********

54 19 6
                                    

الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل الكل نائم والهدوء يعم أرجاء العشيرة حتى الحراس الذين يقفون أمام بوابة القصر قد غلبهم النوم وطبوا نائمين في أماكنهم دون أن يشعرون ، وبينما هذا الصمت المهيب المتخالط مع ظلام الليل الدامس يسيطر على المكان بكل تمكن وهيمنة يأتي صوت مزعج يشق الطريق المؤدي للقصر ليخترق صفو هذا الصمت بسرعة جنونية وكانه قد عزم كل العزم على شطره إلى نصفين بدراجة نارية تكاد أن تحلق بالهواء من شدة سرعتها حتى أصبحت لا يبعدها عن باب القصر سوى متران فتنضغط المكابح بكل قوة لتنزلق العجلات وتتوقف الدراجة النارية بجوار الحارسين النائمين لتجعلهما يستيقظا منتفضين من مكانهم وكأنها دقت طبول الحرب فجأة في آذانهم ناظرين إلى ذاك الغارق في دمائه الذي يسقط من فوره من على الدراجة النارية منهارًا بين أقدامهم وهو يهمس بصوت لاهث ومتقطع وكأنه ينفث أنفاسه الأخيرة

\_\_ كمين... لقد وقعنا في كمين ....كمين

عندها كان الحارسين ما يزالان في صدمة لحظية من ما يحدث أمامهما ومازالت عينهما لم تتأقلم مع سواد الليل الذي استيقظا عليه وبعد لحظات وبعد أن عادا إلى رُشدهما استطاعا أن يميزا بأن هذا المقتحم الغارق في دمائه هو مصطفى ابن العشيرة وأحد الرجال الذين ذهبوا للالتقاء بفكتور وجماعته فجثم أحدهم بسرعة وتلبك على ركبتيه وخلع بسرعه شاله الذي كان يغطي به عنقه ووضعه لإيقاف النزيف على مكان فجوة الطلق الناري التي مازالت مستمرة في خر الدماء منها ، وركض الأخر بأقصى سرعة إلى غرفة الحرس وضغط على مكبس أحمر كان يبرز من الحائط متأهبًا لحالات الطوارئ والذي من فوره أطلق صوت جرس منخفض وكأنه منبه لساعة قديمة من جوار سرير فياض الذي كان يغط في نوم عميق، فانتفض من مكانه بجنون لتستيقظ زمرد فزعه من جواره أيضاً لتشاهد ذاك القنديل الأحمر الذي أنار الغرفة بلونه القرمزي مع انطلاق صوت الجرس الذي لا يصرخ إلا إذا كان هناك شيء خطير يحدث أو سوف يحدث فأمسكت ذراع فياض على الفور بقوة وخوف وهي تنظر هناك وهناك في أرجاء محيط الغرفة وكأنها تتأكد بأن المنزل ما يزال على حاله ولم يخترقه وابل الرصاص الذي اخترق مخيلتها على الفور من ذكريات ماضية قد انطبعت في أرشيف عقلها الباطن لتكون ذكرى خالدة في عقلها حتى مماتها وقالت بصوت مرعوب والرجفة تصك أسنانها

\_\_ ماذا يحدث يا فياض ماذا يجري
فرد عليها فياض وهو الآخر ما يزال مدهوش من هذا الوضع الذي كان متأكد بأنه أصبح من الماضي ولن يعيشه مره أخرى

\_\_لا أعلم يا زمرد... وأردف وهو يحاول سحب ذراعه من قبضة كفها التي تطبق عليه بكل قوة

\_\_ لا تخافي سأخرج لأرى ماذا هناك

فزادت في تلك اللحظة التمسك بذراعه بقوة ورعب أكثر وقالت بصوت مرتجف

\_\_ سوف أتي معك

عندها شعر بخوفها الكبير وتفهم الوضع التي تمر به فارتب بحنان على يديها التي مازالت تمسك به بقوة وقال لها

\_\_ قلت لكي لا تخافي اطمئني فليس هناك داعي لهذا الخوف أن تلك الأمور البشعة صارت من الماضي ولن تعود بأذن الله انتظريني هنا سأعود سريعاً

وانتشل جسده بسرعة من على السرير ولبس أزدانه على عجل وأخرج سلاحه من تحت وسادته الذي أعتاد على النوم وهو تحت رأسه وهرع إلى الخارج مسرعاً إلى مكان الحرس وعند وصوله يرى ذاك المنظر الدامي الذي كان قد نسيه لبعض سنوات والحارس أحمد ما يزال يضغط بكل قوة وبكلتا يديه لإيقاف النزيف المستمر من كتف مصطفى وهمام يقف أمام فياض والحزن يتجلى على وجهه بسبب ما حصل لمصطفى والأخرين الذي لا يعلم من منهم أسير ومن منهم قتيل وقال وهو ينظر إلى فياض بحزن والدمع يترقق في عينيه

\_\_ لقد تعرضوا إلى كمين البعض قُتل والبعض اُسر أما فكتور قاموا بقتل كل رجاله واسروه مع رجالنا المتبقين ومصطفى تركوه ينفذ بجلده بعد أن اصابوه لكي يقوم بتوصيل رسالتهم إليك .... ومد إليه بدمية أطفال محشوه صغيرة الحجم تلتصق عليها قُصاصه ورقية كُتب عليها كلمات بلون الدم

فأنتشل فياض الدمية من يده بغضب وقرأ الكلمات على عجل .....،
(إذا كنت تريد أن يعيش فكتور ورجالك تعال إلي وحدك)

