********

47 22 4
                                    


الكره والغل والحسد الذي يُعشش في قلب هاجر قد تجاوز كل الحدود وأصبحت لا تعلم أين تنفث شرِها هذا، الذي إذا لم تقوم بإخراجه سوف يأكل لحمها العفن فقررت أن تحِل بغيمتها السوداء على كل أهل العشيرة وفي الاخص على المرأة التي بدأ معها كل هذا الكُره والغل ، زمرد المرأة الأولى بؤبؤ العين وحبة القلب والحب الأول لفياض التي كرِهتها هاجر من أول يوم أتت به إلى هذه العشيرة والتي لم تستطيع أن تحتل مكانها ولن تستطيع ، لأن زمرد المرأة التي استطاعت أن تنجب ليال لتزرع المرأة الثانية بعدها التي استطاعت احتلال بقية قلب فياض لتنهي أي بصيص أمل لوجود هاجر في قلبه مهما حاولت أن تكون جزًء منه ، فتكون ليال مدللة أبيها الوحيدة التي لم تستطع هاجر أن تنجب لا مثلها ولا غيرها بسبب أنها عاقره لا تستطيع الإنجاب رغم كل محاولتها هي والاعور بسحره الأسود الذي لم ينفع مع رحمِها العقيم بشيء ، وها هي ليال تقف متكبرة أمامها وهي تنظر لها بتلك النظرة الذكية الفطنة التي لطالما أزادت بِسببِها من كراهيتها لها وازادت بِسببِها حب أبيها لها وبفضل هذه الفطنة أصبحت ذراعه الأيمن في كل ما يقوم به رغم كل محاولة هاجر لإفساد هذا ، ولكن هاجر هذه المرة لن تسمح لهذه المدللة بأن تفسد كل ما خططت له منذ شهور فقررت هذه المرة أن تغير أسلوبها لتكمل ما تُخطط لهُ ،
فاعتصرت دموعها لتسيل على خدها بطريقة بارعه لا يُجيدها إلى التماسيح المخادعة والقت بنفسها منهارة على ركبتيها وجسدها ينتفض خوفاً بطريقة تصعب على الكافر لرؤيتها ، فعندما رأتها ليال وهي تسقط منهارة أمامها تبخر كل شيء من عقلها وتغيرت ملامح وجهها على الفور من ملامح التفحص والشك والريبة إلى ملامح خوف ورهبة وهوت بجسدها إليها مسرعة دون التفكير للحظة واقتربت وامسكت بوجه هاجر بكفيها الناعمتين ورفعته ليقابل وجهها وهي تقول بصوت يملئهُ الفزع عليها
\_\_ ماذا حصل لكِ هاجر ماذا هناك لماذا تبكين
فدفنت هاجر وجهها في صدر ليال بسرعة وحضنتها بقوة وكأنها طفل خائف يحاول أن يخفي نفسه في حضن أمه وقالت بصوت متلعثم ومرتعش وباكي
\_\_ أنقذيني يا ليال أنقذيني
صرخت ليال في وجهها وهي تحاول أن تفهم ماذا يجري
\_\_ ماذا بك انقذك من ماذا أخبريني ماذا حصل
\_\_ هل هو خلفي هل مازال يلحق بي
أمسكت ليال سلاحها الساكن في خصرها على الفور عندما سمعت هذه الجملة الباكية منها وهي تنظر إلى الفراغ الأسود الذي أمامها وقد اتسعت عينيها حتى تكاد أن تخرج من مُقلتيها ولكن لا يوجد أي شيء
\_\_ لا أرى أحد لا يوجد أحد خلفك.... واردفت بصوت غاضب ومرعوب وقد تصورت في ذهنِها الشيء البشع الذي حصل والذي تكره وتشمئز وتخاف منه أي فتاة طاهره
\_\_ هل كان أحد خلفك هل قام بلمسك هل قام بأذيتك أخبريني أرجوك ِ أخبريني
فردت عليها هاجر وهي مازالت تخبئ رأسها وجسدها الذي ينتفض مثل فرخه خائفة قد نجت بأعجوبة من أنياب ذئب جائع
\_\_ أرجوك ِ خذينا من هذا المكان بسرعة يا ليال ...خذينا إلى المنزل واجهشت بالبكاء
\_\_ حسناً لا تخافي أني معكِ لا تخافي
\_\_ أني خائفة يا ليال...خائفة
نسيت ليال في هذه اللحظات من تكون هذه الأفعى الملتوية في حُضنِها وتمحور كل تفكيرها بكيفية أن توصلها للقصر بأمان وبعد ذلك تتفرغ لتجد هذا النذل الحقير الذي تخيلته في ذِهنِها والذي استطاع أن يجترئ على فعلتِه هَذه مع زوجة فياض الأشقر ، فرفعت هاجر من على الأرض ونفضت الغبار الملتصق عليها وحضنتها بلطف ، ومن ثم سارت بها وهي جاعله منها تتكئ عليها طوال الطريق ، وبطبع دون أن تتوقف هاجر عن النحيب والبكاء حتى وصلتا إلى باب القصر ، وعندما رأى الرجال الذين يقفون أمام باب القصر هذا المنظر هلعا إليها راكضين بسرعة وقد شحنا على الفور سلاحيهما باستنفار تام فقالت ليال وشرار الغضب يتطاير من عينيها
\-- أنت ساعدني بإدخالها إلى الداخل... وأنت أجمع ما تستطيع من الرجال وانتظروني هنا.........، فانطلق من فوره مسرعاً لتنفيذ ما أمرت به
