-1- ثلاثون قراطاً من الحب

198 23 110
                                    

رفعت ذراعها في الهواء لتضع حجر الزمرد الضئيل خلال خيوط أشعة الشمس التي تسللت من بين ستاريّ النافذة.

بنقاء لا يشابهه آخر إلتمع لونه الأخضر ضد ذاك الأبيض الباهر الصباحي وإنكسر ضد جدارن الغرفة القديمة لتتراقص الظلال كما تتحرك الأمواج فوق سطح مائي ساكن يداعبه النسيم.

"ثلاثون قيراطاً."
نبست تلك المتمددة فوق سريرها الضيّق بعيون شاردة، ضوء الزمرد إنعكس ضد حدقيتها الخضراوين الداكنتين فأنارهما حين ابتسمت بأسى وأضافت بهمس:
"هذه نقود كثيرة تتركها لي يا أبي، نقود لا أستطيع إنفاقها."
داعبت الحجر بين أناملها المزرقة بفعل البرد ثم قبضت عليه لتضغطه بقوة.

ساعة الحائط أعلى رأسها استمرت بالنقر لتكسر الهدوء السقيم مشيرة إلى أن الوقت قد حان للنهوض والتحرك لكنس كل تلك الثلوج التي تجمعت أمام الباب على مدار الليالي الماضية قبل أن تهطل أي أمطار مفاجئة وتحوّل الكتل القطنية لجليد حجري.

نفثت أنفاسها المتجمدة ريثما راحت أصابعها تحاول إعادة حجر الزمرد لمحجره المعدني حول عنقها ثم نهضت بكسل حاولت دفعه ببعض تمارين القرفصاء السريعة.
"هذا ما يحدث عندما تقومين بتأجيل دفع فواتير الكهرباء والماء آيرا هارت، فالتحتملي العواقب."
حدثت نفسها دون أن توقف تمارينها الإجبارية فإن لم تتحرك ستتجمد حتى الموت قريباً.

خلعت ملابس النوم وارتدت ملابساً من الصوف أعلاها أخرى مقاومة للماء قبل أن تتحرك خلال ممرات المنزل الخشبي القديم كالبطريق مصدرة بخطواتها الثقيلة صوت صرير انتهى ما أن وصلت الطابق الأرضي.

ارتدت حذائها المطاطي الأصفر وفتحت الباب لتعصف رياح الأعالي في وجهها فتتسبب بطاير خصلات شعرها الأسود الطويل.

رعشة شديدة تمكنت منها لكنها لم توقفها عن ركل طريقها بين الثلوج نحو المخزن التابع للمنزل. أمسكت بالباب الحديدي وحاولت رفعه بكل عزمها لكنه ارتفع فقط بضعة إنشات كافية لتزحف أسفله كالطفل الصغير.

ضوء الصباح أنار بعض العتمة في الداخل.
"هذا المكان يحتاج لترتيب قريباً."
علقت على مرأى أدوات المشغل مبعثرة في كل مكان مع علب الطلاء الجافة، مازال كل شيء على حاله، تماماً كما تركه والدها منذ شهور.

ربتت بكفوفها على السيارة العائلية الصغيرة البيضاء وغمغمت بأسف:
"سأحضر بعض الوقود لإدارتكِ وتدفئتكِ قريباً لذا لا تتعطلي واصبري يا فتاة."

دارت آيرا حول السيارة لتذهب صوب أدوات كسح الثلوج اليدوية، مجرفة عريضة ومقشة خشنة.
تناولت ما تحتاجه وعادت صوب باب المنزل الرئيسي لتبدأ بتنظيف الثلوج والدرجات القديمة التي اهترأت أسرع مما توقعت.

والدها كان يعتني بالهيكل القديم على مدار اليوم وأمها بما في داخل المنزل من إلكترونيات وأدوات راحة لم تشعر بوجودها سوى عندما رحلا عنها مؤخراً.

زّمـرّدWhere stories live. Discover now