16

25 3 3
                                    

"محاكمة ُ عيُّون"

لم يكن قد انتهى يومها من الصراخ والصدمات فيها بعد ، حتى خرجت من مكتب والدها وهي متعبة ، تذكرت مادار بينهم من أحاديث..
- أليسار ، ماذا فعلت بالمال الذي طلبته ..؟
- لا شيء يا أبي ، فقط احتجته سأرده لك في أقرب وقت
- إنّني أسألك ولا أطالبُك به ، سأعيد سؤالي مجدداً مالذي فعلت به ؟
خطت ابتسامةٌ صغيرةٌ حاولت أليسار ألا تظهرها وهي تردد في ذاتها
لم تتغير يا أبي تتحدث بنفس الطريقة مذ كنت طفلة مثل آلة عملٍ بلا عواطف ، بلا أيةِ مشاعر  ..
- لقد أقرضتها لصديقة ..
- اممم
وضع يده على لحيته المهذبة في شيءٍ من التفكير ..
- اسمعي يا أليسار .. جميلٌ أن تساعدي الناس ولكن لا تجعليهم يستغلوك تذكري جملتي تلك ..
- لا تقلق يا أبي ..
- جيد فلتنصرفي الآن فسيأتي بعد قليل أشخاصٌ هامين سأجتمع معهم ..
ثم أردف وهو يودع ابنته
- وأيضاً لا تنتظراني على العشاء ليلاً ..
أومأت برأسها واستدارت وقبل أن تهم للرحيل ، أوقفها وياليتهُ لم يفعل!
- أليسار ، قبل أن تذهبي ، هناك طبيبٌ جرّاح يكبرك ببضع سنوات سأعرفك عليه قريباً
- كيف ..؟
- يود التقدم لك ، أنا أعرف والده وهو مدير أعمالٍ مشهور
اخترق قلبها ذاك الخبر المريع..
- ولكن ..
وقفت تلك ال " ولكن " لتخترق الجو وتعكره كما كان ينتفض قلبها بهلع ..
كانت تود أن تقول " ولكن ماذا عن قُصي ؟.."
ولكنها ابتلعت جملتها لتدخل لجوفها مثل جمرةٍ مشتعلة وألسنةُ اللهب تحرقها بلا توقف ..
حاولت السيطرة على نفسها ومشاعرها..
هزت رأسها مسايرةً وخرجت من مكتبه ليست على مايرام..
ليست بحيوية دخولها إليه ، يا ليتها لم تأت ياليتها لم تفعل ..
كان بإمكانها الاعتراض أو الدفاع عن جنديها العزيز ..ولكنها لم تفعل شيئاً لم تقل شيئاً ، رغم تصاعد الدخان الأسود والحريق الذي يأكلها بشراهة
كانت الإجابةُ سهلةٌ ولا تحتاج لأي تعقيد ..
لقد ربيت على قبول كل شيء ، مهما كان شكل الحياة التي ينسجاها أبواها لم تعترض على ذرة في اي قرار يتخذاه في خصوصها ، لقد أجادت وببراعة التحكم في مشاعرها ولجام قلبها ، لذلك بدت باردةً ولا يفهمها أحد سواه هو .. فهل يفهمُ بأنها الآن محتجزةٌ في قلعةٍ مظلمةٍ تنتظر الفارس المضيء ليضرب بسيفه قلبها وينيره؟ ماذا سوف تفعل ياقُصي ..؟

بعد أن إطمأن على حال صديقه الصغير ، جلس أمام الماكينات التي اشتراها بعرق جبينه وهو يتذكر كل انشٍ وضعه على الآلات التي يحتاجها والمعدات التي يتوق لها لكي يحقق حلمه ومستقبله ..
كان كل شيءٍ جديد ويلمع وبداخل كيسه البلاستيكي لم يستخدم بعد..
أتى ذلك الرجل المنتظر فداعاه لاحتساء القهوة والتحدث عن الأعمال المستقبلية..
- قال السيد  جمال حطاب أنّهُ سيزودكَ بكل شيء لا تقلق وسيجلبُ كل العمال الذين تحتاجهم ورشةُ الخياطة الخاصة بك وسيكون له نسبةٌ لا تقل عن ثلاثين بالمئة
أوما قُصي برأسه مصافحاً وهو لم ينس ، لم ينس جرح والده يوماً ولكن ماذا عليه أن يفعل وهو يتيمُ من أبيه وعلى وشك أن يكون من أمه ..
أنهى مقابلته وعاد لها ، إلى فراشها الدافيء ، كانت كما هي تستريح من الدنيا بقيلولتها ، كم كان يودُ لو أنها تستيقظ وتحتضنه بذراعيها وتخفف عنه وطأة الحياة القاسية والوحدة الأليمة ..
خاطبها وكأنها في وعيها ..
- أمي ، قريباً سيصير ابنك رجل أعمال محترم ، وسيتزوج فتاة أحلامه ، أمي أرجوك أن تستيقظي قبل أن تفوتِ فرصة رؤية شعاع النور في عيني ولدك مجدداً
انحنى وقبّل رأسها بحنان ثمّ عاد لصديقه الذي يقاتل وحدتهُ على فراشه ، لقد سئم مقابلة أسرة المشافي وسئم من هاته الحياة كُلُّ مايريد هو أن يسير كل شيءٍ بهدوء وكما يوده قلبه المتعب..

أنتَ الغَريب!Where stories live. Discover now