وفي الداخل بحديقة القصر كانت مازالت زمرد مستيقظة كما هي عادتها كل ليلة في انتظار وصول ابنتها، لأنها لا تستطيع أن تنام إلا عندما تطمئن عليها وتكون قد تأكدت بأنها خلدت إلى سريرها، وعندما رأت الحالة الذي دخلت بها ليال وهاجر من باب القصر وهما بذاك المنظر، سقط من يدها الكتاب الذي كانت تشغل نفسها به وسقط قلبها أيضاً معه ُ ونهضت تركض مسرعة في اتجاه ابنتها وهي تردد
\-- ربي أجعل العواقب سليمه...
وفي تلك الأثناء كان فياض يغلق على نفسه في مكتبه وقد بدأ عليه التعب الشديد، والشحوب يتجلى على وجهه الذي يتصبب عرقاً وهو يقعد على كرسي مكتبه وينظر بفراغ وشرود إلى ذاك المنديل الابيض الساكن على كف يده وقد أستبغ جزء كبير منه ببقعه قرمزية اللون تحكي ما يخفيه منذ شهور، ولا يعلم ماذا يحاك من خلفه في هذه الليلة المشؤمة والتي سوف تقلب موازين حياته للأبد .....،
\-- ماذا حصل أبنتي هل أنت بخير. هل حصل لكِ شيء
\_\_ لم يحصل شيء يا أمي اطمئني...احضري كوب ماء والحقي بنا إلى غرفة هاجر
ردت عليها زمرد وهي مازالت تنتفض خوفاً ولم تفهم شيء بعد
\_\_ حاضر ابنتي...حاضر ....، وركضت مسرعة
وواصلت ليال وهاجر التي مازالت مستمرة في تمثيلها الذي لا يثنى عليه حتى وصلتا إلى غرفة هاجر وبعد ذلك قالت ليال بصوت مازح
\_\_ أنت الآن في غرفتك وفي حصنِك المنيع أيتها الأميرة الضائعة ولن تستطيع الوحوش المفترسة أن تقترب منكِ بعد الان
فالتفتت لها هاجر واصطنعت ابتسامة مزيفة على الفور وردت لها بصوت لم تصدق هي نفسها بأنه خرج منها
\_\_ حقاً لا أعلم كيف كان سيكون حالي الآن إذا لم ألتقي بكِ يا ليال
\_\_ لا داعي لمثل هذا الكلام الآن، اشكريني عندما أجد ذاك الوضيع الذي تجرئ على فعلته هذه واجعل منه عبره لكل حقير مثله .... واردفت قائله بعد أن اضاقت من عينيها وهي تنظر بنظرة تلهف الذئب الذي ينتظر خروج فريسته من مخبئها
\_\_ ولكن طبعاً بعد أن تقولي من هو هذا الذي تجرئ على لمسك
فأتت زمرد راكضه في تلك اللحظة وهي تحمل كوب الماء وقالت
\_\_ أشربي يا عزيزتي هاجر وقولي بسم الله
فمدت هاجر يدها لأخذ الكوب وهي تصطنع الرعشة في أناملها وارتشفت قليل من الماء وقالت
\_\_ لقد كان يضع اللثام على وجهه لم أستطيع سوى رؤية عينيه الجاحظة المخيفة وقد كان يبدو عليه بأنهُ أثقل في الشرب لقد كان يترنح وهو يلحق بي
فرمقتها ليال بنظرة غربية لم تستطع أن تجد تفسير لها فجعلتها تشعر ببعض التلبك، وقالت ليال وهي مازالت تنظر لها
\_\_ حسناً لقد فهمت حاولي أن تنامي الآن وانسي كل شيء وسوف أهتم بالموضوع...واردفت وهي تنظر إلى زمرد
\--ولا أريد أن يعلم أبي بشيء بالوقت الحالي
فأومئت زمرد برأسها وقالت وهي مازالت لم تفهم ماذا يجري من حولها
\_\_ حسناً كما تشائين
فأشارت ليال للرجل الذي يقف بجوارها بأن يتبعها وخرجت مسرعة والنار تشتعل في عينيها تاركه هاجر ترمقها من خلفها وابتسامه صغيره مقززة ترتسم على شفتيها، أما زمرد كانت تنظر إلى ابنتها وهي تذهب وقلبها يحترق من شدة خوفها عليها ولكن تعلم بأنه لا أحد يستطيع إيقافها في هذا الوضع حتى لو كان فياض نفسه فلم يكن في استطاعتها سوى الدعاء لها فهمست
\_\_ الله يحميك يا أبنتي
تجد ليال فور وصولها إلى باب القصر جميع الرجال في انتظارها وجميعهم في أتم الاستعداد لتنفيذ أوامرها فقالت لهم بعد أن أخرجت سلاحها من خصرها
\_\_ أريد منكم أن تنتشروا في كل أرجاء العشيرة وتقومون باحتضار أي شخص تشكون به كأن من يكون دون أن تمسون شعرة منه وبكل هدوء وإذا قال لكم ما هو السبب قولوا له بأن ليال تريد التحدث معك، وفقط ليال تريد التحدث معك..... هيا انطلقوا
فانطلق جميع الرجال كل واحداً منهم في اتجاه وبقيت هي ساكنه في مكانها وانتظرت حتى اختفى كل الرجال عن ناظريها واعادت سلاحها إلى مكانه وقالت تحدث نفسها بعد أن ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيها
\_\_ لقد كانت تمثيليه رائعة يا هاجر ولا أنكر بأنها انطلت على ولكن الرجال عندما تثمل لدرجة الترنح لا يفكرون ولا يضعون اللثام على وجوههم بل ينقضون دون الاهتمام بأي شيء كم انت حمقاء يا زوجة أبي نسيتين بأنني ليال أبنت فياض الأشقر وأنت أخت الأحمق الاشرم ........

السطر الأخير حيث تعيش القصص. اكتشف الآن