انتفخت عروق جبهت فياض فور قرأته لهذا الكلمات التهديدية والمستفزة واشتعلت نيران الغضب في كل دماء جسده وقام برمي تلك الدمية بكل قوته أرضًا وظل يهرسها تحت قدمه بكل جنون ودون شعور وكأنه فقد صوابه حتى هدأت أعصابه وبعد ذلك توقف وأخذ نفس عميق وازفره من صدره بهدوء حتى عاد لهدوئه والحارس همام يقف أمامه مندهش من الحال الذي وصل إليه زعيمه وبعد لحظات يلتفت فياض إلى همام وقال له والنار تشتعل في عينيه

\_\_ أذهب بسرعة وأحضر سيارتي وأحمد يأخذ مصطفى إلى منزل طبيب العشيرة سأرتدي ملابسي واعود إليك أستعد سوف تأتي معي

فأطرق همام رأسه وانطلق هو وأحمد لتنفيذ الأمر ، وبعد اختفائهما عن الأنظار هما والجريح مصطفى ، عدل فياض من ملابسه ومسح حبات العرق المتفصد على جبينه التي استثارت أثناء ثورة غضبه التي مر بها قبل لحظات ودخل إلى زمرد التي مازالت متسمره في مكانها من شدة الخوف والقلق وهي لا تعلم ما يحدث في الخارج وفور دخوله للغرفة انتفضت من مكانها راكضه ورمت نفسها في أحضانه وحضنته بكل قوة وكأنه جندي حرب عاد إليها بعد أعوام من الغياب وهي تقول بفرح

\_\_ الحمدالله

فأبتسم ابتسامة مزيفة وهو يحاول أن يخفي الحمم البركانية التي تغلي في صدره وقال لها وهو يمسح على شعرها بلطف

\_\_ لقد قلت لكي ليس هنالك داعي للخوف... وأردف قائلاً لصقل كذبته أنه فكتور لقد وصل هو ورجاله إلى بيت الضيافة ويثير بعض الجلبة كما هي عادته عندما يشرب ويريد مني أن أقابله الآن

فرفعت رأسها لنظر إلى وجهه وقد بدا على عينيها تصديق كذبته وقالت

\_\_ وهل ستذهب إليه الآن أرجوك لا تذهب أبقى بجانبي

فرد عليها وهو يمسح بإبهامه دمعه هاربه كانت تقف على خدها المتورد وقال

\_\_ نعم يجب علي الذهاب تعلمين ليس باليد حيله أنه فكتور لا أحد يستطيع إيقافه عند حده سواي ..
وأردف قائلاً وقد ارتسمت ابتسامة حنونه على شفتيه
\_\_تستطيعين النوم في غرفة ليال حتى أعود

فابتسمت له وأخذت كفه الذي كان ما يزال يلامس خدها بحب وطبعت قبلة حانيه على باطن كفه وقالت بتفهم واقتناع

\_\_ مثلما تشاء أنت أدرى ولا تقلق فلم أعد خائفة سوف أنتظرك هنا حتى تعود
عندها ازاغ فياض بعينه بطريقة توحي بأنه لم يصدق شجاعتها ورحيل خوفيها بهذه السرعة وقال لها بطريقة مداعبة

\_\_ حسناً يا لبوتي الشجاعة احضري لي شيء مناسب لأرتديه.... ونغزها في خصرها بطريقة مداعبه.... وأردف قائلاً هيا بسرعة أيتها الطفلة الباكيه

فابتسمت بحياء وخجل منه وانطلقت بغنج إلى دولاب الملابس وأخرجت له طقم أسود أنيق وعادت به إليه وقالت
\_\_ هل هذا مناسب
فرد عليها بصوت حنون ونظره محبه
\_\_نعم ناسب
فاقتربت منه بخجل من نظرته هذه التي تعلم ماذا تعني لها وماذا تعني له وقامت بخلع ملابس نومه من على جسده والبسته الطقم الأنيق ليصبح مستعد للخروج وبعدها ودعته بعشرات من الأدعية القرآنية وعندما صار أمام باب الغرفة وعلى وشك الخروج نظر إليها بنظره غريبة تحمل معاني مشتتة لم تستطع فهم أسبابها وشدها إليه وأمسك رأسها بين كفيه بود وحب وطبع قبله طويلة دافئة في مفرق عينيها وقال لها بصوت غريب مثل نظرته

\_\_ أعتقد بأني سوف أنام هناك فلا ترهقي نفسك في انتظاري ونامي وإذا استيقظت ليال في الصباح وطرقت عليك الباب لكي أذهب معها للإشراف ولتحضير لحفل زفاف جسار قولي لها بأني نائم ومتعب قليلاً وبأني سوف ألحق بها عندما استيقظ

فأومئت زمرد برأسها بالموافقة دون النطق بكلمه وقلبها مازال ينبض بقوة من طريقته الرومنسية الذي أنهار عليها بها فجأة وكأنهما ما يزالان شابين في أول أيام زواجهما والدلال والحب هو كل شيء في حياتهما ، وبعدها سار بخطوات واثقة كما هي عادته حتى صار أمام باب القصر ليجد همام قد جهز السيارة وأصبحت أمام بوابة القصر وهو يقف بجوارها بكامل الاستعداد وينتظر أمر الانطلاق إلى المجهول المنتظر ، فانحنى فياض بجسده والتقط تلك الدمية المقطوعة الرأس وفتح الباب المؤدي إلى المقعد الأمامي المجاور للسائق ونظر إلى همام وقد عادت إلى تفاصيل وجهه ملاح الجدية والغضب وقال

\_\_ هيا بنا.....، وانطلاقا مسرعين إلى ذاك الخصم المختل عقلياً ونفسياً والذي ينتظر قدومهما بفارغ الصبر........

السطر الأخير Where stories live. Discover now