعادت لتضع قبلة على وجنته وهي تقول سريعًا بلهجتها الغريبة :
_سكلًا آ بابا (شكرًا يا بابا).
قهقه حمزة مبتهجًا وهو ينهض لمقابلة زوجته حاملًا عنها الصغير الذي بدأ يئن مائلًا في نومته تجاه أبيه وكأنه على وشك الغطس .. فقبل وجنتي الصغير الناعمتين، قبل أن يطبع قبلة طويلة على جبين نادية التي اقتربت منه قائلة بعينين مبتسمتين :
_حمدًا لله على سلامتك يا برنس .. لقد اشتاقا إليك بشدة، وملَّا مني في تلك الساعة التي أعود بها مبكرًا عنك.
_هما فقط من اشتاقا؟
سأل حمزة بمكرٍ محبب، فردت وهي تزم شفتيها عن ابتسامة ملحة :
_لا تخجلني أمام الأولاد يا حمزة!
رد على الفور كمن اعتاد الأمر :
_حسنًا يا قلب حمزة.
ثم سرق قبلة سريعة من وجنتها خلفت وردية لطيفة فوقها، فاتسعت ابتسامته مجاورًا إياها في وقفتها وهو يلاعب الصغير الذي أخذ يتضاحك من اللا شيء فور أن بدأ والده يحركه بخفة بين كفيه .. وقد دنت الصغيرة دانية منهم ضاحكة على قهقهات الصغير، ناعتة إياه بالـ "نونو" وكأنها لا تكبره بعامين لا أكثر .. فتبادلا حمزة ونادية النظرات المبتسمة بحب .. وقد أطرب قلبيهما ضحكات صغيريهما.

~~~
جلست نبراس جوار شقيقتها على ذلك المقعد في حديقة المنزل .. فقد اقترب موعد زفاف أدهم ومنة .. وزاد توتر الأخيرة بموازاة حماسها في مباشرة التجهيزات ..
مررت منة عدة صور لأثواب زفاف أمامهما وهي تطالعهم بحيرة .. قبل أن تلتفت لشقيقتها قائلة بينما تضع وشاح أبيض فوق رأسها وكأنها تمثل هيئة العروس :
_لا أعرف أيهم أختار .. المنفوش سيظهر قلة قامتي .. والبسيط الهادئ ليس بنفس بهجة المنفوش! توتري يدفعني لتأجيل الحفل أكثر من ذلك، أدهم سيقتلني .. لقد وافق على التأجيل السابق لكل هذا الوقت لأن عذري كان مقبولًا، أما الآن!!
أنهت حديثها تاركة بقية كلماتها عالقة في الهواء وهي تشد طرفي الطرحة على وجهها وكأنها على وشك الصياح .. فرفعت نبراس حاجبها قائلة باستنكار :
_هلا هدأتِ قليلًا؟ ما زال لديكِ الكثير من الوقت، ما كل هذا التوتر!
تنهدت منة مستدعية الهدوء .. فيما اخترقت صفا جلستهما متوسطة المقعد العريض بينهما وهي تسأل مستفسرة :
_عمَّ تتحدثان؟
أجابت منة بفم مقوس إحباطًا متدللة على والدتها :
_لا أعرف ماذا أختار ..
نظرت والدتها إلى الصور بتدقيق لبعض الوقت، ثم أشارت إلى أحدهم قائلة بإعجاب :
_أظن أن هذا سيناسبك جدًا.
ثم استطردت مبتسمة بحنان :
_لكني أثق أن أيهم سيكون رائعًا عليكِ وستبدين آيةً في الجمال.
ثم التفتت إلى نبراس مكملة إلى منة :
_كما كانت شقيقتك تمامًا.
أهدتها نبراس ابتسامة دافئة، قبل أن تستطرد :
_كما يجب أن تعرفين أن هذه الشلكيات لا تشكل فارقًا قويًا في حياتك القادمة يا حبيبتي .. هناك ما يجب أن يستحوذ على تفكيرك بشكلٍ أكبر قبل مرحلة الزواج.
ندت ضحكة مكتومة عن نبراس، فنكزتها أمها في كتفها بخفة قائلة بتوبيخ وهي تلملم ابتسامتها :
_لا أقصد ذلك يا نبراس، كفي عن الوقاحة .. كنت أعني المسؤولية.
كبحت منة ضحكتها متظاهرة بعدم الفهم، ثم علقت على كلمات والدتها مازحة :
_بمناسبة المسؤولية، أنا أفكر في البقاء في المنزل بدلًا من هذا العمل الذي يأخذ من شبابي الكثير ..
مالت نبراس بجذعها لتحدث أختها عبر والدتها باندهاش :
_لقد تم تعيينك منذ شهرين فقط .. متى استطاع الأخذ من شبابك أصلًا؟
ثم أشارت إليها محدثة والدتها بصبيانية :
_هذه الفتاة ليست وجهًا للمسؤولية يا أمي صدقيني .. هذه ستلقي بأبنائها إليكِ أو إلى أبيهم طوال اليوم وتنام أو تذهب للتسوق.
ضحكت منة مؤكدة حديث شقيقتها، ورفعت صفا حاجبها أي "حقًا؟" قبل أن تسأل بنبرة ذات مغزى :
_أين ابنتيكِ يا نبراس؟
تنحنحت قبل أن تجيب بصوت أكثر خفوتًا :
_في الداخل مع فريد.
ثم عادت لتعلو بنبرتها مكملة :
_لكن ذلك لا يعني أنهما طوال الوقت معه.

هان الودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن