chap1

443 29 14
                                    

صباح مظلم بسبب غيوم داكنة تحجب شمسا لم تشرق في حياة ذاك القابع في غرفة أشد حلكة من ظلمة اليوم ..

في منزل من طابقين .. تلك العليّة التي تسع سريرا و خزانة بصعوبة .. ينكمش جسد على الأرض .. إن أمعنت جيدا ستجده يدرس أرضا لأنه و ببساطة لا يملك مكتبا .. أو بالأحرى لن يسع داخل تلك الغرفة التي حتّم عليه البقاء بها رغم أن المنزل كبير و به غرفتان فارغتان تماما ..

و رغم أنه منزل ذكي كغيره من منازل هذا الجيل .. إلا أنه يدرس على ضوء مصباح يدوي .. لأن غرفته ليس بها مصباح .. لا ليس لعدم تواجد الكهرباء بها بل لأنهم نزعوا مصابيحها عمدا

و إن أمعنتم النظر أكثر في ملامحه التي تختفي تحت غرّته الطويلة و في جسده المنكمش كقطة نائمة ستعلمون أنه شاب في الثامنة عشر من عمره و هو في سنته الأخيرة في الثانوية ..

بعد أن أنهى واجبه و إرتدى ثيابه و أخذ بحقيبته .. دخل المطبخ و جهز إفطارا ملكيا لن يذوقه حتّى .. هو بإمكانه أن يأكل فقط بيضة مسلوقة واحدة مع كأس من الحليب حتى و إن لم يشبع حتى و إن إشتهى أن يضع من ذاك المربى المنزلي الصنع على قطعة خبز محمصة .. حتى و إن أراد تذوق عصير البرتقال الطازج الذي يعصره بنفسه .. هو فقط يعد كل ذلك مبتلعا لعابه بشهيّة و عيناه تحدق كجرو مشرد

وقف في زاوية المطبخ برأس منخفض و أيد متاشبكة بإحترام فباقي أفراد عائلته قد حضروا ليتناولوا ما أعد .. والده و والدته و أخاه الذي يصغره بسنتين ..

ثم يذهب كلاهما لذات المدرسة أحد في سيارة و الآخر سيرا على الأقدام الجيد أنها تبعد ربع ساعة عن المنزل فقط لذلك هو لا يتعب .. المتعب أنه أول يوم دراسة و هذا يعني الكثير من التنمر ..

لكن مهلا .. ألم يقم بواجباته قبل الذهاب ؟ .. أجل لقد فعل .. واجب لم يخبره أحد أن يقوم به .. هو قام بحل أسئلة من الكتاب و حسب .. ليس ليجهز نفسه بالمشاركة في الدرس .. فقط هكذا بلا سبب

طالب جديد إنتقل لهذه المدرسة و لصفه و لأنه دائم الوحدة و العزلة فقد جلس بجانبه لفراغ المقعد و حسب لكنّه إنكمش على نفسه أكثر و إلتصق بالجدار الذي يكاد يخترقه مما جعل من الآخر يستغرب فعلته

وقت الإستراحة حيث من المفترض أن يغادر الجميع لتناول الطعام هو جالس هناك وحيدا يراقب الأروقة الفارغة بخوف من تحت خصلاته المنسدلة و يأكل شطيرة لا يزال نصفها داخل الحقيبة .. لأنه سرقها ..

ممنوع أن يتناول طعامه في مطعم المدرسة و ممنوع أن يأخذ علبة طعام له .. لكنه تجرّأ بعد تردد بفعلها .. أقول شطيرة لكنها ليست كذلك .. هي قطعة خبز قديم فهو لن يخاطر بأخذ جديد كي لا يلاحظوا و كان قد دهنها بمعجون .. الطماطم ! .. هو يتخيّله مربى الفراولة لأنهما بذات اللون ..

أما عن أخاه فهو رفقة أصدقاءه يتناول ما يريد وقت ما يريد إلى جانب بطاقة إئتمان ليشتري مسليات له ..

المنتقم : طفولة مفقودةWhere stories live. Discover now